Arabpsynet

 وجهات نظـر /   Points of View

شبكة العلوم النفسية العربية

 

نحـو هويـة عربيــة للعلــوم النفسيـة

مقالة " الشخصية العربية في عالم متغير "

أ.د. معن عبد الباري قاسم

كلية الطب/ جامعة عدن

  

q       النص الكامل / Full text / Texte  entier 

 

    كعادته المتميزة والمسكونة بالهم العربي في تعزيز مكانة الاختصاص في حقل العلوم النفسية، جاءت مقالة د. محمد احمد النابلسي، الموسومة بـ " الشخصية العربية في عالم متغير " كمحاولة لملامسة معاناة الواقع ( الفرد – جماعة) وإثارة الجدل وخلق أجواء وفرص جديرة بالتواصل بين المشتغلين في العلوم النفسية في عالمنا العربي.

    وقبل أن أدخل في تعقيبي على المقالة، شعرت بأن ما جال في خاطري من تداعي للصورة المرسومة لما جرى في خارطة التاريخ القريب للواقع الثقافي والحضاري على صعيد منطقة الشرق الأوسط من تكامل الأدوار البارزة في تلك المرحلة من أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين على يد رواد النهضة العربية المعاصرة من أبناء الشام ومصر، تأكيد على أن واقع اليوم تواصل للجهود وتوسع في حلقات الزيادة، للرقي بالعلوم ومد آفاقها إلى شتى أصقاع عالمنا العربي على يد أحفاد أولئك الرواد الأوائل أيضا".

   

    وأعود إلى مقالة زميلنا د. نابلسي بعد أن أمعنت فيها تمحيصا" وتدقيقا"، لأتناولها في تعقيبي هذا وبأقل قدر من الإطالة والإنشائية مع وقوفي أمام بعض ما جاء فيها إما لإثارة المزيد من التساؤلات أو لإضافة بعض المقترحات وتأكيد بعض ما تم إيراده.

 

 المحطة الأولى:

    من ذلك التساؤل النقدي الجريء لأنفسنا في مطلع المقالة: " لماذا فشلت دراساتنا حول الشخصية العربية في إثبات فعاليتها ؟ " إلى مختصر الإجابة عليها – حسب رأي كاتب المقالة- " بغياب روح الفريق". فإنني بالإضافة إلى تأكيدي لتلك الإجابة المختصرة إلا أنني أود إضافة بعض الإجابات، التي وان كانت مطولة إلا أنها ربما تسلط الضوء على أسباب ذلك الفشل.

   

    صحيح أن علينا كأفراد من مختلف الاختصاصات، أن ننسق للدخول في مشاريع ذات صبغة قومية أو أممية حتى نعزز روح الفريق الواحد القادر على أداء المهمة، إلا أنني ألفت النظر إلى أهمية أن يكون صاحب الدعوة هو الطرف القادر على إدراك أبعاد تلك الخطوات وجدواها في والواقع وعلى صعيد عملية التنمية، لعلني أشير هنا إلى تحديد دور مؤسسات المجتمع المختلفة ( حكومية وغير حكومية) في تبيني ورعاية تلك المشارع والبرامج المقترحة واعتماد الموازنات الكفيلة بالنهوض بها على الشكل الأمثل ومجاراة لما يجري في العالم المتطور. وفي قراءة سريعة في صفحات تاريخ علم النفس منذ مطلع القرن العشرين نجد أنه وبفضل الاعتراف والدعم من قبل وزارة التعليم الفرنسية للعالم بينيه لتطوير العملية التربوية والارتقاء بالأجيال، تم إنجاز أول مقياس للذكاء. كذلك الحال في الولايات المتحدة، حينما اهتمت وزارة الحربية بمسألة الكفاءة العقلية لجنودها وتكليف علماء النفس بتصميم بطاريات الذكاء "ألفا" ، "بيتا". وحتى آخر حدث في مطلع سبتمبر 98 عندما تحطمت الطائرة السويسرية القادمة من الولايات المتحدة، استدعت الجهات الرسمية فريق نفساني إلى مطار جينيف بغرض تخفيف الصدمة النفسية على عوائل المنتظرين في المطار. من تلك العبر نخلص إلى أنه بفضل تقدير الجهات المسؤولة في المجتمع لأهمية منح الفرصة لاختصاصنا لأداء دوره في المجتمع، الأمر الذي يساعد في تعزيز مكانة هذا الاختصاص وتطويره من جانب، ومن جانب آخر تقديم خدمات جليلة لمساعدة المجتمع بسبب طبيعته الإنسانية المرتبطة مباشرة بالسلوك البشري. في الوطن العربي لا بد من الاعتراف بمحدودية نشاطنا بسبب التهميش والتغيب والقصور الذي يعتري النظرة إلى دور العلوم النفسية ومكانتها في المجتمع، مما يؤدي إلى حصر نشاطها داخل العيادات أو عملية التعليم في المعاهد والكليات وبشكل روتيني لممارسة الاختصاص. كما تفتقر البحوث الميدانية ذات الارتباط الوثيق بتوجهات المجتمع وبمختلف قطاعات التنمية، إلى وجود سياسة استراتيجية منهجية واضحة إزائها. على أن ذلك يدفع إلى طرح مزيد من الأفكار والمقترحات التي من شأنها الإسهام في تعزيز روح التواصل بين زملاء الاختصاص في العلوم النفسية أفراد أو مؤسسات على صعيد الوطن العربي، وفرصة لتشجيع وتعزيز الارتقاء بهذا المجال في مجتمعاتنا وذلك من خلال:

 

1-     تكوين اتحاد عربي للجمعيات النفسية ( يستوعب الأفراد والمنظمات) واعتماد نظام أساسي له.

2-     إصدار مجلة علمية متخصصة ومجلة دورية باسم الاتحاد ( على غرار المجلة العربية للطب النفسي – لسان حال اتحاد أطباء النفس العربي)

3-     إصدار نشرة فصلية تتبع أخبار الجمعيات ونشاطات الاتحاد.

4-     إصدار ميثاق شرف لممارسة المهن النفسية وتوصيفها على صعيد الوطن العربي.

5-     إعداد خطة استراتيجية للعمل المشترك في حقول البحوث والدراسات النفسية الميدانية في الوطن العربي ( يمكن أن تكون البداية من خلال التنسيق بين أقسام علم النفس في الجامعات العربية من خلال مشاريع الرسائل الجامعية على مساق الدكتوراه مثلا"، والانتقال إلى مشاريع أوسع بين الجمعيات النفسية بالتنسيق مع هيئات جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية.

6-     عقد مؤتمرات الاتحاد بصورة دورية كل ثلاث سنوات، وتنظيمه كل مرة في دولة عربية مختلفة.

 

    إننا وفي عيشة القرن الحادي والعشرين ما زلنا نفتقد إلى اتحاد أو تجمع أو إطار فاعل للاختصاصيين النفسيين، وغياب مثل هذا الإطار يعد بحق وصمة ستظل ملتصقة بنا، تعكس بشكل أو بآخر العجز فيما نقوله ونمارسه. وبدون تكاثف الجهود وتجاوز الحسابات الخاصة والضيقة والترفع عن الذاتية ومظاهر الأنانية والعدائية فيما بيننا، فان ما أطلق أو سيطلق من مبادرات لن يتعدى إرهاصات تموت في المهد. إن واقعنا اليوم مليء بالعديد من المظاهر التي تجثم بأنفاسها الثقيلة على أي مشروع أو فكرة تدعو إلى التطوير أو التحذير، ولعل ما قاله أستاذنا د.عبد الرحمن عيسوي في تعقيبه على مقالة د. نابلسي أصدق تعبير عما نعانيه في حياتنا اليومية، حينما قال " إن علم النفس يؤمن بالتآخي بين العلوم وان كان يلقى كثيرا" من التعنت من أرباب الاختصاصات الأخرى، خاصة عندما يشرع في تحقيق شيء من النمو والتوسع في أقسامه العلمية، فانه في الغالب يلقى صدا" ورفضا" من قبل الأقسام الأخرى دون مبرر أو مسوغ معقول، ودون النظر للمصلحة العمومية " بل وأضيف هنا إلى ما قاله أستاذنا إلى أننا أحيانا نلقى الصد والإعاقة للأسف حتى من زملاؤنا في الاختصاص أنفسهم (سامحهم الله).

    وقبل أن أغادر هذه المحطة أود أن أذكر مرة أخرى بأنه بدون دعم وتمويل رسمي من مؤسسات المجتمع المختلفة (حكومية وغير حكومية) وبإدراك استراتيجي لمشروعات التنمية للإنسان العربي في مواجهة التحديات القادمة، فإننا سنظل نعاني من الإحباط والمراوحة والتشظي، وستصبح مشاريعنا وطموحاتنا مجرد أحلام يقظة أشد اغترابا" من بيئتنا المحيطة.

    متجاوزا" هذه المحطة ومؤملا" النفس بالعزم والتحدي ومتخطيا" اليأس، أجد أنه من الضروري. بمكان الإشارة إلى الجهود المخلصة فردية كانت أو لبعض المؤسسات والمراكز، لكسر حاجز الركود ولحاق ركب الحضارة الإنسانية. ولعلني أخص بالذكر هنا جهود مركز الدراسات النفسية – الجسدية في لبنان برئاسة د. محمد احمد النابلسي، لدورهم المتميز وفي فترة قياسية في إنجاز عملية أرشفة، تعتبر بمثابة مشروع لتكوين قاعدة بيانات تمهد السبيل لخلق شبكة معلومات قومية، توفر الفرصة الكبيرة للتواصل بين زملاء الاختصاص في الوطن العربي، من خلال مجموعة الدلائل التي صدرت في العديد من الجوانب، وعلى وجه الخصوص مجلة " الثقافة النفسية ". كما لا تفوتني هنا الإشارة إلى الجهود الفردية والجماعية والمتحددة بالعطاء من خلال إسهامات وإبداعات أساتذتنا الأجلاء في مصر. ولعله من المفيد الإشارة إلى الحضور النشط لرابطة الأخصائيين النفسيين المصرية (رانم) ومجلتها الأكاديمية التي نعتز ونفخر بها قوميا" " دراسات نفسية". على أن الدور القومي الطليعي الذي سيسجل في تاريخ علم النفس في الوطن العربي مع خواتم القرن العشرين، هو ذلك الاعتراف بالأداء الرفيع لأساتذة علم النفس المصريين، للرسالة العلمية والأكاديمية في مختلف الجامعات العربية من الخليج الى المحيط، وفي مشاريع تعريب وتقنين الاختبارات النفسية وغيرها من المواضيع.

 

المحطة الثانية:

    مرة أخرى يجتاز د. نابلسي دوائر المحظورة ويقطع نمطية التفكير في مراجعة مقولة الشرق والغرب وحتمية صراع الحضارات. إن قراءة في سبر أغوار سطوره، تعكس لنا حالة الضيق والدعوة إلى التمرد على رتابة التفكير الروتيني المستسلم لتقبل سلعة المعرفة المعلبة كما جاءت لنا في بلد المنشأ ( الغرب) مع الدعوة إلى إعادة تصنيع المعرفة واستيعابها لخصوصية واقع الإنسان العربي وبيئته. ومع كامل اتفاقي مع ما جاء أعلاه، إلا أنني أود الإشارة إلى أهمية توخي الحذر حفاظا" على مبدأ الأمانة العلمية وموضوعيتها من خلال النأي بالعلوم – وما يخصنا هنا النفسية منها – من الانجرار إلى مصيدة اللعبة السياسية، التي تحاول أن تصبغ كل شيء وفقا" لمصالح ومنافع ضيقة.

 

    كما أود التنويه إلى أن مفهوم الشرق والغرب والاتجاه الداعي إلى تقارب الحضارات وتكاملها، لأننا في قارب واحد، فإما نبحر أو أن نغرق سوية، لأنه للأسف الشديد يحدث أن تشتد لهجة التحامل على كل شيء في الغرب ويجري تصويره على أنه شيطان رجيم، وكذلك الأمر في الغرب من حيث تشويه صورة العرب والإسلام، ويتم الانجرار إلى ذلك على مستويات إعلامية وسياسية ودعائية...الخ سنتجاهلها لسطحية مآربها الآنية، وان كبر واشتد حجم خطرها. ما يعنيني كباحث هنا هو ذلك المستوى الأكاديمي والتعليمي (المناهج) والذي خشي من خطورة مجاراته لتلك المستويات الأخرى في طريقة تعاطيه لمفهوم جغرافية الحضارات والتعامل معها، ففي اعتقادنا أن ذلك سيمثل إجحافا" لحصيلة الخبرة الإنسانية العلمية والعملية لإنسان الغرب في سبيل ازدهار البشرية. صحيح أن هذا لا يعفينا من إدانة الأفعال اللإنسانية أو التوظيف المشين لعصارة العقل العلمي للإنسان هناك، لكنني في المقابل أجدها فرصة للعودة إلى الديار العربية والإنسان العربي من خلال المطالبة بمراجعة نقدية جريئة وموضوعية سواء على الصعد التاريخية القديمة أو المعاصرة وتتبع كل تلك الاختلالات والقصور والعجز في العديد من الجوانب الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الفكرية...الخ، التي كونت إنساننا اليوم ومحيطه، وبالتالي محاولة الخروج من ظاهرة العجز المتعلم والتبرير والإسقاط ...الخ من آليات الدفاع النفسي والانتقال إلى مراحل الاستبصار في التعامل مع متغيرات الحياة.

 

    إن في تحديد التشخيص لمكامن الضعف والخلل وطبيعته في الإنسان العربي وخصوصا" الإسلامي عموما"، ثم السعي بنفس الوتيرة والاجتهاد المبدع في البحث عن المخارج العملية والناجعة لتلك العيوب والمعاناة، ستمثل بحق انتصار" فكريا" وأخلاقيا" رفيعا" لكل من ثابر فردا" أو جماعة في بلد أو أكثر على خارطة الوطن العربي والإسلامي. مما يعني السير قدما" في ركاب حضارة العلوم والتكنولوجيا مع العادة تمثل القيم العربية والإسلامية بروح العصر.

    في خاتمة هذه المحطة لا يسعني إلا أن أعيد التذكير بتلك النقاط التي عرضها د. النابلسي في خاتمة مقالته كمؤشر للإرشاد الجمعي والفردي وان اعتبرها بداية موفقة لوضع النقاط على الحروف في تدشين المرتكزات للتصور المستقبلي لأجيال الاختصاص في التوجه نحو رسم بروفيل الشخصية العربية للقرن الواحد والعشرين.

    مسك الختام جزيل الشكر والتقدير لأستاذنا القدير د. فرج عبد القادر طه على منحنا هذه الفرصة للتعقيب وتبادل الآراء ووجهات النظر، لما من شأنه إعلاء دور ومكانة العلوم النفسية في واقعنا العربي. والى زميلنا د.محمد احمد النابلسي نقول مزيدا" من العطاء المبدع على الصعيد القومي والأممي إن شاء الله. ودعوة نجددها إلى زملاء الاختصاص من المحيط إلى الخليج للتناغم الهرموني فيما بيننا على مدار الفصول.

 

سعيا وراء ترجمة جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية نأمل من الزملاء الناطقين بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى أحد إصدارات الموقــع : الإصــدار الإنجليــزيالإصــدار الفرنســي

 

Document Code VP.0029

KacemTowardArabNationofPsy.Sciences  

ترميز المستند    VP.0029

Copyright ©2003  WebPsySoft Arab Company www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)