Arabpsynet

Livres  / كتــب /  Books

شبكة العلوم النفسية العربية

 

فرويــد و التــراث النفســي اليهــودي

دافيد باكان

ترجمة  طلال عتريسي

المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع

 

q       فهــرس الموضوعــات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

§         الموضوع

§         كلمة المترجم

§         مقدمة المؤلف

§         القسم الأول: خلفية التحليل النفسي

-        الفصل الأول: مشكلة أصول التحليل النفسي

-        الفصل الثاني: فرضيات حول العلاقة بين أصول التحليل النفسي وحياة فرويد الخاصة

-        الفصل الثالث: موقع التحليل النفسي في تاريخ الأفكار

-        الفصل الرابع: العداء للسامية في فيينا

-        الفصل الخامس: حول مشكلة التكتم

-        الفصل السادس: هل تكتم فرويد

-        الفصل السابع: إرادة فرويد في قبول يهوديته

-        الفصل الثامن: علاقات فرويد مع " فليس " وباقي مساعديه اليهود

§         القسم الثاني: الوسط اليهودي الصوفي

-        الفصل التاسع: الكابال في أصوله

-        الفصل العاشر: الكابال الحديثذ

-        الفصل الحادي عشر: الزوهار

-        الفصل الثاني عشر: فترة تشيلينكسي

-        الفصل الثالث عشر: الإستقلال اليهودي

-        الفصل الرابع عشر: الحادث الساباتي

-        الفصل الخامس عشر: الحادث الساباتي      

-        الفصل السادس عشر: الهاسيدية

§         القسم الثالث: موضوع موسى في فكر فرويد

-        الفصل السابع عشر: موسى مايكل- انج

-        الفصل الثامن عشر: بعض معطيات السيرة

-        الفصل التاسع عشر: " موسى " والتوحيد كتاب ذو معنيين

-        الفصل العشرون: موسى.. مصري

-        الفصل الواحد والعشرون: قتل اليهود لموسى

-        الفصل الثاني والعشرون: فرويد، المسيح

§         القسم الرابع: الشيطان: أنا- أعلى " معلق " 

-        الفصل الثالث والعشرون: مقدمة 

-        الفصل الرابع والعشرون: الإنتقال

-        الفصل الخامس والعشرون: حادث التنويم المغناطيسي والكوكاييز

-        الفصل السادس والعشرون: إكتشاف التحويل 

-        الفصل السابع والعشرون: " علم الأحلام " 

-        الفصل الثامن والعشرون: بحث فرويد حول التملك الشيطاني

-        الفصل التاسع والعشرون: تأليف، علم الأحلام

-        الفصل الثلاثون: توسع مفاهيم الصورة الشيطانية

§         القسم الخامس: التحليل النفسي والكابال

-        الفصل الواحد والثلاثون: مشكلة المعرفية

-        الفصل الثاني والثلاثون: تقنيات التفسير

-        الفصل الثالث والثلاثون: جنسية

-        خاتمة: " الغرابة المقلقة "

-        درس فرويد المزدوج

 

q       تقديــم الكتــاب / PREFACE

 

يهدف هذا الكتاب إلى معالجة فرضية تتعلق بالخلفيات الفكرية للتحليل النفسي الفرويدي الذي يطرح في تاريخ الفكر مشكلة خاصة. فالحركات الفكرية ذات الإتساع الواسع كالتحليل النفسي لها عادة سوابق هامة في تاريخ الفكر الإنساني. ومع أن لكل حركة فكرية واسعة عمالقتها، فإنه من النادر، كما هي حال التحليل النفسي، أن تنتشر نظرية وتزدهر، باعتبارها نتاجا شخصيا لفرد واحد.

يعتبر فرويد في بعض الأحيان عبقريا لا يمكن فهمه، اقتحم العالم. ترك فيه رسالته العميقة والمعقدة، ثم اختفى. حين نبحث عن التاريخ الفكري للتحليل النفسي نجد العديد من أفكار فرويد المميزة في التيارات الكبرى للفكر الغربي. إلا أن التنظيم الفكري، الذي يعتبر قاعدة التحليل النفسي، يختلف اختلافا بينا عن أنماط التفكير الأخرى.

فرضية هذا الكتاب هي: أن محاكمة التحليل النفسي بشكل سليم يجب أن تتم ضمن إطار تاريخ اليهودية وخصوصا تاريخ الفكر الصوفي اليهودي. هذا لا يعني أننا منجد الأفكار التحليلية كما هي في التعبيرات الصوفية اليهودية. إن بحثنا يهدف إلى البرهان أن تأكيد فرويد المتكرر لانتمائه للعرق اليهودي له دلالة كبيرة في تاريخ التحليل النفسي أكثر مما يظن الآن. لقد شارك فرويد في الصراعات وفي نشر الصوفية اليهودية وعندما وجد الفرصة سانحة استخدم من جعبة هذه الصوفية أسلحة للصراع.

وكما نأمل تبيانه خلال هدا الكتاب، لعب التصوف اليهودي دورا خاصا في الصلات بين اليهودية وبين العالم الغربي. فشكل داخل اليهودية، خصوصا بعد القرن السابع عشر، حركة ثورية ضد نمط الحياة اليهودية التقليدية. فتزعزعت قواعد اليهودية الكلاسيكية، وبات دخول اليهود في التيارات الواسعة للعالم الغربي أكثر يسرا. وهكذا، إن تقديم فرويد على أنه مشارك في التراث الصوفي اليهودي، لا يعني نفيا لمفهومنا الأساسي عنه كعالم وباحث غربي.

هناك صورة أساسية لتحليلنا هي صورة ساباتي زيفي، المسيح الكاذب، ليهود القرن السابع عشر الذي نعتقد بأن الظروف الاجتماعية التي أحاطت بصورته لها أهمية قصوى في التطور اللاحق لليهود، وذلك رغم إنكاره تماما في التاريخ اليهودي، وكان ساباتي زيفي والحركة الساباتية جذورا لبعض النقاط المميزة في المسائل الفرويدية. وقد واجه فرويد ما تضمنته الساباتية من مسيحانية عاطفية واجتماعية، كما يواجه موضوعا علميا، ويبدو أن عبقريته تكمن هنا.

إن محاولتنا لفهم فرويد من خلال التاريخ اليهودي لا تفرض اعتبارنا له كمريد سري للتراث اليهودي. إن تصويره وكأنه مكب على الكتب الكاباليه في ظلمات الليل، لا يتفق والواقع، رغم أن سلوكا من هذا النوع لم يكن ليتعارض مع سلوك الزعماء الصوفيين اليهود. مع العلم أن أسرة فرويد وقسما كبيرا من يهود فيينا أتوا من تلك المقاطعات في أوروبا حيث تنتشر الصوفية وتشيع تعبيراتها في لغة اليهود. ويمكن أن نتخيل انتقال هذا الأمر عبر تعليقات الأب أو الجد حول مشكلة يومية. كما قد يحصل الإتصال عبر ذلك النوع من الدعابات أو النكات الذي كان فرويد نفسه يجمعه.

أما بالنسبة إلى التراث الصوفي اليهودي المكتوب، فإنه يقدم غالبا بشكل " جواهر ". مثلا لا تشكل " الأنطولوجية الهاسيدية " للحاخام نيومن على الإطلاق انطولوجية أبحاث لاهوتية، بل " رموز، وأساطير، وخرافات، وأمثال، ونكات، ومحاولات تفسير للمعلمين الهاسيديين ولتلاميذهم، ولتراثهم وحكمتهم ". عندما يعرض لنا أحد الكتاب شروط الحياة السياسية والاجتماعية لليهود الهاسيديين، فإنه يستند في دراسته على الأساطير لا على المعطيات التاريخية. ومحصول الأساطير الذي ينقل القسم الأكبر من التراث المكتوب، لا حصر له.

أبرزنا في محاولتنا لفهم تطور التحليل النفسي كتعبير عن التصوف اليهودي، كلمة صوفية، وكذلك كلمة يهودي. كان التصوف اليهودي، دون أدنى شك، عاملا هاما من عوامل التوصيل. ويبدو أنه أثر بان نمى عند فرويد نوعا من قابلية التأثر الإدراكية والإنفعالية وحدد بعض ردات الفعل المرتبطة بالمشاكل التي واجهها.

يدرك مؤلف هذا الكتاب السمات المشتركة بين كافة أشكال التصوف، وبين الإنتشار الثقافي الواسع لمختلف تعبيرات التيار الصوفي. لم يبذل أي جهد لمعرفة مصادر الصوفية وثمارها. فالفيثاغورية مثلا، أثرت دون شك في التصوف اليهودي، كما أن غوته الذي يكن له فرويد احتراما شديدا قد درس الكابال. هذه العلاقات هي من التعقيد بحيث لا مجال لتناولها في محاولتنا هذه. لقد اكتفينا في دراستنا عن الصوفية اليهودية بملاحظة السمات المميزة، والمميزة لا تعني الوحيدة.

 

q       ملخصــات  /  SUMMARY / RESUMES 

 

عرف التحليل النفسي في أوروبا، مهد ولادته، توسعا، وانتشارا لم يحظ به مذهب آخر في علم النفس في بدايات القرن العشرين رغم الانشقاقات المبكرة التي حصلت داخل الحركة التحليلية. فقد انتشرت مفاهيمه بين ثنايا العلوم الإنسانية في التربية والاجتماع والانتروبولوجيا.. و كثرت المؤسسات التحليلية والأتباع، وتوافرت الكتب التي تعنى به شرحا وتوضيحا. إضافة إلى الجمعيات المحلية والدولية التي حملت إسمه وعملت على هديه. حتى بات النقاش في موضوع من مواضيعه أو التعمق في دراسته، أو اللجوء إلى ممارسته من الأمور المألوفة والبديهية.

إلا أن أمر التحليل، كما يشهد على ذلك العديد من مؤيديه ورواده، لم يستقم ازدهارا ونموا. " فمع السبعينات قل عدد المسجلين في معاهد التحليل النفسي، وتناقص عدد المرضى الذين يلجئون إليه للعلاج ". وبدا أن الدوافع التي عززت التحليل هي عينها التي جعلته موضع شك وتساؤل. فهو كما يقول اريك فروم "عرف في عصر القلق"، حيث تفاقمت الوحدة والعزلة، وانهار الدين، وظهر عقم السياسة، واستلب المجتمع "المنظم" الإنسانية، وازداد الإحساس بعدم الإطمئنان في المدن وفي عالم مطلق... هذا ما سمح للتحليل بأن يكون الملاذ. لأن المحلل قدم البديل عن الدين، والسياسة والفلسفة. وبدا أن فرويد قد اكتشفت أسرار الحياة كافة: اللاوعي، عقدة أوديب ، التجربة الطفولية..، كما كان عزاء كبيرا للإنسان أن يستطيع التحدث إلى شخص آخر يصغي إليه بانتباه ويتعاطف معه إلى حد ما".

هكذا كان التحليل جوابا على قلق، وادعاء بمعرفة شمولية. لكن حدة الإستلاب التي وصفها " فروم" إضافة إلى حالات العزلة العنيفة، والتمزق الاجتماعي والإنساني، خاصة ما نتج منها أثر الحربين العالميتين، لم تضع التحليل وأسسه فقط موضع شك وريبة، بل والحضارة الجديدة برمتها، التي وعدت الإنسان بمستقبل مشرق، فإذا بها تجلب الكوارث والأزمات.

لم يفلح التحليل إذن، كفكرة ومؤسسة، في تفريج الكرب وإعادة التوازن والإطمئنان إلى إنسان عصر الصناعة والآلة، وعصر التوسع والاستعمار والحروب. خاصة بعد أن قدم نفسه كعلم شامل شاف خبير بدقائق الحياة الإنسانية، بالنفس وحالاتها، بالوعي واللاوعي؟ وله فلسفة خاصة في الحياة والموت، والحب والحرب، والدين والحضارة. لذا بدأ الحديث عن أزمة التحليل، وتتالت المؤلفات داخل الفكر التحليلي وخارجه التي إما أن تتناقض معه في الفكرة، والمنهج، وإما أن تلتقي معه في نقاط وتقترق عنه في غيرها. كما ساهمت بعض أبحاث الأنتروبولوجيا في تعميق النقاش حوله، عندما اكتشفت، خلافا لما أشاعه الفكر الفرويدي، العالمية  بعض العقد أو المفاهيم "كأوديب" أو المراهقة، أو المحرمات، عبر ملاحظتها لشعوب غير أوروبية، مما عزز التساؤل حول مواصفات العالمية والشمولية والحتمية التي نسبها التحليل النفسي، والفكر الفرويدي تحديدا، لمفاهيمه.

لم يقتصر التساؤل على هذه المواصفات، بل تعداها إلى أصول الفكر التحليلي وجذوره بحثا عن المصادر المؤثرة والعوامل المساعدة. من الأساطير اليونانية والثقافة الغربية إلى العقائد اليهودية.

    وقد أثار ما كتبه فرويد نفسه في مؤلفاته وفي مراسلاته، دافعا قويا لدى الباحثين للإهتمام بهذا الجانب الأخير من مصادر التأثير، دون الإقلال من أهمية فرويد ومكانته العلمية. فتحدث " تيو بريمير " في كتابه " فرويد قارئ التوراة " عن أربعمائة نص توراتي اكتشفها في كتابات فرويد ومراسلاته. وبحث عن علاقته بالكتابات المقدسة، تماهيه ببعض الشخصيات التوراتية وأهمها موسى ويوسف، الأول كمخلص لشعبه والثاني كمفسر الأحلام. كما ذكر ارنست سيمون في .« The Jew Sigmund Freud » 

    عدة نصوص توراتية في مراسلات هذا الأخير مع مارتا وفليس، تشير إلى معرفة جيدة بالتوراة. أما Eva M. Rosenfeld في مقالها: « Dream and vision, some remarks (1956)  « on Freud’s egyptian bird dream » بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد فرويد  فتحدثت عن العلاقة بين حلم رواه فرويد وبين بعض نظرياته ودراساته، وكذلك عن التقارب بين فرويد وقصة موسى. وأشار Alexandre Grinstein في Freud’s Dream (1968)  Sigmund On إلى تأثيرات قراءات فرويد، ومن بينها التوراة، على أحلامه. وكذلك فعل Didier Annien, Joachim Scharfenberg. أما الأصول التلمودية للفكر التحليلي فقد أفرد لها Gérard Haddad كتاب: " الطفل غير الشرعي. المصادر التلمودية للتحليل النفسي ".

.sources talmudiques de la psychnalyse 1981 ,L’enfant illégitime وكان  Paul Ricoeurقد تناول هذه الفكرة أيضا، في كتابه  essai sur Freud de l’interpretationحيث ربط بين الشك عند فرويد وطريقة التفكير التلمودية والمأثور الشفوي.

يبقى أن نشير إلى دراسات أخرى تناولت الجوانب الفنية والأدبية من حياة فرويد. فقد درس أحد مؤرخي الفن Jack.J.Spector عام9 197 الصور عرضت عن منزل فرويد ومحتوياته، وتبين له أن اهتمام فرويد بالآثريات يعود إلى فترة قراءته للتوراة، وتأثره بالصور الموجودة في هذا الكتاب. أماMarie Balmary  فدرست الأدب الذي قرأه فرويد. وتوصلت إلى أن أكثر ما يذكره هذا الأخير كان على الترتيب التالي: التوراة، فاوست، هاملت، أوديب الملك، ما كبث.

وفي الواقع أن التأمل في سيرة فرويد الذاتية وفي بعض مراسلاته ونظرياته يدفع الباحث لمزيد من الاهتمام بالكتب والمقالات الآنفة حول المصادر اليهودية لهذا الفكر المميز. كما يكشف لنا ما يمكن أن نسميه "حالة يهودية" شعر بها فرويد في مراحل مختلفة من حياته، وألقت بظلها على مناقشاته لبعض النظريات والمفاهيم.

فهو على سبيل المثال يقر بإحساسه بيهوديته في " حياتي والتحليل النفسي "،إذ يقول:

"ولدت في السادس من أيار- مايو- 1856، في فرايبورغ بمورافيا، كان والدي يهوديين وبقيت أنا كذلك ".

ويتكرر هذا التوكيد حين دخوله إلى الجامعة:

" عند التحاقي بالجامعة عام 1873 عانيت من خيبة الأمل الشيء الكثير. فقد واجهت التزاما غريبا: كان علي أن أشعر أنني دون غيري من الناس وأنني غريب عنهم لأنني كنت يهوديا..." ثم يجزم بفعالية التأثير التوراتي عليه:

" إن استغراقي المبكر في التاريخ التوراتي (منذ تعلمت القراءة تقريبا) كان له، كما اكتشفت ذلك فيما بعد، تأثيرا ثابتا على وجهة اهتمامي ".

ولا يقتصر الأمر على مجرد أحاسيس واستنتاجات خاصة، بل يتعداه إلى وقائع وأحداث تاريخية. فقد " أرسل جاكوب فرويد عام 1891 إلى ابنه سيجموند نسخة التوراة القديمة التي كان يقرأ فيها هذا الأخير في طفولته. وذلك بمناسبة بلوغه الخامسة والثلاثين من العمر. كتب الوالد الإهداء باللغة العبرية بعد أن ذكر اسم سيجموند باللغة نفسها: " ولدي العزيز شلومو " مستعيدا بعض فقرات العهد القديم " دلالة على معرفة فرويد بالتوراة وباللغة العبرية. ضمن هذه الوقائع التاريخية أيضا، تأسيس حركة التحليل النفسي، وانتساب يونغ، غير اليهودي إليها. ففي مراسلاته مع كارل أبراهام، يدافع فرويد عن انتساب يونغ لهذه الحركة بطريقة تكشف " وعيه " الدائم لما هو يهودي ولما هو غير ذلك. فهو يقول لابراهام: " تذكر أن يونغ مسيحي وابن كاهن... أكاد أقول بأن دخوله إلى ساحة التحليل النفسي أبعد خطر رؤية تحول هذا العلم إلى قضية يهودية قومية".

هذا التذكير بمسيحية يونغ يتكرر ثانية عام 1910- وقد بلغ فرويد الرابعة والأربعين من العمر- حين يواجه باعتراض على اقتراحه بتعيين يونغ رئيسا للمؤتمر الدولي الثاني للتحليل النفسي مما يدفعه للقول: " إن أغلبكم من اليهود. ولا تستطيعون بالتالي اكتساب الأصدقاء للعقيدة الجديدة. على اليهود أن يكتفوا بفتح الطريق. من الضروري أن أنسج علاقات مع الوسط العلمي لأنني أتقدم في السن، وقد تعبت من الهجمات المتواصلة علي. جميعنا في خطر. ثم أمسك ثنية سترته: لن يتركوا لي ما أستر به ظهري. السويسريون سينقذوننا جميعا ".

تؤكد رغبة فرويد في تعيين مسيحي رئيسا للمؤتمر، وفي نسج العلاقات مع الوسط العلمي، أن المحللين الأوائل كانوا جميعا من اليهود، وأن أول المستمعين لأفكاره عن التحليل النفسي كانوا أعضاء جمعية " بناي برث " اليهودية. كما يتأكد الأمر نفسه أثر القطيعة بين فرويد  ويونغ، التي طرحت تساؤلا خطيرا هز عالم التحليل النفسي الناشئ، في سلسلة من المقالات والتعليقات، لمعرفة ما إذا كان هناك علم نفس يهودي وعلم نفس آري.

هذه " الحالة اليهودية " من المعاناة إلى الوقائع التاريخية، تتسرب أيضا، فيما يبدو، إلى بعض الفرضيات والنظريات الفرويدية. فلا ير فرويد، وقد تجاوز السبعين من العمر، في شرحه للعدوان بما هو أمر فطري ملازم للإنسان إلا مجازر ارتكبها المسيحيون بحق اليهود. ".. إن تجمعا حضريا.. يسمح بمعاملة كل من يبقى خارجه معاملة الأعداء.. إن هذه الظاهرة.. تسهل على، أعضاء المجتمع المعني انصهارهم وتلاحمهم. وقد أدى الشعب اليهودي، بحكم تشتته في كل مكان، خدمة جلى، من وجهة النظر هذه، لحضارة الشعوب التي آوته واستضافته، ولكن جميع مجازر اليهود في العصر الوسيط لم تكف، وللأسف، لتجعل تلك الحقبة أكثر أمنا وسلاما بالنسبة إلى المسيحيين. وحين جعل الرسول بولس من حب الناس الكوني أساس جماعته المسيحية، كانت النتيجة المحتومة لذلك أشد التعصب وأكثره تطرفا من قبل المسيحية تجاه غير المهتدين إليها... كذلك لم يكن من قبيل المصادفة التي لا يفهم لها سر أن يلجأ الجرمان إلى اللاسامية كي يحققوا على نحو أشمل وأكمل حلمهم في الهيمنة العالمية.."

ولا يرى في الدعوة المسيحية " أحبب قريبك كنفسك " إلا ظلما وإجحافا بحق أهله وأصحابه، لأن هذا الغريب " يحيا على هذه الأرض مثله مثل الحشرة أو دودة الأرض أو الحفث... ولا يستأهل في غالب الأحايين عدائي، بل كراهيتي.. "، معيدا إلى الأذهان أوصاف التلمود لغير اليهود.

إلى أن يصل به الأمر إلى اختصار العالم بين طرفين: طرف سيد، ألمان آريون، معادون للسامية واليهود،و طرف مضطهد، مغلوب على أمره، اليهود: " إن الشيطان ما يزال خير ذريعة لتبرئة الله، وهو يؤدي هنا نفس مهمة " التخفيف الاقتصادي " التي يجبر الإنسان اليهودي على أدائها في عالم يسود فيه المثل الأعلى الآري ".

هذه الإشارات حول ما اعتبرناه " حالة يهودية " تحتاج إلى استكمال وتعميق. ضمن هذا الإطار تقع ترجمة كتاب دافيد باكان، الذي ارتأينا نقله إلى العربية كشفا لوجهة نظر في رؤية الفرويدية خصوصا والفكر التحليلي عموما. طويت عمدا أو جهلا، زمنا غير يسير، وأرغمت قراء العربية على نهج أحادي الجانب، في ترجمة وتعليم وفهم المؤلفات الفرويدية. وقد تكون علة هذه الآحادية خشية القلق من تبدل مألوف طن من اعتاد عليه أنه حقيقة لا تناقش أو يقين لا يرد.

والله أعلم وهو الموفق

 

Document Code PB.0012

http://www.arabpsynet.com/Books/Atrissi.B2 

ترميز المستند   PB.0012

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)