Arabpsynet | |||
|
|||
أصــول
علـم النفـس و تطبيقاتــه د.
فاخر عاقل دار العلم للملايين – بيروت 1973 |
|
||
|
|||
q
فهــرس
الموضوعــات /
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
إلى
القارئ الكريم
وجودان للعالم / الإنسان مركز العالم /
وحدة الذات والعالم / وحدة الذات بالمثل الأعلى. §
حاجة
ملحة للمصطلحات العلمية. §
الوراثة
النفسية من داروين إلى كولتون §
الذكاء
بين الوراثة والاكتساب
طبيعة الذكاء / نظرية بياجيه §
العبقري
والموهوب
سيكولوجية العبقري / سيكولوجية الموهـوب. §
الإبداع
وتربيته
شيء من التاريخ / القدرات الإبداعية /
مسائل تتصل بالإبداع / الإبداع والذكاء / التربية للإبداع / رأي وابستر §
الهايبوتلاموس
ووظائفه النفسية.
الثواب والعقاب / القتال والهروب / الاتصال الجنسي
/ الطعام والشراب / النوم واليقظة §
رسالة
إلى ابني §
ملاحظات
اجتماعية ودلالاتها السيكولوجية §
ملامح
خطيرة في شخصية الشباب العربي
الفردية / سوء فهم الحرية / الجوع
الجنسي / حب المظاهر/ الكلام
الضخم الفارغ. §
الإحباط
واستجاباته
الحاجات الإنسانية الأساسية / الظروف
التي تسبب الإحباط / آليات التكيف / التكيف العصابي والذهاني. §
إدمان
المخدرات §
سيكولوجية
اللغة
ما هي الإشارة / اللغة / الكلام / علاقة
اللغة بالفكر §
تعلم
اللغة
الواقع السيكولوجي للتحليل اللغوي / تفسيرات تعلم
اللغات / أصحاب نظرية التعلم / نظريات علم السيكولوجيا اللغوية / العوامل
الوراثية في اكتساب اللغة §
كاشفة
الكذب
الانفعالات الجسدية / كشف الكذب /
إمكانية الاعتماد على كاشفة الكذب / الإفادة من كاشفة الكذب §
الخجل
وعلاجه §
الخوف
طبيعة الخوف / القلق / مخاوف الأطفال /
الهلع / العلاج §
الحب
والجنس
فرويد والجنس / الحب والجنس / تصعيد الجنس §
الجاسوسية
وعلم النفس. §
نحن
والحرب النفسية §
سيكولوجية
الإشاعة.
الإشاعات أثناء الحروب التسوية / الشحذ
/ التمثل §
النوم
سلطان §
تغيرات
النوم وعمقه / سلوك النوم §
بحوث
جديدة عن النوم والأحلام. §
علم
النفس في خدمة التربية. §
المفاهيم
الأساسية في سيكولوجية التعلم مقدمة
/ التشويق والتعلم / النضج والتعلم / الذكاء والتعلم / التعلم والقابليات
العقلية / بعض العمليات العقلية والتعلم §
نظريات
التعلم. الإشراط
/ التعلم بالمحاولة والخطأ / التعلم بالتبصر |
|||
q
ملخصــات /
SUMMARY / RESUMES |
|||
§
الإنسان بين الفلسفة والعلم
والذي حارت
البرية فيه
حيوان مستحدث من جماد هكذا يقول الشاعر
العربي المتفلسف أبو العلاء المعري، وفي هذا القول كثير من الحق وكثير من النقص.
نعم إن الإنسان الذي حارت البرية في فهمه ووصف ما يعتريه من صحة ومرض، شهوة
وعبادة، عاطفة وعقل، فكر وعمل إنما هو حيوان، وهو حيوان مستحدث من جماد (إن صح
أن في الكون جمادا). لكنه حيوان لا كالحيوانات، حيوان من نوع خاص جدا، معقد جدا،
مختلف عن كل ما عداه من الحيوانات، وإن كان يشبهها ويتصل أول أفقهه بآخر أفقها-
على حد تعبير ابن خلدون. وهو بعد هذا كله وبسب هذا كله متصف بالقدرة عل التطلع
إلى المثل الأعلى - ولله المثل الأعلى- والتسامي إلى آفاق تعلو آفاق حيوانيته
كثيرا لتصله بهذا المثل الأعلى وما يتصف به من كمال. وعلى أساس مما
قدمنا نتوقف هنيهة لنتساءل عن صلة الإنسان بهذا العالم الأدنى وما فيه ومن فيه،
وعن صلته بالعالم الأسمى وما يتفرد به من كمال، وعن توفيقه بين هذه الحيوانية
الدنيا وتلك المثالية العليا. ولنبدأ بشيء من وصف وتحديد. §
وجودان العالم لهذا العالم في
رأينا وجودان: وجود مادي وبقطع النظر عن الإنسان: ووجود في ذات الإنسان، كل
إنسان، أي فرد من أفراد الناس. والذي رمينا إليه هو أن عالمنا هذا الذي نعيش فيه
وما في هذا العالم من جماد ونبات وحيوان وإنسان موجود بحد ذاته وبقطع النظر عن
إدراكنا إياه أو عدم إدراكنا إياه. وفي رأينا أن إدراك الناس، كل الناس، في كل
زمان وفي كل مكان لهذا العالم دليل كاف ومقنع على الوجود الذاتي لهذا العالم وإلا
لاستحال على الناس القدر من الاتفاق على المدركات من هذا العالم. وعندنا أن هذا
الوجود الذاتي حقيقة هامة وأساسية في كل محاولة لفهم الإنسان والتعرف على أفعاله
العقلية ونزواته العاطفية وتصرفاته الظاهرة. ولولا ذلك لما كان لوجود الإنسان
نفسه معنى ناهيك أن يكون هذا الوجود ممكنا، ذلك بأن الإنسان، كل إنسان، جزء من
العالم بالنسبة لكل إنسان آخر. لكن هذا الوجود
الذاتي يبقى ناقصا وغير ذي معنى إلا إذا أدركته الموجودات فيه، ولما كان الإنسان
أكثر المخلوقات الموجودة فيه قدرة على إدراكه فإن وجوده (أي وجود العالم) كان
دوما مرتبطا بوجود الإنسان. ومن هنا كان قول بعض الفلاسفة بأن وجود العالم أمر
يبقى افتراضيا إلى أن يدركه الإنسان فيصبح واقعيا ونحن وإن كنا لا نذهب هذا
المذهب فإن من رأينا أن الوجودين متكاملان متداخلان متناسقان، وذلك بالرغم من أن
كل واحد من هذبن الوجودين مازال ناقصا وإن كان مستمر التكامل. وتفسير ذلك أن في
العالم الكثير من النواحي غير الموجودة بالنسبة للإنسان المعاصر لأنه لم يكشفها،
وهي مع ذلك موجودة بدليل أن الإنسان في المستقبل سيكشفها. ثم إن إنسان اليوم
يعرف عن العالم ووجوده أكثر مما كان يعرف سلفه إنسان الأمس، والأمل أن يستمر هذا
التعرف ما دام ثمة إنسان وعالم. وللحق والإخلاص
نقول إننا لا نعلم إذا كان سيأتي اليوم الذي سيتم فيه التعارف بين العالمين
والتواصل التام بين الوجودين كما
لا نعلم ما إذا كان مثل هذا الكمال في التعارف والتواصل سيعني كمال
الوجود أو نهاية، الوجود. §
الإنسان مركز العالم من هذا المنطلق نستطيع إذن القول بأن مركز
العالم بالنسبة لأي إنسان هو ذاته. فالعالم بالنسبة إليك موجود بقدر ما تدركه
وعلى الصورة التي تدركه وفقا لها. وطبيعي أن هذا الإدراك مشروط بشروط مادية
ومعنوية منها مثلا ذاتيتك الجسدية وما تتمتع به من أدوات للحس والحركة والربط
(الإدراك). وهكذا فعالم المرئيات يكون موجودا بالنسبة إليك إذا كنت تستمتع ببصر
سليم، بل إنه موجود بالنسبة إليك وفق قدرتك على رؤية ما فيه وبالشكل الذي تتم
رؤيتك إياه. وفي هذا الصدد أذكر دوما يوم أن ذهبت إلى طبيب العيون أشكو إليه وجع
عيني فسألني عما إذا كنت أرى جيدا والى بعيد؟ فأجبت بنعم، وحينئذ أخذ يجرب بعض
العدسات كي أنظر من خلالها. فاكتشفت لدهشتي أنى أرى عالما آخر: عالما شبيها
بالعالم السابق ولكنه يختلف عنه لا بالوضوح والدقة فحسب بل وبالنسب والألوان ولمعان
هذه الألوان، وحينئذ فهـمت أن إدراكي للعالم بدأ يختلف بسبب من هاتين العدستين
الصغيرتين اللتين انتقاهما لي طبيبي. وما يقال عن البصر يقال عن السمع وغيره من الحواس وكذلك يقال عن القدرة
على الحركة والقيام بالأعمال وتفسير الوقائع وفهم الروابط. ومن هنا كان إدراك
العالم للأمور غير إدراك الجاهل، وكان إدراك الطفل غير إدراك الراشد، وإدراك
الاختصاصي غير إدراك غير الاختصاصي وإدراك المرأة غير إدراك الرجل، بل إن إدراكك
أنت للأمور يختلف باختلاف جوعك أو شبعك، صحتك أو مرضك، شبابك أو شيخوختك، رضاك
أو غضبك الخ.. وإذن فإن العالم
بالنسبة إليك يبتدأ من ذاتك وينتهي فيها، وإدراكك إياه ينبع من ذاتك ويتأثر بها،
وكل محاولة للتفريق بين الموضوعية والشخصية محاولة مستحيلة بمعناها المطلق وإن
كانت مفيدة أحيانا وبمعناها النسبي. §
وحدة الذات والعالم على أن هذه الذات الإنسانية ليست موجودة في
فراغ، ولا تعمل في خواء. الإنسان نتاج تزاوج بين رجل وامرأة، وهو محتاج لكي بنمو
ويبقى إلى عناية الأم والأب، وهو ينشأ في عائلة وقرية (أو عشيرة أو مدينة)، وهو
ينتمي إلى جماعة تعارفت على عقيدة ومبدأ وقانون، فهو بذلك منغمس- قبل أن يولد-
في محيط اجتماعي. وهذا الإنسان يعيش في ظروف طبيعية معينة، تتصف بدرجة معينة من
حرارة (أو برودة) وبنوع محدد من مناخ أو طقس، وفي بيئة طبيعية تتميز بالارتفاع
أو الانخفاض، قريبة من بحر أو نهر أو تعلو رابية أو جبل الخ. وكل هذه عوامل طبيعية تميز المحيط الطبيعي الذي
توجد فيه الذات البشرية. ثم إن هذه المحيطات- اجتماعية وطبيعية-
تأخذ أشكالا اقتصادية وحضارية وثقافية وعقائدية وغير ذلك من الأشكال التي تكون
جميعها أطرا أخرى تحيط بالذات الإنسانية وتتصل بها وتشكلها وتتشكل بها. ولذلك
كان من المستحيل أن نفهم الإنسان أو أن يفهم الإنسان ذاته خارج هذه الأطر
والمحيطات. بيد أن الأمر لا
يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى تأثير متبادل بين الإنسان وهذه البيئات، إنه
يتعامل معها جميعها ويتأثر بها جميعها ويؤثر فيها جميعها، وهو بذلك يتحد بها
جميعها فتصبح جزء منه حيث يصعب التفريق القاطع بن (الأنا) و (اللا أنا) بالمعنى
الدقيق وإن أمكن بالمعنى المجازي لتسهيل الدرس والتحليل. وهكذا إذن نصل
إلى القول بأن (الأنا) تتحد بالعالم، تتحد الأنا، بإمكاناتها الفنية العديدة
القابلة دوما للتقدم والتفتح، بالعالم الغني الثري المتعدد الجوانب الكثير
الأسرار. وإننا لنزعم بأن هذا الاتحاد هو الطريق الوحيد لاستكناه العالم وكشف
أسراره، وهو الوسيلة المثلى لاستكناه الأنا والكشف عن جوهرها. §
وحدة الذات بالمثل الأعلى لكن هذه الوحدة
مع العالم وما فيه ومن فيه، لا تغني الذات البشرية عن التطلع إلى ما وراء هذا
العالم، إلى عالم المثل، إلى عالم الله، إلى عالم الحق المطلق والخير المطلق
والجمال المطلق. ومن هنا- مرة أخرى- كان مد الإنسان بصره إلى ما وراء
الطبيعة، ما وراء المحسوس والملموس، ما وراء الظاهر البسيط. والإنسان إذ يفعل هذا إنما
بفعله بحكم من (أناه) وطبيعتها، وبفرض من ذاته المشدودة إلى مثاليتها، ذلك بأن
المثالية أصيلة في الإنسان أصالة الحيوانية وإن كانت أشق وأعسر. وإذا كان من غير
المهم في مقامنا هذا أن نتساءل مع الفلاسفة عن الأصل والصورة في المادة والمثل،
فإن من الأهمية بمكان عظيم أن قرر أن المادة والمثل الحيوانية والمثالية،
أصيلتان في النفس البشرية ذاتها. ثم إنه من الأهم أن نبرز قدرة النفس البشرية
قدرة رائعة على التوفيق بين ماديتها ومثاليتها، بل إننا نجزم أن في طبيعة
المادية مثالية، وأن أصل المثالية مادي وإلا لما كان الإنسان ما هو الآن. §
ومعنى هذا إن الإنسان محتاج في فهمه للعالم المحيط به لفهم ذاته
من جهة وفهم ما وراء هذا العالم من جهة ثانية، وفهم الصلات بن العوالم الثلاثة:
عالم الطبيعة، وعالم الذات وعالم ما وراء الطبيعة. والأمر نفسه صحيح عن فهم
الإنسان لذاته فهو عاجز عن هذا الفهم إذا لم بفهم عالم الطبيعة وعالم ما وراء
الطبيعة إلى جانب عالمه الذاتي، وبالتالي علاقات هذه العوالم جميعها. وهذا هو السبب في
وجود زمر للعلوم ثلاث: علوم الطبيعة وعلوم الإنسان وعلوم ما وراء الطبيعة (مع
الملاحظة بأن بعض العلماء يرفضون تسمية العلوم الأخيرة ويرون تسميتها بالفلسفة). وهذا هو السبب
أيضا في أن علوم الطبيعة هي أبسط العلوم وأدقها وأن علوم ما وراء الطبيعة هي
أصعب العلوم وأوسعها وأن علوم الإنسان وسط ببن الزمرتين وحلقة الوصل بينهما،
وأنها بالتالي أقل تحديدا من علوم الطبيعة وأقل شمولا من علوم ما وراء الطبيعة. وأخيرا هذا هو السبب
في أن الإنسان حين بدأ بالماضي من الفلسفة فتساءل عن ماهية النفس وصفات الروح
وطبيعة الإله ومعنى الحياة وغير ذلك من أسئلة تقع في زمرة ما وراء الطبيعة- لم
يستطع أن يتقدم كثيرا في فهم العالم الطبيعي وعجز تماما عن فهم ذاته. أما حين عكس
الآية في العصور الحديثة وبدأ من الطبيعة وحادثاتها والجمادات وما يقع عليها من
مؤثرات ثم انتقل إلى النبات والحيوان وارتفع منهما إلى الإنسان فإنه أصبح أقرب
إلى الوصول إلى الحقيقة، وإن كنا نعجز عن التنبؤ عما إذا كان سيستطيع في
المستقبل كشف خفايا النفس والروح وسر الحياة وما إلى ذلك من مواضيع
ميتافيزياقية. وفي كل الأحوال
فإن العلوم- كل العلوم- ما زالت في بواكيرها، لا سيما إذا قسنا عمر العلوم بعمر
الإنسانية ونسبنا العمر الأول إلى
العمر الثاني. والله وحده يعلم الحدود التي ستقف عندها هذه المعارف والعلوم: وإن
كنا نلاحظ بمزيد من الرضى تقدم العلوم- سائر العلوم- المتسارع أبدا. §
أمران
هامان ويبقى بعد هذا كله أن نسجل
أمرين هامين: أولهما: مسافة الخلف بين تقدم علوم الإنسان وتقدم علوم
الطبيعة وما قد يجره تخلف العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية من مخاطر تتهدد
وجود الإنسان على ظهر هذه البسيطة. ذلك بأن الديناميت يمكن أن يستعمله مجنون
لنسف مدينة أو يستعمله |
|||
Document Code PB.0005 |
ترميز المستند PB.0005 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |