Arabpsynet

Livres  / كتــب /  Books

شبكة العلوم النفسية العربية

 

الموسوعــة النفسيــة الجنسيــة

د. عبد المنعم الحفنــي

مكتبة مدبولي

 

q       فهــرس الموضوعــات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

   مقدمة : معنى التربية الجنسية وضرورتها في هذا العصر

   الفصل الأول: في معنى علم الجنس

   الفصل الثاني: البورنوجرافيا أو الأدب الجنسي الفاضح ونماذج من هذا الأدب، وأفلام الفيديو الجنسية

   الفصل الثالث: الجنس والفنون ص 23 وموقف الأديان والفكر الديني الجنسي ص 24 وأعياد ديونيسوس ونشأة التراجيديا والكوميديا ص 26 ونظرة اليونان الجمالية للجسم الإنساني. والجنس كملهم للفنون المرئية وللأدب والفلسفة ص 31 وأفلاطون في المأدبة، والحب عند سقراط. عظمة التراجيديا عند أرسطو أنها تطهير للنفس من الشهوات. والنحت الإغريقي والعمارة والجنس. السلوك الجنسي للإغريق. الجنس في إسكندرية الإغريق. ميراث الرومان في شعر كاتولوس وأوفيد وهوارس ص 30 الكاريكاتير والجنس وقصائد ماريتال ص 31، الرواية الرومانية عند أبولوبوس إله الحب إيروس أو كيوبيد ص 32، المسيحية وربطها الروح بالغريزة ص 32، ونصائح القديس بولس. مزامير داوود وأناشيد سليمان. القديس أوغسطين والحب الأفلاطوني ص33 . تريزا الآفيلية ورابعة العدوية والحب الإلهي ص 34. عصر النهضة والحب الفاضل. دانتي والكوميديا المقدسة ص 35. فاوست جوته ص 36.

   الجنس والفن في النهضة. لوحات بوتيشيللى وتيتيان. وشكسبير وبوكاشيو ورابيليه ص 37. الموازنة بين الدم والعقل ص 38. بودلير وزهور الشر، الواقعية كمقابل للرومانسية ص 39. التجربة الجمالية ص 40، النظرة العلمية للفن والأدب. الفلسفة الوجودية. الثورة الجنسية. بابلو بيكاسو، جورج جروس. سلفادور دالي ص 41. نظريات التحليل النفسي ص 43، السينما والجنس والرقابة الفنية ص 44. ممثلات الجنس. أفلام ماستوريوني وأنطونيوني ص 45 .الرقص والجنس. الباليه والجنس. الموسيقى والجنس باخ وموزار. وبتهوفن وفاجنر ص 46. موسيقى الجاز والروك ص 47.

الجنس في الأدب والفن العربيين. ألف ليلة وليلة وأغاني الأصفهاني ص 47. هيكل وطه حسين وعبد الحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس وغادة السمان ونزار قباني ونجيب محفوظ ص 48.

 فنانون وأدباء اشتهروا بالشذوذ. دافنشى ومايكل أنجلو وبليك ووايلد وتشايكوفسكى وجيد وجينيه وكوكتو. سافو وماري دي فراسي وجورج صاند وجين أوسق وبرونتى وولف ودي بوفوار. سارة برنار وماى ويست وأم كلثوم ص 49 التحليل النفسي للإبداع الفني والأدبي ص 51. العملية الجنسية والعملية الإبداعية ص 53. عشيق اللادي تشاترلي، والموناليزا والأوديسه ص 55.

الفصل الرابع: في معاني الأنوثة والذكورة ص 56.

الفصل الخامس: في الفوارق الجنسية وما يميز الذكور عن الإناث ص 69.

الفصل السادس: في اختبارات الذكورة والأنوثة وما تقيسه في الجنسين ص 71.

الفصل السابع: في علاقة الجنس بالطفولة، والمراحل الجنسية عند الأطفال ص 73.

الفصل الثامن: انحرافات الأطفال الجنسية ص 82.

الفصل التاسع: البلوغ الجنسي ص 95.

الفصل العاشر: المراهقة الجنسية والنفسية ص 100.

الفصل الحادي عشر: الجوع العاطفي ص 120.

الفصل الثاني عشر: الجنس والجهاز النفسي. الهو الأنا الأنا الأعلى ص 134.

الفصل الثالث عشر: الحب ومراتب المحبين وسيكولوجية الحب وافتراق الشعوب فيه وأنواع الحب ص 138.

الفصل الرابع عشر: الغزل الجنسي عند الحيوان والإنسان ص 154.

الفصل الخامس عشر: الغريزة الجنسية ص 157.

الفصل السادس عشر: البنات وحمرة الخجل ص 160.

الفصل السابع عشر: حب الشباب ومعانيه النفسية والجنسية عند المراهق ص 163.

الفصل الثامن عشر: الجنس وجناح الأحداث ص 165،

الفصل التاسع عشر: انتحار المحبين ص 179.

الفصل العشرون : التوافق في الحب والزواج ص 187.

الفصل الواحد والعشرون : الزواج ونجاحه وشروطه ومشاكله وعلاج اضطراباته ص. 19.

الفصل الثاني والعشرون  : زواج المتعة ص 201.

    الفصل الثالث والعشرون: تعدد الزوجات وسيكولوجية المزواج، وتأثير التعدد على الزوجات والأولاد ص 208.

    الفصل الرابع والعشرون : زوجة الأب ص 219.

    الفصل الخامس والعشرون : الحمل وسيكولوجية الحامل وأنواع شخصية الحامل فيه، وصراعات  الحامل، وبيولوجية الحمل ص 227.

    الفصل السادس والعشرون : الإجهاض ص 257.

    الفصل السابع والعشرون : العقم والتعقيم ص 263.

    الفصل الثامن والعشرون : الولادة ص 270.

    الفصل التاسع والعشرون : النفاس، والعلاقة النفسية للنفساء بوليدها، وسيكولوجية النفساء في الديانات ص 284.

    الفصل الثلاثون: الرضاعة، واضطراباتها، وانطباع الطفل بطريقتها، واختلاف النساء فيها وتأثير الحاضنات والمرضعات والمربيات ص 296.

    الفصل الواحد والثلاثون: النغولة، (الإنجاب سفاحا) وسيكولوجية المسافحة ومستواها الثقافي والاجتماعي وذكاؤها ص 305.

الفصل الثاني والثلاثون: الأمومة، والإلهات الأم في آسيا وأوروبا والمسيحية، والوظائف الفسيولوجية للأم، وسيكولوجية الجدة، والمرأة السارقة لأطفال غيرها، والتي تتبنى أطفال غيرها، وسيكولوجية بعض المهن كالمدرسات والحاضنات والقابلات الخ ص 312.

الفصل الثالث والثلاثون: الأسرة وأنواعها، والوراثة، والزوج والزوجة وترتيب الأولاد، والتنشئة، والأسرة الكبيرة والصغيرة ص 325.

الفصل الرابع والثلاثون: الطب الشرعي والطلاق النفسي، وعواقب الطب، وزمنه، وطلاق العصابي والغاضب، وأنواع العلاجات النفسية ص 342.

الفصل الخامس والثلاثون: المطلقات والأرامل، ومستويات التعليم والذكاء بين المطلقات، والنشاط الجنسي للمطلقة والأرملة، وسيكولوجية المطلق والأرمل ص 354.

الفصل السادس والثلاثون: الإياس ومظاهره وانحرافاته، والسلوك قبله وبعده، وأنماط النساء فيه وعلاقاتهن التفاعلية ص 364.

   الفصل السابع والثلاثون : الشيخوخة والفسيولوجيا، والقدرة الجنسية فيها، والأفكار الخاطئة حولها ص 376. 

   الفصل الثامن والثلاثون : أعضاء الجنس الظاهرة واضطراباتها. أعضاء مشتركة بين الجنسين : الفم والشرج والثدي ص 387.

أعضاء الجنس الظاهرة عند الذكور: القضيب، والخصيتان ص405.

أعضاء الجنس الظاهرة عند الإناث: الفرج، والبظر، والبكارة، والمهبل ص 421.

   الفصل التاسع والثلاثون: الوظائف الجنسية: الحيض- الجماع الجنسي – النعوظ – القذف ص144.

   الفصل الأربعون : أنماط من التعشق الجنسي- ماهية التعشق- غلمة الصور- تعشق الصور الجنسية- تعشق الحكايات الجنسية- تعشق الصغار- تعشق اصبابا والصبيان- تعشق العجائز.- تعشق الحيوانات – تعشق الأشجار- تشق المعرفة- تعشق البراز- تعشق الموتى- تعشق المقابر ص 480.

   الفصل الواحد والأربعون : العقد النفسية : ماهية العقد – عقدة أوديب- عقدة إليكترا- عقدة النقص- عقدة الخصاء- عقدة الذكورة- عقدة الأنوثة – عقدة الثدي- عقدة الصبي- عقدة الجد- عقدة الأخ- عقدة قابيل- عقدة أتريوس- عقدة أنتيجون – عقدة أوريست – عقدة جريزلدة- عقدة جوكستا- عقدة ديانا- عقدة فيدرا- عقدة كليتمنستلرا – عقدة ميديا – عقدة نابليون – عقدة هيراكليز ص 500.

   الفصل الثاني والأربعون : النرجسية ص 522 والسادية ص 525 والماسوشية ص 537.

   الفصل الثالث والأربعون: الجنس واضطرابات النوم، والأحلام، والاحتلام، والكوابيس، وأحلام اليقظة ص 537.

   الفصل الرابع والأربعون: مفاهيم جنسية : الأنانية الجنسية – التعويض الجنسي – الإفراط الجنسي – الإقلال الجنسي – الامتناع الجنسي – السلبية الجنسية ص 569.

   الفصل الخامس والأربعون : الجنس والعوارض النفسية الجسمية : الجنس والمرض العقلي – الجنس والجنون- الجنس والجراحة – الجنس واضطرابات التنفيس – الجنس والاضطرابات الهضمية – الجنس والأمراض التناسلية – الجنس والتبول – الجنس والصداع – التعب النفسي الجنسي – الغثيان النفسي الجنسي – السأم الجنسي – الدوار النفسي الجنسي – الجنس واللوازم – الجنس وقضم الأظافر ونتف الشعر ص 650.

   الفصل السادس والأربعون : السلوك الجنسي المضطرب عند الذكور ومظاهره : الاستمناء – العنة الجنسية- العنانية - كراهية النساء – الجنس والقمار – الدون جوانية – المعاكسات الهاتفية ص 650.

   الفصل السابع والأربعون : السلوك الجنسي المضطرب عند الإناث ومظاهره : الاسترجال – العبودية الجنسية – البرود الجنسي – عسر الجماع – عسر الجماع – المهبل المسنن – قمطة المهبل – لعق الفرج ص 683.

   الفصل الثامن والأربعون : الانحرافات الجنسية عند الذكور والإناث : معنى الانحراف الجنسي – الهوس الجنسي- الغلمة – اللواط- اللواط النسوي- الجنسية المثلية – التخنث – التشبه الجنسي – الاستعراء الجنسي – التطلع الجنسي- الاغتصاب- البغاء- المشاعية الجنسية – الدياثة – الفيتيشية – الجماع بالبهائم – مص القضيب – الدقر الجنسي ص 711.

    الفصل التاسع والأربعون : الجنس والاضطرابات النفسية والعقلية – الجنس والعصاب – الجنس والذهان ص 800.         

  الفصل الخمسون : الجنس والتدخين والعقاقير والمخدرات : الجنس والتدخين- الجنس والكحول – الجنس والمخدرات- الجنس والكوكايين – الجنس والحشيش – الجنس والمنبهات – الجنس والمنومات – الجنس والمهدئات ص 812. 

 

q       تقديــم الكتــاب / PREFACE

 

    مقدمة في معنى التربية الجنسية و ضرورتها في هذا العصر. و ضرورة التعرف إلى المفاهيم الجنسية" في معنى الصحة النفسية ومدارج الترقي النفسي الجنسي في الطفولة و ما يمكن أن تكون عليه البرامج التربوية الجنسية والمشاهد العملية في حدائق الحيوان و غيرها، و فائدة التربية الجنسية في منع انحرافات الأطفال والشباب. وتأثير المدرسة والمسجد والتلفزيون والكتاب على التنشئة الجنسية.

   ما أحوجنا إلى التربية الجنسية الدينية، غير أنه كثيرا ما يلتبس معناها على الناس، ولم يحدث أن تصدى واحد من المفكرين لهذه المسألة، ولا حاول أن يعطينا مفهوما لهذه التربية في ضوء ثقافتنا الإسلامية، وداخل إطار حضارة العصر العلمية. ولسوف نجد بسبب افتقادنا للتعريف الصحيح لمصطلح التربية الجنسية أناسا يرفضون الخوض أصلا في الحديث فيما يسمى التربية الجنسية، بحسب ظنهم أن ذلك يعني تعليم الأطفال أشياء حول الجنس تفتح أذهانهم لما كان لا ينبغي أن ندفعهم إلى التفكير فيه، باعتبار الجنس من المحرمات، حتى في أحط الثقافات وأكثرها بدائية، فمسائل الجنس والنكاح والزواج والولادة ينبغي أن تصان من التطفل، وأن لا يعيها إلا الكبار في أوقات معينة من العمر، وكلما اقتضت الحاجة إلى أن يتعرف البالغ عليها بحسب حاجته، ولسوف نجد فريقا من الناس، على عكس الفريق السابق، يدعو إلى التثقيف الجنسي، وخاصة للشباب في سن البلوغ، على زعم أن التغيرات الجنسية التي تفد على الشباب فجأة وتهاجمهم مستحدثاتها، تستلزم أن يعد لها الشباب إعدادا، باعتبارها من المسائل الملحّة، التي قد تترتب عليها اضطرابات قد تستمر لما بعد البلوغ، فالاستجابة التي يأتيها الشاب سواء كانت خاطئة أو مصيبة، قد تترسخ فيه وتصبح من السمات الخلقية للشخصية. ونحن لا نحتاج للثقافة الجنسية في البلوغ وما بعده، لنعرف معنى أن نكون أولادا أو بناتا، والكيفية التي نتعامل بها مع بعضنا البعض، وما هو المراد منا من حيث الزي والسلوك والهيئة العامة، وما هو الحب والجنس والغاية منهما، وما هي المواعدة بين الفتيات والفتيان، ومشاكل اللقاء الأول، والخطوبة والسلوك أثناءها، والزواج والتوافق فيه. وقد تمتد التربية الجنسية لأبعد من سن الشباب فهي لازمة للشيوخ لزومها للشباب، وهناك تغيرات جنسية تشملنا جميعا إذ نتجاوز الأربعين، وهى تغيرات حيوية بقدر ما هي تغيرات نفسية، فكيف نتعامل معها، وكيف نوفق بين واجباتنا كآباء ورغباتنا كأزواج، وماذا يحدث للزوج المثقل بالأعباء، أو للزوجة ربة البيت المتعبة، وما هي فلسفة الإياس، وكيف نتجاوز محنة سن اليأس، ومحنة انفراط عقد الأسرة بانصراف الأولاد بالزواج أو بغيره بعد أن يكبروا.

والتربية الجنسية تعطينا المعرفة بكل ما سبق وبأكثر منه، وهي التي تزودنا بالعلم الضروري لكي نتعامل بمقتضاه إزاء مسائل من صميم وجودنا الشخصي والاجتماعي. والجنس محور من المحاور الكبرى التي تدور حولها حياتنا. والتثقيف الجنسي عملية دائبة تكون معنا دائما منذ طفولتنا، وابتداء من وعينا بأنفسنا وبالناس من حولنا. ونحن نتعلم جنسيا سواء كانت عملية التعليم الجنسي هذه عملية واعية ومقصودة، أو كانت عملية لاواعية تأتينا عفويا ويتناقلها الناس عن بعضهم البعض، بالتأثير حينا والتقليد أحيانا، وبالحديث فيها أو ممارستها بالتعليم.

والجنس مسألة حيوية لتكوين الشخصية وللتفاعل الاجتماعي، ولذلك لم يترك الجنس للأفراد يصوغون علاقاته وفق هواهم، وكانت للجنس قيم وتقاليد تحد من الخروج على ما يتعارف الناس بشأنه، وتصنع من تراكماتها تراثا ثقافيا يميز المجتمعات عن بعضها البعض، ورغم التباين فيها فإنها تتسم جميعها بأنها قيم وتقاليد، ولا يوجد المجتمع الذي يخلو منها أو الذي يستطيع أن يستغني عنها، ومع ذلك فقد تجد من ينادي بالحرية الشخصية في مسائل الجنس بخاصة، متأثرا في هذه الناحية بما يقرأه أو يسمع به عن الغرب الأوروبي، أو ما يشاهده من أفلام التليفزيون والسينما، وكثيرا ما يستشهد أصحاب هذه الدعوة بأقوال فرويد ومدرسة التحليل النفسي. ولقد كان متوسطو التعليم وبالا على الثقافة في كل العصور، وما يزال هؤلاء يسيئون ترديد فرويد واستخدامه فيما يكتبون أو يؤلفون في الصحافة أو الإذاعة المسموعة والمرئية، الأمر الذي يترتب عليه أن تشتد الحاجة إلى التربية الجنسية وتعزيز المفاهيم الجنسية بالتعليم الصحيح والقول السديد.

وهناك من المربين والمدرسين من يشعر بأن الحاجة قد أصبحت ماسة لكي يتلقى الشباب والصغار تعليما جنسيا مناسبا، يجعلهم ينظرون النظرة الصحية للجنس باعتباره منصرفا من أجمل المنصرفات لطاقة الحب عند البشر، ويريد هؤلاء المربون والمدرسون أن يشعر الأولاد أن الفعل الجنسي في حد ذاته ليس عيبا أو حراما، ولكن العيب والحرام هو أن يتوجه التوجه المدمر لنشاط الفرد والجماعة، وقد يكون من المفيد أن يحب الفتى أو تحب الفتاة لكي تتمرس بمشاعر الحب العظيمة فتنمو عندها وتنضج، مثلها مثل أية مشاعر تحتاج دائما إلى تعهدها وتربيتها لتنضج، ومن ثم يصبح الفتى أو الفتاة قادرا على أن يختار شريكته في الحياة عن وعي وخبرة بما يريد. ونحن لا نعرف أنفسنا في أي مجال إلا إذا احتككنا بالغير، وفي مجال الجنس قد يكون من المفيد الاختلاط تحت رقابة الكبار فتحصل للشباب المعرفة بالجنس عن قرب. وقد دعا الصحفي الكبير مصطفي أمين إلى أن يتحاب الشباب في حدود التقاليد، وكان يقول إن الحب يدرّب الصغار على الكتابة الإنشائية الجيدة، وكانت لغاندي تجربة في هذا المجال، فقد جمع الشباب والشابات كي يتعرف كل إلى ما يعنيه الآخر بالنسبة له، ولكنه لكي يضمن أن لا تكون هناك ممارسات خارج الرقابة فقد حلق شعر البنات والبنين وألغى تمايز الثياب ووحّد الأزياء، فجاءت التجربة مشوّهة، لأنه جعلها تجربة تعارف تخلو من المضمون الجنسي، وهذا المضمون الجنسي هو محور التربية الجنسية.

 ونحن عبر رحلة الحياة، وفي كل مجال، وحتى في مجال التربية الدينية نتعرف إلى مفاهيم جنسية، ولكنها كثيرا ما تكون مجرد مفاهيم تخلو من المضمون، والشعارات الجنسية كثيرة وأغلبها يخلو من المضمون. وليس من سبيل إلى الإحاطة بمضمون هذه المفاهيم أو الشعارات إلا بأن تكون هناك برامج تعليمية تتناول هذا المنحى من النشاط البشرى تناولا علميا مقننا، الشأن فيه كأي معرفة أخرى. ونحن نتعلم الجنس ونحن ننمو، ولكن المشكلة أننا لا نريد أن يكون التعلم تناقلا شفويا بين الصغار بعضهم وبعض، وإنما نريده في حجرة الدرس وأن يتوفر عليه مدرسون متدينون. ولا يكفي أن يقال إن أولادنا يتعلمون الجنس من خلال ما يتلقون من معارف في علوم النبات والحيوان والأحياء، وما يتعلمون من مفاهيم عن التكاثر والتلقيح، إذ أن ذلك كله لا يفيد مثلما يفيد أن تتعلم البنات عن الحمل ومتى يكون وكيف يكون، وما هو الإجهاض، وما الذي يعيب الحمل، ومضار الإجهاض، وما هو الحب كما ينبغي أن يكون، وكيف يتناول الدين مسائل الجنس، وأبعاد هذا التناول ومعانيه، وأن يتعلم الأولاد معاني تكوين الأسرة والرجولة والأنوثة، والنضج ومتطلباته، وما المقصود بالخطبة، واختيار الزوجة أو الزوج وكيف يكون، والإنجاب وحقائقه. ولا شك أن الجميع متورطون في التعليم الجنسي غير المقصود وغير الهادف الذي يحصل لنا من الاحتكاك اليومي، غير أننا نخشى دائما أن نقع تحت تأثيرات غير صحية تتربى لنا من جرائها عقد، أو تنمو بنا بسببها مخاوف تضطرب لها وجداناتنا وسلوكنا، فتكون النتيجة أننا جميعا نعاني من السلوك المعيب، أو نأتي الحرام غالبا عن جهل، وكثيرا عن سوء فهم.

   ولعل أول ما يمكن أن يخطر بالبال ونحن بصدد الحديث عن التربية الجنسية أن نعرف ما الذي نعنيه حينما نقول الصحة الجنسية، أو حينما نصف شخصا بأنه صحيح جنسيا، والجواب لا يأتينا من فراغ ولكنه محصلة نظر في أحوال الناس الذين نجد أنهم يتصرفون تصرفات جنسية متوافقة اجتماعيا وعلميا، ولها مردودها الطيب على الفرد، والإنسان الصحيح جنسيا هو الذي لديه المعرفة السليمة بنفسه كذكر أو أنثى، وهو يعرف ذلك جيدا عن نفسه بتبنيه لحقيقة جسمه، والإحاطة بمضمون الذكورة والأنوثة، ويستشعر الرضا عن نفسه كذكر أو كأنثى، ويسعد بهذا الدور، ويقوم به كما ينبغي طبقا لما عرفه عنه من خلال التعليم الاجتماعي، ويدرك مسئوليات الممارسة الجنسية ويتحملها، ويقبل أن يمارس الجنس ويسعد به داخل الإطار الاجتماعي ولأهداف إيجابية بناءة تتجاوز مجرد اللذة العارضة.

   ونحن من المؤمنين بأن التكوين الجنسي بيولوجيا ونفسيا وذهنيا هو شيء يبدأ منذ أن يكون الشخص جنينا، وتشارك فيه الوراثة عن الأبوين والأجداد، ويصوغه التكامل على المستويين الفردي والجماعي، وعناصره بيئية وبيولوجية واجتماعية. ولعل الأسرة هي الأكثر تأثيرا على الأطفال، من حيث تعينهم بأبويهم وتعرفهم إلى هويتهم الجنسية والدور المنوط بالجنس، ويساعد على ذلك طول فترة الحضانة أو طول فترة التعليم الموكول إلى الأسرة، وهي التي تبرمج الطفل من حيث ذكورته وأنوثته بما يتلقى يوميا من خلال الاتجاهات الجنسية للأبوين، والمشاعر التي تتحصل له عن جسمه وهو يرى الأبوين متجردين عن ملابسهما تجردا كاملا أو نصف كامل، والسرور الذي يبديه من فعلهما والذي يظهره الوالدان عند تجرده هو من ملابسه، وما يتلقاه عنهما من استحسان أو استهجان وعادات وهو يستحم، أو وهما يستحمان، وكذلك سلوك المرحاض، والفروق التي يلحظها بين الجنسين في الملبس والتصرفات والمعاملة والهيئة، وتأكيدهما له حول مظاهر ذكورته أو مظاهر أنوثتها. وإذا كانت الثقافة الجنسية أو محصلة التربية التي ترتبط بهذه الثقافة مناسبة من حيث مضمونها، والوقت أو السن التي تقدم فيها، والوسائل التي نتوسل بهـا لتوصيلها إلى أطفالنا، فإن من شأنها أن تساعد على تشكيل الفرد الصحيح جنسيا مفهوما وسلوكا. والتربية الجنسية هي التي تدعم وترسّخ ما فطرنا الله عليه، وهى التي تيسّر نمونا نحو النضج الجنسي.

   والطفل في نحو سن الثالثة يستطيع أن يسأل أسئلة مختلفة حول وجوده، فيها الدهشة لما يرى، والعجب لما يشاهده، وهو يسأل من أين جاء، وكيف يولد الأطفال، ومن هو الله ويكفيه أن يعرف كجواب: أنه كان في بطن أمه، وظل يكبر إلى أن أصبح كبيرا ما فيه الكفاية فولد، وهو الآن كبير يأكل ويتنفس ويتحرك ويجري، وفي بطن أمه لم يكن من الميسور له أن يفعل كل ذلك... ويفيد في هذه السن أن يرى الطفل القطط والكلاب تلد وترضع صغارها. وتنمي هذه المشاهد معرفته بهذه المسائل الجنسية الأولية.

   وفي سن الخامسة أو السادسة يريد الطفل أن يعرف كيف ولد من بطن أمه، ودور أبيه في مجيئه. وينبغي على الأبوين أن يستعدا لمثل هذه الأسئلة وأن يجيبا عليها إجابات بسيطة جدا، بلغة سهلة تصف الجماع، كوسيلة للإنجاب والحمل، وتعبير عن المحبة بين الزوج والزوجة. وقد يصدم الطفل من عنف الجماع عند القطط، أو طريقة الطيور من حيث اعتلاء الذكر للأنثى، وقد يشفق على الأنثى، وللأبوين دور في شرح ذلك من حيث اختلاف الطيور والحيوانات عن الإنسان، وعليهما أن يظهرا هذا الاختلاف في سلوكهما الطيب نحو بعضهما. غير أن شرح هذه المسائل مهما تعمّق فيها الوالدان لن يكفي، حيث تظل دائما ثغرات يضطرب لها تفكير الطفل، وتلحّ عليه بشأنها أسئلة لا تشبع الإجابات المقدمة بشأنها حب الاستطلاع عنده، خاصة إذا كان من النوع المحب للمعرفة. وللمدرسة دور ليس أفضل من دور الأبوين، إلا أنه ربما قد يقدم للطفل تجربة أخرى لم يعرفها في البيت، وذلك أنه يفد إليها أطفال من كل البيوت والطبقات، ولهم ميول مختلفة، ومنهم سيتوجه البعض توجهات جنسية مثلية أو غيرية، أو قد ينحرف بسلوكه أو يضطرب نفسيا، ويعاني منهم الكثيرون من صدمات نفسية جنسية، وربما تكون بالطفل إرهاصات ماسوشية أو سادية، أو قد تبدأ مع بعضهم الميول الفيتيشية أو التخنثية، ومن ثم كانت المدرسة هي البوتقة الكبرى التي تنصهر فيها كل الميول، وتزيد فيها المعرفة الجنسية، وتتسع فيها تجارب الطفل ومصطلحاته في الجنس. وينحدر بعض الأطفال من عائلات ربما تكون قد بدأت في تلقين أطفالها بعض الحقائق عن الجنس، أو ربما لم تقدم لهم شيئا البتة، أو ربما أسهمت في تخليط الأدوار الجنسية عليهم. والمدرسة هي المؤسسة التربوية التي ينبغي أن يكون لدى المشرفين عليها وعي بكل هذه الملابسات. وفي بعض الدول يشترط لناظر المدرسة أو مديرها أن يكون من الحاصلين على الدكتوراه في التربية لهذا السبب، وتختلف المدارس في المذاهب التي تأخذ بها من حيث التربية الجنسية والاختلاط بين الجنسين، ومقدار الجرعة الجنسية المعطاة للأطفال ومداها. والمدرسة هي المكان الوحيد المؤهل لإعطاء الأطفال المعلومات الجنسية الأساسية عن الحياة. وتلتزم بعض حدائق الحيوان في العالم بأن يكون لديها دار حضانة لصغار الحيوانات، وحيث تكون الأمهات في الطريق إلى الولادة، ويشهد الأطفال عمليات الولادة وخروج الكتاكيت من البيض في الفقاسات. وبعض المدارس تلتزم بذلك أيضا وتكون بها مزرعة صغيرة ومربّي للدواجن والأسماك والأرانب، حتى يتعلم الأطفال كيف ينبت النبات وتخرج البراعم من البذور، وتتوالد الطيور والحيوانات، وذلك كله بهدف أن لا تقتصر المعرفة الجنسية على التلقين، وتختلط المعرفة الجنسية بالمشاهدة في دروس الأحياء والعلوم العامة، وتقدم أفلاما علمية تربوية. وهناك دروس في الدين تتناول بالشرح آيات القرآن التي لها علاقة بالمسائل الجنسية كالحيض، والغسل، والجنابة، والتفريق بين الجنسين في المضاجع، واحتلام الصبية. والأحاديث التي تخوض في هذه الأمور كثيرة وتتاح للأولاد في السن التي تقارب البلوغ. غير أنه تتبقى دائما مسائل حيوية ليس في المناهج ما يمسها من قريب أو بعيد. ويختلف التعليم الأجنبي عن التعليم العربي حيث تحرص المدارس الأجنبية على أن تضم في برامجها بعضا من الدروس المتسمة بالجرأة، وقد يكتشف أمرها من قبل الصحافة الوطنية وتشن عليها الحملات، والبعض من هذه الحملات يتولاه رجال الدين، وبعضه الآخر يتولاه أطباء نفس يعرقون بأنهم شديدو الحرص على أن يدلوا بالآراء في كل صغيرة وكبيرة بما يوافق الجمهور، وليس من معارض لبرامج التربية الجنسية في المدارس إلا ولديه دفوع ذاتية ينسبها إلى مضار هذا التعليم، والاعتراض أصلا مصدره اضطرابات نفسية جنسية يعاني منها المعترضون، لأسباب تحتاج إلى تحليل أقوالهم وردّها إلى تجارب صادمة في طفولتهم. ومعظم الاعتراضات تظهر أصحابها من المتطفلين على الطب النفسي والذين يحتاجون إلى مراجعة معلوماتهم. وليس من سبيل إلى دحض أمثال هذه الاعتراضات إلا بحملات إعلامية عامة تتوخى التوعية لكل الطبقات، وتظهر الحاجة إلى البرامج المقننة المتخصصة في المدارس وليس مجرد الدروس العابرة، وفي الدول التي تحرص على مثل هذا التعليم يفرق في البرامج بين مختلف الأعمار، فهناك برامج للسن بين الخامسة والتاسعة، وأخرى بين التاسعة والثانية عشرة، وثالثة بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة، ثم هناك تعليم خاص لطلبة المعاهد والجامعات بين السابعة عشر والواحدة والعشرين. ورغم أن هذه البرامج بدءوا فيها منذ خمسين سنة أو تزيد في الولايات المتحدة مثلا، فإنها لم تكن تدرس على نطاق البلد كله، وكانت هناك فترات يعاد فيها النظر، وفترات يهمل أمرها بسبب عدم وجود المدرسين الأكفاء، أو بسبب الحملة من قبل رجال الدين، بدعوى أن تولي المدرسة أمر التربية الجنسية يسلب البيت الإشراف على التربية، ويحرم الأم أن تعلّم ابنتها، والأب أن ينصح ابنه، ويخلق جوا عاما من الحرية الجنسية، ويلغي أن يستشعر الشبان الحياء، ويجعل بهم صفاقة تؤهلهم لارتكاب الحماقات. غير أن هذه البرامج لم تكن من وحي الخاطر، ولم يضعها واضعوها لمجرد الاعتقاد بأنهم يتوخون الخير الاجتماعي، وإنما بناء على بحوث في علم النفس والتربية، وما كان أكثر هذه البحوث في أمريكا، ففي هذا البلد، إن جاز لنا أن نقول إن كل بلد في العالم له أيديولوجيته، فأيديولوجية أمريكا هي علم النفس. ولم ترج أفكار فرويد وجماعة التحليل النفسي في أي قطر كما راجت في أمريكا. وفي هذا القطر تكثر الإحصائيات، وليس من سبيل إلى الخوض في موضوع أو الابتداء في مشروع إلا بعد إجراء دراسات إحصائية حوله. وكانت هناك دراسات من هذا النوع حول الجهل بالمسائل الجنسية، سواء بين الآباء، أو بين الطلبة والطالبات ومن أعظم هذه الدراسات ما قام به كينزى ومساعدوه حينما كتبوا مؤلفهم الضخم حول السلوك الجنسي عند الرجل والمرأة، فقلب كل المفاهيم، وبدّد الكثير من الأوهام، وأصبحت مسائل الجنس ومفاهيمه من ثم على كل لسان، وصارت موضوعاته من الموضوعات العادية التي تطرقها الصحافة اليومية ووسائل الإعلام المختلفة. ويبدو أن الجنس لم يعد مجرد موضوع تربوي، بل هو من الموضوعات الوطنية، فالأمم تهتم اليوم بالوراثة والتربية لخلق أجيال صالحة من المواطنين، وهناك علم جديد يطلق عليه علم تحسين السلالات، والجنس وسيلة هذا العلم، واهتمام علماء الاجتماع بهذا العلم من ثم من منطلق اجتماعي كاهتمام علماء النفس بالجنس من منطلق الصحة النفسية، وهدف الجميع هو خدمة التنمية، وليس من الممكن أن تتقدم الأمم نحو أهدافها ما لم تكن وسيلتها الأولى الصحة النفسية للمواطن ابتداء من طفولته، بتهيئته دراسيا بالمعلومات الصحيحة والتجارب التي لها مردود تربوي على تكوينه واتجاهاته، وتزويد الأبوين بكل المعلومات الضرورية والصحيحة لينشأ الطفل في البيئة السليمة التي تساعده على اجتياز أخطر مراحل عمره عند البلوغ. وما لم تحتضن الدولة برامج التعليم الجنسي وتوليها عنايتها وتحميها من تطفل المتطفلين وانتقاداتهم، فإن الحساسية ستظل موجودة بالناس تجاه تطبيقها والأخذ بها في المدارس. ومن المستحسن دائما أن يؤخذ برأي الأباء، بتكوين مجالس الآباء في مختلف المدارس وعرض المسائل والمعلومات الجنسية على هذه المجالس ليقضي فيها أولو الأمر برأيهم، فكل مدينة وقرية ومنطقة لها ظروفها وأحوالها وتقاليدها، وفي إطار ذلك جميعه ينبغي أن توجه برامج التعليم الجنسي، بمساعدة هيئة استشارية من متخصصين في الصحة العامة، والاجتماع، والصحة النفسية، والتخطيط، والتربية، والدين، لوضع الأفكار العامة، واقتراح طرق التطبيق، وبث الوعي بين الناس بعامة.

وهناك من الشواهد ما يثبت أن نشر التعليم الجنسي يعمل على التوعية الصحيحة بمضار الاستمناء مثلا، وأنه يقلل من حوادث الإجهاض بين البنات، ويحول دون ارتكاب الفحشاء، ويخلق الشباب الواعي الذي يعزف عن الانحرافات الجنسية وإتيان الخطيئة، دون علم وبصيرة وليس عن خوف من عقاب. وتؤكد التربية الجنسية على تصحيح المسار الجنسي لكي يؤتى داخل إطار الزواج وليس خارجه. ومن أهداف التربية الجنسية تزويد الناس بالمعلومات الجنسية التي تناسب كلا بحسب ثقافته وعمره، وتساعد على تطوير نضجه الذهني والنفسي والعقلي، بالإحاطة بكل ما يهم حياته من مسائل الجنس الحيوية وعملياته الجسمية وغير الجسمية. ومن هذه الأهداف التقليل من الخوف من الجنس، ومطامنة قلق الشباب إزاء المستحدث من التطورات والتغيرات الجسمية. ومنها كذلك أن تتنامى بالشباب الاتجاهات الجنسية السليمة والفهم العلمي للموضوعات الجنسية، فتكون لهم البصيرة بطبيعة العلاقات بين الجنسين، والفهم للواجبات والمسئوليات التي لكل من الجنسين لبعضهم البعض، والتذوق لمزايا السلوك الجنسي الصحيح، والوعي بأهدافه وغاياته ومراميه، والمردود الطيب الذي يمكن أن يعود على البيت والأسرة والمدرسة والمصنع والشارع باحترام كل جنس للآخر. ومن أهداف التربية الجنسية تعميم القيم الخلقية المرتبطة بالجنس، وأن يعي الشباب أن الفضيلة أساس كل تعامل صحيح، وبدون الوعي بالفضيلة والقيم الأخلاقية لن يستطيع أي شخص أن تكون له بالناس علاقات بناءة صحيحة، وتتوخى التربية الجنسية إعطاء الشباب فكرة ملائمة عن الانحرافات الجنسية ومضارها، ومعنى سوء الاستخدام الجنسي، فيكونون قادرين على حماية أنفسهم من التردي في الرذيلة، وأن يتقوا مزالق الأذى الذي يمكن أن يلحق صحتهم نتيجة الممارسات الجنسية الخاطئة. وتهدف التربية الجنسية ضمن ما تهدف إلى زيادة طموح الشباب الاجتماعي، بإمكان قيام مجتمعات تخلو من أدران أمثال البغاء والاغتصاب، واللواط والقوادة، والإباحية والحمل سفاحا والإنجاب في الحرام، وليس فيها ما نخاف منه من أوجه الخطيئة والرذيلة. وتهيئ التربية الجنسية للشباب أن يتعرفوا إلى إمكانياتهم وقدراتهم الجنسية، وفوائد التسامي بالغرائز، وتوجيه الطاقة الجنسية نحو البناء من الأنشطة البديلة، الفنية والرياضية والاجتماعية، ومن ثم يستطيعون أن يمارسوا حياتهم بوصفهم رجالا أو نساء لهم أدوارهم المختلفة والمتآزرة، فيعملون ويتزوجون وينسلون، ويخلون ويبدعون، وتكون لهم أدوارهم الجنسية المتميزة، سواء في المراهقة أو كشباب مقبلين على الزواج، أو خلال الخطبة، أو كأزواج أو كآباء أو أرباب عائلات، أو أعضاء في المجتمع ومواطنين. والمشكلة في التربية الجنسية التي نريد الأخذ بأسبابها في المدارس والجامعات أنها تحتاج إلى كوادر خاصة من المدرسين والمربين لم يتهيأ لنا إعدادها في بلادنا حتى الآن. وليس في برامج معاهد وكليات التربية إلا النزر اليسير في موضوع الصحة النفسية أو التربية الصحية. وكانت وزارة التربية قديما تتيح الفرصة للمدارس أن تدعو أطباء الصحة المدرسية لإلقاء محاضرات حول مسائل مثل الأمراض التناسلية. وتتضمن مناهج بعض الدول العربية دروسا في الأمراض التناسلية. وتعقد بعض الجمعيات الدينية ندوات لتوعية الشباب بمرض الإيدز مثلا. غير أن ذلك كله لا يكفي، والحاجة تلح يوميا على ضرورة أن توجد برامج مدروسة في التربية الجنسية، ولها مطبوعاتها وامتحاناتها والمدرسون المتخصصون فيها، الأمر الذي يستوجب أن يعد مدرس التربية الجنسية إعدادا من قبل معاهد وكليات التربية. وتتضمن مناهج إعداد هذا المدرس ثلاثة فروع من المعرفة: الأول يتطرق إلى محتوى التجربة الجنسية نفسها، من حيث علم الأحياء المتعلق بالتكاثر، ودراسة التطور النفسي الجنسي عند الإنسان، وتوجهاته الجنسية والسلوك الجنسي الذي يأتيه، والهوية الجنسية وتقسيم الأدوار الجنسية بين المرأة والرجل، والعلاقات الزوجية ودينامياتها، والأسرة وتكوينها، والمؤسسات البديلة للأسرة أو أنماط الحياة الشبيهة بها. والفرع الثاني الذي ينبغي أن تشمله مناهج إعداد مدرس التربية الجنسية يتوجه إلى دراسة التكوين الجنسي للفرد، والطرق التي يستطيع بها المدرس أن يجعل المتلقي عنه قادرا على الإحاطة بتكوينه الجنسي، وأن يستمع إلى آراء الآخرين في الجنس، وأن يكون متسامحا مع الاتجاهات الجنسية التي قد تختلف عن اتجاهاته، بمقتضى أن أغلب مجتمعات اليوم تقوم على التعددية في كل شيء ولا تصادر الرأي الآخر. والفرق الثالث يختص بالمهارات اللازمة لمدرس التربية الجنسية، فيدرس ديناميات المناقشات الجماعية، والطرق التي يمكن بها أن يقود النقاش ويوجهه الوجهة التي يريدها، ويلم بطرق التدريس التي يمكن أن تؤتي ثمارها مع كل سن ومرحلة، ويحيط بتشغيل الوسائل السمعية البصرية المساعدة على التدريس والتوضيح، ويتدرب على التعامل مع الآباء والأجهزة المختصة في المجتمع والتي قد يكون لقراراتها تأثير على النتائج التي يطمح إلى الوصول إليها من تدريسه للجنس.

وعادة ما تدمج برامج التربية الجنسية ضمن مناهج المواد الأخرى في المدارس الابتدائية والمتوسطة. وليست هناك في هذه المدارس حصص خاصة بالمحتوى الجنسي للتجربة الإنسانية، وإنما يشار إليها أثناء تدريس علم الصحة أو أي من العلوم العامة، ويذكرها مدرس الرسم، وينبه إليها الطلبة مدرس الاجتماعيات. وقد يتطرق الدرس إلى الجنس أثناء تدريس الحيوانات الأليفة، فيعرف الولد أو البنت أسماء أعضاء الجسم، ومنها الأعضاء الجنسية. وتعطى المعلومات عن الحمل والولادة من خلال القصص عن الأطفال، أو أحاديث الأولاد مع بعضهم إذا جاء لأحدهم أخ أو أخت. ويدرس الطلبة اختلاف الأدوار عند النساء والرجال أثناء دراسة الأسرة ومسئولياتها. وأما المعلومات عن الصحة والعلاقة بين الذكور والإناث فهذه مدارها التعاون بين التلاميذ والتلميذات في الفصول المختلطة، وما ينبغي لهم معرفته والإلمام به من الاغتسال للوضوء، ومعنى غسل الجنابة والوضوء، وشرح الجنابة والاحتلام والإمناء للفصول المتقدمة، حيث ربما يكون الأولاد قد وصلوا سن البلوغ ما بين العاشرة والثانية عشرة. وفي هذه السن يدرسون الهرمونات وتأثيرها على البلوغ، ومظاهر البلوغ الثانوية، وظهور شعر العانة، ونمو الثديين عند البنات، والحيض، والتغييرات السلوكية المصاحبة، والاستمناء باليد، وأسبابه، وطرق التخلص منه، وتأثير الوراثة في التكوين الجنسي، وتأثير البيئة في اكتساب العادات الجنسية، وتأثير الثقافة في تشكيل السلوك الجنسي قولا وفعلا، وإدراك مسؤوليات الجنسين، والعواطف التي تصاحب البلوغ وطرق التحكم فيها، والامتثال للدور الجنسي لينشأ الولد ولدا والبنت بنتا.

   وفي السن بين الثالثة عشرة إلى الخامسة عشرة تركز الكثير من مناهج التربية الجنسية على التعرف على الذات كإجابة على أسئلة مثل من أكون، وأي شخص أكون، ولذلك فإن المحتوى الدراسي يتناول طبيعة تكوين الشخصية، والعواطف وماهيتها، وطرق اكتساب الصداقات والاحتفاظ بها، والحب وكيف يتكون، والفرق بين الحب والصداقة، وماهية الحب الجنسي، والحب الأفلاطوني، والحب المتكافئ، والحب من طرف واحد، وأوهام الحب، والفوارق بين البنات والأولاد في الاتجاهات، ومعنى الأسرة، والصراعات التي قد تنشأ فيها، ومعنى أن نعيش بالقيم. وتفيض المناهج أكثر في شرح التناسل والجماع، والعزل ومنع الحمل. وقد تدرج الأمراض التناسلية ضمن المنهج، والأولى أن يكون تدريسها ضمن مناهج العلوم التي تتناول أمراض الإنسان، فيفرد لها باب خاص. فإذا كانت السن بين السادسة عشرة والثامنة عشرة فإن الدراسة تتوجه للتجربة الفعلية للشباب، باستعراض الحياة العاطفية، والمعاناة الوجدانية في هذه السن، وهي السن التي يخبر الشباب فيها الحب، وتكون لهم فيها علاقات جنسية غيرية أو مثلية، وتعدّ دروس التربية الجنسية بحيث تدفع بهم إلى التفكير في الغايات البعدية للدراسة، وتذكرهم بالزواج ومعانيه، وتنمّي فيهم الرغبة في الزواج، والشعور بالمسئولية، والتفكير في الأبوّة ومعانيها. ومن الموضوعات المستحسنة في هذه السن موضوع العلاقة بين الجنسين، والقيم المتضاربة - كأن أحب أن أوقع بفتيات الناس ولكن لا أحب أن يوقع أحد بشقيقاتي، والخطبة ومستلزماتها والحكمة منها، ومعنى الاختيار وأبعاد التوافق، وأسباب فسخ الخطبة وفشل الزواج ومستتبعات ذلك، وتحديد النسل والتخطيط للأسرة، والاتصال بالبغايا وأخطاره، وأخطار المخدرات على الجنس، وتأثير الكحول على الجنس، ورفاق السوء، وتأثير الصداقة على الانحرافات وعلى الجناح، وصلة الجناح بالجنس، والإجهاض وأخطاره على صحة الحامل عضويا ونفسيا، والتأثير النفسي للإجهاض المفتعل لمدى الحياة، ومعنى مشاعر الذنب نتيجة الإجهاض، ونتيجة الاتصال بالبغايا، والتفسير النفسي الجنسي للمكالمات الهاتفية الفاضحة، واقتناء الصور الخليعة ومشاهدة الأفلام الجنسية، والنكت الجنسية، والعبارات والرسوم الجنسية التي تحفل بها دورات المياه.

   وفي المرحلة الجامعية تضمن التربية الجنسية في برامج الدراسة المختلفة، ولا تدرّس كوحدة مستقلة، وليس هناك من دراسة يمكن أن تستغني عن الدراسات الإنسانية كفروع رافدة، فالهندسة مثلا في حاجة إلى استكمالها بعلم النفس وبالأنثروبولوجيا، والطب يكمله علم النفس، ودراسات العلوم كلها لا تستغني عن الموضوعات التي تنتسب بطريقة أو بأخرى للجنس. والجنس محور للفنون والآداب، فضلا عن أن الحاجة قد أظهرت وجود أخصائيين في الجامعة للتعامل مع مشاكل الشباب، وأغلبها تتصل بالجنس بسبب أو بآخر. ولقد اقتضت الضرورة تخصّص البعض في أمور الزواج، فصارت تعطى الدبلومات في المشورة في مجاله، وهناك الكثير من الأخصائيين في الزواج في الدول المتقدمة في مجال الدراسات النفسية، وتؤخذ بشهادة هؤلاء أمام المحاكم في قضايا الطلاق وحضانة الصغار والنفقة وانفصال الأزواج. وهناك الكثير من البحوث يقوم بها علماء نفس وطب واجتماع حول مشاكل الجنس وموضوعاته، وتدرس على مستويات الماجستير والدكتوراه. وتطرقت البحوث في التربية الجنسية إلى إمكان علاج المعوقين لتكون لهم حياتهم الجنسية الصحيحة، فالمعوقون لهم دوافعهم الجنسية أيضا ولهم عواطفهم، ولابد أن تشملهم برامج التربية الجنسية ليكون للمعوق دوره الجنسي المتميز كذكر أو كأنثى، وأن تكون له هويته الجنسية التي يجب أن تكون له عند نفسه وعند الناس. وتشمل برامج التربية الجنسية الجانحين المنحرفين، وأخص هؤلاء البغايا والمعتلّين نفسيا، الذين يتصل اعتلالهم النفسي بالجرائم الجنسية أو المتصلة بالجنس، وهناك أخصائيون الآن في السجون والإصلاحيات، يقوم عملهم على التثقيف الجنسي وإعادة التعلم بالإشراط الصحيح، والعلاج بالتنفير وبالترغيب. ولقد ثبت من الدراسات والبحوث أن الكثير من السلوك الجانح أو الخاطئ سببه قلة المعلومات الجنسية أو فسادها، نتيجة الجهل المتفشي بأمور الجنس بين الشباب، والأفكار المغلوطة التي يتبرع بها أناس كانت تجاربهم في الحياة قاصرة وخاطئة. والتعليم الجنسي لا يخلق من الأطفال شبانا منحرفين بل يصحح معلوماتهم. والكثير من الأطفال تتوه عليهم حقيقتهم كذكور أو كإناث، ومعظم ألعابهم محاولات لوضع حدود ساذجة تسهل عليهم التفرقة بين الذكور والإناث. ومن الطرق التي ابتدعها أحد المربين أن استحضر صورا لأطفال ذكور ولأطفال إناث وأطلعهم عليها، فاطمئن كل إلى هويته، ولم يعد يسأل أو يحاول أن يصنف نفسه بطريقته الساذجة. وإذا نحن علّمنا أولادنا كل شئ عن الجنس بحسب الأعمار التي يمرون بها فلن يفسدهم ذلك، مثلما لا تجعل منهم مشاهد الجحيم والتعذيب في الآخرة التي يقرءون عنها في كتب الدين، أفرادا قساة القلوب غلاظ الطباع، ولو كان ذلك صحيحا لتعلم الأولاد في أوروبا من مشاهد صلب المسيح أن يقترفوا الصلب هم أنفسهم، ولكن الدروس المستفادة من تصوير الصلب، لأنها دروس على مستوى أخلاقي عالي فالنتيجة المترتبة عليها هي النتيجة المرجوة، وكذلك الحال في التربية الجنسية. وكثيرا ما يتناقض الناس وأنفسهم، فيسمحون بنشر صور الجريمة وليس على نشرها تثريب قانونا، وكذلك لا يحظر عرض الجريمة في الأفلام والمسرحيات، وإنما عرض الصور الجنسية التي قد تعطي الأولاد فكرة صريحة عن الجنس هو شيء منهيّ عنه وممنوع. والتكفير الذي يتوجه حاليا إلى الجنس، والدعوات التي تقوم على الدعوة للحجاب باعتبار المرأة عورة ينبغي سترها، كل ذلك يتم بطريقة فجة، حتى ليمكننا أن نقول إن التكفير الحالي للسفور، والتزمت المسرف بشأن تعليم المرأة وخروجها للأسواق، هما تكفير وتزمت مضمونهما جنسي. وأما الديموقراطية المدّعاة التي تقوم على التعددية كما نجدها عند الفرق الإسلامية المتطرفة، فهي ديموقراطية جنسية تقول بالإباحة، وتشيع بالانحلال في المجتمعات. وينسى القائلون بالتكفير الجنسي Sexual heresy أنه يخلق في المقابل ديكتاتورية جنسية أو طغيانا جنسيا sexual dictatorship يحرم الخوض في الجنس، ويفرض حظرا يمتد إلى آفاق أخرى، يسلبهم حر الكلام، ومن ثم النشر، وحرية الاعتقاد، وهى الحريات التي لا تنهض بدونها أية ديموقراطية. ولا يعيب الكتب الجنسية موضوعاتها، فالتوراة مثلا به قصص جنسي، والقرآن به آيات تتناول الحقوق والواجبات الجنسية بعبارات صريحة، والعبرة بالنوايا، والتربية الجنسية لا يقصد منها إشاعة الفحشاء، بل علاج الفحشاء بالتناول العلمي لمسائل الجنس، تبعا لحاجة كل عمر من الأعمار.

 

Document Code PB.0036

http://www.arabpsynet.com/Books/Hefni.B2 

ترميز المستند   PB.0036

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)