Arabpsynet |
Rencontres /
حوارات Interviews
/ |
شبكة العلوم النفسية العربية |
|
||
لقــاء مــع البروفسـور قتيبــة
الجلبــي أستاذ في كلية
الطب في جامعة ديسال/ بنسلفانيا مقابلة العدد - الثقافة النفسية المتخصصة العدد 48 – المجلد 12
– تشرين الأول/أكتوبر 2001 |
||
مدخل : جرى هذا اللقاء على هامش المؤتمر التاسع لاتحاد
الأطباء النفسيين العرب. الذي كان مناسبة لتبادل المعلومات وللتعارف الشخصي. حيث
نشرت المجلة ولسنوات عديدة متابعات لجهود وبحوث البروفسور جلبي دون معرفة شخصية بينه
وبين أي من أعضاء أسرة تحريرها. فكانت مودة وتقديرا" لهذه الجهود. حتى جاءت
هذه الفرصة التي أراد رئيس التحرير توظيفها لتعريف قراء الثقافة النفسية
المتخصصة بعلم من أعلام الطب النفسي العرب وبأحد الأدمغة العربية المهاجرة
والفاعلة في ميدان الاختصاص. ويجدر التذكير أن قراء المجلة تعرفوا على أعمال
البروفسور جلبي للمرة الأولى عبر بحثه المنشور في المجلة العربية للطب النفسي
(نشرت المجلة خلاصته) والمتعلق بضرورة تعديل مبادئ العلاج النفسي ومنطلقاته كي
يتلاءم مع البيئة الثقافية العربية. فهو على عمله في البيئتين العربية
والأميركية لاحظ خطورة إهمال العوامل الثقافية في حقل العلاج النفسي. والآن من
هو البروفسور جلبي؟. السيرة
العلمية للبروفسور جلبي من
الصعوبة. بمكان اختصار نشاطات ومساهمات هذا الطيب العربي المميز. لذلك نكتفي
بتقديم هذه البطاقة التعريفية المختصرة عنه: قتيبة الجلبي بكالوريوس
الطب من الكلية الطبية في جامعة بغداد العام 1970. درس
اختصاص الطب النفسي في كنساس وتوليد بنيو أورليانز. البورد
الأميركي في الطب النفسي. البورد
الأميركي العالي في الطب النفسي للأطفال والطب الشرعي أستاذ
مساعد للطب النفسي في جامعة لويزيانا في نيو أورليانز عام 1978. أستاذ
في جامعة الكويت 1982. رئيس
قسم الطب النفسي في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض (1983-1997) له 34
بحثا" علميا" منشورة في مجلات عربية وعالمية. شارك
في عشرات المؤتمرات التخصصية العربية والعالمية. نال
لقب "زميل متميز" من الجمعية الأميركية للطب النفسي عام 1990. له
عشرة مؤلفات منشورة بالعربية والإنجليزية. أستاذ
في كلية الطب في جامعة ديسال/ بنسلفانيا وممارس عيادي حاليا". الثقافة
النفسية: نقرأ للبروفسور الجلبى في المجلات
الأجنبية أكثر من المجلات العربية. فهل
تحولت الغربة إلى اغتراب لديه؟. البروفسور الجلبى: عند نهاية تخصصي
في أميركا العام 1981 قررت العودة إلى بلدي العراق. إلا أن بداية الحرب العراقية
الإيرانية ورغبتي في متابعة دراستي جعلتني أختار العمل في دولة قريبة لأكون في
بيئتي وقريبا" من أهلي وبلدي. فاخترت السعودية. ثم انتقلت لعام دراستي واحد
إلى الكويت وعدت للسعودية وبقيت
هنالك 15 عاما" رئيسا" لقسم الطب النفسي في مستشفى الملك فيصل
التخصصي. ثم عدت إلى الولايات المتحدة. وهكذا فان غربتي لم تعن يوما "
اغترابي. إذ أجد متعة في المشاركة بالنشاطات الاختصاصية العربية وكذلك بالكتابة
بالعربية وتعلمون أن آخر كتبي صدر عن اتحاد الأطباء النفسيين العرب بعنوان:
"الصحة النفسية للمرأة العربية". بمشاركة مع الزميلة السعودية منى
الصواف... الثقافة
النفسية: ماذا عن الفروق عبر الحضارية التي تشيرون
إليها في العديد من بحوثكم؟. البروفسور الجلبي: لدى عودتي من
الولايات المتحدة إلى السعودية (والمجتمع العربي عامة) وجدت أن قسما"
كبيرا" من الطب النفسي المدرس في الجامعات الغربية غير قابل للتطبيق في
مجتمعنا العربي. فهذا الاختصاص يشمل إلى جانب الطب جوانب أخرى هي سبب محبتي
للاختصاص وتعلقي به. لذلك فهو يتخطى المهنة بالنسبة لي. فمع نجاحي فيه كمهنة
والحمد لله فإني أجد فيه كفاية من نوع آخر. إذ أنه يضم جوانب تاريخية ودينية
وفلسفية واجتماعية بحيث تستحيل ممارسته بدون استيعاب هذه الجوانب. فلو حاولت
تطيق الطب النفسي من جانبه الطبي البحت (بمعزل عن بقية الجوانب) فانك ستفشل
وستجد أن هذه الممارسة مستحيلة. الثقافة
النفسية: هل لكم أن تلخصوا لنا تجربتكم في
الممارسة ضمن الأجواء العربية؟. البروفسور الجلبي: إن الطب النفسي هو
حصيلة مزيج متكامل من البيولوجيا والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والدين. وهو
يفقد فعاليته وعلميته بإهمال أحد هذه العناصر. وأعطيك مثالا" الطب النفسي
الشرعي. حيث وجدت عبر مراجعة متأنية أن المتوافر بالعربية في هذا المجال هو مجرد
ترجمات لمبادئ الطب النفسي الشرعي الغربية. وهذا يعني عدم صلاحيته للاستعمال في
مجتمعاتنا لوجود العنصر الشرعي الديني وحضوره القوي في حياتنا. لذلك رأيت وجوب
إعادة نظر جذرية هذا الفرع. ولعل القارئ يجد المثال العملي على هذه النواحي
الشرعية في كتاب المرأة العربية. حيث للشرع الإسلامي دوره المقرر في العلاقة
الزوجية سواء لناحية تنظمها أو لناحية التدخل في حالات الخلاف. وبالمناسبة فإني
أفضل مصطلح القضائي أو العدلي على مصطلح الشرعي فذلك أدعى للتمييز. الثقافة النفسية: نكاد نستنتج أن الفوارق غير البيولوجية تجعل الطب
النفسي الغربي مختلفا" تمام الاختلاف عن الطب النفسي العربي؟. البروفسور الجلبى: لنتفق أولا"
على الأسس البيولوجية للاختصاص. وهى عالمية وغير خاضعة للفروق الحضارية. وبذلك
فهي تشكل الأرضية المشتركة ونقطة ارتكاز أساسية لتبقى بقية العوامل قابلة
للتعديل والتطويع. وهذا ما ندعو إليه. الثقافة النفسية: حتى الناحية البيولوجية تبقى موضع نقاش. إذ تشير
بحوث الهندسة الوراثية إلى ميل أعراق معينة للإصابة باضطرابات سيكاترية بعينها.
كما تشير هذه البحوث إلى تفاوت الاستجابة للعلاج الدوائي بتفاوت التركيبة
الجينية. عداك عن اختلاف الإمكانيات سواء لجهة توافر الأجهزة أو الأدوية أو
غيرها من أدوات الطب النفسي البيولوجي. البروفسور الجلبى: في الواقع إن وجود
هذه الاختلافات لا يصل إلى تمايز يبلغ حد الخصوصية على الصعيد البيولوجي.
فالأساس البيولوجي يبقى هو هو لدى جميع المرضى بغض النظر عن ثقافتهم. وهذا ما
تؤكده تجربتنا في المجتمع الأميركي متعدد الثقافات والأعراق. لكن التمايز يأتي
من صعد أخرى كمثل أدبيات مقاربة المريض والتعامل معه ومع أهله. كما على صعيد
منطلقات العلاج النفسي بعمومها. الثقافة
النفسية: لكننا قرأنا للبروفسور الجلبي عدة بحوث
حول البيولوجيا والأعراق؟. البروفسور الجلبي: نعم إنها ثلاثة
بحوث أجريتها في السعودية وتطرقت فيها إلى الجانب البيولوجي- العرقي. وهذا حقل دراسة
يجب ألا نفوته لأن له قيمة نظرية كبيرة في رأينا. وان كانت قيمته على صعيد
الممارسة محدودة كما أشرنا. الثقافة النفسية: لكننا نرى ظهور بحوث وكتب تعلق أهمية فائقة على هذا
الموضوع. كمثل الكتاب الذي ظهر أوائل التسعينيات بعنوان " ليس في
جيناتنا" ليتبين بعدها أنه في جيناتنا. وكذلك الكتاب الذي ظهر قبل عامين في
أميركا والذي يصر على تدني القدرات الذكائية لدى السود مقارنة مع البيض. وهذه
مجرد أمثلة على إساءات توظيف الطب البيولوجي استنادا" إلى فروقات بيولوجية
يؤكدها هؤلاء الباحثون. البروفسور الجلبى: تؤكد بحوث الأعراق
التي تسجل تفوق أحدها على الآخر على كونها قد تخطت العامل الاجتماعي. وأنا أشك
بهذا التخطي. فصحيح أن المجتمع الأميركي تعددي. لكنها تعددية من نوع السلطة (أي
أن مكوناتها تبقى قابلة للعزل) وليس من نوع الحساء أو الشوربة التي تصهر
مكوناتها. ومن هنا فإني أشك بنتائج هذه البحوث. الثقافة النفسية: نعود إلى المجتمع العربي لنجد أنه لا يفيد إفادة
كاملة من الطب النفسي. وخصوصا" من بعض تطبيقاته العملية في مجالات مثل
السياسي والعسكري والدعائي وغيرها. بحسب خبرتكم ما هو السبيل لتحقيق توظيف أفضل
للاختصاص في بلادنا؟. البروفسور الجلبي: في رأي الشخصي أن
الموضوع موضوع حرية فكر أكثر منه موضوع حرية اختصاص. فلو سألتني عن رأى في أسباب
تخلف العالمين العربي والإسلامي لقلت لك إنها مسألة حرية فكرية لا يتحقق الإبداع
بدونها. فمهما أجرينا دراسات لتحفيز الإبداع فإنها لا تجدي أمام غياب حرية التفكير.
وهي حرية تنطوي على حرية الخطأ والتصويب. فعندما تكون فكرتي خاطئة فان
أحدا" لن يلتفت إلي والى فكرتي. وعندها سأدرك أنها بحاجة للتصحيح والتقويم
وبعدها قد يبدأ الإبداع. فها هي اليابان التي لا تملك ثروات نفطية أو طبيعية
تتوصلي إلى الإبداع والى أقصى درجات المنافسة. لأنها تعتمد على العنصر البشري
وتفتح أمامه حرية التفكير والإبداع. وهنا لي رأي في موضوع الحفاظ على عاداتنا
العربية. هذا الحفاظ هو نوع من الجمود. فالعادات شيء والشرائع شيء آخر. فالأولى
تحتاج دائما" للتطوير ولمن يطورها. لقد كان الغزو أحد عاداتنا وكذلك زواج
الأقارب فهل نحافظ عليها؟. علينا أن ندرك أن العادات يمكنها أن تكون حميدة
فنحافظ عليها وسيئة فنطورها ونتخلص من سوئها. فحتى القيم تقسم إلى ثابتة ومتحولة
والأخيرة واجبة التطوير. الثقافة النفسية: ماذا عن ورقتكم في مؤتمر اتحاد الأطباء النفسيين
العرب بتونس. الذي نلتقي على هامشه؟. البروفسور جلبي: تحدثت عن الأهلية
العقلية في إطار الطب النفسي العدلي (الشرعي) انطلاقا" من قناعتي بضرورة
إرساء فرع عربي لهذا الاختصاص. فناقشت موضوع الأهلية في جانب الزواج والطلاق والخلع وإلغاء عقد الزواج وطلاق
السكران والغضبان وحضانة الأطفال. ولقد جهدت في ورقتي للجمع بين معطيات الشريعة
ومعطيات الطب الشرعي الغربي. وهذا الجمع إن هو إلا مقدمة لطرح النقاش الأوسع حول
الموضوع. وهذا ما اتفق عليه الزملاء من حضور أبرزها المؤتمر حيث الدعوة قامت
لإنشاء لجنة الطب النفسي الشرعي في الاتحاد. الثقافة النفسية: نعود إلى الوجه الحضاري للاختصاص لننهي مقابلتنا
بالسؤال عن عولمة الطب النفسي. بمعنى أمركته عن طريق الدليل الأميركي للأمراض
العقلية. وهو ما قال عنه البروفسور الفرنسي بورجوا: إن هذا الدليل هو بمنزلة
حصان طروادة الذي يتسلل عبره الفكر من مختلف الأميركي إلى عقول الأطباء النفسيين
في العالم. ولو أخذنا نسبة مستخدمي هذا الدليل من بين أطباء العالم وقول بورجوا
لهذا التعليق في العام 1984 لوجدنا أن المسألة تستأهل الطرح. البروفسور الجلبي: كل حضارة من
حضارات العالم حاولت تصدير مفاهيمها بشيء الطرق. والولايات المتحدة تختلف في
أسلوب هذا التصدير من حيث نبذها لمبدأ الاستعمار. فهي لم تستغل قوتها لإنشاء
المستعمرات. حتى كان زمن القوة الأميركي زمن استقلال الشعوب والدول. دون أن يعني
ذلك تخلى أميركا عن محاولة تصدير نموذجها أو نمطها الحياتي على الأصح. وهنا لابد
من التفريق بين موقف المواطن الأميركي والموقف الرسمي. فالمواطن الأميركي ينظر
إلى العالم نظرة ليبرالية حقيقية ويعارض العديد من سياسات حكومته. لكن الحكومة
الفيدرالية تتجاوز هذه الآراء أحيانا" بحجة حماية المصالح الأميركية. أما بالنسبة للدليل فهو يعكس فعلا" الفكر الأميركي ويساعد على تسلله
إلى عقول الأطباء. لكن هذا الانتشار يحصل نتيجة لفعالية هذا الدليل وتوافره على
أقراص حاسوبية وتأمينه للغة مخاطبة اختصاصية عالمية عداك عن استناده إلى
التطورات الطبية الأميركية. ويتدعم كل ذلك بالمرونة الفائقة التي يتصف بها هذا الدليل بحيث تظهر مراجعاته
المتكررة الرغبة في التحسين وقبول النقد وتصحيح الأخطاء والتطوير. ومهما يكن فان
النتاج الحضاري سرعان ما تتحول ملكيته إلى الإنسانية جمعاء ولا يبقى ملكا"
حصريا" لجماعة ما أو لأمة. |
||
Arabpsynet |
Rencontres /
حوارات Interviews
/ |
شبكة العلوم النفسية العربية |
Copyright ©2003 WebPsySoft
ArabCompany, Arabpsynet. (All Rights Reserved) |