Arabpsynet | |||
|
|||
|
|
||
مدخــل إلى الطــب
النفســي و علــم النفــس المرضــي
د.
محمود هاشم الودرني
مكتبة علم النفس – دار الحوار 1986 |
|||
|
|||
|
|||
q
فهــرس الموضوعــات
/
CONTENTS /
SOMMAIRE |
|||
§
مقدمة §
القسم الأول o
الفصل الأول o
الفصل الثاني o
الفصل الثالث o
الفصل الرابع §
القسم الثاني o
الفصل الأول o
الفصل الثاني o
الفصل الثالث o
الفصل الرابع o
الفصل الخامس o
الفصل السادس الفصل السابع o
الفصل الثامن o
الفصل التاسع §
القسم الثالث §
المصادر والمراجع |
|||
q
تقديــم الكتــاب
/ PREFACE |
|||
يتموضع
الطب النفسي وعلم النفس المرضي في موقع وسيط بين العلوم الإنسانية والعلوم
الطبية والصحيحة مما يعطيهما خصوصية تماثل أو تزيد على ما يشابههما من علوم
الإنسان والمجتمع الأخرى.
فدراسة النفس في سوائها واضطرابها تراوح بين المخبر
المغلق و الروائز والقياسات و بين الحياة في أشمل بعد لها، البعد الاجتماعي،
لذلك ليس، طرح مدخل إلى هذا المجال المعرفي، في سوق الاستهلاك الاجتماعي، بنفس
يسر وبساطة. صياغة أي كتاب طبي إكلينيكي آخر، إذ لا بد أن يتضمن هذا المشروع
سواء في ذاته أم في صيرورته وسياقه، منذ البدء، طرح تساؤلات، من باب المسؤولية
والالتزام، حول مدى مشروعية تقديم بنيان معرفي، يتمحور حول الديناميكية النفسية
التي لا يمكن بأي شكل، عزلها عن أبعادها الثقافية والاجتماعية والحضارية، يستقي-
أي هذا البنيان، منهجيته ومصادره وصياغته المعرفية من منظومة ثقافية إجماعية قد
تكون مختلفة في بنيتها. هذه أولى إشكاليات نقل هذا النمط المعرفي أو محاولة
إدماجه ومفصلته ضمن صيرورة المنظومة الثقافية الاجتماعية المعنية، التي يجب أن
يطرحها من لا يريد تقديم عمل غيبي يأخذ موقعه ضمن نمط إنتاج- استهلاك خرافي سائد
في المجتمع العربي لا يمت إلى الواقع المعاش بصلة ولا يندمج ضمن جدل الوعي
الإنساني الفاعل بل يدور في فلك الاستلاب بجمود القوالب المطروحة وخروجها عن
تاريخية الحدث سواء كان فكريا مجردا أم ماديا... هذا التساؤل الذي طرحته على
نفسي، وليس لأول مرة، بل عبر سياق مشروعي الملتزم بالمساهمة في إدماج العلوم
النفسية من موقع عضوي ضمن ديناميكية إرادة النهوض الحضاري العربي عبر أفق إنساني
شامل، كان أحد وجهيه غياب انبثاق مدرسة عربية حديثة لعلوم النفس بل وعوز تقليد
معرفي في هذا المجال- وكأن العربي انهمك في الهروب من كل ما يمت إلى ذاته
العميقة بصلة، منذ انبلاج عصور انحطاطه- كذلك يغيب أي مسح نفي عام أو إكلينيكي،
فردي أو اجتماعي على مستوى الذات
العربية يمكن الاعتماد عليه كمحك تنحت عليه البنى النظرية والإكلينيكية العامة
ويعاد صياغتها انطلاقا من ذلك بشكل ملائم والوجه الآخر و الإيجابي لهذا التساؤل
هو ما أراه من انكفاء الإنسان العربي، بعد نضوب معظم حظوظ التحرر والنهوض عبر
مدرسة التجربة والخطأ السائدة والتي لا تزال تستحكم في ديناميكية المجتمع
وتستثمر أو تسير عشوائيا بمختلف مشاربها وآفاقها، مصادر قوته، انكفاء هذا
الإنسان إلى ذاته يبحث فيها، ربما، عن ينبوع ضعف، يعلل كبوته المستديمة واستمرار
عجزه الحضاري بعد انسداد آفاق الحرية والتحرر أو خطرها على حياته كلما حاول
الإمساك بزمام وجوده وصيرورته الاجتماعيين. ليست اللغة أداة ميكانيكية جامدة
تكتفي بأن تكون واسطة نقل بل هي وعاء التجربة الإنسانية تنفعل بتاريخه الفردي
والاجتماعي وتتمفصل رهافة دلالاتها ومعانيها مع أعمق الخصائص الانفعالية
والذهنية الشعورية واللاشعورية لهذا الإنسان لأنها الرمز الذي سمح للإنسان
بالانطلاق من عقال بهيمية اللاوعي وعجز الصورة- الانطباع- الذاكرة عن الجدل
والتفاعل والتركيب بدءا من تسمية الغائب (الأم- الأب) في الطفولة الأولى ونقله
رمزا إلى تركيب الذاكرة وأدوار اللعب البدئي، مناورة مع تجربة الحرمان المفجع
عبر سياق إنفصام العلاقة الاندماجية مع الأم وانتهاء بالتجريد المبدع. لذلك ليست
اللغة لغة الأنا فحسب ولغة المنطق والعقل المجردين وحدهما، بل هي أيضا وخصوصا
لغة اللاشعور النابع من تجربة الطفولة الأولى ولغة الانفعالات و الاتصال
والثقافة. كل ذلك يجعل من نقل معرفة نفسية، مهما تنمذجت في أطر علمية محايدة
وموضوعية، أمرا ليس بالهين لأنها تتعرض لخطر الالتباس وسوء الفهم والتأويل تحت منظار نفسي- ثقافي مخالف لينبوعها
ومبرز صياغتها بذلك الشكل اللغوي ذاته... خصوصا عند احتداد الأمر وملامسته
تجليات اللاشعور ومقارباتها التحليلية... فعند اللغة العربية لا نجد أن استعدادا
لإدماج المعرفة النفسية لم ينضج فحسب بل إن تعقيدا في بنية أداة الاتصال هذه
يعكس تعقيدا بنيويا في التركيبة الاجتماعية وصراعا كامنا بين مختلف صيغها
المتعايشة ضمن توازن جمودي يخالف ضرورة الديناميكية الحضارية من أجل التقدم...
حيث لا يزال كثيرون يتمكنون بثراء تاريخي قادم أو موروث من العصور القديمة يشكل
تضخما ناجما عن إنفلاش المجال الحيوي وسيادة الإعتناف الهادف لكسر الأفق المساحي
الهائل إلى خطوط متجزئة وكسر التحرير الحدي أو تصعيده إلى إسهال لغوي تبريري
ينتقل أحيانا إلى الفعل (التكافؤ الضدي في اللاشعور الإجتماعي العربي القديم بين
مفهوم "الأشهر الحرم " والمناسبات الإباحية الجاهلية التي كان يقنن
فيها إختراق عدة محرمات...)... بينما يتشبث هؤلاء التقليديون (حتى وإن تتسربلوا
بلبوس تقدمي) بتحريم إدخال اللفة في ديناميكية الصيرورة الحضارية لتتمكن من
الدخول في جدلية التقدم وتيسر سبيله بإعادة صياغتها تبعا لمتطلباته ولا شك أن
خلفية هذا التابو المضروب حول اللغة هي أبعد من تكيد هوية مزعومة أو الحرص على
تاريخ بتجميد صيرورته وإعطاء الرمز قدسية ميتافيزيقية تسمو على الفعل وتستعبد
الإنسان بربطه إطلاقا ونهائيا إلى ماض سحيق لا يستمد مشروعيته إلا من الخرافة
المجردة، فهذه الخلفية ليست إلا خوفا من سقوط التابوات الأخرى المرتبطة في
منشئها وتساندها الجدلي وخوفا من حركة الحضارة التي تهدد بالتبدل والتغيير أولئك
الذين لا يعيشون إلا في ظلام ووحشية التكرار والتقليد مثل سكان كهف أفلاطون...
إذن هذا التعقيد في بنية اللغة هو أبعد من أن يكون وظيفيا وعضويا بل يصبح غالبا
سلاحا يحارب به الإبداع والتجديد وكأنه على الحضارة والمعرفة أن تتكيفا مع لغة
نهائية وجامدة وليس العكس، ويمكن القول هنا أنه لا توجد ضجة أثيرت حول لغة، مثل
تلك التي أثيرت حول اللغة العربية باعتبارها هرما حضاريا شامخا إلا أن ذلك لم
يمنع لفات المجتمعات التكنولوجية الأخرى من تركيب وتجديد تعابير ومصطلحات
المعرفة والعلوم والآداب وترميزها واثرائها وتجاوز القديم والمستهلك منها دون
حيرة أو فزع أو تقديس غيبي بينما يلهث حملة و المعرفة في المجتمع العربي خلف هذا
السياق ملاقين مختلف العوائق سواء في ذواتهم أو في محيطهم دون التوصل إلى مفصلة
هذه المعرفة مع ترميزها اللغوي بل يقتصرون على ميكانيكية مفهوم "التعريب
" الذي لا يتجاوز نقلا ظواهريا قاصرا وجزئيا لتجدد وابتكارات التعبير
العلمي في المجتمعات التكنولوجية لذلك يصادم هذا القصور كل مشروع عمل يريد أن
يكون عضويا ينساق في ديناميكية عامة مثمرة. كما يصادمه، عندما يريد الدخول إلى
الحيز النوعي للبنية النفسية الثقافية، تجزؤ اللغة إلى عدة لهجات ويعد التطابق
بين لغة التخاطب ولغة الكتابة مما يشير إلى فصام بين التعبير العقلي والتعبير
الإنفعالي خصوصا على مستوى بنيان اللاشعور القائم على اللغة "الأمومية، إذ
تفرط عقلنة اللغة المكتوبة في تجريد التراث الحضاري عن بعده النفسي- الثقافي
وتفصم الجدلية بينهما مما يؤدي إلى عوز وانكماش في المسافة الوسيطة، مسافة
الخيال والإستشراف التي هي مجال الفعل والإبداع النفسيين... هذه بعض عقبات قلصها تواضع مشروع العمل
الراهن لكن لن يمنعها هذا التأجيل المبرز من البروز عبر ضرورة التعامل معها كجزء
من متغيرات بنيوية تؤطر وتتجادل مع كل عمل طموح يريد أن يكون عضويا في هذا
المجال المعرفي... يتوجه هذا العمل إلى متناول إستهلاك القارئ غير المختص مثلما
يتوجه إلى الذين يمتلكون الوظيفة أو المرقع العلاجي أو يتكنون ضمن إطاره من
أطباء وعلماء نفس. وذلك اعتمادا على أنماط القراءات المختلفة لعمل واحد حسب
الأفق المعرفي والحياتي الذي يقارب به هذا العمل... مما يحملنا على توضيح بعض النواحي المحيطة
بمنهاج الطرح النظري للطب النفسي وتصنيفاته والمتعلقة بخصوصيته. فالعمل الوصفي
والتصنيفي على هذا المستوى هو مجاراة لضرورات نشر المعرفة ونقلها أكثر منه تجميد
السلوك البشري داخل قوالب ميكانيكية... فالقارئ العادي قد يميل، عبر إطلاعه على
أوصاف وتصنيفات علم النفس المرضى، إلى محاولة تحديد ذاته أو ربط آلياته النفسية
بما يقرأه. وقد تساوره الشكوك والمخاوف أر يتجه إلى تقييم غيره عبر منظار ما
أكتسبه من معرفة نظرية... لذلك لا بد أن يعرف قبل دخوله إلى هذا المجال المعرفي
الخصوصي أن النفس البشرية كثر دقة
وتعقيدا من أي تصنيف أو وصف سوي أو مرضي. وأن هذه النفس بحكم طبيعة نشوئها
ونموها وثرائها تمتلك كل الآليات النفسية الممكنة، بما في ذلك إمكانية الهلوسة
والهذيان والخروج عن الواقع، دون أن يدل ذلك على مرضية وصفية أو استعداد للشذوذ
النفسي. كما أن الصراعية النفسية والقلق سمتان مرافقتان للإنسان، ولا تصبح كل
هذه الإمكانات "مرضية" إلا عندما تشذ بالإنسان عن واقعة اليومي، أو
تمنعه عن الإنسجام الذاتي والتكيف الفاعل مع المحيط ومتطلباته حيث ولى العهد
الذي كان فيه الأطباء النفسيون يضعون حدا حاسما بين السواء والمرضية، ويضعون
الأفراد ضمن جداول وتصنيفات تحدد أنماط الشخصية واستعداداتها المرضية، أو تتعامل
مع الإضطراب النفسي مثلما تتعامل مع أي تناذر جسماني. إذ أن الأبحاث الحديثة
والعميقة أكدت أن ما قد يتظاهر كمرض، في حالاته الحدية، ليس إلا تضخم سرطانيا
لطاقات أو إستعدادت نفسية طبيعية، تعود لإختلال التوازن النفسي... وظهرت نتائج
هذه الأبحاث في كتب تحمل عناوين ذات دلالة مثل "كلنا نفاسيون " أو
"دفاع عن شذوذ طبيعي" (أو سوي). وفي ظل هدا المناخ الجديد لم يعد يطلق
على "مستهلك " العيادات والمستشفيات النفسية تسمية! المريض بل "
المعايد" أو " المراجع "ولم يعد من مجال للسماح، إجتماعيا،
باعتباره "مجنونا" ننتزع عنه الصفة الإنسانية وحقوقها بينما لا يمثل
إستلابه واغترابه النفسي الإجتماعي بل وكل أعراضه إلا استفحالا للألم في ذاته
المعذبة وصرخة استغاثة لمن أصبح عاجزا عن تحديد هويته ونقل رسالة وجوده في
إعطائه طاقة أنوية مستقلة تنسق مختلف أطراف شخصيته وعلاقاتها مع
العالم الخارجي. مما يعني أن المعلومات والتصنيفات النظرية التي يحصلها الطبيب و
المعالج النفسي، لا تعدو أن تكون دليلا عاما ومرشدا يسمح أحيانا بالتفريق وتمييز
بعض التناذرات النفسية العضوية منها خصوصا. بينما لا تغني عن التعامل مع كل حالة بأسلوب
نوعي يتضمن أساسا الاعتبار المبدئي لإنسانية المراجع وخلفيته الثقافية
الإجتماعية وكذلك دخول الطبيب في علاقة خصوصيته مع مراجعه يندمج خللها في سياقه
النفسي ويحاول فهم آلياته ومنابعها ومراميها ويتعاون معه على إعادة تركيب
ديناميكية نفسية فاعلة تعيد علاقاته مع ذاته ومع العالم الخارجي إلى سوائها. فلا
يقتصر على اعتماد التصنيفات و الأحكام التي يجدها ضمن المناهج الطبية الكلاسيكية
و يتبع ميكانيكا خطط التعامل والمعالجة التي تنص عليها، فقد يساعد ذلك على تشخيص
تفريقي ويدفع إلى تحريات مخبرية وعضوية ويميز تناذرات وإنذارات ويعطي أحيانا
دليلا فارماكولوجيا عاما لكن لا يمكن بأي حال أن يغني عن البعد النفسي المتظاهر
في كل حالة وعن الخصوصية الثقافية- الإجتماعية لكل مراجع حيث يتحمل الطبيب مهمة
إبداع الخطة العلاجية النوعية المتكاملة ومسؤولية ضمان الحقوق الإجماعية لمراجعة
والدفاع عنها والعمل على التخفيف من استلابه وقسوة محيطه وغربته النفسية
الإجتماعية. |
|||
Document Code PB.0112 |
ترميز المستند PB.0112 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |