Arabpsynet | |||
|
|||
نحــو
سيكولوجيــا عربيــة دار الطليعة – بيروت – 1995 |
|
||
|
|||
q
فهــرس الموضوعــات CONTENTS / SOMMAIRE/ |
|||
§
المقدمة §
الفصل الأول : §
الفصل الثاني : o
الشخصية العربية و
تجلياتها الأدبية
o
دينامية العلاقة بين الأدب و العلوم النفسية §
الفصل الثالث : o
الاختبار النفسي العربي o
الاختبارات و تطبيقها في العالم العربي §
الفصل الرابع : o
أزمات المصطلح النفسي العربي و
إشكالياته §
الفصل الخامس : o
معاداة العلاج النفسي على الطريقة
العربية §
الفصل السادس : o
واقع الطب النفسي في العالم
العربي §
الفصل السابع : o
نحو تصنيف عربي للاضطرابات
النفسية §
الفصل الثامن : o
أزمات تدريس العلوم النفسية في
العالم العربي §
الفصل التاسع : o
عصاب الكارثة في العيادة
العربية §
الفصل العاشر : o
مقابلة مقترحة لفحص المصدومين العرب
|
|||
q
تقديــم
الكتــاب / PREFACE |
|||
قد تكون العلوم النفسية موغلة في القدم وقد يكون
التراث الإنساني غنيا من الناحية الوصفية. لكن تحول هذه الظواهر الموصوفة إلى
علوم هو تحول حديث، إذ اضطر فرويد في بداياته إلى مناقشة هذا التحول في أوائل
كتاباته والمعنون ب
"نحو علم نفس علمي".
فصحيح أننا نجد وصفا دقيقا لمرض الفصام في النصوص
الهندية القديمة، كما هو صحيح أن مصطلح الهستيريا يعود إلى عصر أبقراط، عداك عما
يحتويه تراثنا العربي من خطوات تجريبية في الميدان، لكن دخول معاناة النفس
الإنسانية في ميدان وضمن مسؤوليات العاملين في علوم الشفاء هو دخول تأخر لغاية
منتصف القرن الماضي.
في عالمنا العربي كان دخول هذه العلوم، بثوبها العلمي، دخولا خجولا إذ
تأخر الإعلان عنه لغاية تضافر جهود وطموحات أستاذين كبيرين هما مصطفى زيور ويوسف
مراد. عندها فقط ظهرت إلى حيز الوجود أولى كليات علم النفس في العالم العربي،
وكان ذلك في العام 1952
وفي جامعة عين شمس. هؤلاء الرواد الأوائل عملوا على
إيجاد سيكولوجيا
في العالم العربي. ثم حاولوا لاحقا استخدام مناهج هذه العلوم
لدراسة المواضيع الخاصة بمجتمعنا العربي. حتى إذا انتصفت الخمسينات قام الدكتور محمد عثمان نجاتي بالمشاركة في
الجمعية العالمية لعلم النفس عبر الحضاري، لكن هذه المشاركة توقفت بسبب العدوان
الثلاثي على مصر في العام 1956.
منذ ذلك الحين و مع اتساع المد القومي توالت الدعوات إلى إرساء سيكولوجيا
عربية. إلا أن غالبية هذه الدعوات انطلقت من دراسة الشخصية العربية فاتسمت
بعمومية ذات طابع فلسفي ينسجم مع امتزاج دراسة الفلسفة بدراسة العلوم النفسية.
حتى بدت هذه الدعوات وكأنها إصرار على إخراج هذه العلوم من علميتها المكتسبة
حديثا. بل إنها بدت وكأنها نوع من أنواع الاحتجاج النرجسي المستند على النكوص
إلى التراثيات والسلفيات أكثر منها دعوات إلى سيكولوجيا علمية عربية. فالمدقق ني
هذه الدعوات يمكنه ملاحظة اشتراكها في عدد من العثرات المنهجية ومنها: أولا- هل يمكن
لشخص مهما بلغ حماسه وسعة إطلاعه أن يقوم منفردا بتحليل شخصية أمة كاملة
متكاملة؟ في حين يتجه الباحثون المحدثون إلى اعتماد مبدأ "مجموعة
بالينت"، حيث يقوم كل معالج بعرض وجهات نظره ومنهجه
في علاج الحالة التي
يهتم بها، وحيث يقوم أعضاء المجموعة بتصحيح مسار العلاج الذي يعتمده هذا
المعالج؟ ثانيا- هل يمكننا المزج بين المنهج وبين الموضوع في ميدان العلوم الإنسانية
وخصوصا النفسية، في حين تقوم دراسات عالمية عبر حضارية بالعمل على
تصنيف المواضيع بحسب الثقافات؟ ثالثا - هل يمكننا اعتماد المنهج بدون إدخال تعديلات عليه، في حين يصر
النفسانيون الإنجليز على إعادة تقنين الاختبارات الأميركية قبل تطبيقها في
عياداتهم؟ رابعا- هل يمكن لمدرسة علمية ذات امتداد عبر عربي أن تقوم على جهود أفراد
وجماعات من تلامذتهم؟ إن الفرد وتلامذته قد ينجحون في إرساء تيار بحثي في اتجاه
معين، لكنهم يفشلون حكما في التأسيس لمدرسة علمية بالمعنى المقصود بشعار "سيكولوجيا
عربية". خامسا - هل يعقل أن ندرك تمايزنا واختلافنا بمعزل عن الأخر، خصوصا وأن الذات
تتموقع نسبيا معتمدة على الأخر؟ فهل يمكن الكلام عن سيكولوجيا عربية بدون مشاركة
عربية في الدراسات والتجارب عبر الحضارية؟ سادسا- هل يمكن لمدرسة علمية أن تقوم محلى أيدي غير المتخصصين أو أصحاب
الاختصاصات الموازية؟ سابعا- في غياب المؤسسات العربية الجامعة هل يتورط الأفراد في مشاريع هي ألصق
بالاحتجاج النرجسي منها بالموضوعية العلمية؟ لا أستطيع وزملائي في مركز
الدراسات النفسية أن ندعي شرف فكرة الدعوة إلى سيكولوجيا عربية. بل إننا لم نجرؤ
على هذه الدعوة. فقد اكتفينا بعنوان "نحو علم نفس عربي" للمؤتمر الأول
للمركز (1992)، وبعنوان "مدخل إلى علم نفس عربي" للمؤتمر الثاني
للمركز (1994). ثم سعينا إلى تجاوز ما استطعنا إدراكه من عثرات الدعوات المطروحة
عن طريق توجيه الخطاب إلى الزملاء العرب كافة، متخذين لذلك المنابر الثقافية
والفكرية المعروفة في عالمنا العربي. فإذا ما اكتملت لدي سلسلة من هذه الآراء
جمعتها في هذا الكتاب الذي آمل مع زملائي في المركز أن يشكل قناة اتصال متخصصة
مع الزملاء العرب. فصول هذا الكتاب سبق لها
وأن نشرت في مجلات: 1- دراسات عربية، 2- الثقافة النفسية، 3- الدفاع الوطني، 4-
المعرفة، وغيرها من المجلات العربية. كما أن بعضها كان قد ألقي في مؤتمرات
مختلفة منها: 1- المؤتمر العالمي لحل الصراعات (القاهرة 1994)، 2 اتحاد الكتاب
العرب (1993)، 3- مؤتمر الكويت لاضطرابات الشدة عقب الصدمية (1994)، 4-
"نحو علم نفسي عربي، و"مدخل إلى علم نفس عربي" (1992- 1994). وهكذا، فإن مجمل محتويات
هذا الكتاب هي أفكار أولية لا يمكنها أن تتشكل في قالب فكري- علمي إلا من خلال
توسيع حلقة النقاش حتى تشمل وجهات النظر المختلفة بعيدا عن الأسر العقلي وعن
التمرد النرجسي. |
|||
q
ملخصــات /
SUMMARY / RESUMES |
|||
§
مدخل إلى علم نفس عربي
إن الاهتداء بالتراث الإنساني هو شرط رئيس لتقدم
البشرية. هذا التقدم الذي حدث نتيجة لتطور الذكاء البشري بشكل أتاح للإنسان أن
يتعامل بصورة فكرية مع الطبيعة المحيطة به. ومرت البشرية بالعصور المعدنية
(عندما توصل الإنسان إلى اكتشاف المعادن واستخدامها) بعد العصر الحجري. وكان عصر
الأورانيوم وعائلته آخر هذه العصور. ولكن هذا التقسيم المعدني لعصور البشرية ليس
بالتقسيم الموضوعي أو الشمولي. فالتقسيم الأكثر علمية هو التقسيم الأنثروبولوجي
الذي يدرس مراحل تطور العقل البشري. هذه المراحل المترابطة ترابطا عضويا بحيث
يستحيل فصلها بسبب تداخلها العميق فيما بينها. ونحن إذ نمر على هذا التقسيم فذلك
لقناعتنا أن العقل البشري هو أذكى من كل الآلات التي إخترعها والتي يمكن له أن
يخترعها، وإن كان بعضها يفوق الإنسان في بعض المهارات.
ولقد أدرك أهل الشمال هذه الوقائع فوضعوا نصب أعينهم هدف الوصول إلى إنتاج "الإنسان العبقري" . وهم يسعون لذلك بطرق وبأبحاث عديدة.. فمن تربية الأطفال العباقرة إلى الاهتمام بدراسة العباقرة والظواهر الخارقة وصولا إلى الأبحاث الأكثر خطورة وهي أبحاث الجينات والحوامض النووية. والواقع أن مفكري الشمال قد بلغوا مستوى من الرقي الإنساني يمكنهم من التنبه إلى خطر سوء الاستخدام وخطر تحويل هذه الأبحاث من أجل تكريس تفوق أمة ما على حساب الأمم الأخرى. وهذا الخطر هو الشغل الشاغل للعديد من المفكرين الإنسانيين المعاصرين. إلا أن الشك يحيط بمدى فعالية وقدرة هؤلاء على مواجهة وغلبة العنصريين الذين يملكون قوى لا يمكن تجاهلها أو التقليل من قدرها. وهنا يطرح السؤال: أين نحن من هذه الصراعات؟
1) الأبحاث النفسية العربية: أمام هذه الوقائع نلاحظ أن أبحاثنا النفسية لا تزال أسيرة خمسينيات هذا
القرن . فالطفل العربي يعاني من قصور الرعاية والتقديمات الصحية (بما فيها
اللقاحات والطعام أحيانا). كما يعاني من قصور الرعاية الاجتماعية والثقافية. لذلك
فإننا لا نجرؤ على طرح فكرة تربيته بالوسائل التي يمكنها أن تطور قدراته
الفكرية. أما البالغ العربي فإنه يعاني من انخفاض مستوى لياقته النفسية بسبب
مجموعة من العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية. وباحثونا لم يتفقوا بعد على
اعتماد اختبار موحد لقياس مستوى لياقة الإنسان العربي، علاوة على عدم اتفاقهم
على قيام دراسات موسعة في هذا المجال ! ولو نحن التفتنا إلى الدراسات العربية النفسية لرأينا أنها تطرق المواضيع التي لا تلامس واقعنا المعيوش. فنحن لا نجد مواقف موحدة (دراسات، اختبارات، مناهج بحث... إلخ) من مواضيع مثل العنف والصدمة وعلم نفس الحروب والكوارث والذات الجماعية واللغة وأدوارها في تشكل الفكر... إلخ. وجل ما نجده في دراساتنا هو مجرد استعراض إحصائي أو أعمال فردية غير قابلة حتى للتعميم الإحصائي. ومن الأبحاث - المقالات تلك التي يحاول فيها شخص ما أن يقوم بتحليل أمة كاملة بتراثها ولغتها وشخصيتها وقوميتها وصراعاتها. فهل في هذا ما يقارب الموضوعية أو العقل أم أنه اعتداء عليهما وعلى الأمة؟
2)
علم النفس عبر
الحضاري: كان الدكتور محمد عثمان نجاتي قد أسس جمعية دراسات عبر حضارية ما لبثت أن
شهدت نهايتها في العام 1956 إثر العدوان الثلاثي على مصر. ومثل هذه الجمعية كانت
جديرة بتنسيق وبعقلنة خصوصيات أوضاعنا وذاتنا الجماعية. وفي غيابها وقع علم
النفس العربي في مآزق الأسر العقلي والشرذمة. ولنا هنا وقفة مع العقول الأسيرة،
هذه العقول التي تمتاز بالجمود الفكري الذي لا نستطيع اتهام الغرب باصطناعه.
فالغربيون يقفون مواقف فائقة المرونة من الآخر ومن خصوصياته حتى ولو كان هذا
الآخر هو العالم الثالث أو العالم العربي. فهم عندما يصدرون إلينا السيارات
فإنهم يجرون عليها التعديلات الملائمة لظروفنا البيئية ولحاجاتنا. هم يوزعون
دليل اللياقات الاجتماعية على السياح الذين يزورون بلادنا. فإذا ما تمت هذه
الزيارة فإننا نرى لدى هؤلاء احتراما، أو على الأقل التزاما، لهذه اللياقات التي
تحتقرها العقول الأسيرة! وإذا عدنا إلى علم النفس سنجد أن باحثا مثل أومبيردان
قد غير لوحات اختبار تفهم الموضوع حتى تتلاءم مع البيئات الأفريقية والأميركية
اللاتينية، وما ذلك إلا لإدراكه أن الاختبار بشكله الأوروبي غير قابل للتطبيق في
البيئات الأخرى. كذلك نرى اهتمام الباحثين الكبار بالفوارق الحضارية وآثارها
وانعكاساتها، وصولا إلى تفرد اختصاص الطب النفسي عبر الحضاري. في المقابل نرى أن بعض باحثينا من أصحاب العقول الأسيرة يرفضون الاعتراف بهذه الوقائع ويصرون على نقل المعطيات والنظريات والاختبارات كما هي!! حتى أن بعضهم يرفض استخدام اللغة العربية في حين يتسابق الغربيون إلى ترجمة كتبهم إلى العربية. ولدينا رسائل من كبار الاختصاصيين العالميين يبدون فيها اهتمامهم بالباحث العربي الذي تمكنه لغته من مخاطبة مئتي مليون إنسان. كما يبدون رغبتهم في أن يروا كتابا لهم مترجما إلى العربية. وفي المقابل وجدنا من يدعونا إلى استبدال تعبير"علم نفس عربي" بتعبير "علم نفس في العالم العربي " !!
3)
مدخل إلى علم نفس
عربي : إن تكييف الممارسة النفسية بما يتلاءم مع حاجات طالب العلاج هو من المبادئ المقدسة في الاختصاص. ومن هنا فإن طرح "علم النفس العربي" هو طرح يتمتع بجميع المبررات العلمية والإنسانية التي لا تقبل الجدل. وهذا الطرح يتوجه إلى الإنسان العربي. فمن هو غير عربي أو هو أسير ثقافة أخرى فإنه غير معني بهذا الطرح . مع العلم أن هذا الطرح، يفيد جميع الناطقين بالعربية من غير العرب. ونحن إذ نطرح "مدخل إلى علم نفس عربي" فإننا نطرحه ونحن في تمام وعينا للحاجة إلى الاهتداء بالتراث الإنساني. ومن هذا الوعي ينشأ إتصالنا بمراكز البحث العالمية وبالباحثين الكبار الذين وعدونا بتلبية دعوتنا إلى مؤتمر يحمل هذا العنوان. وكما هو واضح فإن المجلة قد تخطت طرح "نحو علم نفس عربي" انطلاقا من جهودها التي استمرت طوال عامين وتكللت بمؤتمر يحمل العنوان نفسه. من هنا فإن المؤتمر الثاني لم يتوقف لمناقشة مسألة التعريب التي باتت واقعة مكرسة على صعيدي اللغة والممارسة.
4)
الخطوات العملية: انطلاقا من توصيات مؤتمر "نحو علم نفس عربي" ومن الحاجات
المطروحة في الميدان أتى تحديدنا للخطوات العملية لـ "مدخل إلى علم نفس
عربي " على النحو التالي: 1- إصدار دليل الأطباء النفسيين العرب. 2- إصدار دليل الأكاديميين النفسيين العرب. 3- إصدار دليل المعالجين النفسيين العرب. 4- إصدار دليل الكتاب النفسي العربي. 5- إصدار دليل كليات علم النفس العربية. 6- إصدار دليل الأدوية النفسية العربية. 7- إصدار معجم الطب النفسي. 8- إرساء اللجان التالية: أ- لجنة البحوث الأكاديمية. ب- لجنة العائلة العربية. ج- لجنة التراث النفسي العربي. د- لجنة علم النفس عبر الحضاري. هـ- لجنة الاختبارات النفسية. و- لجنة المعجم النفسي. ز- لجنة الطب النفسدى. ح- لجنة الطب النفسي. ط- لجنة الشخصية العربية.
5)
مسؤوليات الباحث
العرب: لم يعد الأطباء النفسيون قادرين على التقوقع في المجالات الضيقة
لاختصاصهم، فهـم باتوا يتحملون مسؤوليات أخلاقية تتجاوز حدود الاعتناء بالمرضى
في إطار العيادات أو المستشفيات. وعلى هذا الأساس تفرع الاختصاص إلى فروع عديدة
منها الاجتماعي والوقائي والجائحي والعسكري... الخ. ومن المهام الأولية، التي باتت ملقاة على عاتق الطبيب النفسي، مهمة العمل
على تحسين مستوى اللياقة النفسية لدى أعضاء المجموعات التي يتعامل معها ولدى
أفراد المجتمع ككل. ومن هذا المنطلق بات للاختصاص أدواره الاستشارية في تخطيط
سياسة المجموعة والمجتمع. فمن السياسة الصحية إلى الاجتماعية وصولا إلى علم نفس
التجسس والإرهاب نلاحظ أن للاختصاص دوره الاستشاري فيها جميعا. على أن هذه
الاستشارات هي استثارات تقنية وليست ملزمة وإلا تحول الاختصاص إلى ميدان سياسي،
وهذا مرفوض تماما. والآن ما هي مسؤوليات الباحث النفسي العربي؟ وما هي آليات دعمه لمستوى اللياقة النفسية؟ وما هي السبل الآيلة إلى ذلك؟
6)
الشخصية العربية: إن الحديث عن الشخصية العربية هو حديث محفوف بالألغام التي تهدد الباحث
بالانفجار وجهه، وبخاصة الباحث
النفسي الذي ينطلق من مبدأ كون علم النفس وسيطا مفصليا بين الطب وبين سائر
العلوم الإنسانية. مما يحتم على الباحث أن يأخذ هذه المواضيع كافة في بحثه حول
الشخصية العربية. وهنا تكمن المشاكل وتتفجر الخلافات بين داع للتعريب ومدع بقصور
العربية، وبين تراثي متشدد وبين متعصرن يحتقر التراث، وبين داع للفصحى وبين مدع
العامية، ويطول حبل الخلاف. ومما يزيد المأزق حراجة أن كل الأطراف يرفضون مبدأ
التوفيق ويعتبرونه أداة تهدف إلى اختراقهم. لذلك نرى من المهم أن نذكر الجميع
بالملامح التي تعتبر مميزة للشخصية العربية. هذه الملامح التي تتخذ كمقاييس
يعامل الإنسان العربي من خلالها. ولإكمال الصورة نجد من الضروري مقارنة هذه
الملامح بالملامح الإسرائيلية التي تعتبر نقيضة الملامح العربية في أذهان
الجمهور الغربي. ونبدأ بتعداد الملامح العربية (وهي بمنزلة لائحة تهم موجهة إلى
الشخصية العربية). ينظر إلى العربي على أنه إنسان نزوي وغير متحضر ومتعصب متطرف وإرهابي
وبعيد عن القيم الاجتماعية الشمولية التي تشكلها الطبقة المتوسطة ( وهي الغالبة
عدديا في المجتمعات الغربية) لأنه إما غني نفط وإما فقير مهاجر. والعربي أيضا هو
إنسان نزق لا يهتم بأي مثاليات (حتى مثاليات ومقدسات مجتمعه) إلا من منطلق شخصي.
وبذلك فإنه يطلب من الآخرين احترام مثاليات لا يحترمها هو نفسه، ومن هنا إتهامه
بالرياء والكذب والسطحية. فهو إنسان غير مؤهل للالتزام بفكر شمولي متعال (حتى
ولو كان هذا الفكر مقدسا). وهم يعتبرون أن العرب قد عجزوا عن إنتاج فكر فلسفي.
فحتى وهم في قمة حضارتهم فإن العرب قد عجزوا عن إنتاج فكر فلسفي، وفلاسفتهم
المشهورون (ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم) لم يكونوا سوى نقلة وغالبيتهم
لم يكونوا عربا... الخ وتطول لائحة التهم... على الوجه الآخر للعملة تبرز شخصية الإسرائيلي على أنه شخص متحضر (بدليل
تطوره التقني ومعايشته وتقولبه مع المجتمعات الغربية) ومرن وغامض وقوي. ونتيجة
لهذه الصفات فإنه شخص ذو تأثير. وهذا التأثير يزداد من خلال الباطنية اليهودية
التي تجعل من الإسرائيلي قادرا على التأثير في مختلف المجالات. ولكن هذه السيطرة
تجعل من اليهودي- الصهيوني إنسانا متحكما وقادرا على الإيذاء ، ومن هنا واجب
مهادنته حتى لا تستعمل الشخصية الإسرائيلية قدرتها على التنظيم في إتجاه مضاد.
ونتيجة للصراع العربي الإسرائيلي ينظر الغربيون إلى العربي على أنه بعيد عن صفات
الصهيوني، بل على نقيضها. وبهذا تضاف تشويهات جديدة إلى صورة الشخصية العربية
وإلى الأفكار المسبقة، المتكونة لدى الغرب، تجاه العربي. والباحث العربي يستطيع أن يكون أكثر جدية والتزاما إذا هو انطلق من هذه
الوقائع متعاليا على ضروب الجدل العقيم. فهو يدرك بذلك أن صورة الإنسان العربي
بحاجة إلى ترميم. هذا الترميم الذي يبدأ بإزالة الأفكار المسبقة وبإقامة
حوار موضوعي بعيد عن أثر الإيحاءات الدعائية وعن محاولات الغربي للدفاع عن أناه حتى
يتهرب من أسر نظرته الطفولية إلى العالم الثالث عامة والعالم العربي بشكل خاص.
فنظرة الغرب إلينا ليست نظرة عدائية وإنما هي نظرة الطفل الذي يود أن يأخذ ما
يريده دون حساب. وهو يعادي كل من يحجب عنه الأشياء التي يريدها. وهذا الطفل تربى
على مبادئ طبيب الأطفال الأميركي سبوك. ومن هنا فإنه طفل يجهل أن للآخرين حدود
احتمال معينة وأن لحريته أيضا حدودها. وهذا الطفل، الذي حرره سبوك من اضطهاد
الأهل، يريد أن يضطهد أهله والعالم من خلالهم. وهذا تحديدا ما يفعله الأميركي
اليوم. إنطلاقا من هذه المعطيات فإن تعاملنا مع هذا الطفل عليه أن يتقيد بمجموعة من الالتزامات. أولها أننا غير مخولين للقيام بتربيته فنحن لسنا أهله. وثانيها أن من واجبنا إفهامه أننا لا نريد إيذاءه وأن هذا الإيذاء ليس هدفا من أهدافنا. وأما الالتزام الثالث فهو أننا لا نخطب وده لأنه سيئ التربية. ولكن هذا الطفل لا يأبه بنا ولا بالزاماتنا بل إنه يرانا غير جديرين بالحوار. فمن أين نبدأ؟
7)
الحوار بين الشمال والجنوب: إن حضارة الشمال هي حضارة إنسانية ومثلها مثل سائر الحضارات الإنسانية فإنها وزعت ثمارها على البشرية جمعاء. وبهذا فإنه من غير الجائز معاداة هذه الحضارة وإنما من الواجب إقامة الحوار مع مفكري هذه الحضارة، وتحديدا مع المفكرين الشماليين الذين يدركون مبدأ: "إن ضعف الآخر لا يعني إلغاءه". ولنأخذ مثالا على ذلك كتاب العالم نوام تشومسكي قراصنة وأباطرة وكتاب ألان لوبيشون النظر غير المتساوي وغيرهما كثيرون ممن نستطيع التفاهم معهم من مبدأ: "احترام تمايز الآخر وصولا إلى الاعتراف الناجز به"، وهذا المبدأ سيجعلهم يتقبلون خاصية شخصيتنا بعيدا عن الأفكار المسبقة المشار إليها أعلاه. فالعقوق ليس حصرا بشبابهم بل إن لشبابنا طريقته الخاصة بهذا العقوق. وهو يسعى إلى فرض تمايزه بالقوة عندما ييأس من الحوار. وهذا ليس تهديدا وإنما هو نتيجة طبيعية يدركها كل الباحثين. على أن الباحث النفسي قد يقصر في مجاراة هذا الحوار الفكري- الفلسفي ولكنه لن يقصر عندما يساهم في الأبحاث النفسية عبر الحضارية، وهي من الوجوه الأكاديمية للحوار بين مختلف الثقافات. ومن تجاربنا الخاصة نستطيع التأكيد على فعالية هذا الحوار وعلى الانفتاح الكلي لعلماء النفس الأجانب (خلا بعض العنصريين المعروفين) وعلى احترامهم الناجز واعترافهم التام بالآخر.
8)
المعوقات
والمعطيات الموضوعية: إن آباء النجاح كثر ولكن أب الفشل واحد. وهذا الأب يحاول إيجاد جميع
المبررات لتبرير الفشل. وهو يحاول توضيح أدوار الآباء الآخرين الذين كانوا على
أهبة الاستعداد للتنافس على الأبوة في حال النجاح. لذلك فإننا سنعمد إلى تعداد
المبررات المطروحة كتفسيرات للقصور في انتفاع مجتمعنا من الخدمات الجليلة التي
يقدمها علم النفس. وهذه المبررات هي التالية: 1- قصور الخبرات. 2- قصور التجهيزات. 3- قصور الإمكانيات المادية. 4- فقر الباحثين. 5- انعدام مخصصات الأبحاث. 6- القصور التقني. إلا أن هذه الأسباب مجتمعة عاجزة عن تبرير الفشل في الإفادة من علم
النفس. ذلك أن البحث النفسي لا يتطلب المصاريف الضخمة. فالجهود التي يتطلبها هذا
البحث هي جهود بشرية في المقام الأول. وهذه الجهود يمكن توافرها بالحد الأدنى من
الكلفة عن طريق رسم سياسة جامعية واضحة. فلو نحن أخذنا الجامعة اللبنانية (حيث
تعد مئات رسائل الجدارة والدكتوراه) مثلا، فإن بالإمكان توجيه طلابها نحو دراسة
معاناة وانعكاسات الحرب اللبنانية على النواحي الإنسانية كافة لمعايشة المواطن
اللبناني لهذه الحرب. فلبنان اليوم بحاجة لأبحاث تتناول جهاز القيم والانحراف
وحمل السلاح والإجرام المنظم والإدمان وطفل الحرب وشباب الحرب ومتوسط الأعمار في
لبنان ونسبة الطلاق والزواج والهجر وأعصبة الحرب والوساوس المرضية والرهاب
والقلق والعلائم الانهيارية ومعاداة المجتمع واضطرابات الشخصية ومستوى اللياقة
النفسية بعد الحرب... إلخ. وهذا مجرد مثال على المعاناة اللبنانية الخاصة، إلا أن هناك معاناة أشمل
هي معاناة الشخصية العربية التي تقتضي تنسيقا أرقى وأعم. ونظرا لقصور خبراتنا
البشرية فإن الخطوة الأولى المضادة للشرذمة إنما تتمثل بإنشاء مجلس عربي أعلى
للأبحاث النفسية، على أن يتألف هذا المجلس من أقطاب الاختصاص في العالم العربي.
وتكون مهمة هذا المجلس توجيه سياسة البحث العلمي- النفسي في العالم العربي
والإشراف على هذه الأبحاث (إشرافا عاليا) وتقويمها وتسهيل نشرها ووصولها إلى
أيدي بقية الباحثين، ومن ثم عرض هذه الأبحاث والتجارب لمقارنتها بتجارب الزملاء
الأجانب. ونحن نرى في مجلة الثقافة النفسية خطوة أولى على هذا
الطريق... |
|||
q
تقديــم الكتــاب الأستـاذ الدكتـور
عبد الرحمن العيسوي |
|||
تعيش امتنا العربية، في هذه الأيام، حقبة
حاسمة من تاريخ نضالها ساعية لاستعادة تنظيمها (Reorganisation) في عالم تعج به الأمواج والأنواء والأعاصير
والتقلبات ويزداد فيه الصراع وتحتدم فيه المنافسات الاقتصادية والتكنولوجية
والتطاحن العالمي والإقليمي والمحلي.
وتواجه امتنا العربية كثيرا من التحديات
السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والفكرية.
وتقتضي هذه التحديات أن تعمل امتنا العربية
- وخاصة علماؤها وباحثوها - على ملاحقة ركب حضارة العصر، تلك الحضارة التي يسير
فيها التغيير بخطوات سريعة متلاحقة، فالتطور لا يقف لحظة عند حد معين. الأمر
الذي يجعل من الضروري أن يقوم علماء هذه الأمة باستخدام العلم ومناهجه والياته و
أدواته في التصدي لما يواجه المجتمع العربي من المشكلات، تصديا علميا، يقوم على
البحث والدرس والتخطيط، وسعيا وراء تحقيق التنمية الشاملة، والتقدم والتطور
والرخاء والازدهار. وذلك بوضع الحقائق العلمية موضع التطبيق في كافة مجالات الحياة
العصرية.
فان أمة تلهث أنفاسها للحاق بركب الحضارة،
لا يمكن أن يكون جهود علمائها ضربا من الترف العلمي أو أن يجلس علماؤها في أبراجهم
العاجية بعيدا عن معترك الحياة في المجتمع. وهذا ما يفعله، وكثيرون غيره، عالم
كبير وباحث مدقق وعربي غيور على عروبته و وظيفته وعلى تخصص العلمي هو الدكتور
محمد احمد النابلسي مدير عام مركز الدراسات النفسية بلبنان, فمنذ غير قليل وهو
يكرس جهوده من اجل وضع الحقائق والمعطيات والنظريات والمنجزات والمكتشفات
العلمية في مجال علم النفس والطب والتربية، وضعها موضع النفاذ والتطبيق، لتعم
الفائدة والنفع على عالمنا العربي كله من محيطه إلى خليجه.
كرس الدكتور النابلسي جهوده لهذه الرسالة
القيمة وبلورها وجمعها في كتاب صدر عن دار الطليعة في بيروت، يحمل عنوانه اسم
الدعوة التي نحن يصددها (نحو سيكولوجيا عربية). ومن بالغ إعجابي بهذا الكتاب
وصاحبه، أثرت أن اقدم له تحليلا شارحا لمادته وفحواه ودعواه ومتلمسا ما يمكن بين
السطور في هذا العمل العلمي الرائد ...... تلك الدعوة التي تنادي، أولا، بتطبيق
علم النفس ونشره وتدريسه في كل المؤسسات التعليمية و إجراء البحوث الميدانية في
هذا المجال الحيوي على امتداد عالمنا العربي، للاستفادة من المبادئ النفسية في
تنمية الإنسان العربي، و إعادة تكوينه وتمتعه بالصحة النفسية والعقلية، وتحقيق
تكيفه وسعادته ورفاهته وتقدمه وتطوره، وحمايته من الإصابة بالأمراض النفسية
والعقلية، والتي يزداد انتشارها في هذه الأيام إلى الحد الوبائي.
يواكب هذه الدعوة العملية التطبيقة في فكر
العلامة/محمد النابلسي دعوات أخرى لا تقل أهمية ولا قدرا ولا شرفا عن دعوة
التطبيق وهي تكوين مدرسة عربية في علم النفس. بحيث تنبع حقائقها ومعطياتها من
الواقع العربي وهو ما زال مجالا خصيا وبكرا أمام الباحث العربي في العلوم
النفسية. وذلك حتى لا يقال أن علماء النفسي في بلادنا أنهم إلا مجرد نقلة
ومترجمون للتراث السيكولوجي في بلاد الغرب. وإذا كان هذا الوضع صحيحا لأصبح علم
النفس المنقول غريبا وبعيدا عن الروح العربي الأصيل. وغير معبر عن أعماق الشخصية
العربية... تلك الشخصية التي تربت ونشأت وترعرعت على ضفاف الثقافة العربية، وهي
ثقافة. ولا شك، أصيلة وراقية.
الكتاب الذي اشرف بتقديمه للقارئ العربي
الكريم عبارة عن خلاصة فكر عالم عربي يمتلئ حسه ووجدانه بالحماسة لكل ما
هو عربي ووطني صادق. ولقد أفراد الدكتور النابلسي الفصل الأول من كتابه للدعوة
لضرورة قيام « مدرسة عربية للطب النفسي ولعلم النفس » وفي هذا الفصل يورد
المبررات الداعية لقيام علم نفس عربي المنشأ والمادة والمنهج ويعني بالشخصية
العربية ومشاكلها، وكيفية تنميتها. ويتبع هذه الدعوى لإقامة « علم نفس عربي ».
ضرورة ترجمة التراث العلمي الغربي، مع ضرورة الاتفاق بين العلماء على المصطلحات
الفنية المستخدمة في مجال علم النفس وترجماتها من اللغات الأجنبية تسهيلا
وتيسيرا للتواصل العلمي بين علماء النفس على امتداد عالمنا العربي.
وبطبيعة الحال كان لا بد للدكتور النابلسي
أن يدعو إلى ضرورة التوسع في إجراء البحوث الميدانية العملية على واقع البيئة
العربية , ثم توثيق هذه البحوث وربطها بشبكات الحاسب الآلي لسهولة تداولها بين
المشتغلين بعلم النفس والطب النفسي. ومن ثم التنسيق وتبادل الاستفادة ومنع التكرار
وضياع الجهود.
ويمتاز الفكر السيكولوجي عند الدكتور محمد
النابلسي بالشمولية والتكامل, وعلم النفس لا يقف في الميدان مستقلا عن غيرة من
العلوم والمعارف الأخرى, و إنما يتفاعل ويترابط وإياها فيتفاعل مع الطب الأدب
والفلسفة والهندسة وعلم الاجتماع واللغويات والتربية.
هنا تبدو حقيقية جوهرية في الفكر السيكولوجي عند الدكتور
النابلسي مؤداها أن هناك جانبا سيكولوجيا في كل هذه الفروع وتلك المجلات,
فالسياسة والطب والعسكرية والاقتصاد والتربية, لا تخلو من وجود عناصر نفسية قوية
تحرك العمل في هذه المجلات. ويستعرض د. النابلسي مشكلة من أهم مشاكل التطبيق في
مجال علم النفس والتربية وهي تلك المشكلة
المتعلقة بمشروعية تطبيق الاختبارات والمقاييس النفسية المنقولة أو
المترجمة عن اللغات الأجنبية. وتتمثل هذه المشكلة في وجوه من يعارض تطبيقها على
عينات عربية أو على الشخصية العربية وهي مصممة ومقننة للاستخدام على شخصيات
أميركية أو غريبة تربت في ثقافات مغايرة للثقافات العربية, وعلى ذلك لا يصح أن
نقارن درجات طفل في أعماق الريف أو الصعيد المصري مثلا بدرجات نده أو زميله
الأمريكي.
فقد يكون من السهل أن نسأل الطفل الأميركي.
عن طول ارتفاع تمثال الحرية، ولكنه من غير اللائق أن نوجه السؤال ذاته للطفل
العربي. ولكن للرد على هذه الإشكالية نقول أن علماء النفس والتربية لا يطبقن
الاختبارات الأجنبية بصورتها الأصلية
أو ينقلونها نقلا حرفيا و إنما يعيدون صياغتها ومفرداتها ويعيدون حساب صدقها
وثباتها بتطبيقها على عينات عربية، ويضعون لتفسير حساب صدقها وثباتها بتطبيقها
على عينات عربية، ويضعون لتفسير دلالاتها "معايير" مستمدة من
التطبيق،على الشخصيات العربية، وبذلك لا نقارن الطفل العربي بطفل أمريكي، و إنما
نقارن درجاته بزميله العربي، بل الذي يتحد معها أو يتساوي معه في السن والجنس
والمستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي ومحل الإقامة.
ولذلك نبه النابلسي، وبكل الحق، أننا
"هنا نستنتج استحالة تطبيق أي اختبار نفسي وفق الأسس والأصول الغربية في
مجتمعنا العربي إذ أن القواسم المشتركة تكاد تنعدم نل وتتناقص في اكثر من ناحية
ويلخص ذلك في شكل الصعوبات اللغوية، واختلاف النظام الأسري ومكانه الرجل والمرأة
وأساليب التنشئة الاجتماعية للذكر والأنثى في مجتمعنا العربي عن نظائرها في
المجتمع الأوروبي.
ينادي الدكتور النابلسي بضرورة صبغة
المعالجات النفسية في البيئة العربية بالصبغة العربية والثقافية والأخلاقية. وفي
قضية النقل والاقتباس عن الغرب ينبغي أن نقول أن الاقتباس والنقل والاستفادة من
حضارة الغرب وعلومه العلاقة بين الطب وعلم النفس يدعو النابلسي إلى تحاشي صراع
الاختصاص وبدلا منه يدعو إلى قيام التعاون بين الطب والمشتغلين به وعلم
النفس والقائمين عليه. كما يدعو إلى قضية بالغة الأهمية والخطورة وهي ضرورة
نشر الوعي النفسي أو الثقافة النفسية كسبيل أكيد للوقاية والحماية من الإصابة
بالأمراض النفسية والعقلية والسيكوسوماتية، وذلك بالإكثار من الندوات وعقد
المؤتمرات ونشر الكتب والكتيبات والمجلات إلقاء المحاضرات العامة في مجال التوعية
الصحية.
والحقيقة أن قضية التوعية قضية بالغة الأهمية،
فهي تحمي المواطن العربي من الوقوع في مستنقع المرض العقلي. أو السقوط بئر الإدمان
أو الوقوع في برائن الجريمة والانحراف والأزمات أو الوقوع في برائن الجريمة
والانحراف والأزمات النفسية تبدد طاقة الإنسان وتهدها وتشتت الانتباه وتقضي على
الطاقة الإنتاجية، ولذلك فان العلاج إنما هو ضرب من ضروب الاستثمار النافع، وليس
من قبيل الخدمات.
في مجال العلاج يتحدث د. النابلسي عن ضرورة
قيام فريق متنوع التخصص بعملية العلاج بدلا من أن ينفرد به معالج واحد. وذلك
استكمالا للصورة المرضية، وشمولا وتبادلا للخبرات. ولا يفوت الدكتور النابلسي أن
يدعو إلى ضرورة تأهيل وتدريب الطبيب النفسي تأهيلا علميا وأخلاقيا ومهنيا.
ولا ينسى الدكتور النابلسي انه عاش وعاصر
وكابد من ويلات الحرب التي اندلعت شرارتها على ارض وطنه الأم لبنان الشقيق،
ولذلك تحدث عن عصاب الحرب اللبنانية، والهلع من السيارات المفخخة والاضطرابات
العقلية والنفسية والعصبية والسيكوسوماتية التي تعقب صدمة الحرب وضغوطها
النفسية.
في ختام هذه الدراسة الرائدة يستعرض الدكتور
النابلسي مناهج البحث في حالات الكارثة، وطرق إجراء فحص الذين يتعرضون للصدمات
والتعرف على الآثار الجسمية والنفسية التي تدركها الصدمة في شخصية المصدوم. ومن أمثلة الصدمات الحروب والزلازل
والبراكين والفيضانات والسيول.
وبعد، فهذه رحلة عابرة في أرجاء فكر
النابلسي السيكولوجي ودعاويه للنهوض بهذا العلم الفتي والشاب والحديث والاستفادة
منه إلى أقصى درجات الاستفادة في النهوض بعالمنا العربي. وفوق كل شيء في النهوض بالإنسان
العربي الذي هو أغلى ما نتملكه من ثروات
|
|||
Document Code PB.0076 |
ترميز المستند PB.0076 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |