مجـــــــــلات |
|||
|
|||
الإنســان
و التطــور تصدرها جمعية الطب النفسي التطوري و العمل الجماعي
السنة الرابعة العدد 16- أكتوبر/ نوفمبر/ ديسمبر 1983 |
|
||
|
|||
q
فهرس الموضوعات
/
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
قراءة في العدد الماضي / د. ماهر شفيق فريد §
تعقيب على رسالة
د. ماهر شفيق / م. إبراهيم عادل حسن §
المثلث / عصمت داوستاشي §
تربية بذور الخلق في الإنسان / محمد فتحي عبد الفتاح §
أبو حيان التوحيدي : بين التكثر و
التناقض و التمزق / مقتطف و موقف §
و قال في المدح
/ د.عادل مصطفى §
تكوينات نثرية
/ د. ماهر شفيق فريد §
تململ في الفراش
/ رضا الكاشف §
رأيت
فيما يرى النائم "نجيب محفوظ" قراءة / يحيى الرخاوي
§
حوار .. حول
الغائية .. و القضبان الفكرية .. و حتمية المحاولة / د. عادل مصطفى و محمد يحيى |
|||
q
ملخصات
/
SUMMARY / RESUMES |
|||
§
الافتتاحية بداية : هل
للكلمة قيمة "فاعلة" في عصرنا هذا ? في بلدنا هذا ?
بل في أي عصر، وأي بلد ? ألح على
هذا السؤال – مرة أخرى رغم كل الإجابات السابقة بلا جدوى – وأنا
غارق في محيط من الكلمات، لا ينقذني منه إلا كلمات أخرى ، فأريد غوصا. وأسئلة أخرى تزيد الأمر تفصيلا، وتعقيدا : -
ففيما عدا ما يحاوله الشعر
(الشعر) وما حاولته الكتب المقدسة، هل يمكن أن تغير "الكلمة" "
المسيرة" ? وخاصة بعد طغيان كل شيء آخر، بعد أن أغارت على الحواس البشرية
كل هذه المحسوسات وأشباه المحسوسات من كل باب ونافذة ? -
وأين دور الانتقاء وسط هذه الإغارة غير المتمهلة وغير
المستأذنة ? -
أخذت هذه الأسئلة – وغيرها – تلح علي وأنا أنظر " من
بعيد" على نفسي (وآثارها) مما اصطحبت معي في رحلة "شهر ويوم"
خارج المكان الذي ألفته، وخارج إيقاع الزمن الذي اعتادت أن تستسلم له، ولا أريد
أن أطيل فيما هو شخصي "جدا" في هذه الافتتاحية إلا أن هذا الأمر يتعلق
مباشرة بهذه المجلة – مثلا- ودورها ، إن كان لها دور. -
ما هذه المجلة إلا "كلمة" نحاول أن نجهر بها،
فتبحث عن أصحابها، لتكون فاعلة بشكلة ما..مهما تأخرت النتائج، وقد جاء انزعاجي
من خفوت دور الكلمة في عصرنا هذا مرتبطا أشد الارتباط بقضية دور هذه المجلة،
ومثلها ن ومعنى استمرارها، إلى آخر ما يدركه ويواكبه كل من يحبنا، ومن يرفضنا ن
ومن يشفق علينا ، ومن يخاف منا على حد سواء ن وقد وضح عندي هذا الربط حين عدت
بعد رحلة " الشهر واليوم" وأنا ممتلئ غيظا وشعورا بالضآلة والتحدي في
آن واحد، عدت أحمل في هامش وعيي مشاريع قرارات تتأهب للظهور، لتعلن أن تغييرا ما
سوف يحدث، أو ينبغي أن يحدث، وهذا من أصعب ما أواجهه كلما ألقيت بنفسي وسط رياح
المواجهة بالاختلاف، تغيير يبدأ بالتوقف والمراجعة، أو هو يتضمن التوقف
والمراجعة في مرحلة ما من "العملية" ، وكان أول ما تذكرته في هذا
الصدد هو تساؤل الصديق م. إبراهيم عادل على صفحات هذه المجلة التي
"ربما" هي تدور حول نفسها، يرضى عنها من ينشر فيها ، ويسخط عليها
من... الخ، ولم لا ? ما دام كل شيء قابلا للمراجعة، أليس من العقل وبعد النظر أن نعرف
حقيقة قدرنا، فنصرف جهدنا إلى مجال "الفعل المحدود" مثلنا مثل غيرنا ممن يدري أو
لا يدري، وفي هذا ما فيه من حسنات الاختباء فيما يشبه الالتزام العلمي المحايد
المتخصص، فضلا عن إيقاف نزيف الخسارة المادية وغير ذلك من مزايا الصمت، وحجتنا هي
أننا إنما نترك الكلمة لأصحابها (ممن لا أعرف على وجه التحديد) يحملون مشعلها
ويكتوون بنارها، (أو... أو غير ذلك).. §
قراءة في العدد الماضي / د. ماهر شفيق فريد مقدمة : ربما كان
عنوان هذه الكلمة مسرفا في الطموح بعض الشيء : فليست هذه قراءة شاملة لكل مواد العدد الماضي، ولا حتى
لأغلبها، وإنما هي مجموعة ملاحظات تراكمت لدى كاتبها من خلال مطالعته
الأعداد الماضية، واتخذت من عدد
(يوليو، أغسطس، سبتمبر
1983 )
مجرد " مناسبة " لإطلاق سراح هذه الملاحظات. منطلق
الحكم على أي مجلة هو الأهداف التي تضعها نصب عينيها، ومدى نجاحها في تحقيق هذه
الأهداف، والدكتور يحي الرخاوي في افتتاحيته يقدم برنامجا حافلا ذا نبرة نتشوية، : " مواجهة تحديات العصر
من تحطيم الأصنام السلفية ، ورفض احتكارات التخصص، والحذر من تشنجات
الأيديولوجية، وضرورة المشاركة الحقيقية من كل من يهمه الأمر". هي قائمة
جليلة حقا، ولكنها تستخفي وراء قناع من التعميمات المبهمة . نريد أن نعرف ن مثلا
، ما هي على وجه الدقة تلك "الأصنام السلفية" التي نصبت المجلة ذاتها
لمحاربتها ? وأين يبدأ الخط الفاصل بين "المعتقدات" السلفية
و"الأصنام" السلفية ?
ليس لدى كاتب هذه الكلمات شك في شجاعة الرخاوي وقدرته على الجهر بالقول، فليخرج
إلى العراء وليخبرنا صراحة ماذا يقبل من قيم السلف وماذا يرفض ?. وفي معرض
تفسيره لنبرة الغموض التي تشوب
كثيرا من محتويات المجلة – خاصة الجزء الإبداعي منها شعرا ونثرا- يذكر الرخاوي
أن المجلة تسكن " المنطقة الحرام
بين الدين والتصوف، بين العلم والفن" ويطرح احتمال " أن تكون
الجدة وعدم الألفة وخوف المشاهد هي من أسباب ما يستقبل على أنه غموض ما" .
لنسلم جدلا بأن المجلة تسكن "المنطقة الحرام" المذكورة ( ليس هذا أمرا
واضحا بذاته – ولكن دعها تمر)
ولنلاحظ – أولا- أن هذا لا يستتبع بالضرورة أن يكون المستكشف غامضا :
فالوضوح صفة قارة في عقل الكاتب
لا في طوبوغرافية الأرض التي يحاول أن يرسم خرائطها . بوسع الكاتب القدير - اليوت أوغاليري أورنبو- أن يكون واضح الفكر رغم كل تعقده، جلي الحواس رغم كل تداخلها
، محدد الرؤية رغم كل عمقها، وذلك
لأنه قد راض نفسه على القيام بذلك
الجهد الأكبر الذي بدونه لا يكون الفنان فنانا : جهد الانتحال والتنظيم والحذف،
جهد المراجعة والإعادة والنقد .
أن الكاتب العظيم يستطيع أن يكون جليا في قلب الظلام. والكاتب العاجز يظل مظلم
الوعي، معتم الوجدان، ولو كان في رائعة النهار... §
وقفة مراجعة /
د. مجدي عرفة
استهلال
:
هذه وقفة مراجعة...وقد أثارها ما يمكن أن نسميه " الموقف النقدي" الذي
يبعث به إلينا الصديق ماهر شفيق فريد تحت عنوان " قراءة في العدد
السابق" (أو أعداد سابقة). وقد كان رد الفعل الأولي تجاه ما كتبه هو محاولة
الرد على نقاط نقده واحدة واحدة في حوار تعودنا أن نمارسه مع قراءنا ونعتبره
صيغة هامة وأساسية من صيغ هذه المجلة إلا أنني أحسست أن المشكلة أكثر جوهرية
وعمومية من مجرد أوجه النقد المحددة التي قدمها هذا الصديق، خاصة وأن بعضها
أثاره ويثيره قراء آخرون في رسائل واتصالات شخصية ، وكلها تنبع في مضمونها – كما
أتصور- من قصور أو عدم وضوح في
فهم " ما هي هذه المجلة ?..
ما هو الاتجاه الذي تمثله ?..ما
هو هدفها ?..وما هو الأسلوب الذي تتبعه ?... §
تعقيب على رسالة د. ماهر شفيق / م. إبراهيم عادل حسن استهلال
:
قرأت بأشد الاهتمام وببعض التفاؤل رسالة د. ماهر شفيق فريد للمجلة والتي سماها
" قراءة في العدد الماضي" بالرغم من القدر الكبير من الاختلاف الذي وصل
في بعض فقرات الرسالة لدرجة أنني أحسست أننا كمن يذيع على موجة لمن يستقبل على
موجة أخرى، ومع ذلك فإنني أحسب أن المجلة مدينة لكل من يقرأها – بالرغم من
اعتراضه عليها- بالرد ومحاولة تبادل الفهم، مع عدم الطمع في سرعة الاتفاق، ومبعث
التفاؤل هنا أن قارئا يقرأ المجلة ويشعر بالقلق مما يقرأ ولكنه يستمر في قراءتها
، إذ أنك لا تستطيع أن تستمر في
قراءة المادة الرديئة، ولكنك تستطيع – وقد ترغب- في الاستمرار في قراءة المادة الجيدة (غير المألوفة
القالب) بالرغم من شعورك بالقلق لقراءتها، وهو نفس القلق الذي يشعر به معتاد سماع
الموسيقى الكلاسيكية المكتوبة في
قوالب منظمة ومعلومة عندما يستمع إلى الموسيقى الحديثة المكتوبة في غير هذه القوالب، إن
الموسيقى الحديثة ليست موسيقى رديئة، كما أن الموسيقى الكلاسيكية كانت عند بداية
العهد بها غير مألوفة...
§
حكاية التوأمان / محمود حنفي بداية : إنك
تطالعني بعينين لا تخفيان الحذر والريبة، لماذا ، أنا لا أنكر شيئا مما حدث..
فقط سوف أقاوم التهمة الموجهة حتى الموت. فلقد بحثت الأمر مرارا بيني وبين نفسي
فلم أجد وجها للغرابة في سلوكي، هه.. أتسمعني ؟؟ وعليك أنت أن تقنعني بالعكس إن
كنت تملك القدرة على الإقناع. كل ما حدث أنني طلبت منهم ألا يقفوا
في طريقين هكذا ببساطة. وأنا بهذه المناسبة أطالبك بدورك أن تعمل على إجابة
طلبي، بل أني أحملك مسئولية كل ما سوف يقع من أخطار فيما لو استمر هذا الوضع على
ما هو عليه. غير أنك
زميل في المهنة ، ولأن الزمالة توجب التعاون. فسوف أساعدك في مهمتك.. ما أكثر ما
أرهقتنا أنا أيضا تلك السهام الشاقة، يا لها من مهنة كئيبة ، إن رفضي لتهمتهم
على أية حال لا يستتبع بالضرورة
الامتناع عن الرد على أسئلتك.. §
المثلث / عصمت داوستاشي §
تربية بذور الخلق في الإنسان / محمد فتحي عبد الفتاح ملخص : ماذا
تعني كلمة "موهوب"؟ و من هو الإنسان الذي يستحق وصفه بهذه الصفة؟ و هل
تعني "الموهبة" شيئا أكثر من الاستعدادات الكامنة .. شيئا يتماشى مع
معنى الـ"هبة" التي يفوز بها واحد بينما يحرم منها آخرون؟ أم أن
"الموهبة" بذرة تنبت هنا و تضمر هناك؟. لا بأس
من تغيير وجهتنا بعض الشيء .. هل هناك من يولدون بمواهب مكتملة؟ أي من يولد
مبدعا يعزف لنا لحنا، أو يِلف مقطوعة شعرية، أو يكتشف نظرية علمية، أو يمثل دورا
.. إلخ، أم أن "الموهبة" تنمو و تزدهر و تتطور مع المرء؟ إن سلمنا
بأن الموهبة تخضع لمقولات النمو و الازدهار و التطور فهل يمكن تجاهل الامتداد
العكسي لهذه المقولات أي ضمور و تدهور و تكلس الموهبة .. و كيف يمكن القطع في
هذه الحالة بأنها ابتداء وهبت لهذا و لم توهب لذلك؟ معضلة
أجدى من الدوران حولها أن نفكر في الظروف التي تساعد على نمو و ازدهار و تطور
بذور قدرات الخلق الكامنة في الإنسان و في كيفية رعاية هذه البذور .. و لا بأس
من فعل ذلك من خلال جولة في عالم تربية الفنان كما صوره فيلم "شهرة"
للمخرج الأمريكي آلان باركر §
أبو حيان التوحيدي : بين التكثر و
التناقض و التمزق / مقتطف و موقف §
و قال في المدح
/ د.عادل مصطفى خروج
لا تبحثوا عنه
لا
تنبشوا زوايا الكهف ولا
تمضوا أحشاء الحظيرة فقد
رأيته يتململ بالأمس همزه
الذي يقلق السلام سول له أن
يذبح أمانة السمين ويقترف
السؤال ويرتكب
الخروج ... §
تكوينات نثرية / د. ماهر شفيق فريد التكوين الأول
بداية : أعمدة
المعبد قائمة، في جلالها الحجري، كموسيقى متجمدة، من القائل ? تطوف بها أرواح الموتى – في ماض مترب- مارة بين الفناء والرواق،
متخبطة – كخفاش أعمى- على الجدران، لا تنثني رغم ذلك، باحثة عن قدس القداس.
السعيد السعيد من وجده. تتنقل
روحه بين هذه الأعمدة، تعانق المعنى ، الذي فاض من روح الإنسان فنا ودينا
وحضارة، ها هنا يلتقي الخالق والمخلوق، يتقاطع الزمن والأبدية، يتصالح العقل
والمادة، ينحل الازدواج. عند
الفجر تستضيئ الأعمدة بنور وليد، يذوب الظل في الأركان، ونبدأ حياة النهار. لا
جعران مقدس يسفر عن وجهه الآن- ذاك جزء من طقوس الليل- ومن ناحية النيل تهب نسمة
طرية. في الأفق شراع أبيض نحيل، إذ يمر القارب بين صخور جرانيتية، تعض في الأرض
راسخة، ويمر فوقها هواء الفجر الرطيب.. §
العازف الحائر / عباس الصهبي أعبث
بالأوتار المشدودة بأصابع
بللها الخوف وتسرى فيها منه
برودة هل يمكن
أن يغدو لحن ما في رقة
بسمتك العذراء ? ويفوح
بعطرك ? هل يمكن
أن يغدو لحن ما مثل تحدي
عينيك الصافيتين.. اليائستين
الآملتين حين تحدق
في الأحلام الموعودة ? أعبث
بالأوتار المشدودة... §
الاعتلاء / محمد عبد المطلب بداية :
........... : للوهلة
الأولى – بدأ الحديث فذا ونادرا وشاذا، جعل الناس في المدينة ينسلخون عن
اهتماماتهم اليومية ، ويتحلقون حول الرجل الذي عاين الحدث بنفسه، حملقوا كثيرا
كثيرا في عينيه السوداوين وقد بدتا كنافذتين للقلق وقال أحد التجار البسطاء
بارتياب : - هل
رأيتهم بنفسك ..بعينيك هاتين?.
اكتفى
الرجل بهزة بسيطة للرأس المذهول وهومت عيناه بعيدا . لكن أيدي كثيرة هبطت على
كتفيه- تلح وتطلب المزيد من الإجابات ، وانفسخ ممر في قلب الزحام وأطل رجل شديد
الناقة وبلهجة حديدية قال له : -
كم عددهم على وجه التحديد ? ?. -
ثلاثة أو أربعة. -
تغير لون الرجل الأنيق وسيطر عليه الارتباك ، صاح بصوت
مبحوح : غير ممكن أنت كاذب ..أنت كاذب... §
تململ.. في الفراش / رضا الكاشف بداية : كان لا
بد علي أن أفعل هذا..أمسكتها بيدين مرتعشتين ، وأطبقت على عنقها الغليظ.. وضغطت
بقوة حتى احمر وجهها ..انفرجت شفتاها..برزت عروق الوجه..تدلى لسانها، وندت عنها
صرخات استنكار..ومالت خصلة طويلة من شعرها وحجبت عني الوجه .. الوجه الذي قتلني ..لذلك لم أجد بدا من قتله
.. قتلني دون سابق معرفة .. لم يعترف بوجودي .. "نطفة ..ثم مضغة..ثم
علقة..ثم..لحما.." اعتبرني عدما كأني لم أولد.. كثيرا ما كنت أتحسسها فلا
أجدها.. أبحث عنها هنا وهناك.. §
رأيت فيما
يرى النائم "نجيب محفوظ" قراءة / يحيى الرخاوي
ملخص : و يفتح ملف
نجيب محفوظ وهو أمر وارد صدور هذه المجلة، فقد أصبح نجيب محفوظ معمارا ثقافيا
قائما بذاته، و علامة معاصرة يمكن أن يؤرخ بها، دون أن يعني هذا أو ذاك أي حكم
مسبق أو استسلام لهالة مفروضة بالشيوع و الغزارة، و قد تجنبنا أن نبدأ به
قراءاتنا النقدية خشية أن يعدنا قارئنا من رواد زفة مزدحمة، و لكن كان لا بد من
بداية مهما تأجلت، و ها نحن نبدأ. ونجيب محفوظ حين
أصبح مقررا-بحق- على العقل المصري والعربي جعل الجميع ينهلون من فيضه، بل
ويستعملون اسمه ونتاجه في الشيء ونقيضه، وهذا لا يضيره ولا ينقص من قدر إبداعه،
ولكنه قد يحذر قارئ نقده، وخاصة وقد وصل الأمر إلى ما يمكن أن يسمى قياسا :
" خذ من نجيب محفوظ ما شئت لما شئت " ، والذي زاد هذه المشكلة تفاقما
أنه هو شخصيا لم يحاول أن يعدل المسار النقدي إلى اتجاه بذاته، بل لعله – من
كثرة الموافقة- قد أسهم في أن يظل هذا الأمر بهذه الصورة ، ولعل في هذا دلالة
مبدئية على أصالة إبداعه، وتعدد مستويات هذا الإبداع ، الأمر الذي يضطر القوم أن
"يسهروا جراها ويختصم" رغم أني لا أظن أنه –أطال الله عمره- ينام ملء
جفونه عن شواردها، فكثيرا ما أقف أمام إنارة معرفية أوردها بسلاسة متحدية ، على
لسان صبي قهوة ، أو في حلم مسطول ، فأشفق عليه من هول ما ترسل من إشارات ، وأعتقد
أنه أطلقها من صدق حدسه، ومازال خلفها يستهدي بنورها إليها ، وقد يفسر هذا عودته
إلى نفس الموضوع في أكثر من عمل §
حوار .. حول الغائية .. و القضبان الفكرية .. و حتمية المحاولة / د.
عادل مصطفى و محمد يحيى بداية : د. عادل : لقد
بدأت هوامشك بثلاث مقدمات مؤداها : 1- أن هناك
اتجاها نحو الأرقى. 2- أن
الأعقد قال "زمنيا" للأقل تعقيدا. 3- أن
المسيرة مازالت مستمرة لحظة كتابة هذا الاستدلال. ومن هذه المقدمات الثلاث
استنتجت نتيجة هائلة تقول
:"إذن أجزاء الكون تتجه نحو تحقيق أفضل صيغة في الوجود". وكما ترى. فالنتيجة
الضخمة ذات الحجم الكوني لا تلزم بالضرورة عن هذه المقدمات الثلاث المحدودة
بحدودها. ولو صح أن نتيجتك تلزم عن مقدماتك لما كان هناك مشكلة ولا جدل حول الغائية لأن مقدماتك
تجريبية داروينية يقرها كل علماء
الطبيعة والبيولوجيا وكل فلاسفة
العلم وكلهم ينكر مبدأ الغائية كما تعلم ويكتفي بالتفسير السببي. كما أنك تريد
لمقدمتك الثالثة أن تجود بما لا تملك . فإذا لم يكن هناك مبرر لافتراض توقف
عملية التطور ، فليس هناك –بنفس المنطق – مبرر لافتراض استمراره إلى النهاية . لذلك أرى استدلالك
الثاني في نفس الصفحة واقعا في نفس المحظور فأنت تقول : بما أن المسيرة لم
تتوقف ( لحظة كتابة هذا الاستدلال ).
إذن : 1-
هناك مستقبل. 2- وهو أرقى من الحاضر. 3- وهو غاية. ألا ترى معي مرة
ثانية أن النتائج هائلة المقاس ، ولا تلزم بالضرورة عن مقدمة ضيقة محدودة تقول
أن "س يسير في اللحظة ن". محمد : اسمح لي
أولا أن أشكرك على اهتمامك المثابر ، والذي أتحت لي به (وتحرير المجلة) فرصة
المشاركة الملتزمة. أما بعد : يتناول مقطعك السابق
بضع نقاط أرد عليها مقسمة إلى : 1- تقول
النتيجة "لا تلزم بالضرورة" عن المقدمات، وهذا في حد ذاته صحيح، وما
أردت لها أن تلزم، وأتعجب كيف تطالبني بلزومها، ألا يعني لزومها أنها ليست إلا
"تحصيل حاصل" لا جديد فيه أو منه، ليس له أي دور معرفي حقيقي ( اللهم
إلا في تعلم الطرائق المبتدئة للمنطق والرياضة وكلاهما وسائل لا مواضيع معرفة). فما أردت لحديثي أن
يكون تحصيل حاصل وإنما حاولت أن يكون " فرضا ذا احتمال صدق "، وفي هذا
نستطيع أن نجري حوارا أكثر ثراء من جدال همنا منه التباري في اصطياد زلاتنا
المنطقية ( إن ثبت أن هناك ما يدعو لاعتبارها كذلك ) وأظنني – بادعائي هذا-
اقترب من موضوعية البحث المرجوة،
فما بالك ترفضها وتطالبني بلزوم وضرورة ما سعيت لهما ? وما أظن أي دار بأوليات المعرفة يطالب بهما بداية كما
تفعل. 2- وها أنت
بعد إذ تعترض على نقصان اللزوم، تذكر أنه لو توفر " لما كانت هناك مشكلة
ولا جدال " حيرتني والله. وأذكرك بتحفظ بسيط حول لفظ كل (علماء الطبيعة )
و(فلاسفة العلم) كلهم، علك تلاحظ تنافيهما مع دقة الصياغة ( موضوع اهتمامك الأول
عن لم يكن الأوحد)... |
|||