Arabpsynet

Hospitals / مستشفيـات / Hôpitaux

شبكة العلوم النفسية العربية

 

مستشفــى القصــر العينــي

قســم الطـب النـفســي

KASR EL AINI HOSPITAL

PSYCHIATRY DEPARTMENT

القاهــرة - مصـــر

 

q     تنويـــه

 

 هذا ليس كتابا مرجعيا، ولا هو بيان توثيقي وبالتالي فهو خال من أية إحصاءات أو إشارات إلى كم الإنجاز وتفاصيل ما تم منه خلال نصف قرن، فقد تعمدنا، بعد أن اضطررنا، أن يكون كتيبا متواضعا يهدف إلى التعرف على والتعريف ب "التوجه العام لقسم الطب النفسي" قصر العيني، وذلك بأن يقدم الخطوط العريضة "لنوعية النشاط " أكثر مما يفخر بكمه أو ضخامته. وهذا هو بالضبط ما يميز قسم الطب النفسي في قصر العيني.

    ولكن ذلك لا يعني الاستهانة بالأرقام أو التجاوز عن أهمية تحديد النشاط كمّا وتوقيتا، ولا نخفي أنه يبدو أنه قد حدثت كارثة إدارية تنفيذية لا ذنب لنا فيها، مع هدم العيادة الخارجية لإقامة المبنى الجديد، فحالت دون أن نقدم الأرقام بمصداقية مناسبة، وإلى أن نتأكد من أبعاد ما حدث، لنتمكن من توثيق جهد القسم طوال خمسين عاما، تقدمنا بهذا الجهد (النوعي) والمتواضع الذي أردنا به تحديد معالم ما هو نحن حتى الآن، ثم تكتمل الصورة إن شاء الله بإظهار "كمّ" إنجازات القسم، متى أمكن ذلك؟

    ثم إننا نرجو أن يكون لهذا العمل المبدئي من الاجتهاد ما نعرف من خلاله اتجاه السهم نحو أي مستقبل سوف نكونه.

    فهي رسالة لشباب القسم، لقادم الأيام وما تحمل من مسئولية.

    و نحن نأمل في كل من تصله هذه "الرسالة" سواء كان منتميا إلى هذا الصرح أو متفهما لتوجهه مشاركا في مسيرته من خارجه ; أن يساهم في تحقيق ما يمكن أن يعد به مثل هذا التاريخ، حيث أننا أحوج ما نكون إلى التعاون والإبداع في كل مجال من مجالات حياتنا وسط كل هذه التحديات. وعلى الحق تعالى- قصد السبيل، ومنها جائر.

 

      الفصل الأول : معنى الثقافة

إن اهتمام قسم الطب النفسي بالقصر العيني بما هو محلّى وما هو عربي وما هو مصري لا ينبع من شعور بالنقص أو محاولات تعويض، وإنما هو يتعلّق بمبدأ أساسي له علاقة مباشرة بما هو الطب النفسي، وبإشكالة الحد الفاصل بين السواء والمرض. وبداية لا بد أن نعترف أن كلمة "ثقافة" تمثل إشكالا ليس سهلا، سواء على المستوى الأكاديمي أو على مستوى الشخص العادي، وهذه الكلمة تقابل كلمة culture بالإنجليزية، التي تعتبر أقل إشكالا، لكنا أيضا محل خلاف عندهم.

ولن ندخل في تفاصيل معقدة في هذه المقدمة، لكننا نحب أن نؤكد نفى بعض المفاهيم التي قد تضر بما نهدف إليه في هذا الفصل.

فعلى المستوى العام فإن الثقافة ليست مرادفة للاطلاع أو الموسوعية أو الإبداع أو الحصول على درجة أكاديمية بذاتها، كما يتمثل ذلك في بعض النشاطات الثقافية مثل "المجلس الأعلى للثقافة". وما شابه ذلك، ذلك أن الثقافة إنما تمثل "جمّاع وعى مجموعة من الناس في مرحلة تاريخية بذاتها". وجماع فذا الوعي هذا إنما يتجلى في سلوك هؤلاء الناس على محاور أربعة أساسا:

(1) اللغة، ولا نعني هنا اللغة الفصحى بوجه خاص، وإنما الأهم: اللغة التي يتعامل بها هؤلاء البشر، بما في ذلك اللغة السوقية (يراعى ذلك مثلا في لغة المدمنين، ولغة الكاسيت، ولغة الأغاني الشبابية.. ألخ).

(2) السلوك كما يظهر أساسا في العادات والتقاليد، وأحيانا شكل التدين.

(3) منظومة القيم التي تسود هذا المجتمع، والتي لا تنفصل عن السلوك بشكل ما.

(4) تنويعات العلاقات بين أفراد هذا المجتمع.

    وهذه المحاور الأربعة هي من أهم المحكات التي يمكن أن نتعرف بها على حقيقة انحراف فرد ما عما يسمّى " العادية " أو"السواء"، حتى يمكن أن نصف بعض هؤلاء المنحرفين عن المستوى الشائع " لثقافة " ما، باعتبارهم مرضى نفسيين.

   وهذه المحاور أيضا هي من أهم المحكات التي نقيس بها التقدم نحو الشفاء، ومن هنا فإن اهتمام هذا القسم بما هو " ثقافة " هو ضرورة لا بديل عنها، وهو تأكيد لانتمائه الحقيقي إلى جوهر تخصصه من ناحية، وإلى عمق ناسه من ناحية أخرى. ثم إنه لا يخفى أننا لا يمكن أن نحصل على معالم هذه المحاور من أي مصدر أجنبي أو عالمي. وعلى الرغم من عناية التقسيم العالمي العاشر والطب النفسي بالفروق الثقافية إلا أنه يستحيل على غير أهل ثقافة بذاتها أن يدركوا ما هي ثقافتهم مهما أتقن هؤلاء الغرباء استعمال أدوات بحثهم، ومهما حسنت نواياهم.

   وقسم الطب النفسي في قصر العيني يقود حركة في اتجاه تعميق هذا الاتجاه، أي أن نتعرف على ثقافتنا، من مرضانا، ومن أنفسنا، لصالح مرضانا ثم أنفسنا.

   ونريد أن ننبه إلى أن الفروق الثقافية كما تظهر في الدراسات المنهجية الواردة من الخارج، والشائعة عامة، هي مسألة تحتاج إلى وقفة، ومن ذلك:

أولا: إن دراسة مدى الانتشار والحدوث Incidence & Prevalence لاضطراب نفسي معين، إنما يعتمد أ ساسا على تعريف إجرائي من جهة، وعلى تدريب خاص للتعرف على هذا الاضطراب بتطبيق هذا التعريف المحدد على العينة المفحوصة، وكلا هذين الأمرين لا يتوفران لأي مجتهد أجنبي مهما بذل (قارن ما فعله بعض المستشرقين - قصدا أو عجزا- بتاريخنا القديم والحديث).

ثانيا: إن الحصول على أعداد كمّية (نسب مئوية مثلا) تحدد تواتر هذا العرض أو ذاك الاضطراب، إنما يدل على معلومات إجمالية من جهة، تتوقف مصداقيتها على ما جاء في (أولا)، وفي نفس الوقت قد لا تفيد كثيرا في التعامل الإكلينيكي مع الحالات الفردية. وبالتالي فلا بد من الاهتمام بالدراسات النوعية الفردية جنبا إلى جنبا مع الدراسات الكمية (الانتشارية وغيرها) إذا كان لنا أن نتعرف على ثقافتنا بشكل مفيد.

ثالثا: إنه يغلب على المراجع الأجنبية التي تشير إلى الفروق الثقافية أن تهتم بوصف أعراض غريبة واضطرابات شاذة مثل اللاتاه Lateh والأموك Amok وغير ذلك، وهذا ليس له أية دلالة معاصرة تطبيقية على الاختلافات الثقافية الدقيقة.

رابعا: كذلك قد يركز الأجانب على وصف العلاجات غير التقليدية القديمة للاضطرابات النفسية باعتبارها تمثل معالم ثقافتنا أكثر من غيرها، علما بأن موقف الأطباء النفسيين المصريين مثلا من هذه العلاجات يكاد يتماثل مع موقف الأطباء النفسيين الأجانب من حيث الحذر والرفض معا.

خامسا: ومن الأمور التي تسترعي انتباه الأجانب أكثر، مع أن أهميتها متواضعة عندنا: التركيز على محتوى الضلالات والهلاوس بالمقارنة بمحتواهما في العالم المتقدم، وهذا وذاك هو أيضا- رغم دلالتهما- أقل أهمية من النظر في غائية هذه الأعراض وعلاقة المريض (أوالطبيب) بها.

لكل ذلك، فإن ما يميز قسم الأمراض النفسية، وما ينبغي أن يحافظ عليه، هو أن يتعهد تحديد معالم و هوية ما هو نحن، مرضى وأصحاء.

ولا ينبغي أن ننسى تزايد الصعوبة في الوقت الحاضر، ففي الوقت الذي تغير علينا فيه ثقافة العولمة، تزداد فرص ثقافة التشرذم من خلال تعدد مصادر الوعي العام، فقد حل الكاسيت والدش والإنترنت (إلى درجة أقل) محل الإعلام المركزي، ومن ثم كان من أهم اهتمامات الطب النفسي ذي الطابع المحلى (الذي نعتقد أن قسم القصر العيني يمثل بشكل ما) هو أن يكشف عن تفاصيل الفروق في هذه الثقافات جميعا، إسهاما من جانبه بإضافة متواضعة لما يمكن أن يحدد هويتنا.

 

الفصل الثاني : مقدمة

  في هذا الفصل سوف نحاول أن نقدم صورة شاملة لتوجهات عامة لما يمكن أن يفيد القارئ لكي أن يتعرف على نوعية الأداء، وتوجهات الممارسة، التي تميز هذا القسم خاصة، والتي نرجو أن تتعمّق وتتطور لتتحاور مع من يخالفها، ليزدادوا جميعا ثراء وتكاملا بما يفيد.

 

الخطوط العامة للممارسة العملية:

تتميز الممارسة في قسم الطب النفسي في قصر العيني بمعالم غامضة لكنها تعتبر بمثابة العرف السائد، فهي مستمرة وغالبة مثل أي عرف مفيد، ودون البعد عن القيم العلمية الراسخة، ويمكن إيجاز التوجهات العامة فيما يلي:

1) قبول الاختلافات الفردية بشكل يسمح بالحركة الشخصية في إطار التوجه الجماعي.

2) تقديم الخدمات المستمرة يوميا لفترة طويلة بانتظام (سبق شرح الفكرة في الفصل الأول).

3) غلبة الحس الإكلينيكي على الالتزام الأعمى بالمحكات التشخيصية اللفظية.

4) الاستفاضة في تفاصيل المشاهدة الإكلينيكية النابعة من المقابلة الإكلينيكية المسهبة والمتابعة التفصيلية.

5) الالتزام بتدريب الأصغر على العلاج النفسي تحت الإشراف المباشر والتدريب المستمر.

6) تدريب الحدس الإكلينيكي في المتابعة وتقييم النتائج، حتى لو لم يسمى ذلك علاجا نفسيا.

  7) السماح بحضور جلسات العلاج النفسي من الأصغر مع الأكبر بموافقة المريض.

  8) السماح بمشاهدة ومناقشة جلسات العلاج الجمعي والاشتراك في المناقشة بعد كل جلسة.

  9) التواصل المباشر بين المتدربين الأصغر والمشرفين.

10) الانتظام في حضور المرورات الصغيرة والمرورات الكبيرة.

11) الانتظام في حضور نادى الدوريات.

12) الإسهام في الإعداد والتنظيم للنشاطات العلمية الدورية.

13) الاجتهاد في التقييم الإكلينيكي لسيكوباثولوجية الحالات من منظورات مختلفة تشمل المنظور الدينامي، والمنظور التركيبي، والمنظور الغائي.

14) استعمال معظم العلاجات المعروفة بشكل متكامل متضفر.

15) التشخيص على أكثر من محور، وأكثر من مستوى، وأثناء أكثر من مرحلة:

توجهات في التشخيص

تتلخص توجهات قسم الطب النفسي في مسأله التشخيص فيما يلي:

   1- التشخيص ضروري، ولا غنى عنه، وإلا اختلط كل شيء بكل شيء.

 2- اللغة العامة (التي يمكن الاتفاق عليها في مسألة التشخيص) لازمة، لكن لا ينبغي أن يكون الحرص عليها على حساب تشويه الحقيقة الموضوعية، أو إغفال الهدف العام (وهو العلاج أساسا، أغلب الأحيان)..

3- كل حرفة في الدنيا، تحتاج إلى مهارة خاصة، وتشخيص الأمراض النفسية هو جزء من حرفة وفن الطب النفسي، وبالتالي هو يحتاج إلى تدريب خاص ومهارة خاصة، ولا يمكن الاطمئنان إليه من الحفظ الآلي والتطبيق الحرفي لمحكات مصقولة فحسب.

4- إن الأسهل والأكثر تحديدا ليس دائما هو الأصح والأكثر نفعا.

5- إن الهدف من التشخيص يختلف من موقف لآخر، فالتشخيص للعلاج شيء، والتشخيص لعمل بحث علمي بذاته شيء آخر، والتشخيص لكتابة تقرير طب شرعي شيء ثالث، وهكذا.

6- إن عدم انتشار استعمال الدليل التشخيصي المصري بالدرجة الكافية، لا ينقص من قدرته وقيمته، بل يعلن من ناحية شعور أغلبنا بتواضع جهدنا بالمقارنة بالآخرين، ومن ناحية أخرى قد يشير إلى حاجة النظام إلى المراجعة والتعديل.

7- إنّ التشخيص يجري في القسم بأكثر من دليل، بدءا بالدليل المصري، في مرحلة الانطباع المبدئي لتكوين فكرة عامة عن المريض، ثم يغلب اللجوء إلى الدليل الأمريكي الرابع، في نهاية المشاهدة، وحاليا: ننتقل إلى استعمال الدليل العالمي العاشر عند تسجيل التشخيص النهائي.

8- إن للتشخيص- عامة- مستويات لا يغنى أحدها عن الآخر، بل عادة يكمل ويفسر أحدها الآخر.

9- إن كل مستوى من هذه المستويات يحتاج لمهارة خاصة به، وأيضا إلى تدريب خاص لحذق أدائه، والمستوى الذي يمكن أن يتفق عليه أكبر عدد من المشخصين (مثل المستوى السلوكي ذي المحكات المعرّفة بلغة واضحة) ليس بالضرورة هو المستوى الألزم لمريض بذاته في ظرف بذاته.

10- إن الاختلاف بين المشخصين لا يعني إضرارا بالمريض أو بلبلة في الفكر، بقدر ما يشير إلى أن الفاحص يرى ما يستطيع من الزاوية التي حذقها، والتي أتاح له تركيبه الرؤية من خلالها، في حين أن فاحصا آخر قد يرى رأيا آخر من زاوية أخرى، والمشخص، أيضا، يشخص نفسه بقدر ما يشخص مريضه بشكل أو بآخر. وهذا لا يعيب أيا منهما بل يتطلب أن يتكامل كل منهما مع الآخر، ما أمكن ذلك.

11- إن انبهارنا بتشخيص محكم، يسهّل علينا أن نتفق على ما جاء فيه، ولكنه لا يعني بالضرورة أن هذا هو التشخيص المناسب، أو أنه يشير إلى شيء ذي دلالة فائقة جدا.

12- من أقوال المرحوم الأستاذ عبد العزيز عسكر في هذه المسألة: "... إننا لا نشخص المريض عند الدخول إلى المستشفى وإنما عند الخروج، أو حتى بعد الخروج، أو حتى قد لا نشخصه أبدا، وان تغيير التشخيص ليس عيبا لفرعنا، بل ربما هو ميزة إذ أنه يعني أن الإنسان- سليما كان أم مريضا- كيان متغير باسمترار،.. "

13- منذ نشأة هذا القسم وهو يهتم بالمنطقة المتوسطة بين التشخيصات وخاصة فيما يتعلق بما يسمى الذهان (أو الفصـام) البادئ، والذهان شبه العصابي، والكامن، والمحتمل، ويبدو أن هذا الاهتمام القديم والمستمر، يحمل وراءه أملا في الحيلولة دون تمادي المرض في مثل هذه الحالات.

ويتحدث الزملاء بالقسم عادة بعبارات مرنة لها دلالتها مثل:

"هذه حالة قلق.. ولكن!!.. "

"لابد من القول بأن هناك شيئا ما... أخطر"

"ما علينا إلا أن ننتظر... ربما يتبين الأمر فيما بعد".

إلى آخر هذه التعليقات الصادقة، والدالة على التفكير ذي النهاية المفتوحة.

 14- إن القسم بالرغم من كل ذلك لا يتبنى نظرية العدمية التشخيصية Diagnostic Nihilism بل إنه يتمادى في التأكيد على أهمية التشخيص على أكثر من مستوى.

 15- مرت على القسم فترة باكرة كان يتبنى فيها ما يمكن أن يسمى " التشخيص بالإثارة "أي أننا نثير الأعراض الكامنة ببعض العقاقير حتى تكتمل الرؤية، بدأنا ذلك باستثارة نوبات الصرع الكامن بحقن جرعة متوسطة من الكارديازول (قبل انتشار الفحص برسام المخ الكهربائي)، ثم انتقلنا إلى الإثارة بجرعات صغيرة من عقار المثامفيتامين، ثم توقف هذا وذاك، تجنبا للمضاعفات، واستعانة بالأحدث من وسائل التشخيص.

 16- يستعين القسم بصفة منتظمة بالاختبارات النفسية في التشخيص لكنها لا تحل أبدا محله، كما أنها لا تتفوق على أية تشخيصات إكلينيكية مباشرة، لكننا نستعمل كل القياسات النفسية في الحوار مع، والتكامل بالتشخيص الإكلينيكي المبدئي.

 17- ينتبه كل أعضاء القسم، صغيرا وكبيرا إلى ما يسمى " نقلة المتلازمات " Syndrome shift, وبالتالي يسهل ويتكرر أن يكون تغيير التشخيص ليس لأن التشخيص الأول كان خطأ، ولكن لأن الاضطراب انتقل من فئة إلى فئة بظهور أعراض وعلامات جديدة.

(ملحوظة: تحدث "نقلة المتلازمة" أثناء العلاج النفسي المكثف والعلاج الجمعي خاصة).

 18- يتبنى القسم عادة الفهم العضوي (البيولوجي) لكل أنواع التشخيصات دون استثناء، لكنه لا يساوي بين الأمراض ذات السبب العضوي المحدد (المعروف عادة)، وبين الأمراض الدالة على اضطرابات دقيقة شاملة غير محددة وهى ما تسمّى تجاوزا للاضطرابات الوظيفية.

19- مازال القسم يرى أن الاضطرابات النفسية المصاحبة للصرع لها أهميتها الخاصة، وليست مجرد مظهر نفسي لمرض عضوي مثل سائر الأمراض العضوية الأخرى (وهذا هو توجه الدليل المصري دون سائر الدلائل الأحداث الأخرى).

 

q    التعليم والنشاط العلمي    

 

   مقدمة:

     في هذا الفصل سوف نحاول أن نقدم صورة شاملة أيضا للصعوبات أساسا، وللتوجهات عموما، فهذا كتاب عناوين وذكريات أكثر منه كتاب توثيق ومناهج، ونحن نعلم أننا نكرر في هذه المقدمات هذه المقولة، لكننا نشعر أنه تكرار مفيد حتى لا يتوقع القارئ في أي فصل غير ما التزمنا به من البداية، في حدود هذا الاجتهاد..

 

     في مجال التعليم

    أولا: على مستوى طلبة البكالوريوس

منذ إنشاء هذا القسم، والجهود متصلة لدعم تدريس الطب النفسي على مختلف المستويات وخاصة مستويات طلبة الطب، ثم الشهادات الأعلى فالأعلى في تخصص الطب النفسي، ثم التخصصات المختلفة الأخرى. وقد لاقى الأستاذ الدكتور عبد العزيز عسكر في سبيل ذلك كل الصعوبات والمقاومة المتصورة وغير المتصورة، ومازال القسم يلاقى مثل ذلك في كل موقع على الرغم من تفضل بعض الزملاء في أقسام الأمراض الباطنية، وبعض رؤساء الأقسام، وبعض العمداء من الإقرار بضرورة دعم تدريس هذا الفرع (كان آخر مثل هذا الدعم موافقة الأستاذ الدكتور معتز الشربيني عميد الكلية على إنشاء القسم الجديد للطب النفسي ومكافحة الإدمان، وهو ما أشرنا إليه سابقا).

ولا بد من الإقرار، بكل أسف وفخر معا، أن بعض الأقسام التي يساهم قسم الطب النفسي في إنشائها في الجامعات الإقليمية، قد سبقت، بشكل أو بآخر، قسم الطب النفسي في قصر العيني، وكان الزملاء هناك يتساءلون عن سبب ذلك، معترفين بفضل هذا القسم، وفى نفس الوقت مندهشين لصعوبة تطوير التدريس فيه مقارنة بما أنجزوا هم، وخاصة على مستوى البكالوريوس.

ولا نريد في هذه المناسبة الطيبة أن ننحو باللائمة على أحد، ولكننا نأمل بصدق أن تنتهي هذه الأزمة لصالح التقدم والتطوير والمسئولية العلمية والمهنية والحضارية بما يليق باسم قصر العيني، بل بما يليق باسم مصر، فلم يعد لائقا أن نعطي لبعض أبنائنا ممن يختارون إكمال مسار تعليمهم، أو مسار حياتهم وممارستهم المهنية، في الخارج، لم يعد لائقا أن نعطيهم شهادات بأنهم قد تلقوا دروسا في الطب النفسي وتدريبا فيه أثناء فترة البكالوريوس، نثبت فيها- بغير حق- أنهم حضروا وتدربوا، عدد كذا من الساعات، أو الأيام أو الشهور في قسم الطب النفسي، في حين أن هذا لم يحدث، ولا يحدث حتى تاريخه، و الزملاء في الخارج يصدقون هذه الشهادات طبعا، مع أنها لا تمثل الحقيقة اللهم إلا إذا كان المسئول عندنا، الذي يوقع الشهادة، يعني أن تدريس مبادئ الطب النفسي هو المقدمات الطريفة التي يتطوع بها بعض الزملاء في التأكيد على أهمية ما هو "حالة نفسية للمريض "، بصورة أقرب إلى "الهواية "، نقول هذا من باب تخفيف احتمال تصور أننا نتهم أحدا بالتزوير في شهادات رسمية، لكن الأمر فعلا يحتاج إلى وقفة حضارية، ومسئولة، وليس إلى مداعبات طريفة، والتماس أعذار لا يجدر بنا أن نتمادى في التبرير بها.

ولا نجد تفسيرا مفيدا لتأخر قسم الطب النفسي في قصر العيني عن سائر أقسام الطب النفسي في الجامعات الأخرى في مصر، حتى تلك الأقسام التي يساهم هذا القسم في إنشائها والإشراف عليها كما ذكرنا، وإن كنا نضع بعض الاحتمالات على الوجه التالي (وهى احتمالات لا تخلو من طرافة أيضا تخفيفا للموقف):

1- قد يكون المانع أن كل الزملاء في التخصصات الأخرى يحبون الطب النفسي لدرجة هواية التطبيب به- كما ذكرنا- بما لا يحتاج معه إلى تخصص منظم وتدريس خاص.

2- وقد يكون المانع هو تمسك كلية طب قصر العيني بعراقتها التليدة، بحيث يصعب عليها إقحام أي تغيير جوهري في مقرراتها أو مواقفها حتى لا تتهم بالحداثة" واتباع "تقاليع " لا لزوم لها.

3- وقد يكون المانع أن المريض المصري له "نفسية خاصة" لا تنفصم عن جسده وأعضائه بحيث يصبح تناولها منفصلة (بتخصص مستقل) هو ضد الطبيعة المتمازجة المتكاملة التي ترفض فصل الجسد عن النفس.

4- وقد يكون المانع أن "النفس " عند بعض الزملاء والسلطات هي مرادفة للروح، وبما أن الروح "هي من أمر ربى "، ولا يصح الفتوى فيها، أو حتى السؤال عنها، فلا  يصح تدريس الطب النفسي، كما ينبغي لطلبة صغار السن، إلا أنه يمكن بعد التخرج الذي يدل على درجة من النضج، يمكن أن يتحمل الخريج مسئولية دراسة أو النظر فيما اختص به الله سبحانه وتعالى.

5- وقد يكون السبب أنه لمّا تراجع الأطباء النفسيون عما يميزهم كأهل فن خاص يستلهم كل العلوم العصبية والباطنة العامة، ويستهدي بكل تاريخ فن التداوي، ثم يقوم بدوره فنا متكاملا متميزا، حين تراجعوا عن هذا الدور إلى الاكتفاء بالإعلاء لما يسمّى خط "النموذج البيولوجي" أو " النموذج الطبي"، وهم لا يعنون به إلا التركيز على تفسير المرض النفسي بفساد في الموصلات العصبية أو التركيب الكيميائي الخلوي، نقول إنه حين حدث هذا التراجع، أصبح مبررا- شعوريا أو لا شعوريا- الاكتفاء بطب الأعصاب الذي يقول نفس المقولة ويمارسها على أرض الواقع بكفاءة لا تنكر.

6- وقد يرجع الأمر إلى طبيعة الذين تولوا مسئولية رئاسة هذا القسم من عزوف عن اتباع أساليب الاتصال الشخصي، والإقناع المثلى، بما يتيح لهم تمرير مصالح عامة، مفيدة وتقدمية، بفضل سمات شخصية بحتة.

ولا نريد أن نتمادى في الطرافة فننصح رؤساء القسم القادمين أن يدربوا قدراتهم الاجتماعية والوصلية بما يحقق أغراض القسم بدلا من تقديم الأسباب الموضوعية، والالتزام بالدفع الحضاري، والتنبيه على ضرورة الصدق في الشهادات المعطاة للخريجين..الخ.

ونكتفي بهذا القدر من الطرافة التي إن دلت على شيء فعلى مدى الغضب والغيظ اللذين يحيطان بأي نظرة مقارنة بين ما يجرى فى الجامعات المصرية الأخرى، وبين ما يجرى في قصرالعيني بعد نصف قرن من إنشاء هذا القسم العريق.

وقد ذكرنا كل هذه الأسباب بهذه الطريقة لنؤكد ما يتميز به هذا القسم الذي نحتفل بعراقته الآن، من إصرار على أن يظل الطب النفسي مستقلا عن أي فرع آخر، باعتباره فنا حرفيا شديد الدقة، لا بديل عن تعلمه مستقلا, والتدريب على ممارسته بصبر وفن وإتقان.

وقد بدأ الأستاذ الدكتور عبد العزيز عسكر كفاحه المستمر في هذا المجال- التعليم- منذ اقتناعه بأهمية هذا الفرع لدرجة تغيير تخصصه من طب الأطفال إليه كما ذكرنا في الفصل الأول، وقد حاول حمه الله من كل منفذ وعلى كل مستوى، لكنه لم يحقق سوى أن تدرس "مبادئ علم النفس " لطلبة السنة الثانية، وأن يكون لها امتحان محدود بدرجات متواضعة، كجزء من علم وظائف الأعضاء، ثم أن يقوم القسم بتدريس أسبوعين (أو ثلاثة حسب التعديلات في بعض السنوات) لطلبة البكالوريوس، دون امتحان في نهاية العام، مما جعل حضور هذه الفترة اختياريا في واقع الحال.

وظّلت المحاولات تتكرر خلال نصف قرن دون جدوى، حتى أن التعديلات التي اقترحتها لجنة خاصة شكلت لتعديلات مقررات، كلية الطب بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية كانت بالإجماع، وخانت تعديلات جوهرية بل ثورية، هذه التعديلات التي استلهمت المسار العالمي، لم تؤخذ أبدا مأخذ الجد أو فرصة التطبيق، من السلطات المسئولة.

وقد بلغت المقاومة وعناد القائمين على القسم مبلغا وصل بهم إلى ساحة القضاء، فقد رفع الأستاذ الدكتور عمر شاهين عندما كان رئيسا للقسم قضية لإثبات حق القسم في المشاركة في الامتحانات تنفيذا للائحة التي تنص على أن ما يدرس في فترة البكالوريوس لا بد أن يمتحن فيه، ومع ذلك يبدو أن التفسيرات سمحت بتجاوز التطبيق الحرفي للقانون بإدماج تخصصات مع بعضها وما إلى ذلك.

بل إن محنة القسم في أخذ دوره في التدريس، انتقلت- ربما بفعل عدوى خاصة إلى سائر فروع الأمراض الباطنة الخاصة، فحرمت كل هذه التخصصات من المشاركة في أعمال الامتحانات على مستوى البكالوريوس باعتبار أن الزملاء في الأمراض الباطنة العامة قادرين على تقييم ما هو خاص على مستوى البكالوريوس، وليتفرغ الزملاء في الأمراض الباطنة الخاصة للتدريس والتقييم على مستوى الشهادات الأعلى. وهذا أمر يخالف كل ما يجرى في سائر الجامعات الأخرى في مصر، فيما عدا قصر العيني (أقدم الكليات وأولاها بالريادة والتقدم).

وعلى الرغم من كل ذلك فنحن على ثقة أن هذا الملف لم يقفل سلبيا، وأنه لا يمكن للتطور أن يقف، ونتصور أن إصلاح هذا الخطأ التاريخي لن يتم بالتراجع إلى ما يسمى خطأ النموذج الطبي" المختزل (باعتبار أن هذا التراجع سوف يبرر إلغاء الطب النفسي والاكتفاء بالطب العصبي كممثل شرعي لهذا النموذج)، وإنما سيتم بالتقدم نحو "النموذج الطبي الأشمل " الذي يعود بالطب إلى دوره في "فن اللأم "، و "كلية تناول الجسد مع النفس " وأيضا إلى القيام بدور" الهدي إلى الحكمة" (فالطبيب هو حكيم منذ كان) بما يفيد الصحة والتكيف والإبداع جميعا.

  

q      أعضاء هيئة التدريس والمعيدون

 

المؤسسان :  أ.د. عبد العزيز عسكر / أ.د. محمود سامي عبد الجواد

رؤساء القسم السابقين : أ. د، عمر شاهين / أ.د. يحيى الرخاوي

رئيسة القسم : أ. د. سامية عبد الرحمن

الأساتذة : أ.د. سعيد عبد العظيم محمد / أ.د.  محمد يسرى عبد المحسن / أ.د. سناء أحمد / أ.د. فاطمة موسى / أ.د. ترانديل عبده الجندي / أ.د. سناء سيد كمال / أ. د. مجدي محمد عرفه / أ.د. ممتاز محمد أحمد / أ.د. زينب سرحان / أ.د. عبد الحميد هاشم / أ.د. أحمد عبد اللطيف / أ.د. لميس الراعي

 

الأساتذة الذين تركونا ولم يتركونا           

أ.د. حسن عبد العظيم (كندا) / أ.د. محمد فخر الإسلام (قطر- ج. الكويت- مصر) / أ.د.. محمد شعلان ( ج .الأزهر) / أ.د. عبد الرحمن فوزي (ج المنصورة – الكويت) / أ .د. محمد عرفان (السعودية) / أ .د. عماد حمدي غز (الإمارات- إنجلترا)

درجة أستاذ "فخر"  لكل من أ.د. حسن عبد العظيم، أ.د. محمد عرفان، لأننا فخورون بهم

 

الأساتذة المساعدون

أ. م. د. أماني جرجس الرشيدي  / أ. م. د. محسن عبد العزيز عسكر / أ. م. د. محمود أحمد البطراوي / أ. م. د. مصطفى رياض أدم / أ. م. د. عزه أحمد البكري / أ. م. د. علا عمر شاهين / أ. م. د. طارق محمود سامي / أ. م. د. زكريا عبد العزيز حليم / أ. م د. مصطفى عمر شاهين / أ. م. د. سعاد سيد موسى

 

المدرّسون : د. سمير فؤاد أبو المجد  / د. مها وصفى مباشر / د. علي أكرم عبد الحميد / د. هالة فخري عبد السلام / د. نهى صبري

 

المدرسون المساعدون والمعيدون

د. سلوى عرفان / د. ناهد محمود خيري / د. أسامه حسن سليمان / د. دينا أحمد فراج / د. عارف عبد الحليم خويلد / د. منى يحيى الرخاوي / د. محمد السيد الطويل / د. تامر أحمد جويلى / د. دلال عبد الله عامر / د. محمد عزت أمين / د. أماني أحمد عبده / مصطفى يحيى الرخاوي / د. نادية محمد الفنجرى / د. أمنية رأفت أمين / د. حنان حامد الشناوي / د. سامح كمال / د. ممدوح الجمل / د. أكمل مصطفى / د. محمد نصر / د. ياسر أحمد نصر / د. أشرف عادل فهمي

 

اعداد وتحرير : أ.د. يحيى الرخاوي

المشاركون : أ. د. أحمد عبد اللطيف / د. مصطفى رياض / د. طارق سامي عبد الجواد / د. سعاد موسى / د. مها وصفى / د. سمير أبو المجد / د. نها صبري

 

Document Code PH.0002

مستشفــى القصــر العينــي

ترميز المستند PH.0002

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)