Arabpsynet | |||
|
|||
انجراحــات السلــوك و الفكــر في الذات العربيــة في الصحة العقلية و البحث عن
التكيف الخلاق
د. علي زيعور المركز الثقافي العربي - 1992 |
|
||
|
|||
q
فهــرس
الموضوعــات /
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
مقصرات §
تقديم
§
الملف
الأول: علم إعادة الضبط أو علم الصحة النفسية
للفكر والسلوك في الذات العربية o
مدخل: مأساة ما بين واقع التعلم وأمل التجاوز. ·
الفصل
الأول: جلسة إعداد عام. -
مقدمة في مناهج
الإنتاج أو في العمليات الإجرائية والأدوات. ·
الفصل
الثاني: تبصرة في ميدان الثقافة والفكر أو في
اختلالات السلوك والوعي. ·
الفصل
الثالث: انجراحات وظواهر مرضية في مسار الخطاب
الراهن نحو التكييفانية الإسهامية. -
القسم
الأول: لوحة تشخيص ومحاولة نماطة -
القسم
الثاني: أشمولة وكلمة راغبة -
خلاصة
§
الملف
الثاني : إضطرابات وظيفية:
اللاعقلاني وتضخم الانفعالي أو اللاعلمي واللامتمايز في الحقل والشخصية
والعلائقية o
عند
المقاربة الأولى: المرض
النفسي إنجراح ثقافي. o
الجلسة
الأولى: تشخيص: إحباطات وصراعات في الشخصية
والمرجعية o
الجلسة
الثانية: تكسر واستيعاب تكييفات سلبية وفاترة-
ناقصة أو لا متمايزة، في الجسدي والعقلي والاجتماعي ·
القسم الأول: ممهدات جلسة جديدة متمركزة
حول وعي الصابر وعقله وإرادته
·
القسم
الثاني: طاقات غير مستثمرة وتوجهات عامة محبطة
غير منظمة o الجلسة الثالثة: إعادة تعضية الشروط الاجتماعية والبنى
المادية من أجل الصحة النفسية للفكر أو في سبيل تحرير الإنسان
§
الملف الثالث: الاتجاه إلى العقلانية الراشدة أو النضج الانفعالي (التكييفانية في
الأنا والنحن والتواصل)
o
مدخل: ممهدات وأعمومات o
الجلسة
الأولى: الانجراحات المعهودة في العائلة
والمدرسة وتجربة المراهقة ·
القسم
الأول: بين الصراعي والناضج في العائلة والمدرسة ·
القسم
الثاني: من مشكلات النضج في تجربة المراهقة -
إبانة سريعة
o
الجلسة
الثانية: ممرضات المرأة في فضائنا الاجتماعي
الاقتصادي اللامتوازن o
الجلسة
الثالثة: إنجراحات الحرية -
في الفرد والمجتمع والتواصل- مانعة للصحة العقلية والتكيف الخلاق. ·
القسم
الأول: إنجراحات في الوعي الثقافي، الحرية
والانغلاب ·
القسم
الثاني: رواسب تزييفية للحرية، أمراض
واستلابات ·
القسم
الثالث: الخطاب الراهن في الحرية §
عند
العتبة §
مصطلحات |
|||
q
تقديــم
الكتــاب / PREFACE |
|||
1.
لا ينصب هذا الكتاب، وهو
الجزء الثالث عشر من موسعة التحليل النفسي الإناسي للذات العربية ، على تصنيفات
للثقافة (أو, أحيانا، للفكر) إلى: علمية وأدبية، رسمية (فصيحة) وشعبية، عمودية
وأفقية، وطنية وما بعد وطنية وبشرية (إنسانية) ، منوالية وجديدة، إصلاحية
وجذرانية، ذات قطيعة مع الماضي أو استمرار له... فالقضية هنا أكثر من ذلك ,
وتتعداه . كما أننا نحذر من النماطة إذ هي، برغم منافعها، قد تقفز فوق المهمش
والمتغير، الرمزي و الإناسي ,حفاظا منها على المضمون ، والإيجابي أو السليم.
2.
سنجد محاولة لمراجعة ما فعلته
الثقافة ، من هدم وتعمير، بالطبيعة والوجود "الأصلي" للإنسان ولمراجعة
ما فعلته ثقافة الآخر بالذاتي والمحلي والخصوصي، أي لما أحدثته فينا إيديولوجية
الآلوية ( الآليانية ) ، والفرادنية ، والنزعة الاستهلاكية المفرطة، والشهوة
لاستتباع "الأطراف" القليلة الإنتاج والصناعة... وسنجد إطلالات على ما
لم تطله بعد الثقافة فينا : تنظيم الزمان والمكان ، فغل الزمان أو توتيره
للإنسان، لغة الجسد، لغة الهذا...
3.
درسنا مضمون الهذا ، قصدا
لتشخيص الاضطراب ومن ثم لاستعادة الصحة. ثم كان اهتمامنا بالأنا ومشكلات تكيفه :
النواحي المرضية أو النقاصة , الوظائف والمضامين , الإمتدادات والعلائق بالعالم
الخارجي، وبالهذا، وبالأنا الأعلى الذي هو القطاع الواعي، في معظمه، للشخصية
والمجتمع، والذي كان علينا انتقاده أو المطالبة بتوسيع حدوده وبإزاحة تخوم الهذا
أو اختراقها وكشفها من جانب الوعي والعقل...
4.
سوف يبدو إلحاحيا التركيز على
التعلم والتجاوز، وعلى إخراج اللاواعي و الظلي و المظلم , وذلك قصدا أو سيرا
باتجاه التكييفانية، الإتزانية الخلاقة، الصحة النفسية الإيجابية والواعية...
فالنقدانية الاستيعابية تدعونا لأن نبحث عن حقائق خاصة، لأن نبني حقائقنا التي
تبقى خاضعة باستمرار لزيادة التصويب والتحويل ، لأن نتخلى عن أوهام وتزييفات ،
لأن نجتاف ونتخطى التيارات التقدمية، والعقلانية، والسلفية المحدثة، والنقدية
السلبية، والعدمية. إن قراءة الانفجار الفكري، الانفجار الثقافي، الراهن في
بلادنا، تظهر سوء التغذية الثقافية، وسوء توزيعها وإنتاجها وتظهر نفع البقاء
خارج النماطة التي تسكب الفكر العربي الراهن في قوالب صلدة : السلفية المحدثة،
الأصولانية ، العلمانية، الليبرالية، العقلانية الليبرالية، الواقعية..., كما
تظهر أيضا إمكان تنمية الثقافة، وتطوير الفكر الباحث النقدي، وتثمير التوتر في
فضائنا الفكري حيث حاجتنا للأمن والاحتماء في : مجال النظر والتقييم، وفي مجال
المفاهيم والجهاز الايديولوجي والمعرفي، وفي بعدنا العالمثالثي والإسلامي المحدث
والكوكبي...
5.
نرتكز على ثقة بقدرة المخيال
، والرمزي، والنفسي وبالطبيعة الجدلية للفكر, وبالنقد الفلسفي, وبالفلسفة التي
تؤمن بالذات المفكرة وباستيعاب اللاواعي تجعد إخراجه إلى نور العقل والإرادة.
ويشغل "روحية" الكتاب، أو فكره، الاهتمام بما هو كينوني ، وليس فقط
بما هو امتلائي عند الإنسان , وبنظرية في الإنسان وقيمه وتواصليته , أو بنظرية
في الفعل و العلائقية وبنظرية في التأويليات والمعرفيات والأيسيات.
6.
اقترحت، في أواخر السبعينات،
إنشاء فريق يتعاون على إعداد دراسة في سيميائية العربي. فالدراسات العربية في
السيميائية (السميوطيقا، السميولوجيا)، قليلة جدا , ولم يشتهر بعد أي كتاب عربي
في أغراض ذلك العلم ومنهجيته ومصطلحاته. ولم توضع بعد سيميائية محلية خصوصية،
تكون قادرة على الحوار مع المعروف عند أمم كثيرة الإنتاج، وعلى التمهيد
لسيميائية مقارنة ومن ثم عامة عائدة للإنسان. فذلك العلم، الذي يدرس العلامات،
في نظام أو نسق، ليس أقل نفعا، في مساعي وضع نظرية في الإنسان والفعل
والتواصلية، من علوم أخرى أو توجهات معرفية ممنهجة حول: التداولية (براغماطيقا)
، والعلوم التاريخية والاجتماعية والنفسية، أو الإناسة الثقافية، وعلم الاصطوري
و المعيوش، والمستقبليات... 1.
ما هي النقائص في هذا الجزء ؟
النقائص؟ إنها كلمة صعبة . ما هي إذا الشائبات التي كان يمكن تلافيها ؟ إذا
تغطينا بالتنبيه إلى أن عملنا هو كالمحاضرات( الأمالي، المساقات) فقد تخف وطأة
النقمة والنفور من جهة القارئ؟ ويتحرر الكاتب من مشاعر ثقيلة على نفسه، من جهة
أخرى. حسنا ! ماذا تقول الرقابة الذاتية أو التنظيم الذاتي كي نمسح بعض الأغلاط،
ونستبق بعض الإعتراضات ، ونتطهر أو نتبرر؟ ستكون بداية الدفاع هجوما على رغبات
محبوبة لم نستطع تحقيقها هنا : فمثلا، كنا نود لو أن المزيد من الألجمة
والكابحات استعملت هنا لمنع مصطلحات شاردة ثقيلة (اعتدالانية، الكثيرانية،
الأكثرانية، العالمينية ، الربنسانية، الكافتية ..) من الإفلات والجموح , ولحجب
تكرارات، ولمنع الانزلاق إلى إيديولوجيات تتملق الفكر وتغريه... ولربما بدا أنه
كان هناك نقص في التنظير وفي التحليل لما أخذ هنا اسم علم النفس المرضي للثقافة
العربية، أو التحليل النفسي الثقافي العربي , ولما بحثناه تحت عنوان الثقاف أو
العصاب الثقافي , ولما قد يبدو أنه شعارات و مسكوكات أو لفظانية ولغوانية. 2.
قد لا يبدو أن المكانة أو
المكان المعطى لمقال الاقتصاد بارز. ربما ! لكن ذلك إن بدا عند التسرع، أو عند
الراغب بإبراز دور العامل الاقتصادي عند كل منعطف، فهو حقا ليس صحيحا. فللعامل
الاقتصادي دوره الأكبر، أو الكبير والمرعب ، في تكوين القلق الذي رأيناه هنا
أساسيا في المستقبليات العربية. إنه ما يزال يتغاذى مع قيم ريفية، مع طرائق تدبر
زراعية , ما يزال يتبادل الضبط والتأثير مع نمط فكري مهجن ومهيض، أو مستتبع
ومستلحق بالإنتاج في دول عميقة في التصنع والتكنولوجيا. لقد سبق أن أظهرنا مقدار
اتساع وعمق التأثير الذي يحدثه فينا النمط الإنتاجي الصناعي: يطور الحقل ويغذي
الفكر والسلوك بالدقة ومنهجية العلم المضبوط ، بطرائق الآلة الصارمة في الحركة
والعمل ، في الإنتاج الكثير المضبوط، في الكثيرانية و الأكثرانية... إن الاقتصاد المنجرح ، لأنه غير كاف ولا هو يطمئن
على المستقبل ، يجرح الصحة النفسية الاجتماعية : فهو في عمق أسبابية الفكار،
والسلاك ، والتوتر المستقبلي أو صناعة المستقبل، والعقال ، وبعض العصابات
(الأعصبة) الأخرى. يبدو جليا، في هذه الموسعة ، "الصراخ" بأن لا شيء أنبل
، ولا أعظم أو أعمق ، من العمل الذي يخدم المعذب في لقمته وحريته. وليس في
الثقافات كلها قطاع أقرب للإنسانية، ولمهام الإنسان، من الفكر الذي يحرث ويزرع
لمحاربة القواهر الاقتصادية ، ولتعزيز اللقمة الشريفة للبشري المنجرح في راهنه
ومستقبله.
ليس كشف ذلك "الصراخ" قصدنا هنا. نود القول: إن العامل
الاقتصادي مكون في الفكر، وأساسي في توجيه المعرفة والسلوك. لكنه ليس هو الوحيد
ولا هو السبب الميكانيكي المفسر لكل شيء، ولكل حتمية، أو يمنع استقلال الفكر
ويقتل كل حريته. نحن فقط ضد وضعه بديلا للمطلق، للمبدأ الأول ، للألوهية، للروح
. ألم يجعل بعضنا من الاقتصاد فكرة و روحا ؟ ألم يؤنفسوه ؟ لقد أعطاه روحا ،
وجعله كينونة مستقلة , نفر من المتهورين، ربما عن قصد!- قد ينفع لأنه يصدم- هو
للتشكيك، أو لإلغاء دور الأيديولوجي والعوامل الأخرى.
لكن لماذا لم تبرز فعالية الاقتصادي في مضمار هذا
الكتاب من جهة، ثم، من جهة أخرى، في نقد المقال العربي الراهن في الاقتصاد؟
نتذكر هنا أننا خصصنا جزءا من هذه الموسعة للعامل الديموغرافي، للاقتصاد،
للتفكير في الاقتصادي، وفي مستويا ت العيش، وفي التدخيل والإنتاج. هذا لا يكفي!
وليس هو المقصود. هل لا بد إذا من الإقرار بالتقصير؟ ربما يكون منهجا قد أكثر
الإلحاح على جانب؟ ولكننا لم ننفك قط عن إظهار أولوية العوامل الاجتماعية
الثقافية (السياسية، الاقتصادية). لعل هذا التنبيه ضروري،إنه جزيل النفع
لاستكمال الصورة، لا بل لاستكمال التوضيح. فكل شيء سيكون ناقصا هنا إن بدا أننا
قصرنا في إظهار دور الاقتصادي وتثميره للتحليل، للتشخيص والتضميد. وستكون
الموسعة هذه، برمتها، مشوبة بالترجرج والانصداع إن هي أغفلت- أو أرادت أن
تتغاضى- حيال ذلك الأساس في نظرنا للوجود وتعميرنا للمستقبل الملاذ، حيال المسعى
الذي تتصف به التكييفانية المؤنسنة والمؤنسنة أي أنسنة الاقتصاد والتكنولوجيا
والعمل، بل والإنسان نفسه. هل ثمة أهم من الإنسان أو أجدر منه؟ هل ثمة من هو أحق
بالأنسنة من الإنسان نفسه؟ فمن هنا تكون البداية؟ وهنا النقطة التي، بحسب قول
الشبلي، تحت الباء. 3.
من أكبر النقائص، بلا ريب
وبلا شعور بالإثم، هو البقاء الكسول السهل في الطريقة العربية المعهودة التي
تنزلق إلى الإغراق والغرق في شلال من التعريفات والتوضيحات، أو في سيول متدفقة
من الكلام الإرشادي أي العلاجي والتضميدي والموحد. فمزالق تلك الطريقة توقع في
حالة باتولوجية هي التلذذ بإعطاء حكم واحدي أو أشمولة أحكام جامدة غير جدلية،
وبعرض رخو مائع وآحادي لتصورات وهوامات حول التعريف الجازم المشبع المفعم، وحول
إمكانات التغيير ومحتملاته وقوانينه، وبالاستسلام البليد لنزعة التسطيح والتبسيط
والأخطوطية (الأرسومية) الواعدة بالحل والمسؤفة أو السرابية. 4.
لكن ما هو سبب تلك الإغراءات
التي قادتنا إلى غير المحمود، بل وإلى ما نعتبره منذ الآن نقيصة مرذولة؟ لماذا
وقعنا فريسة للتملق والجذب اللذين تحدثهما في النفس كلمات طنانة، أو تعريفات
جازمة، وإنشاء لغوي مغر. لعل سلطة الكلمة، أو الإيمان بقوتها السحرية وجبروتها
اللاحدوثي، هي السلطة التي أثرت فينا فأصبنا بالخلل. وكذلك عملت هنا أيضا سلطة
أخرى نابعة من هوام الجبروت الطفلي المظنون لعلم النفس، للتحليل النفسي، لموقف
المرشد النفسي الإجماعي. فبالاستسلام للكلمة وجبروتها اللازمكاني نقف ضد
الواقعي، وضد التغييري بل وضد العقلانية، وننحاز إلى جانب النظر المثالي مهما
أكثرنا من الصراخ بأننا مع التفسير التاريخي وقوانين التغيير الضرورية؟ ونبقى في
عالم ذهني صرف. فالثقافة، كالمجتمع، لا تتغير بمجرد التخطيط وعرض الآراء، أي
بمعزل عن العلائق المادية والقوى الاجتماعية. 5.
الإتزانية أو التكييفانية!
لعلنا أبهظناها حتى هلهلت وصارت إطنابية فضفاضة. هي رغبة بالاستمرار، ورغبة بالتحسين والحياة الأفضل. وهي، في ذينك
المبدأين معا، تقوم من الثابت في الإنسان والمجتمع، من الينابيع والجذور
والأصول، من التجارب الطفلية التاريخية. فكل رد فعل، أو كل مسعى تكييفي، تقوم به
الأنا الثابتة على متغيرات، أو تتغير الأنا وتتحرك انطلاقا من أعضاء الفرد
وتاريخه، حياته وشخصيته. ذلك أن التكيف نقض وبناء، وهو في الأعيان معا وفي
الأذهان. إنه يجري في الفكر، وعلى الواقع، وفي البنى المادية. ومن اللغو هنا أن نكرر
الإشارة إلى أن التكييفانية خطة، واستراتيجية، ورؤية شمالة مستقبلية، وعمل
الجميع اللامتوفف وليس عمل الصفوة وحدها أو بأيديها البطيئة والتقطيعية والتي قد
تتحيز للثقافي والنخبوي والفرداني، للمتمهل والمتدرج، للميكانيكي والآحادي. 6.
أسمح لنفسي بشكر الذين
ينتقدون بعض النقائص، والمنسيات أو المهمل، في هذه الموسعة، ولا سيما أولئك
الذين- بسبب حساسية أو دافع ذاتاني- لا يشيرون صراحة إلى عملنا هذا. لقد هاجم
أحدهم، على سبيل الشاهد مقولة التكييف. وآخر خال أننا قلنا، أو أتهمنا بأننا
قلنا، إن إدخال المنهج العقلاني أو العقلانية هو كل قصد هذه الموسعة. لم نرتض
ذلك القول قط: لأنه ناقص، وفكر مثالي، ورؤية تبسيطية للحقل والأنا، للمستقبل
والتوكيد الذاتي، للعقل عينه أو للعقلانية في حد ذاتها. ولعلنا لم نشر قط إلى أن
المنهج العقلاني أداة سحرية تحقق كل الفقرات، وتشبع كل الطموحات. ولم نقبل بخطاب
يفصل الفكر عن البنى الاجتماعية والوقائع أو التطورات الحقلية. ولم يأخذ قط أي
جزء من هذه الموسعة ذلك الموقف الناقص، أو التفسير المبتسر، حيال الفكر والمنهج.
فليست العقلانية كينة: ليست قائمة بذاتها، أو صناعة، أو سلعة قد تستهلك وتعلب
وتباع، ولا هي نبتة تغرس وتثمر، ثم تطعم المن والسلوى. 7.
من النقائص التي لا بد من
الإقرار بها، ليس فقط بقصد النقد الذاتي بل وأيضا لتخفيف حدة توتر القارئ من
موقف سلبي محتمل أو عدم تسامح، أذكر الصفة القطعية، أو الواثقة من نفسها، لما
أسميناه دور الثقافة المتفلسفة، أو الناقدة الإضرامية، قصدا للتكييفانية: فذلك
الدور هو ضرورة لأنه في وجهه الأول إعادة قراءة للذات قصدا لكشف المزيف والمزيف
في القطاعات المستورة والعلنية، وحيث إزاحة الحجب والأصطوري، وفي دنيا المستعمل
والجاهز والأقاويل والتقريبي، وحيث تشيوء الإنسان واللغة والمعنى. وينادي ذلك الوجه
بأن يتحرر الإنسان (والعقل، والفكر، والمعرفة) من الأوهام التي نسجها لنفسه
بنفسه، بل ومن التصورات اللاواعية والظلية وشتى ما يجعله عاجزا عن تجاوز كل ذلك،
أو عن استغلال الطاقة الحياتية كي يتقدم باتجاه نقد واستيعاب ما نحن فيه وضمنه
من تسييج ذاتي، وسلوكات منمطة معتبرة نهائية وغير قابلة للنقد، باتجاه الحداثة
المتواصلة المطهرة. أما الوجه اللامنفصل الثاني لذلك الدور فهو الثقة
المطلقة بالإنسان، بالرغبة ليس فقط بإعادة التعضية اللامتوقفة، بل وأيضا بالرد
على المساءلة والتساؤل لما هو مقدم كيقيني، أو على نحو نهائي، في كل مجال. فسؤال
الأسئلة كلها هو الإنسان: الإنسان في محاورته لواقعه وتاريخيته، وفي تجاوز ذلك
الحوار إلى حوار مع العقل ومع الكينونة، ومع الألوهية... 8.
أتمنى أن لا أثير نفور البعض،
أو سخطهم، من جراء ما قد يظنونه افتئاتا على حريتهم ناجما من وصفي للطريق
"الموعد"، أو من ثقتي بما أزعم أنه مقال الصحة النفسية العقلية في
منهج تلك الطريق ورؤيتها ومقاصدها، أو من تقديم لنصائح، بل ومن استعمالنا
لمصطلحات غير مألوفة أو ناشزة أو ذات جرس ثقيل، أو من الدعوة إلى الثقافة
المقارنة، وإلى القول النقدي بذمة عالمية تتكامل فيها الثقافات، وتتفاعل وتتقارن
خدمة منها للإنسان الجديد، ...، .. إن ما قد يبدو مواقف وعظية وتعليمية، أو
إملاء آراء شخصية، هو عامل منفر بلا ريب. لكني أرجو أن أخفف من ذلك الشعور
السلبي (والمبرر)، وأن أطلب الحكم التخفيفي، لأنني أعترف الآن بالغلط (أو بصعوبة
الفرار من الغلط) بسبب الموقف الذي أضع نفسي فيه، والذي يدفع بي- أو بكل من يكون
في موقفي- إلى أن يتساهل مع نفسه ومع أغلاطه، لأنه لا يستطيع الانعتاق الكافي من
ذلك الموقف باملاءاته ومنطقه أو طريقته التعليمية الوعظية (قا: مساوئ الطب
العقلي والتحليل النفسي).
9.
والآن! ما هو مكان هذا الجزء
داخل المشروع الحضاري العام، داخل هذه الموسعة في التحليل ثم في التكييف الجهادي
؟ هل هو يعزز إوالية المباشرية والاقتحام على حساب الإواليات الناقصة السيئة؟
إنه لبنة في المشروع لبناء الأنا القوي، وتعزيز غاراته واعتداءاته على المواقع
المتصلبة في الأنا الأعلى، وفي الهذا، وفي الهو، وفي السوي. إن التعزيل لما هو
محكوم بالاعتباطية والانفعالية، والزحزخة لما هو متحكم في الحرية والفعل
الديموقراطي، أو الإبدال للمواقع الفكرية ولأنماط الحكمة والعيش والمستويات
والقراءات، هو من إسهام هذا الجزء. وتنطلق رغبتنا في الإسهام من أجموعة العمليات
اللامتوقفة المتغاذية التي تقوم على التمثل والاغتناء، على التعلم و
الاستيعاب،على التحيين (التفعيل، التحقيق في الفعل والنظر) لمقومات الصحة
العقلية الذي هو استمرار وتناقح داخل الذمة العالمية للفكر والثورات العلمية
ومناهج علوم الطبيعة والإنسان. |
|||
Document Code PB.0131 |
ترميز المستند PB.0131 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |