Arabpsynet | |||
|
|||
مذاهــب علــم النفــس الدكتور علــــي ز دار الأندلس - بيروت |
|
||
|
|||
q
فهــرس
الموضوعــات /
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
توطئة §
الفصل الأول: النفس في التاريخ الفلسفي
o
القسم
الأول: النفس في التاريخ الفلسفي. o
القسم
الثاني: نصوص، النفس في فلسفة ابن سينا. o
القسم
الثالث: قراءات، إلمامة عن النفوس الشريرة في
قرية لبنانية §
الفصل الثاني: استقلال علم النفس
o
القسم
الأول: استقلال علم النفس. o
القسم
الثاني: قراءات، طلائع علم النفس وتفرقه. §
الفصل
الثالث: المدرسة الإتباعية (الكلاسيكية) o
القسم
الأول: الوعي والإستبطان o
القسم
الثاني: تطويرات الإستبطان o
القسم
الثالث: قراءات، رائز ذاتي أو استبطان مستحث §
الفصل الرابع: المدارس الذاتية في التعريف
o
القسم
الأول: الاتجاه الدينامي o
القسم
الثاني: الفلسفة الظواهرية o
القسم
الثالث: علم النفس الوجودي o
القسم
الرابع: نصوص، ما هي الظواهرية -
ظواهرية ميرلو بونتي §
الفصل الخامس: البنيوانية والوظيفانية
o
القسم
الأول: البنيوانية o
القسم
الثاني: الوظيفانية §
الفصل السادس: علم نفس السلوك
-
الإتجاه الموضوعي في تعريف علم
النفس o
القسم
الأول: الممهدات للسلوكانية o
القسم
الثاني: المدرسة السلوكية الواطسونية o
القسم
الثالث: المدرسة السلوكية المحدثة o
القسم
الرابع: علم نفس التصرف o
القسم
الخامس: الربانية (السيبرنطيقا) o
القسم
السادس: المدرسة السوفياتية §
الفصل السابع: مدرسة التحليل النفسي
-
اتجاه
يهمل الوعي في تعريف علم النفس o
القسم
الأول: مراحل ما قبل فرويد، اكتشاف اللاوعي o
القسم
الثاني: التحليلنفس، فرويد o
القسم
الثالث: الإنشقاقات والتطويرات في التحليلنفس o
القسم
الرابع: قراءات ونصوص §
الفصل
الثامن: علم نفس الشكل -
المدرسة
الغشتلطية o
القسم
الأول: المدرسة الترابطية في علم النفس o
القسم
الثاني: مدرسة علم نفس الشكل (الشكلانية) o
القسم
الثالث: نظرية الحقل النفساني o
القسم
الرابع: قراءات، سيكولوجية التوتر النفساني §
الفصل التاسع: نظرة آفاقية
o
القسم
الأول: من خصائص علم النفس المعاصر o
القسم
الثاني: الطريق إلى الحقيقة داخل المدارس
النفسانية §
الفصل العاشر: علم النفس وعلوم النفس
o
القسم
الأول: تعريف علم النفس، غرضه o
القسم
الثاني: عجالة عن المناهج في علم النفس o
القسم
الثالث: وحدة علم النفس وتعدده |
|||
q
تقديــم
الكتــاب / PREFACE |
|||
§
مقدمة الطبعة الثالثة
1- نقدم هذه الطبعة الثالثة
بثوب تغير، وإن طفيفا، باتجاه الأسهل أسلوبا، وباتجاه المصطلحات الأكثر استقرارا. وأضفنا ما يجعل الطبعة هذه
"صالحة حتى تاريخه " أي، بتعبير ثان، قريبة من أحدث الدراسات للموضوع
الذي تناولناه.
2- أود أن أقول، منذ البداية،
إن هذا " المدخل إلى علم النفس" لم يكن تعليقا أو شرحا لكتب أجنبية في
موضوعه. فعملنا هذا ليس على غرار أعمال الفارابي، أو ابن سينا، التلخيصية أو الشرحية على أعمال أرسطو و أفلاطون. إنه
عمل مستقل؟ لم يتقيد بمفكر أو نمق
أجنبي. ثم إننا سعينا، بطرائق التساعد، إلى التعرف على كتب جامعية بلغات ليست
أولى، اليوم، عالميا وفي حضارات غير متسلطة. ومن الواقعي هنا الاستنتاج، دون
صعوبات أو ادعاءات، أن علم النفس في العربية غير متخلف بالنسبة إلى حاله في تلك
اللغات والحضارات.
3- لم يتأخر علم النفس عن
التأثير في وجودنا والنظرة إلى اللغة وطرائق المعرفة عندنا. لم يبد قط أنه فرع
"دخيل "، إذ سرعان ما لاقى أرضا خصبة، وراح يحرث، ويؤثر. لاقى عوامل
داخلية جعلته يتعزز بسرعة، وينغرس بل يتملق أو يستدير إليه. ليس العلمنفس فرعا
محايدا، بريئا، ولا هو فاتر. ولذا يكون الانتفاع منه بأن نوجهه صوب دراسة
السلوك، والعائلي، والعلائقي، والمجتمعي. ويكن ذلك الاستنفاع، أيضا، بدراسة
المعتقدات، والنظرة إلى الوجود والقيم وكيف يجب أن نكون ونفكر. وأيضا، بتسليط الأضواء النفستماعية بغية التحكم بجدلية الحقل والفرد، الوطن والعالم، إنساننا والأخر.
والدراسات المنتفعة من علوم النفس تقوم على أخذ واقعنا من حيث هو بنية تاريخية،
من حيث هو كل جميعي متعاضد العناصر و متداخلها في نسقية حية عضوية. وفي تلك البنية، التي نلتقط الواقع في
شبكتها لدراسته، لا نستطيع إغفال علوم التاريخ. فالمنهج البنيوي يبقى ناقصا، إنه
يعجز عن شرح التطور، وظهور الجديد، وتفسير الإنتقال. يعجز لأنه يكتفي بأخذ عناصر
البنية على أنها أجزاء مترابطة، متبادلة التفاعل والوظائف داخل الكلية الجميعية
الواحدة المبنينة. يعجز لأنه يكتفي: يكتفي بذلك الأخذ الجميعي الإزائي للعناصر
في وحدتها ولا يعطي لأي منها أولويات وأسبقيات من جهة، ولا أفضليات من جهة أخرى. بحسب ذلك الأخذ للواقع كان، بوجه عام،
عملنا في دراسة ما أسميناه، بعد صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، بالذات
العربية. وتلك المبادئ النظرية في الدراسة هي التي آمنا بها كطرائق ذات نفع ثم
ذات صواب. وبذلك زعمنا أن علم النفس العربي، أو علم النفس في بلادنا، لا يجوز له
أن يكون إلا ذو توجهات خاصة تنصب على حرث الواقع وتخصيبه، والعمل على توفير
الصحة النفسية- الاتزانية- للفرد في حقله وفي علائقه مع العالم والحضارات.
4- مع مضي حوالي العشر سنوات
على صدور الطبعة الأولى نبتت لهذا الكتاب إخوة في الجامعة اللبنانية، قليلة، لكن
نافعة ثم، والأهم، أنها تعد وتملق. وسعيت، إبان معظم تلك الفترة، إلى الإشارة
على الطلاب في قسم الدكتوراه في الجامعة اليسوعية وفي قسم الماجستير في الجامعة
اللبنانية، إلى إمكان وجواز دراسة القطاع العلمنفسي والتربوي في الفكر العربي
الإسلامي ثم في الفكر العربي الحديث. واقتبلت، أو أشرفت، على أكثر من بحث في
المجالات النفستماعية التي أرى أن دراستها ذات أهميات كبرى، بل وذات أولويات في
الحال الراهن. 5- نعود إلى لمحة شمالة عن تاريخ علم
النفس في جامعاتنا وفي الثقافة العربية. تاريخه تاريخ العلوم الإنسانية الأخرى
التي أخذناها لتعمل، وتحرث، ثم لنطورها. إلا أن علم النفس نال حظوة مرموقة عند
الجماهير. إنه علم محبب، يفضله الكثير من طلابنا، ويستعمل الكثيرون كثرة من
مصطلحاته ومعطياته. وقد لاحظت، خلال عملي في تدريسه أو في تدريس التحليل النفسي،
أن فتياتنا هن الأكثر ميلا إلى علم النفس، وأن هذا العلم يجلب الانتباه، يستدير
إليه. يدعو إلى فهم الذات فهما أقرب إلى الموضوعية، إلى فهم الإنسان واقعيا مع
اقتبال وتطلع إلى التجاوز... ولاحظت أن المنجرح يهتم بدراسة علم النفس، نلحظ ذلك
أثناء العرض والشرح، أو عبر الأسئلة، والسكون، أو التحدي، والحركات اللاواعية،
عند المستمع. ولكن العلمنفس يستدعي إليه
أيضا الذي يطلب، بوعي ومن ثم بإرادة حرة، أن يكون باتزان ككائن يحيا في الواقع،
وأمام المشكلات، وفي العائلة، وفي المهنة، وكصديق صالح، وكمثقف إزاء الصحة
النفسية والمرض العقلي، وكمدع طامح إلى تحليل الشخصيات المحيطة به أو التاريخية.
6- ليس حسنا، ولكنه ليس مع ذلك من الجرائر، التكرار
بأن علم النفس في جامعاتنا بمستوى لائق لا ينخفض عن حاله في جامعات وحضارات بلاد
أمثال يوغوسلافيا أو البرتغال أو تركيا أو المجر... ثم إنه ليس أيضا من المثالب
النظر إليه كفرع ذي جذور في القطاع الفلسفي العربي (الفارابي، ابن سينا) وفي
التصوف (علم أحوال ومقامات النفس، علم أحوال النفس السالكة...)، وفي التربويات.
من هنا ينفرض السعي للبحث عن بعض المصطلحات القديمة، عند الصوفيين بشكل خاص، كي
لا نضع مصطلحات تكون ملصقة ومن ثمت تقيم الانقطاع لا التواصل، ولا تحافظ على الإستمرارية
التاريخية ونوع من الانسجام في التطور الدلالي للعربية. لا مجال لقول بأن علم النفس، كما هو
اليوم، معروف في تراثنا. لا تثريب في أننا نكتسب، ونغتني. إلا أننا نكرر أو
نؤكد، من جهة أخرى، أننا دون مشكلات مع علم النفس. هذا، دون أن نضع جانبا
حاجاتنا المتكاثرة إلى مختبرات، ومجلات متخصصة، ومعاجم تتناقح أبدا، وندوات،
ومؤسسة فوقوطنية نافذة الصلاحيات كي تنسق وتفرض. المجتمع ككل، من حيث هو وحدة
ظواهر حية تترابط، أقرب إلى الخصم منه إلى المساند المساعد في مجالنا هذا.
والتبعية للجامعات الأجنبية ما تزال، و إن نسبية وآخذة بالتضاؤل. يضاف، بعد
أيضا، سوء كفاية الجدية والحس بالمسؤولية في مضمار التدريس.
7- منذ بداياته في الجامعات،
جذب علم النفس إليه باتجاهين أو وفق أفكاريتين (إيديولوجيتين). فكان عندنا، في
تدريسه أو في استعمالاته، النظرة المتشيوعة أو الرانية إلى السفيتة، وكان هناك
من لا يقصد كثيرا، أو لا يعرف، أو لا يحارب أحدا كالكسول أو الفاتر والمتلقي.
وفي تحليلي فإن الأفكارية المتزنة، والنظرة المتزنة، إزاء ذلك هو الحالة التي
يستلم فيها الوعي وعيه فيستقل، ويتحرر، ويسعى لا للاستسلام ولا للخلفة، لا لمحو
الذات ولا لإسكان الغريب فيها. بل يفتش على أن يتطور من الداخل، بقدراته وشخصيته
كي يتخطى إحباطاته ويشعر لا باللامرض فقط بل وبالرضى الإيجابي إزاء أفكاريات
وحضارات الأقوياء. والسياسة، في مجال تدريس الإنسانيات، تضعف وتقمع، تحدد
وتتحدد.
8- ومع إسداء الشكر جزيلا إلى
أوائل العاملين في علم النفس بالعربية، وإلى أولئك الذين قدموا أبحاثا علمنفسية
عالمية بلغات عالمية، وإلى الذين يعملون ويطورون في مجالنا هذا، فإن الشكر يرفع
أيضا إلى الذين يكتبون علم النفس بالعربية أو يترجمون (ينتقلون) إليها. إنهم
يغنون اللغة و يكسرون ألفاظا غيمية، ويمنحون الثقافة إغتناء بالعلم و الدقة
والصرامة على حساب الترادفية والتكرارية والفضفاضية في الصياغة المقارنة، هنا،
معبرة ومعبرة: فاللغة العربية، بدون الانضباطية التي تفرضها الصياغة في العلم
(العلوم المضبوطة، والعلوم الإنسانية)، كانت لفظانية تتقدم فيها الفكرة ببطء
داخل ثوب من الكلام الضحضاح الغزير. وفي الوقت الذي كان فيه علم النفس، في
الغرب، ينبني كعلم مستقل بمناهجه وغرضه ومصطلحاته، ويتقبل المختبرات، كانت اللغة
العربية لا تبني في ابنها النظرة المعرفية التي تقوم على التجريبية والقيمة
المحددة للمصطلح. تغيرت اللغة العربية، والعقلية التي تصوغ وتفكر، مع اقتبالها
لعلوم النفس والمجتمع. البنية، بعناصرها المنتظمة داخل الوحدة العامة، تلقت
التأثير الناجم بفعل أنوار الإنسانيات. 9 - نلقى لعلوم الإنسان تأثيرا
في كتابات كبار الإصلاحيين في القرن التاسع عشر. إلا أن صدى علم النفس تحول إلى
أوقع رنة بعد الربع الأول للقرن الراهن. نلقى. ذلك في الأدب، والنقد، والتاريخ،
وتحليل الشخصيات التاريخية، ودراسة الإنسان بمعتقداته وقيمه وطرائق نظره وتطوره.
بل أن علم النفس رن في الصحافة والتثقيف الجماهيري والحديث الدارج. فأفكار حول العقدة
النفسية والجنس والأحلام والمرض النفسي ذات صدى وفعالية في الحديث اليومي
والثقافة العامة منذ فترة طويلة. كما أن الإذاعات، والمجلات، كانت قد بدأت مبكرا
بتخصيص مساحة لعلم النفس في تطبيقاته المرضية والتربوية والإعلامية، وللتنوير
بشكل عام.
10- أتوقف، بعد أيضا، عند نقطة هي نتيجة تطور
نلقاها في عملنا هنا وفي الكتب الجامعية العربية عموما. أفضل أن نستند أكثر إلى
المؤلفات العربية، وإلى المترجمات. ذاك التطور معجب. وأنا الجأ إلى مؤلف أو مؤلف
عربي، حتى و إن كان غير كافي أو غير معجب. لقد خفت رغبة الناضجين في الإكثار
والإظهار والعرض: إن كاتبا عربيا متواضعا عن التحليلنفسي أورده في الحاشية هو،
عندي، عمل أجدى من الإستشهاد بآخر كل ما عنده أنه أجنبي. وهنا لن أكثر، ولن
أطيل. وها آنذا أعيد إلى المراجع الترجمية العربية، رغم أن ذلك تطلب مني وقتا
ورغم أني درستها بنصها الأجنبي. وذاك عمل يبقى، في نهاية المطاف، أسوة بما يحصل
عند الفرنسيين. إن كان في ذلك بعض المطاعن فإنها، رغم كل شيء، تبقى أخف سوءا أو،
بكلمات التكيف السلبي مع الواقع، "أهون الشرين " في الطريق إلى الصحة
والتوازن لثقافتنا.
11- نلقى توضيحات لهذا
الكتاب، لهذا المدخل، في أعمال لنا أخرى. ففي "تاريخ علم النفس" وفي
"مناهج علم النفس"، المترجمين، الكثير مما يغذي الراغب بالاستزادة.
ثم، من جهة أخرى، لن تلقى هنا تقديما لبعض فروع علم النفس أو لتطبيقاته في
مجالات علوم إنسانية كثيرة. ويزداد اعتقادي بأنه كان من الأفضل تقديم نصوص أكثر
للقضاء النسبي، وإن قليلا، على النزعة الخطوطية التكثيفية التي يفضلها الطالب كي
يسهل عليه الإلتقاط.
12- لم نضف نصا، نقحنا ما كان
موجودا. وهكذا أعدنا، أنا والزميل الدكتور محمد رضوان حسن، ترجمة نص رافل عن الظواهرية. هنا أشكر زميلي، رفيق الدراسة ثم التدريس، فقد تعب. إنه معروف بالدقة
ومن ثمت كان إتعابه لمن يعمل معه في البحث عن المصطلح، بل حتى عن الكلمة العادية
عند نقلها. هنا نلقى الصعوبة الكأداء التي تعترض العامل في مجالات العلوم
الإنسانية بالعربية: كثرة الاختصاصات التي يتوجب معرفتها، تشعب الاهتمامات التي
عليه ملاحقتها كي يستطيع أن يحقق هدفه. فعليه أن يترجم، وأن يلاحق، وأن يدرس
ويدرس، وينقب عن مصطلحات، ويقرا القديم والجديد الكثير المتنوع... لا مؤسسات،
ولا نصوصا كافية، تدعمه وتخفف عن كاهله كي يتفرغ للبحث المحصور. التعاون، العمل
الجماعي أو الفريقي، لم يتوفر بعد: لا هو، ولا الأوضاع التي توفره.
13- أود أن أسوغ استعمالين،
عوضا عن استعمال واحد صارم، لمصطلحات قليلة أو لمنحوتات لفظية. فرغم أننا ننادي
بمبدأ الاقتصاد في استعمال الكلمات، نلقى علاجنفس والعلاج النفسي،
الربطانية
والمدرسة الربطية أو الترابطية، الفلسفة الوجودية والوجودانية.. لقد فضلنا
استعمال موضوعانية على النزعة (أو الفلسفة أو الاتجاه أو الموقف أو المذهب.)
الموضوعية، وطبنفس على الطب النفسي (أو الطب النفساني، الطب النفسي العقلي، الطب
العقلي). على ذلك كان يتوجب، إذن، اللجوء للمنحوت المفضل. لم نتقيد بصرامة نودها
ونطلبها. في ذلك مثالب بحق المنهجية. ولكن؟ لكن هنا إمكانيات نشوء عداوة للكتاب.
فالقارئ، وإذ يلقى مصطلحات لا يتناغم معها، يعرف نفسه أولا. ينكشف لنفسه، وهذا
لا يهم موضوعنا هذا، لأن ذلك القارئ سيشعر بتوتر. وهذا التوتر قد يزداد صفحة تلو
صفحة ومن ثمت تتأتى إمكانية أن تنضاف إليه إسقاطات لا واعية، وانفعالات،
وتمثلات.
14- أشكر، بالإضافة إلى أخصام
الكتاب هذا، أصدقاءه ومنهم خاصة الأستاذ أحمد عاصي الذي تولى بعنايته تصحيحات
الملازم الطباعية وما إليها.
تشرين الثاني 1980 §
مقدمة الطبعة الثانية
كان من المقرر أن تصدر الطبعة الثانية في
أواخر عام 1975، أي بعد مرور سنوات أربع على ظهور الطبعة الأولى التي اعتورتها
مثالب ليست جمة لكن- في جميع الأحوال- دون المطاعن التي نالتها من فغرض أو مدع،
وفوق ما أشار إليه زميل أو عزيز. لا أراني مضطرا إلى تبيان منافع تدريس علم
النفس بالعربية. فالذين نقشوا الطبعة الأولى- قال أحدهم أن الكتاب مؤذ- من تلك
الكوة يردون هنا دون مقارعة كأن هؤلاء يشكون من عقدة الخصاء الذهني، وهم يسقطون
حالات ووعيا، وصدهم الفهمي، على ظاهرة. يضاف إلى ذلك أننا صرنا نقول: ولى الزمن
الذي كنا نوجه فيه جهدا، وزمنا، وبالا، للتدليل على أن تدريس علم النفس بالعربية
أفضل للمستقبل، ولبناء الذهنية، ولتحليل الواقع، وأنه أشفى للجرح النرجسي، وألزم
للمحافظة على قيمة الذات، واعتبار وتكريم النحن التاريخي، وألصق بالأنا الباحثة
عن الشعور بالأمن والثقة، وباللغة التي ما طفقت تتكسر لتعيد انتعاشاتها. وثانيها، إني كالمكره أرى لزاما علي أن
الجأ إلى تسويغ-أو للرد على هجوم- وضع كتاب يتناول المدارس في علم النفس. قالوا
إن ذاك العمل يمنع الطلاب من العودة إلى الأمهات، إلى المراجع أو المصادر،
وبالتالي يقع الطالب في الاكتفاء بالكتاب الواحد والوحيد، الكافي والنافي. إن
ذلك- في تحليلنا- يقفل، ويؤدي إلى الهزال، وإلى الوقوع في اللفظانية والإطلاع
العناويني. وبذلك الاكتفاء نشجع أيضا- كما أرى- التعلم التلقيني، ورضى الطالب
بعلاقة مع الكتاب غير سوية ويفقد فيها حريته بل شعوره- الضروري الوجود-
بالمساواة والانفتاح والديموقراطية والدينامية. رأيت تلك النقائص، التي تقهر
الطالب، في فرض كتاب أو كتابين يجعلان مقررا. ورأيتها تعطي الأستاذ سلطة السيد،
وإمكانية القمع والتطويع. لكن كتابنا هذا لم يقرر، لم يفرضه أحد على أحد، ولا
قلنا إنه أكثر من محاولة.
كان أول كتاب في علم النفس يصدر بالعربية في الجامعة اللبنانية. إنه، في
حلته اليوم، أكمل أو هو أبهى. والكتاب الثاني الذي سيصدر، في هذا الميدان، سيكون
هو ومؤلفه، في موقف أفضل: بذلك يتحقق الغنى. ثم إن وضع وجيز (مبسط، جامع، مدخل)
في علم النفس يحرر الطالب من جهة، وينفع الأستاذ من أخرى، ويقيم الجو الأفضل
للتدريس من ثالثة. فالطالب، وإذ يقرا ما في الكتاب عن مدرسة ما، يكون في قاعة
الدراسة أكثر استعدادا للتقبل ومن ثمة للاستيعاب، وبالتالي للنقاش أو الاستماع اللاقمعي وضمن
شبكة علائقية متزنة. والأستاذ، بوجود الوجيز (أو المبسط، أو
الجامع، أو الكافي إلخ...) بين يديه، يغدو متحررا من تقديم الأفكار التي لا
تتطلب كثير الشرح وطول التوقف. يغدو الوقت أنتج، ومملوءا بالأساسي أكثر. والأسباب
الأخرى، والعوامل العديدة، التي تجعل جو التدريس أقرب إلى الديموقراطية والتي
تخدم الطالب إن شاء التدوين والمدرس إن شاء تقديم النصوص، أسباب وعوامل إيجابية
كلها، وترفع المستوى بلا ريب. ثم إنها- كلها أو جلها- تعمل في النور، تخدم وليست
فاترة. أجدني، مرة ثالثة، في موقف المناقش، بل في
موقف يرد على تهجم من البعض باسم اللغة. قيل إن طبيعة هذه، وتجرس ألفاظها، وذوق،
و..، وإن العرب لا يطربون للمصطلح المكون من أكثر من كلمة، ولا يألفون المصطلح
الذي لم يجر على لسان القدماء. في تحليلنا، إن قانون الاقتصاد، قانون التوفير،
يدفع لاستعمال الكلمة ذات الكلمتين . وعدا ذلك فقانون الدقة العلمية يفرض تجاوز
الأذن التي تطرب لكلمة وتأنف من أخرى. تلك العواطف إزاء اللغة، والنزعة الجمالية
الأذنية، تعيق. وتشد إلى الوراء، إلى اللاعلمي، إلى الانفعالي، إلى عدم الجرأة
والتحدي، إلى النكوص و الاجتياف المستمر لإضآل قيمة اللغة، و قدرات الذات
الجماعية لتبخيس الحقل. أذكر أني لما استعملت كلمة مادياني،
مميزا إياها عن مادي ومدلا على أنها تعني المذهب (التفسير، النزعة، الفلسفة،
الاتجاه) المادي أي لبناء لفظة تستوعب الـ Matérialisme
أو الـ Matérialiste المختلفة
عن لفظة Matériel ، تبسم بعض الزملاء، واستغرب
بعض الطلبة. ومع قليل من الوقت، وبعد لأي هو هدوء صدمة الانفعال، كان القبول
تاما. وإذ وجدت في كتابات ابن سينا كلمة ذاتاني وعند النفري كلمة قولاني -
وفعلاني أيضا- فقد اقتنع من تزمت. الأهم، أن الدقة توفرت. وكذا أقول عن توفر
الوضوح الذي يلغي العشوائية في استعمال الكلمات. وعن مصطلحات مثل: فوقوعي، قبوعي، نفستربوي، علاجنفس، تحليلنفس، علمجنس، إلخ... أقول إنها نفعتنا، ثم هي ضرورية.
ضرورتها يراها غير الأدبي ثقافة علمجنس. وسلوكا قبل غيره، أوهي أفضل وألح عند
الحارث في ميدان العلوم، والحامل هموما لغوية ناجمة عن تحديات حضارية، ووجودية،
ومعرفية. يقودنا ذلك إلى تحديات أخرى مثل: فوضى
الترجمة، وترجرج المصطلحات، وتعددها بتعدد المؤلفين فنحن في جامعة واحدة، بل
وحتى داخل القسم نفسه ناهيك بمسم قريب منا، نستعمل مصطلحات غير موحدة. وقد نرى
بيننا أحيانا الهاوي في إيجاد معجمية تخصه أو تبديه منيفا... يضاف، إن للكتاب
الواحد أكثر من ترجمة واحدة أحيانا، والكتاب المرجع غير مترجم أحيانا أخرى. هذا
بينما تقوم أعمال ترجمية عديدة تتناول الغث أو، بشكل خاص، الأسهل. من هنا تكرار
دعوتنا لإنشاء جمعية، أو اتحاد، أو ما أشبه من مؤسسة- رسمية أو عربية عامة- تهتم
بالتنسيق والتشجيع والدل على الأهم ووضع القواميس، وبإصدار المجلة بل المجلات
المتخصصة. تبرز في الكتاب، بعد أيضا، نقائص. لكنه
مدخل إلى علم النفس، إنه يجمع. يقدم نظرات هي، بعد العرض، تزن المحاسن والمساوئ.
لذلك قد يبدو العمل سريعا هنا، ومتوقفا هناك. ثم في الكتاب قساوة على البرغسونية
مثلا، حسب تهمة أحد أساتذتنا. صحيح! لكن فلسفة برغسون، التي كأنها اندمجت بسرعة
في الثقافة العربية، لا تبني ولا تؤكد الذات. عندنا الكثير من البرغسوني المحتد.
وأنا أميل إلى جعل علم النفس، أو قطاعا رئيسا منه، سلاحا نشهره في وجه التخلف
وأداة لدراسة البنى الاجتماعية. ثم أن الأساطير، والخرافات مع المعتقدات
الأوهامية والترهات، تشكل في الذات العربية حقلا لما يحرث بعد، وترك هذا يبابا
يعيق كل تطور، ويتكيف سيئا مع أية خطة تنموية أو مع أية إفكارية إنهاضية. والكتاب، كنقيصة فيه هي غير نقيصة، يهتم
بالفلسفة، بذلك الجانب الفلسفي داخل مدارس علم النفس. لا تثريب! فهو مقدم إلى
طلاب قسم الفلسفة أيضا، وإلى المطالع والمتثقف، وإلى ذلك الميدان العريض الذي
يقع عند حدود الفلسفة مع علم النفس، وإلى الفلسفات النفسانية، وعلم النفس
الفلسفي- هذا إن وجد أو ما يزال- وما إلى ذلك. ونقول هنا إننا، وإن كنا لا نرى
في علم النفس أساسا للفلسفة، ولا مدخلا لها أو طريقها الواسع، فإننا لا نتبنى
الموقف المعاكس. فليست الفلسفة، من جهتها هي أيضا، قائدة- بإحكام وإلجام- لعلم
النفس في شتى ميادينه، ولا هي قاهرة إياه بمنهج لها هو وحيد وشامل وناف. بيد أن علم النفس، في نظرنا، يجب أن يشدد
على اعتبار الفرد موجودا غير منفصل عن مجتمعه، متأثرا ومؤثرا ببيئته. وذلك
الفرد، في علاقاته الجدلية مع الوسط، لا يتكون بالوراثة من حيث قدراته وفوارقه.
وعلى ذلك العلم أن يبحث في البنى الاجتماعية، وفي السلوك (النفسي الجسمي، معا
ودون ثنائية) الفردي، وفي عوامل التخلف المجتمعي والفردي. ومن ثمة عليه أن
يساعدني في تغيير تلك البنى والذهنية والسلوكات اللامتزنة حيث تسيطر اللامنهجية
والإنفعالية من جهة، وعوامل الضغط والقهر من جهة أخرى. وبانطلاق علم النفس،
عندنا، من أن الإنسان ابن بيئة، ونتاج تاريخ وأوضاع، وكائن هو نفس وجسم معا يعمل
وذو قيم ويفكر، فإنه سيكون واحدا من تلك العلوم التي ستساهم بفعالية في ميدان
نبذ الأخذ المعهود، التقليدي، لإنساننا في حقليه الوطني والعالمي، وفي مفاهيمه،
المضطربة، للنفس والجسد والحرية والمجتمع- والحلقات الاجتماعية- والأفكار
المثالية وسير التاريخ وقوانين التطور. أضفنا، في هذه الطبعة، قليلات
معدودات. فمثلا، نجد الربانية (السيبرطيقا، أو السيبرنتيكا، أو...، وتكتب- بأسف
أو دون أسف- اللفظة الأجنبية هذه بأكثر من 20 شكلا بالحروف العربية) معروضة
بسرعة لا تخلو من شعور بالمرارة لأن قومنا عنها غربيون. ونجد المدرسة السوفياتية
في علم النفس، ملحقة بالفصل المتعلق بالسلوكانية (المدرسة السلوكية)... ثم إن
قاموسا بالمصطلحات، ولائحة بالمراجع، بديا نافعين، فأتيا ودون تطويل. وفي الثنايا نجد تبريرات مختلفة، هي
أحيانا جلى غير تسويغ. فالاكتفاء بعدة انشقاقات داخل فصل التحليلنفس، وإغفال من
هم أهم ممن أوردنا، يجدان الأسباب التي دفعت إلى ذلك. كذلك فإن بعض التكرارات،
في الفصلين الأخيرين مثلا، تؤوب إلى طبيعة المبحث الذي أخذ كمستقل عن تاليه
وسابقه.
تشرين الثاني، 1977 §
مقدمة الطبعة الأولى
الكتب العربية التي تعالج المذاهب، أو المدارس، النفسانية
ما تزال نادرة العدد علما بان كتاب ودورث قد ترجم، من قبل كمال دسوقي، في
القاهرة منذ عام 1948. وعملنا هذا، ضمن ذلك النطاق، يود ويطمح: فهو يود أن يخدم
دارسي علم النفس بالعربية، ويطمح لأن يكون دراسة نقدية- وشاملة إلى حد ما-
للمذاهب المختلفة في علم النفس المعاصر، البادئ مع أوائل هذا القرن. إن خطة العمل، أو المناهجية التي اتبعت، نقدية.
إنها تقييمية، تساعد على التفكير المنهجي، على المحاجة وإعطاء الأحكام القيمية
بتمحيص الغث من السمين، وتبيان الطالح والصالح في كل مدرسة نفسانية. من جهة
أخرى، إن طريقة تقديم المدرسة تحاول أيضا أن تنبني على ما يجب أن يكون في مجال
التأليف، بالعربية، في علم النفس. ذلك ما يفرض على علماء النفس العرب- الذين هم،
بالفعل، كثيرون ومنهم من قدم مساهمات ذات مدى عالمي لكنها ما تزال باللغات
الأجنبية-أن يتذكروا بعضهم البعض، أن يستعين هذا بمؤلفات أو بمترجمات ذاك. قل أن
نلاحظ هذا الأمر: يلجأ أحدهم، مثلا، في كتابه إلى ذكر المرجع الأميركي، رغم كون
هذا مترجما، ورغم أنه يكتب لقراء عرب، ورغم أن الترجمة العربية متقنة بل ومضاف
إليها معلومات ثمينة. من ناحية.أخرى، نلقاه يورد مراجع أجنبية عديدة، وهي هي في
كل فصل تقريبا، دون إلماع إلى مراجع بالعربية تعالج الموضوعات عينها، أحيانا
عديدة، معالجة ذات مستوى رصين. إن في ذلك قلة وفاء إزاء المترجم، وقلة ثقة به،
وهنا أيضا إيحاء للقارئ بضحالة المؤلفات العربية وبما هو حول ذلك- وما ينجم أو
ما يتولد في ذهنه- من نظرة إلى المؤلفات الأجنبية وهزال المؤلفين بالعربية. وفي
ذلك كله- عدا الأخطاء المنهجية ثم الابتعاد عن اللياقات، والتعبير اللاواعي عن
مشاعر بالدونية وبالتحاسد- جناية على المؤلف ذاته، إذ أنه سيقع في. عين الإهمال
الذي يود وضع زملائه فيه. كان لا بد، على ذلك، من بذل الجهد لتلافي خطأ
مماثل... هنا كان اللجوء إلى ذكر واستعمال مراجع بالعربية الكثير منها، بلا ريب،
يبلغ المستوى الجيد ويضع القارئ في مناخ مستساغ، غير مشدود، ويظهر لعلم النفس
جذورا وإطارات قائمة في مؤلفات ومترجمات عربية موفورة القيمة والعدد. فيما عنى الصعوبات، لن أورد هنا سوى ما
يتعلق منها بالمفرداتية التقنية. إن تعليم علم النفس بالعربية لم يثر مشكلة من
نوع ما، مشكلة حادة إذا شئنا القول. الإصطلاحات- عدا ما هو القريب الأقرب
للآلات- قائمة. البعض منها ما يزال مترجرجا، غير مستقر، يختلف حوله، لأسباب
ذاتية وتافهة أحيانا، الكاتبون بالعربية. قد يكون الضير في ذلك غير ذي شأن كبير
ما دامت سيرورة الترجمة، ومعها عمليات التأليف، تنقح نفسها بنفسها، تنمو وتزدهر.
أما نتاج القواميس والمجامع اللغوية فيساهم في حراثة هذا الحقل ورعايته. ولعل
عدم وجود مجلة متخصصة، وعدم وجود مؤتمرات دورية وما شابه كحلقات دراسية وندوات
للزارعين في حقل علم النفس بالعربية، نقيصتان تسيئان إلى تطور هذا العلم وتكوين
استقرار معجميته. تقترب إمكانية التغلب على صعوبات تزجمية،
بنظرنا، من التحقق إذا أخذنا، إلى ما، بمبدأ يسبب ثراء اللغات اللاتينية والانكلوسكسونية
اليوم. إنه مبدأ الضم، مبدأ السابقة، مبدأ جمع كلمتين و تقديمهما على أنهما كلمة
واحدة (عكس اللغة العربية التي تنمو من الداخل، بالاشتقاق).. من هنا يسهل على
أولئك القول: سيكولوجيا، أنثروبولوجيا، سكسولوجيا، دون أن تؤخذ الكلمة على أنها،
بالأصل، مؤلفة من كلمتين، أو ما يشبه . بينما نقول بالعربية: علم النفس، علم
الإنسان علم الجنس. ربما كان هذا سهلا، نوعا ما، لكن القضية تصبح أصعب عندما
يتعلق الأمر بكلمات أخرى. فمثلا، يقول الألماني للدلالة على الشعور بالدونية
كلمة طويلة مركبة من عدة كلمات أو أصول هي: Minderwertigkeitsgefühl أو إنه يقول بلا حرج ولا ما يشبه
الحرج، للدلالة على علم النفس الذي يكتبه العلماء الجالسون على مقاعد وثيرة، أي
النظريون: Schreibischpsychologie ومثال ذلك
كثير. أتلك هي طبيعة اللغة عندهم، بل انهم كيفوها لتتقبل كلمات تقنية مكونة من
أكثر من عشرين حرفا. وعلى العموم، يستعمل الأوروبي: Hypercompensation,
Préconscient, Naturalisme ونستعمل نحن للدلالة على أي من هذه المصطلحات
عينها ما يشبه الجملة طولا. فنقول على التوالي: ما هو قبل الوعي، التعويض
المتضخم جدا، النزعة (الفلسفة، الاتجاه، المذهب، المدرسة) الطبيعية. عدا هذا
الطول، واللجوء إلى جملة مقابل كلمة أجنبية واحدة، فان الترجرج يبقى معتورا
المصطلح. كما إن الانتفاع منه يغدو أصعب، إذ تستحيل معه الاشتقاقات، وعمليات
صرفية عديدة، واستعمالات صارمة تضبط الذهن. لذلك، وإلى حد ما فقط، لجأنا إلى المبدأ
الجديد في نحت المصطلح. فكان أن استعملنا مفردات مثل فوقوعي، تحتوعي، نفسبدني،
قياسنفسية، نفستربوي، تحليلنفسي، وظيفانية (المدرسة الوظيفية)، سلوكانية
(المدرسة السلوكية) الآنية (النزعة أو المدرسة الذاتية) أما مفردات مثل كموية،
نسبة إلى كمية، وكيفوية نسبة إلى كيفية، فإنها صارت من الشيوع والقبول العام
بحيث لا تستلزم التنبيه المط منافعها أو إلى وجودها. مثل ذاك الإستعمال أدى إلى
الدقة، إلى التضبيط اللغوي والمنطقي، إلى الموضوع، والتقييد الصارم. يتمركز هذا الكتاب على محور هو التعريفات
لعلم النفس المعاصر أو تعيين غرضه، ومن ثمت منهجه ووضعه بين العلوم. كانت هناك
محاولات ذاتية في التعريف، وهي التي انطلقنا منها، أما المحاولات الأخرى فهي
اقتراب أو ابتعاد عن هذا التعريف المنطلق من الوعي والمنهج الاستبطاني. تلك هي
روح الكتاب. إنها نظرات مختلفة للشخصية، أو للوعي الإنساني. وهي محاولات لإشادة
علم النفس كعلم مستقل: له غرضه، ومصطلحاته، ومناهجه، و"قوانينه"
الخاصة به. أما القراءات والنصوص، التي رافقت بعض
الفصول، فهي لا تستلزم تبريرا لوجودها بل حتى ولا توضيحا لذلك. هناك الكثير من
الكتب، بالفرنسية والإنكليزية، التي تجمع نصوصا لمشاهير الباحثين في علم النفس.
كما يحصل ذلك في ميادين أخرى بالطبع. إن وضع النص أمام القارئ خير من أن تكتب له
تعليقا أو تحليلا لهذا النص، يصدق ذلك في العديد العديد من الحالات. وقد حاولت
أن أجعل الطالب ينتفع من خيرات هذا المنهج ليستخلص بنفسه، ليعالج ويتمثل الأفكار
انطلاقا من ينابيعها الأولى. كما أني، وإذ اختبرت الطلاب، قد رأيت الكثير لا
يلجأ لأكثر من كتاب واحد رغم تكرار التنبيه لخطورة وخطأ عمل من هذا القبيل. ذاك
جعلني أضيف قراءات، أو مطالعات، تخدم الطالب بشدها إليه، وتوسيع آفاق رؤيته. أود أن أجزي الشكر لبعض الأخوة والزملاء.
أذكر منهم الدكاترة: الأب ف. جبر، وغ. مقلد، ون. الاجه جي الذي تمرست، في
السابق، بإشرافه على عدد من الآلات النفسانية، وعلى إجراء ألوان من الروائز
والاختبارات القياسنفسية. أما الدكتور نزار الزين، الذي كان أول من
درس علم النفس في الجامعة اللبنانية باللغة العربية، فإني أقر بحسن جهده. كما
أتوجه بالشكر إلى الصديق البروفسور م. روكلن- الأستاذ في السوربون، مدير المعهد
القومي لدراسة العمل والتوجيه المهني في باريس- الذي أسدى إلي خدمات بتوجيهاته
ومعلوماته.
بيروت، ت 2، 1971 |
|||
q
ملخصــات /
SUMMARY / RESUMES |
|||
§
توطئة 1- المدخل إلى علم النفس: لا ريب في أن
أفضل مدخل إلى علم النفس هو علم النفس ذاته. أي أن نبدأ مباشرة بمشاكله الخاصة به،
فلنستعد ولنعد التجارب التي أضحت كلاسيكية في هذا الحقل، بهذا فإننا نأخذ الفكرة
الجيدة عن موضوعه، عن منهجه، عن المعارف التي يتطلبها، عن الصعوبات الخاصة به،
وعن قيمة النتائج التي يتوصل إليها. ثم إن دراستنا الحاضرة ليست
مخصصة لمبتدئين في علم النفس، بل هي تقدم الآن بعد معرفة سابقة، ومن نوع ما،
لحقول ولمناهج هذا العلم ولنتائجه. إن الفلسفات الكبرى في التاريخ قد
حوت على علم النفس من حيث كونه جزءا مهما فيها، بل ونقطة استناد (تعليل، وتبرير
وتوضيح) للمذاهب الشمولية المبنية المنظمة... علم النفس هذا، هو بعيد كل البعد
عن علم النفس بمعناه وامتداداته في أيامنا الحاضرة. تبرز هنا مشكلة ضرورة هذا الدوران
أو هذا الطريق الطويل الذي هو تاريخ علم النفس في مساره قبل أن ينفصل عن أمه
الفلسفة. هل دراسة تاريخه في الفلسفات القديمة والحديثة شيء ضروري حكما ونافع؟
أم أنه يبعد بل ويعيق الفهم الصحيح للتصورات وللمفاهيم والمعطيات النفسانية
الحالية؟ أم هل البدء الفوري بدراسة العلم ذاته هو الأفضل من حيث تمثله، ثم من
حيث الوقت والنفع؟ ذلك أننا، في هذه الحالة الأخيرة،
نكون قد وفرنا على أنفسنا تكوين عادات فكرية لا مندوحة علينا من التخلي عنها عند
البدء بالتعرف على المعطيات الحديثة والعلمية، ثم نكون قد تخطينا تشكيل مسبقات
فكرية ومنهجية لا ضرورة لها، هذا إن لم تكن تعيقنا وتجعل أقل وضوحا تمثلنا
للحلول الجديدة. إن في دراسة تاريخية كهذه عملا سلبيا بلا ريب، وسيعمل اللاوعي
والمعلومات القديمة على أن تؤثر في القراءات الراهنة للمعطيات أو للمدارس
المعاصرة. هناك حقيقة في القول إنه لا ضرورة
لهذه المقدمات التاريخية، ولا لهذا التجزيء في الفلسفات القديمة نفسها، في سبيل
فهم نظرية التعلم، أو الاختبارات، أو بعض "القوانين " النفسانية، أو
ميدان ما من ميادين أو مدارس علم النفس المعاصر. هل نبدأ، إذن، بدراسة علم النفس دون
مدخل إليه من خلال الفلسفات القديمة والحديثة ونتصدى مباشرة للوضع الحاضر- أو
على الأقل ابتداء من المائة عام الأخيرة- لهذا العلم؟ رغم سيئات دراسة علم النفس في تطوره
بين أحضان الفلسفة، ثم فطامه واستقلاله، فإنها سيئات لا توازي المنافع والغنم
الفكري للدراسة العكسية، أي لدراسة ذلك القسم من الفلسفة الذي كان ينصب على
"النفس ". 2- اهتمام الحضارة بعلم النفس: في السنوات الأخيرة، أخذ علم النفس
يلفت إليه الانتباه. وذلك بسبب: ازدهاره السريع، جاذبية وضجة بعض النظريات،
نتائجه وتعاليمه في ميدان الطب المرضي، الحاجة إليه ني بعض ميادين الحياة
والتطبيق، إلخ. بيد أن الناس كانت تهتم بالنفس وما
إليها منذ أقدم العصور، بل إن هناك اعتقادات وعمليات وأساطير متعلقة بالنفس
وبتأثير النفوس وبالمصير وبالعلاج لا يمكن أن تفسر إلا بردها إلى أصل سيكولوجي.
هذا ما نراه تحت عنوان النفس في الميتولوجيا والمعتقدات الشعبية. ولسوف نلاحق
الموضوع ذاته في تاريخ الفلسفة قبل البدء بتعريفات علم النفس المختلفة،
وبمدارسه، وميادينه، ووحدته... أما مكانة هذا العلم في الجامعات
فموضوع معروف: له برامجه، ومختبراته وتخصص في ميادينه اللاحبة والآخذة بالتشعب
التدرجي وبالتعدد. 3- "علم النفس " والعلم الطبيعي: نافع هو أن نميز بصورة عامة وسريعة-
قبل الدخول في التاريخ الفلسفي- بين علم النفس، والعلم الطبيعي. مثل هذا التمييز
يوضح: أ/ أن علم النفس، كعلم يدرس
"النفس " الإنسانية، يتعاكس مع العلوم الطبيعية. فالطبيعة والنفس
متعاكستان (الأولى جوهر مادي، والثانية جوهر روحاني حسب المذهب الروحاني، المثالي). خصائص
الطبيعة هي المكان، والشكل، والمساحة، والحركة والامتداد، إلخ... وخصائص الثانية
هي الوعي، والرغبة، والإرادة، والتفكير، إلخ... ب/ علم الطبيعة علم يدرس الشيء، ما
هو عياني، ما هو هناك. وعلم النفس يدرس الموضوع، الإنسان، الـ "أنا"،
الوعي، الشخصية، السلوك. ت/ المنهج في علم النفس متجه نحو
الداخل،- نحو الوعي، نحو الذات والعندي، وهنا الاستبطان، عالم الفكر، عالم اللغة
والصورة والرمز واللاوعي. بينما تكون مناهج العلوم الطبيعية موجهة نحو الخارج،
تدرس أشياء منفصلة عن الدارس، بعيدة عنه، منفتحة للجميع، قابلة للإعادة والتكرار
والوضع في وعاء مغلق، تجرب وتلمس، ويجري عليها عملهم علماء عدة في الوقت ذاته... ث/ علم النفس يدرس أشياء فردية
ومفردة، بينما يصل العلم إلى قوانين عامة. هناك المعاش، الشخصي، الفردي، الخاص
بواحد ما، وهنا- في العلم المضبوط- العام. ج/ الشيء الفيزيائي يبتني بواسطة
القياس والعدد، فتهدف العلوم هذه إلى اكتشاف قوانين كموية. أما علم النفس فيهتم
بتلك الحالات المعاشة التي يجهلها علم الطبيعة، وبدلا من استعمال المقياس والعدد
فإننا نستعمل، بالنسبة للإنسان، منهج التحليل الوصفي. الأحداث النفسية تمتد في
الديمومة، لا توجد في لحظة بل تمتد إلى الوراء وإلى الأمام، إنها متغيرة،
متطورة، غير قابلة لأن تكون في مكان معين وحالة مستقرة إذ هي تنمو وتعيش وتذبل.
وقد تسقط على الخارج، أو توجه نحو الذات، وقد تكبت أو تنكص أو تترمز. ح/ القوانين في ميدان العلوم
الإنسانية مختلفة عنها في العلوم المضبوطة (المحضة، الدقيقة، الصحيحة، الخالصة،
الطبيعية). هناك الحتمية، والقوانين، والعلة الكافية، وهنا "حتمية" من
نوع مختلف أي احتمالات نجد معها: الحرية، الإرادة، الأصالة، العطاء الشخصي،
التفكير، إلخ.. خ/ الإختلاف بين العلمين اختلاف في
الموضوع (الغرض) والغاية والمنهج، وهو اختلاف في التطبيق. إن اختلافا بينهما في
الموضوع والمنهج يؤدي لقيام عقلية مختلفة وفكر مختلف. فما تقدمه ثقافة كثيفة من
العلوم الطبيعية هي أن تجعل من هذا الرجل معتادا على التجريد وتقديس الأرقام
والآلة والكمية. ذو الثقافة النفسانية (السيكولوجية)
يصبح أرهف لصميمية الإنسان، و "الأشياء" الإنسانية، والوقائع
الأخلاقية والاجتماعية. بوجه شبه عام، هنا البناء والعقل
وروح الهندسة، وهناك الحدس والتعاطف وروح النعومة والرهافة. الإختلاف إذن
بالموضوع، بالمنهج، بالمبادئ، بالقيم، بالمكانة و بالدور. لمعرفة قيمة المعرفة التي كانت،
والتي ما تزال في ميدان علم النفس اليوم، يكون نافعا وصائبا تقديم سريع للمعرفة العلمية بالمعنى والتطبيق الراهنين. 4- الحقيقة في العلم الطبيعي والحقيقة في علم النفس: السؤال هو: عن قيمة المعلومات
والمعارف التي يقدمها علم النفس، عن مداها الموضوعي أو، بكلمة أخرى، عن حقيقتها.
للجواب نقدم القول عن ما هي وكيف هي "الحقيقة التجريبية". أ/ الحقيقة في العلم الطبيعي: ما تقدمه العلوم الطبيعية من حقائق
يكون حقائق قائمة على معرفة ممذهبة، نسقية، ممنهجة، وبمنتهى الوضوح والدقة. فلا
مجال هنا لما يسمى بـ "المعدل الشخصي " أي بنسبة واضحة من الخطأ تكون
بسبب سلوك أو أحاسيس واستجابات الدارس. إنها معرفة ما هو واقعي، محس، عياني،
حادث، أو ما هو فرضية محققة تجريبيا ومثبتة. إنها تتناول الأحداث لا الأفكار،
وتهتم بالوقائع، فهنا كما يقول كلود برنار: "الحادث هو الذي يحكم على
الفكرة". فلا اكتفاء باستعمال المنطق وحده أو الاستدلال، ولا بمراقبة
داخلية أو خارجية. إنها معرفة قابلة للقياس، تخضع للأرقام، وللأدوات، وللكمينة،
بحيث قال الفيزيائي لورد كلفن Kelvin (1824-1907): "إذا كنت
تستطيع أن تقيس ما تتكلم عنه وأن تعبر عنه أيضا برقم فانك بهذا تعرف شيئا عن
موضوعك، وإلا فان معلوماتك ذات نوع فقير وهزيل، وقليلا جدا ما تكون معلومات
مرضية". وذلك هو أيضا ما يقال عن أهمية دلالة الأدوات المستعملة في علم ما،
والمحددة لقيمة الحقيقة للمعلومات الناتجة. ففي هذا المجال قال غ. باشلار:
"يمكن تحديد مختلف الأعمار (المراحل) لعلم ما من العلوم بمعرفة تقنية أدوات
القياس التي يستعملها ذاك العلم ". إنها حقيقة مصاغة، مشادة، مبتناة،
وهي دائما كذلك. إنها سعي دائم نحو التموضع Objectivation
والخروج عن الذاتية الخالصة، وتتطلب من الإنسان أن ينمحي أمام
القيمة الشاملة العالمية للحقيقة بفعل ما تتطلبه من جهد في التجرد والنزاهة بحيث
تصبح، إلى حد ما، نوعا من "التجربة الروحية". ب/ الحقيقة في علم النفس: على ضوء معرفة نوع الحقيقة التي
تقدمها العلوم الطبيعية يستطاع، إلى حد بعيد، إجراء المراقبة، والمقارنة، أو
إعطاء حكم على المعطيات والـ"حقيقة" التي كانت لعلم النفس في الفلسفة
قديما، والتي هي له راهنا. سبق أن رأينا، في معرض معاكسة
العلوم الطبيعية بالعلوم الإنسانية، الاختلاف العام في الموضوع، والمنهج،
والدور. ما هو هام الآن، بعد ذلك، هو أن المعرفة في علم النفس معرفة "حالات
معاشة" Etats vécus / Erelebnisse، هي فهم لحالات نعيشها،
لحياة داخلية حيث التخيل، والتذكر، والانفعالات والتفكير، إلخ...، هي فهم- وإلى
حد ما تفسير، كما سنرى- لسلوك يقوم على الوعي واللاوعي معا أي التصرف في حقل. من هنا كانت نقطة انطلاق موقف مفكر ألماني هو فيلهلم دلتهاي
ضد طريقة فهم أ. كونت (وغيره...) لبعض العلوم و سعيهم لجعلها كالعلوم الطبيعية.
يقول دلتهاي: إن علوم الإنسان علوم "روحية" (Sciences noologiques) أو هي علوم العقل. وعلى هذا فإننا نشرح أو نفسر
الطبيعة، بينما نحن نفهم حياة النفس. من هنا قام دلتهاي ضد كل تجريد، وكل
ميتافيزيقا، وكل فلسفة تاريخ. فكل تجريد في علم النفس غير نافع لأن القضية
متعلقة بـ "أحوال معاشة" نفهمها تماما قبل أن تكون لدينا معرفة علمية
بها. إلا أن علم النفس والتاريخ، لدى هذا المفكر، يكونان نافعين لبلوغ موضوع
العلوم الإنسانية .... 5- المعرفة الفلسفية والمعرفة النفسية: يبقى أن نميز بين المعرفتين:
الفلسفية، والآيلة إلى علم النفس. ليس العمل هنا تحديدا لكل منهما، ولا غرضا
مفصلا بقدر ما هو تفريق، فيصلة، بينهما. فمن حيث كونها ما ورائيات
(ميتافيزيقا) نجد أن المعرفة الفلسفية معرفة تعاكس تماما المعرفة—الدهمائية أو
العامية Vulgaire حيث البقاء
عند الحوادث الخاصة، أو عند تعميمات مبهمة. تتعلق المعرفة الفلسفية بالمشاكل
الشاملة العمومية والأشد ما تكون عمومية. إنها، مثلا، لا تهتم بخصائص هذه العضلة
أو بذلك العضو، بل تتعرض لماهية المادة بشكل عام. ولا تتساءل عن مشكلة بيولوجية
معينة محددة كالتنفس أو الهضم أو ما شابه، إنها تجابه مشكلة الحياة بشكل عام.
وكذا القول عينه عن الحوادث النفسية المخصصة التي يدرسها علم النفس (من عادة أو ميل
أو تخيل أو تفكير، وما شابه...)، بينما تدرس الفلسفة طبيعة الروح، وطبيعة
الكائن، والمبادئ الأولى، والعلل الأولى، وعلاقة الفكر بالكائن وما إلى ذلك من
المشاكل العامة. وهكذا، فان علم النفس يتوقف عند دراسة متخصصة، و محددة له.
بينما تهتم الفلسفة بأن تكوّن النظرة الشاملة، التوليفية، الجامعة، والموحدة.
تصوغ الفلسفة الدراسة النقدية، أو الفهم الإزائي الشمّال، أو ما شابه من تحديدات
وأدوار تعطى للفلسفة مثل: تغيير العالم، قيادة المجتمع والتطوير، بناء العقلية
وتحديث السلوك، معرفة القوانين الأشمل في التطور والتاريخ والأيديولوجيات والعلم
والنظر العقلي... لكن الفلسفة، بهذا المعنى، تصبح إيديولوجيا فقط. والأيديولوجيا
(الفكارة، الافكارية) ليست كل الفلسفة، إنها جانب منها وقريبة أو متفقة مع
الفلسفة. لكنها ليست الفلسفة كلها. وبينما يعطينا علم النفس معرفة
نسبية أو أنه معرفة النسبي ككل العلوم، نجد طموح الفلسفة يناطح المطلق، أو يرنو
لمعرفة المطلق، والعلل الأولى، و...،...، والقيم، والكائن، والمعرفة الأولى. من
هنا القول إنها ليست مادة نتلقن معرفتها ونتعلمها، بقدر ما هي مناهج تعلمنا
كيفية التفلسف، والتفكير، وما يكون الإنسان وما تكون قيمه والمعرفة عنده. يبقى، أخيرا، القول عن
تلك المعرفة الفلسفية القائمة على التوحيد Communion
بين الـ"أنا" التي تدرس و الـ "موضوع " أو
الشيء المدروس. فالعلم يفرق بين هذين القطبين في المعرفة، ولا يدعو لأن يفنى
الدارس في موضوعه أو لأن يتداخلا ويمتص أحدهما الآخر، أو يتشاركا، أو أن يذوبا
في حالة دعاها أفلوطين بـ "الوجد" Extase
ونجدها قوية معيوشة ممنهجة عند بعض الفلاسفة العرب في الماضي.
بل إن بعض النظريات (برغسون، مثل) تهدف إلى الاتصال الصميمي والمباشر مع الكائن،
بواسطة الحدس والتداخل معه، بواسطة التوحد المتبادل بين الموضوع والواضع. كما
تدرس أيضا وأيضا، مثل هذا الموضوع، الفينومينولوجيا من جهة معينة، والوجودية،
والنوع الأعلى من التعاطف (وهو هذا التوحد) لدى ماكس شيلر ومن تأثر بآرائه، إلخ
.... أما منافع الفلسفة لعلم النفس،
وبالعكس خدمات هذا العلم لأمه الفلسفة، فموضوع شيق وشائك باعتبار ما صار يتطلبه
علم النفس من اختصاص ومعرفة كثيفة واسعة، ومن ثمة ما يلزم هذا من وجوب مؤالفة (Synthèse) في ذلك التقدم المتعدد ني
ميادين المعرفة. ولا غنى لعلم النفس عن الفلسفة.
فرغم كونه نبع منها، ثم انفصل وترعرع في المائة سنة الأخيرة، فانه يبقى بحاجة
إلى نمير الفلسفة، إلى المعرفة الفلسفية، لتعطيه دينامية وشخصية ونظرة موحدة
وشاملة وموجهة ونقادة. أما منافع هذا العلم لها فجليلة وجمة: يكفي أنه يعطيها،
مثلا، ما يتوصل إليه في دراساته عن العقل، والتفكير، وأسسن المنطق، وجداول المقولات،
وشروط أو إمكانيات التغيير في البنى والوظائف النفسية الاجتماعية داخل الفرد وفي
الحقل والجماعات |
|||
Document Code PB.0136 |
ترميز المستند PB.0136 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |