Arabpsynet | |||
|
|||
قطــاع البطولــة و النرجسيــة في الذات العربيــة
د. علي زيعور دار الطليعة – بيروت 1982 |
|
||
|
|||
q
فهــرس
الموضوعــات /
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
تقديم §
الباب
الأول: علم البطولة o
الفصل
الأول: علم البطولة أو قطاع الاكبرية o
الفصل
الثاني: البطولة في عالم القيم وشبكة المعايير §
الباب
الثاني: البطل من حيث البنى والوظائف o
الفصل
الأول: البطل والجماعة. o
الفصل
الثاني: البطل والعالم الثاني o
الفصل
الثالث: البطل العربي الإسلامي في الصورة
والزوقة والتوريقة §
الباب
الثالث: الرئيس العصابي باتجاه البطل والمستعلي o
الفصل
الأول: الرئيس الكرامتي ونمط العلائق
الذوبانية o
الفصل
الثاني: الرئيس العظامي والنكوص إلى الاواليات
الطفولية في التكيف والتكييف o
الفصل
الثالث: اللاوعي والبنية اللغوية والبنية
المؤسساتية. §
عند
العتبة §
مرجعية
منتقاة §
حفنة
مصطلحات |
|||
q
تقديــم
الكتــاب / PREFACE |
|||
ينهد هذا الكتاب إلى أن يكون جديدا في
موضوعه، يود أن تكون موضوعاته مأخوذة من زاوية جديدة. يدرس علم البطولة
(البطليات، البطلياء) الذي هو علم، أو فرع علمي، ينصب على تناول الأبطال الذين
رسموا، أو تحققوا فعلا، في تراثنا الواعي وفي لا وعينا التاريخي الجماعي. إن
استعملنا كلمات أكثر قلنا: إن ذلك العلم يدرس الأكبرية التي تخيلناها، وتلك التي
عرفناها في العينيات. والأكبرية تلك نالت، وعند الأسلاف ،أسماء عديدة، مثل:
الأكملية، الأعظمية، الإنسان الكامل، الأكبرية، والإنسان الأكبر، البطل والبهلوان...
غرض علم البطولة هو، داخل شروع التحليل النفسي والإناسي للذات العربية،
ملاحقة التصورات والتمثلات الواعية واللاواعية الملقاة على شخصيات رئيسية
نعتبرها قسما من الأنا الأعلى في تلك الذات. فالأبطال نتاج الأنا الأعلى الذي هو
أيضا قيم، ومثل، ووجدان ديني، ونظر مثالي، وقوانين أخلاقية، وضابطات اجتماعية...
ثم إن دراسة الأبطال عامل مساعد في عمليات فهم تصورنا التاريخي للإنسان
المستعلي، للإنسان الأكبر، للقتل الأعلى، المتحقق والمتخيل. و في ذلك كله ملاحقة
التاريخ الروحي، والتاريخ الذي لم يتحقق، والإنسان المثالي، والإنسان الذي بقي
حلما أو رغبات حققت استعادة الكرامة متى انجرحت، والتوازن متى تخلخل عبر
التاريخ، والتوتر الصراعي المستمر مع القاهرات المتمثلة في اللقمة والسلطة أو
الطبيعة. هل البطليات علم جديد في تراثنا؟ لا أحد يذهب إلى القول بأنه علم مخلوق
من عدم. نحن نقول فقط إن أنواره تسطع البصر والتبصر في النظر إلى قطاع هرش يعيق
النظر الموضوعاني والأخذ السببي. ثم إن مناهجه، بحكم طبيعتها التي تطال الحضارات
والإنسان، تجعلنا نأخذ أبطالنا على مهاد بشري، أنسي، حضاري عام وشامل. هنا نعود
للقول بأن البطليات علم عام، إلا أنه يصبح عندنا خاصا وجديدا لأننا نستعمله لأول
مرة في معالجة تراثنا مأخوذا على تراث الإنسانية وحضارة الإنسان في التاريخ. ومناهج علم البطولة هي، نظير ما رأيناه في علم الكرامات، تنتفع من طرائق
ليست معروفة في التراث بشكل واضح بقدر ما هي محتذاة في بلاد العالم أو قائمة في
" الذمة البشرية " حيث تتمدد المناهج والرؤيات. وكلها، هذه، تؤوب إلى
الإنسان، تخص حضارة الإنسان، تنتهي إلى البشرية كافة. ومع عدم اهتمامي بجدوى
وجود أو عدم وجود جذور تراثية للمنهجية التي تتحكم في هذا العمل، فإنه يبقى
ممكنا القول بأن الرؤية الأجنبية أو النظرة الغربية ليست متحكمة حتى ولا هي بذات
تأثير واع ولا غير واع، أو وجود هاجع يوجه أو يبهر. الوعي بالنظرة الأجنبية
الموجهة للذات العربية يخدم كسلاح وكنور. فذلك الوعي يجعلنا في حالة غير سلبية
ولا فاترة ولا إيجابية: يجعلنا في حالة تيقظ أمام المشكلة، ونقد واستيعاب، تقبل
ورفض، تحليل ومحاكمة، تعرف ثم تقييم. في الجزء الثاني من مشروعنا لدراسة " الذات العربية " اصطدمنا
بسماكة الصادات اللاواعية التي تعترض تغلغل العقل، والتنظيم، والأخذ الموضوعاني
والنظر السبي للظواهر والزمن والمستقبل. وهناك قلنا بإيجاد علم خاص بالكرامات،
وما يلوذ بها أو يقترب منها نظير الانبيائية والباطنية والأوليائية. لاقى ذلك
العلم، أو الفرع العلمي، اعتراضات البعض بحجة أن ذلك العلم خاص بالتراث العربي
الإسلامي وليس عاما ولا واسع المدى والأيدي. وقيل: إن الكرامات لا تستحق أن تكون
غرض دراسة منهجية، ولا أن يكون لها علم أو ميدان خاص. وهذا ما سوف يقال، ربما،
بصدد علم البطولة أي بصدد دراسة جانب من " الأنا
الأعلى " الذي يساهم في جعل الذات العربية قلقة، آثمة، منجرحة. وعبر
إنجراحاتها تلك نراها تسعى باستمرار بحثا عن تحقيق ما يؤمن توكيدها لذاتها، وما
يحل صراعاتها، والمتناقضات: داخل ذاتها وفي تكيفها مع " حضارة الأقوياء
". تتعمق مشاعر الإحباط، الناجمة عن صعوبات التكيف الإيجادي مع حضارة
الاقوياء وثقافتهم، في الوعي، وتنتقل إلى اللاوعي حيث تأخذ بالضغط باتجاه تبخيس
الأنا والنحن وتطفيفهما. وبذلك تتخلخل الثقة بالذات، وبقدراتها الراهنة
والتاريخية. من هنا، ثانيا، إوالية الاحتماء بالأم، أي النكوص إلى التراث
وأبطاله؟ ومن هنا إوالية نكران الواقع حيث ينكر بعضنا تخلخل الاتزانية بجانبها
السلبي حيث لا شعور بالسقم، و بجانبها الإيجابي حيث التكيف التأييسي المستمر
خلقا ومجابهة واقتدارا في التنظيم والإدارة واستغلال الثروة الوطنية والبحوث
العلمية. ومن هنا، ثالثا، التهجم أو تبخيس الآخرين تحت اسم أنهم دوننا أخلاقا،
أو شرفا، واحتراما للإنسان، وتدينا، وروحانية، و... ومشاعر الإحباط، التي سوف يدرس تطورها وتعرجاتها في جزء خاص، إن شاء الله،
بعد هذا، تلقى بلسمتها في النكوص إلى البطل أو في إقامة علاقة دمجية معه. وهذا
سبب آخر، بعد أيضا، يعيدنا إلى علم البطولة، إلى دراسة الإنسان المستعلي ضمن
العوامل الموضوعية تاريخيا ومجتمعيا التي تبقى الأبطال حماة لنا وتبقينا باحثين
عن أبطال حماية لنا العلم، في جانبه الآخر، نفع. والبطليات علم متشعب الخدمات،
جم الخيور. ففي مضمار نقد الإيديولوجيات، التي عرفتها مجتمعاتنا وتلك التي تسيح
اليوم في حقولنا، يقدم علم البطولة وسائل تعيد النظرة الإيديولوجية للأبطال إلى
حجم بشري، وإلى أخذ هؤلاء على أنهم نتاج وقائع وظروف. علم البطولة يمحو ويحذف
ويزيل: يمحو الفهم الإيديولوجي للأبطال، ويحذف ما يلقى عليهم من إسقاطات وإضافات
وهوامات، ويزيل النظرة الذاتانية والأخذ الاستنفاعي المصلحي المسبق والمتعسف
للشخصية المستعلية. وينقلنا هذا النفع إلى آخر يقدمه علم البطولة ويدور حول
كتابة التاريخ وأخذ الأبطال، ظواهر تاريخية تخضع للتفسير والتحليل كأي ظاهرة
أخرى داخل المجتمع. ودراسة الأبطال، مأخوذين على مهاد حضارة الإنسان، تقودنا إلى اللاوعي
الجماعي العربي. بذلك نتعرض على الرموز الفاجعة، والأنماط الأصلية، وعلى العقد،
والذكريات الصادمة المكبوتة حية والتي توجه سلوكات سلبية التكيف، وانجراحات في
التوازن النفسي داخل الحقل الراهن. وإلى جانب ما ينتفعه علم الرموز (الرمزيات،
الرمازة) العربي، والنقد الأدبي العربي، وعلم الكرامات، ومبحث الأنماط الأصلية
أو التجارب الينبوعية العربية الإسلامية مقارنة هي بمثيلاتها في العالم، فإن علم
البطولة في رفضه للتاريخ المأخوذ على أنه خاص بأبطال أو رؤساء حاكمين يرفض
المهاد الذي يقف فوقه بفخر " الرئيس "، الحاكم راهنا. وفي ذلك النقد
للتاريخ، وللمجتمع، طريقة لهدم مختلقات ومرويات وترهات يغذيها ذلك الرئيس ويتغذى
منها باستمرار داخل حقلنا التاريخي راهنا. وهذا حقل ما يزال مشبعا بالتفكيرات
الأوهامية، والتفسيرات البطولية للحوادث، وبعقلية لم تأخذ كفاية بالسببية
الموضوعية وتأثير العوامل الموضوعية والقوانين التاريخية العامة. وبذلك يبقى
ذياك التفكير إيديولوجيا، في مستوى متدن ومقفل، يقدس شخصيات تمثله، أو تأخذ صوره، وتحقق
آماله فعاليا أو لفظيا. عدا ذلك، وأيضا وأيضا، فان القول بأبطال، مأخوذين وفق
النظرة الكلية القديمة، يتنافى مع النظرة السليمة للعلائق في المجتمع. فالقول
بالمعلم، والكلي القدرة واللازللية لهذا أو ذاك من الحكام، يتنافى مع
العقل،والمساواة، ويلغي السعي إلى المعرفة، وإلى الحقيقة، وإلى الكمال. لأن
الإيمان بالبطل يوقف، ويحجر، ويصلد، ويميت روح المبادأة والبحث والمبادرة. وذاك
إيمان يقفصن، جبري، استسلامي، يجعل الحياة اجترارا وانتظارا لقدوم مخلص، وتوقيفا
للزمن، وصياغة وإعادة صياغة للماضي... يقودنا إيمان من ذاك القبيل إلى الفكر
الإيديولوجي المقفل، لا إلى الفلسفة المنزهة الحرة. المطلوب نقذ الأبطال، والفكر
القائل بهم، والمنتظر لهم. وذاك نقد يكون باتجاه استيعابهم، وتمثلهم، وإزالة
الأقنعة والمسقطات والتصورات والوهميات المحيطة بهم. وتجاوز البطل لا يعني دائما
إلغاءه، لكنه يعني وجوب فهم التبعية للبطل وللماضوية والحقائق الأزلية والأعيان
الثابتة. وذاك فهم يؤلف خطورة أساسية لسيرورة أخذ البطل منغرسا في حقل، خاضعا
للنقد التاريخي، وللأحكام العقلية، وللنسبية. وهكذا تظهر، في هذه الحلقة أيضا، اهتماماتنا بالبنية النفساجتماعية
لإنساننا الذي يخلق الأبطال يقاتلون عنه، ويحلون مشكلاته، ويردون عنه، غوائل
الانقهار إزاء السلطة واللقمة والطبيعة. وذلك الإنسان هو الأكثرية عندنا، هو
الدهمائي، هو العافي أو رجل الجمهور الذي كان، في الماضي، في مركز النفاية داخل
التراث المجتمعي. لقد انقلبت المقامات بل والتمركزات، فما كان يعتبر صفوة متفوقة
صار يعتبر بأهمية أقل، أو من النفايات في سلم الطبقات المجتمعية. فاهتماماتنا!
كما سيظهر هنا، تتمحور حول المنقهر، المنغلب، المقموع، وحول الأخذ التاريخي
للوقائع والأبطال، وحول الذهابيابية بين الحقل والفرد، بين العوامل الموضوعية
والعوامل الذاتية متفاعلة في بنية حية تاريخية متعاضدة. اهتماماتنا تنصب على
الديناميات العلائقية، وعلى التوترات التي يولدها الإنجراح في الفرد ومن ثمت
وسائل الدفاع وأولويات التكيف باللجوء إلى الأبطال أو النكوص إليهم. إنها تنصب
إذن على التفسير والتحليل للبطل والوقائع لا وفق المذهب الديني، أو باللجوء إلى
العوامل الدينية، أو القدرات الذاتية. فسرعان ما تتبدى كم أن تلك التفسيرات
مجتزئة ومجتزأة ومجزئة، تقطيعية ومقطعة، مسبقة القوالب والغايات والقلوب. وهذا الأخذ لأبطالنا والتقاطهم أنى ثقفناهم، أفكارا واضحة كانوا أو
تخيلات وهوامات، أمنيات أو متحققات في العينيات، قد قذف لنقد اللاوعي الجماعي،
والذاكرة الجماعية، والتمثلات الجماعية القائمة في الوعي العام وضمير الجماعة.
هنا محاولة تعقب تحليلنفسي، ولحاق بالجذور، وارتياد الهاجعات اللاواعية،
والمدفونات الحية الموجهة للسلوكات والأفكار. ذلك، كان بقصد إخراج المكبوت،
وملاحقة الذكريات الصادمة للحوادث المؤثرة، في طفولة الأمة والمنقولة للفرد عبر
التربية والتنشئة السياسية والتنظيم الاجتماعي. ورغم ذلك الهز أو الترجيف، رغم
ذلك النقد الاستيعابي، ذلك السعي لإعادة البطولة إلى عوامل تاريخية تخضع للتحليل
والتفسير والتقييم والتمثل، فإن رجالنا الكبار، وأفكارنا عن الأعظمية، والأكبرية
عموما في كل ميدان، يبقون ثروة وغنى، ونبع الهام ومنجم طاقات اعتبارية، وقدرات
محتملة وجاهزة دائما للاستعمال والتثمير، وقيمة إشعاعية. فالأكبرية، في ميدان
الفلسفة مثلا، أو في ميدان الإيديولوجيا، هي موضوع للإستلهام والدراسة، وغرض
للقراءة المتجددة، في كل القرون. بل أن من معايير الأكبرية هو قدرتها على أن
تبقى غرضا للفهم المتجدد عند العودة لنصوصها وتأثيراتها في المجريات الفكرية
والسياسية والإجتماعية. والخلاصة، تظهر الأكبرية رباط الفرد بالتاريخ، وجسرا بين
العبقرية الفردية وخلود الجماعة، ومشعلا في طريق الإنسانية نحو الصعود في ميادين
كثيرة للحياة، وظاهرة تاريخية بارزة في الذاكرة الجماعية، واللاوعي الجماعي
البشري... مشروعنا يلاجق
الاستلاب الذي تحدثه القوى اللاواعية. وهذا لا يعني أننا نضع جانبا الانغيار
" الاستلاب " الذي تولده القوى الاجتماعية والذي هو، في جميع الأحوال،
لا يلغي ولا يطفف النظر في النوع الذي نهتم به هنا أي ذلك الاستلاب الناجم من
القوى اللاواعية في توجيهاتها للسلوكات الفردية والعائلية والجماعية، وفي الإواليات
الدفاعية التي تعيق التغيير والمعرفة وتتحكم في الإسقاطات وهوامات متعددة. يعيق اللاوعي معرفتنا بأنفسنا، أو هو طاقة تمنع معرفة ما في اللاوعي من
قوى وضغوطات على سلوكاتنا وتوجهاتنا، وقوة تقاوم الميل لتلك المعرفة ببنية
الشخصية ودينامياتها. وتلك الشخصية، كما قلنا في دراساتنا السابقة، تبدو ظاهريا
بسيطة أي غير معقدة بينما هي من حيث اللاوعي والغوريات شديدة التعقيد المتراكم
التاريخي. وذاك التعقيد، المترابط البنى والوظائف في جدلية تاريخية، يجب أن لا
يعمل على منع أو إعاقة أبحاثنا للتحرر من استلابات اللاوعي الجماعي للسيطرة على
تلك الذات. وقد مر بنا كثيرا، في الحلقات السابقة، ان اهتماماتنا بتلك السيطرة
كان بمثابة المدخل للسيطرة، أو لمحاولة السيطرة، على الاجتماعي. وذلك ما دفع
البعض للظن بأننا نعطي ما هو لا واع أهمية أكبر مما نعطي لما هو اجتماعي، وبأننا
نتوقف عند العندياتي والذاتية. وكان ردنا، وما يزال، أن الجانبين يتلازمان
ويتوازيان، ويؤخذان معا في وحدة. وهنا أيضا نكرر أننا لا نقول بأن اللاوعي موروث
بيولوجي، ولا ظاهرة ما ورائية ولا ننطلق من نظرية ماهوية أو مثالانية. فاللاوعي مرتبط بالمؤسسات، ويتوازى
معها، وينتقل كموروث اجتماعي، مؤسسي، ويترافق مع نقليات العائلة إلى صغيرها عبر
العيش، والتنشئة الاجتماعية، والتوريث اللغوي والتعبيراتي المتنوع، والخطاب،
وكثافات أدوات التوصيل والتواصل. وقد قدمنا هنا، في دراستنا للبطل الراهن،
للرئيس في النظام السياسي الاجتماعي اليوم، المثال. ففي ذلك النظام ينعدم الشعور
بالأمن وبكرامة الانسان، فتفجر القواهر الاجتماعية ما يوازيها أو ما تنتجه في
اللاوعي. وبذلك تتحرك الدوافع اللاواعية البدئية وأشكال القلق الأصيل (قلق
النشاء، قلق الخصاء) ومن ثمت تكون الإواليات الحيلية الدفاعية طرائق لاستعادة الكرامة
والأمن والتقدير الذاتي. وذلك القسم الخاص بدراسة الرئيس كممثلي لنظام قهري
متخلف، مأخوذ معروض على ظاهرة معروفة هي تبادل التعزيز بين اللاواعي والاجتماعي
أو حتى المؤسسي. تبدو جلية اهتماماتنا بما هو آثاري في نشاطاتنا الراهنة، وبما يهمل أو
تستخف به، وبما يؤخذ اليوم على أنه تضغيثات أو معتقدات وتخريفات عجائزية و"
عف عليها الزمن "، وبما يظن أنه بلا معنى، اعتباطي، خاص بالريف والإنسان
الشعبي والعامي... لقد كان تناولنا لتلك الظواهر والأنماط والسلوكية التفكيرية،
التي ربما يقال إنها بلا معنى أو زالت من أذهان " المتعلمين "، بسبب
أنها طرق إلى اللاوعي الذي هو ذو بنية خاصة ومنظم وفق " قوانين "،
يعمل بموجبها وليس بشكل عشوائي. ونشير أيضا إلى اهتماماتنا، داخل البنية
النفسية، بالهوام الذي يمثل الواقع النفسي والوسيط بين الإنسان والإنسان، بل
وبين الإنسان والأشياء. فالهوام يؤخذ كواقع، ويقل التفريق بين الواقع والهوام،
ويجري تحقيق للرغبات عن طريق هذا الأخير. فحيث أن الهوام يأخذ صبغة واقعية في
تحقيق رغبات، وجب علينا التوقف مطولا عند تلك الظاهرة في إقامة التوازن الذي هو
أساسي للاستمرار في الوجود الذي هو، كما سبق، محكوم بالقواهر الاجتماعية والقلق
اللاواعي وما يولده تلاقي ذينك النوعين من مشاعر بالعجز واللاأمن والمخاوف على
المصير. يدرس الكتاب، في
بابه الأول، علم البطولة الذي هو، في تحليلنا، دراسة نقدية ممنهجة لظاهرة البطل
مأخوذة على مهاد انسي، بشري، وهي ظاهرة، كما سنرى نفسية. أو هي نتاج نفسإجتماعي
لجدلية التحديات الخارجية مع حضارة الإنسان، ومحصلة مسيرة الجماعة عبر صراعاتها
في مجالات الحياة. ... والباب
الرابع خصص لتلك الرغبة عند الإنسان في أن يقترح، أو يدعي المعالجة، أو يشخص
حلا، إذا كان قد عرض مشكلة أو درس حالة عيادية فردية أم اجتماعية. وهكذا فإننا،
بعد النظر في قطاع من حضارتنا مأخوذ على أنه بحاجة إلى دراسة نفسية عيادية
اجتماعية، قدمنا ما ارتأيناه يقيم توازنا سليما وحركيا مع حضارة الإنسان التكنولوجية ومواكباتها الفكرية في هذا
الوقت. إلا أن النمط البدئي والنمط الطفلي، حيث الأنا مركزية والتضغيث والتشارك
والإحيائية، اللذين أظهرناهما في صميم الظاهرة البطولية، استعملناهما مجسدين في
بعض مختلفات أسلافنا كي نقدم عبرهما الحل، واستعادة الوعي، والتفريغ النفسي، و
إخراج المكبوت، واللحاق بذكريات صادتي هاجعة في اللاوعي. هنا نقول إن مختلقة
الضبع، أو استيقاظ الفتاة النائمة، قدمت على أنها نظرتنا المرموزة لإقامة التكيف
مع الحقل العالمي العقلاني. ربما يشكو هذا الكتاب من تكرارات، وهو كثيف التكرإر ضرورة تفرضها دراسة
الحالة العيادية. ففي عم النفس، أو لتفسير ظاهرة نفستماجية، لا بد من إيراد
الحالات التي نؤكد ثم توضح الظاهرة. ثم إ شيئا من التكرار سببه أننا تناولنا بعض
الفصول مستقلة بحضها عن بعض، أو أننا نقدمها توكيدا لفكرة رئيسية محورية ذات
غاية تعليمية. ثم كأن الدراسة هذه جديدة، استكشافية، ولذلك تأتي هناتها غير قليلة.
أما كون الكتاب كثيفا فيؤوب ذلك إلى الرغبة في الإقناع والتوكيد. وفي جميع
الأحوال فان تلك الصفة نلقاها موجودة في الجزء الثاني من هذه السلسلة التي قلنا
إنها جلسات متتابعة ومستمرة مع شخصية اعتبارية هي "الذات العربية في وعيها
ولا وعيها، في حقلها ومنظوراتها المستقبلية). ... ظهرت أقسام
من هذا الكتاب في مجلة "الباحث
التي كانت تصدر في باريس. فقد نشرت هذه الباب الثاني بقسميه أو تحت
عنوانين طويلين هما على التوالي: الأنا الأعلى في الذات العربية- البطل في
التصوف والأنثروبولوجيا والفنون والأحلام واللاوعي الجماعي. ثم: محاولة
تحليلنفسية للبطل العربي... (السنة الأولى، 1978). بحد ذلك حجبت الباقي خوفا على
الكتاب، ومن الأقرباء والأصدقاء، أو من المتعصبين جهلا، أو استجلابا لعطف
المؤمنين، أو ادعاء بالحفاظ على العقائد، أو معاقبة لشكوكهم مسقطة على الغير، أو
لحماية أنفسهم ذاتيا واجتماعيا واستنفاعا ومكاسب. لقد قلت إنه ليس في هذا العمل
تهجم على عقائد، فاحترامنا للظاهرة الدينية فوق الارتياب. وأقول الأمر عينه بصدد
أبطال، وشخصيات تاريخية فذة، ومؤسسي فرق إسلامية ثم أحزاب سياسية. فالنظرة
البحثية (أو العلمية، بحسب الشائع المغلوط) تنتقد ولا تتهجم، تأخذ الظاهرة في
سياقها بغية الاستيعاب والتمثل ومن ثمت للتجاوز صوب الأفضل. حذفنا من هذا الكتاب فصولا، و أعدت أكثر من مرة صياغة بعضها الآخر كي لا
تقول كل شيء، وكي تأتي إيجابية أكثر مما هي هدمية أو هجومية أو عدائية. وهناك
فصول حولت ثم نقلت إلى الجزء الخاص بالألوهية والتعبدية أو جدلية الله والإنسان
في الذات العربية. فقد بدا بوضوح أن البطل سرعان ما يلحق، في تراثنا وكما سنرى
في هذه الحلقة، بالألوهية ويتحول إلى "إنسان رباني " أو إلى حائز على
شيء من ذات الإله. وسرعان ما نلقى الحلولية حيث نزول الله إلى البطل أو الصعود
إلى الله لامتلاك المطلق. وهكذا يجتاف البطل الألوهية، ويمتص قدراتها: نسقط عليه
حلولها فيه، أو اتحاده بها، أو اتصاله معها، أو الفناء فيها. إن، "حسد
الألوهية " موجود عند أبطالنا، أو نلقيه عليهم تهربا من ذلك الحسد أو تلك
الرغبة اللاواعية. فطمعنا بذلك الحسد للألوهية، أو الغيرة عندنا من الألوهية،
يتجسد في إسقاطاتنا على الأبطال. نجاح هذه السلسلة لم يجعلني أسرع في تقديم بعض حلقاتها، جعلني ذاك أؤخر
" قاموس الرموز"، وبعض كتب أخرى تنفعني في مجال عملي في التدريس
الجامعي، أو تؤوب إلى ذلك المجال. وذلك النجاح، بدا في الجزء الأول الذي طبع
مرتين خلال أقل من عام، والجزء الثالث الذي نفذت طبعته الأولى خلال عام واحد.
أما الجزءان الثاني والخامس فقد
طالتهما يد التحريم الذي، مع ذلك، لم يستطع منع انتشارهما. هما أجيز لنفسي الرفض
بسرعة لبعض الملاحظات ضد شروعنا العام، بحلقاته السابقة والتي ستظهر ، وضد بعض
الأفكار التي تقوده أو التي توصلنا إليها. من تلك الملاحظات السلبية القول بأن
التراث لا يؤثر في سلوكنا الراهن، وبأن الذات العربية مفهوم فردي أو صوفي أو
ذاتاني محض، وبأن....، وبأن....- ولعلي أجيب أن حكما شمالا جميعيا يلفظ على
عملنا ربما سيكون أقرب إلى الصواب أن قرأناه كعمل هو محاولة، وأجزاء متلاحقة،
وجلسات دراسية يلزمها وقت كي يظهر إخفاقها أو نجاحها في تحليل حالة معقدة
سميناها بالذات العربية. بيد أني، مع ذلك كله، أود التوقف عند ركنين بغية توضيح
هو رد وتلخيص: 1- الاتزانية
التي أراها ليست ذلك التوازن كما تعرفه النظرية الميكانيكية المبتذلة التي تناهض
الجدلية (أو، بحسب مصطلحاتنا الخاصة، الذهابيابية)، والتي ترى التوازن حالة
طبيعية، وترى أن الحركة أو التطور حالة مؤقتة انتقالية، وتنكر التناقضات والاستجابات
على التحديات... الاتزانية حركية، دينامية، وحاصل التفاعل- المستمر أبدا
بالتغير- بين عوامل تعود من الوعي والإنسان وأخرى قادمة من الحقل. وعلى ذلك
تتأكد في عملنا العقليمانية (العقل معا والإيمان) بالفكر الملتزم، بالفكر ذي
الحس الحاد بضرورة التغيير في إواليات التكيف مع القواهر. و ذاك تغير لا يحصل
خارج الذات الأصيلة في رسمها لصورة مثالية تبقى خاصة بها. وليس ذاك التغير
المطلوب انتقالا إلى النقيض ولا إلى الضد، ولا هو هدف قائم في "ذاته ومطلوب
لذاته، بل. ملتزم بالوعي الرفعى الإنهاضي لإنسانية الإنسان. بسبب ذلك سوف
نجد، هنا، لمحات من أفكارنا الرئيسية السابقة عينها والتي هي اليوم معروفة في
ثقافتنا الراهنة، وتدور حول أخذ الإنسان كوحدة في جسمه وروحه وعقله، ومسؤولية
ذلك الإنسان (امرأة أو رجل) إزاء الأمة، واحترام الشخصية الإنسانية وقيم الحرية
والكرامة والمساواة والعدل داخل مجتمع يحقق للأكثرية الأمن واللقمة والتطور.
وإلى جانب هذه القيم التي ربما بدت فردانية، مثالية، مقفلة على الفرد والشخص،
هناك مفاهيم أخرى تشكل لب عملنا وهي الإيمان بثقافة الجمهور كنبع ومعين
وإلهام، وبالإنسان الدهمائي في وعيه و لاوعيه وفي معاناته من القواهر تاريخا مديدا. ويرتبط بذلك
الإيمان، المعقلن والموعى به تماما، مواقف تدعو إلى التغيير في أنماط
السلوك والتفكير والوجود من صفة الأوهامية والانجراحات إلى الصيرورة والتوازن،
ومواقف أخرى تشدد على إقامة التكيف وفق المجابهة والعقلانية والتنظيم
الأمثل للقدرات وباتجاه الغاية الموعى بها. و يقوم ذلك على الوعي بدور الصراع
والذهابيابية في تطور الإنسان وتطوير الحقل، وحتى على دور التناقض في القيمة
الواحدة (الثناقيمة) في الشخصية والظواهر والمشاعر والتوجهات. كذلك فإن الحقيقي
ليس هو، في التاريخ وإنما يجب، قائما داخل إرادتنا ورغباتنا وتصوراتنا. فليس هو
نتيجة اقتناعات وإيمانات وسلوكات منمطة موروثة نجحت ذات زمان انقضى. الحقيقي لا
يؤوب إلى عنديات، إنه أكثر من ذلك في الحقيقة النسبية، والحقيقة المجردة، وفي
دنيا التاريخ، والأبطال، والانبيائية، والتصورات كافة. 3- منهج العمل هنا هو الذي يحدد التصور للمشكلات الاجتماعية والفلسفية،
والتصور لتكوين طرائق المعرفة كما يجب أن تكون، ولتحديد نسق القيم والواجبيات
والمعايير. ومن هنا نفهم، على سبيل المثال، طريقة النقد- في هذا الكتاب- للسلطة في
الأسرة النظام وفي الرئاسة المتغلبة (نظام الواحد، بحسب تعبير قديم)، وطريقة درس
الأسبابية (أثيولوجيا) في الاضطراب داخل الصحة النفسية وداخل العقلية الانفعالية
الق تعيق تكوين التكيف السريع الخلاق مع العقلانية وحضارة التكنولوجيا بأدواتها
ومواكباتها الفكرية ومناهجها والمآل التي ستوصل إليه. |
|||
Document Code PB.0135 |
ترميز المستند PB.0135 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |