مجـــــــــلات 

 

الإنســان و التطــور

تصدرها جمعية الطب النفسي التطوري و العمل الجماعي

السنة الثامنة العدد 32 – 33 أكتوبر 1987 – مارس 1988 

www.mokattampsych.com

 

q       فهرس الموضوعات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

q      الباب الأول : افتتاحيات

§         الافتتاحية الأولى : فشل محاولة هرب

§         الافتتاحية الثانية : ردود و وعود

§         الافتتاحية الثالثة : الحاجة الاجتماعية إلى الحث الإبداعي [لماذا و كيف يجب أن تستمر هذه المجلة؟] / محمد فتحي عبد الفتاح

§         الافتتاحية الرابعة : هذا العدد

§         الافتتاحية الخامسة : جفاف و حجارة ونيران

 

q      الباب الثاني : دراسات – قراءات – رؤى

§         دوائر الرؤية / المسئولية، و مأزق الطبيب النفسي / خاطرة : د. أسامة عرفة

§         كتاب هام : نظر / قراءة و تقديم عصمت داوستاشي
§         مثل و موال : الإنسان المصري : حالة كونه مهموما، حزينا عن الهم و الناس

§         ليفي شتراوس : اللقاء بين العلم و الأسطورة الفصل الثاني : التفكير "البدائي" و العقل المتحضر / ترجمة د. عصام اللباد

§         علم النفس : من رؤاهم في رحاب التصوف الإسلامي [في رحاب النفري]

§         وقفة في رحاب "النفري"

 

q      الباب الثالث : قصة – شعر – نقد – كتابة

§         مهارشة – شعر / أحمد زرزور

§         قلم كوبيا [قصة قصيرة] / مجدي حسنين

§         بكائية أخيرة للمهرج المتجول / هناء سليمان
§         محاولة فاشلة / يوسف عزب
§         في رثاء شاعر ما [شعر] / عادل عبد الحميد
§         المطاردة [قصة] / السيد نجم

§         من خلاصات شعري [قصة] / صفية فرجاني

§         الجنس : قراءة نقدية في [بيع نفس بشرية] لمحمد المنسي قنديل / قراءة يحيى الرخاوي

§         القصة الأولى : بيع نفس بشرية – الجنس الفيض

§         القصة الثانية : الوداعة و الرعب – "الجنس الصفقة" [الجسد اللحم]

§         القصة الثالثة : اتجاه واحد للشمس – "الجنس اليأس" [تراكمات الجوع و الفقر]

§         إيقاظ النيام قبل اشتعال الحريق [نقد سينمائي] / محمد فتحي عبد الفتاح

 

q      الباب الرابع : ذهابا و جيئة [حوارات و رسائل] / د.عاطف عبد السلام- أحمد عبد السلام بسيوني – محمد شقرة – هشام أحمد أحمد و آخرون

§         الرسالة الأولى : د. عاطف عبد السلام [تكملة]
§         الرسالة الثانية : د. أحمد عبد السلام بسيوني
§         رسالة العدد : تحايلات شاب مصري على الوحدة و الظروف

 

q      الباب الخامس : دليل القارئ الذكي في الطب النفسي

§         حول مؤتمر القاهرة الدولي للصحة النفسية [18-22 أكتوبر 1987]

§         المؤتمرات العلمية بين العلم و السياحة و الإعلام

§         في المسألة الإسرائيلية و الأبحاث و المؤتمرات العلمية

§         أبحاث مختارة من المؤتمر

§         العلاج بالفن : رسم الأحلام [صورة الغلاف]

§         حالات و أحوال : "هند" في مفترق الأمراض

§         الموسوعة النفسية : حرف الألف : انتحار

 

q       ملخصات  /  SUMMARY / RESUMES 

 

q     الباب الأول : افتتاحيات

§         الافتتاحية الأولى : فشل محاولة هرب

ملخص : … و لما كنا قد قمنا بتوزيع العدد الأخير [31] على باعة الصحف بأنفسنا، و لما كنا نذهب بعد لمعرفة عدد المرتجع، فقد تصورنا – بنصف وعي – أن في ذلك ما يجنبنا ألم الإحباط فنستطيع أن نستمر و كأن هناك من قرأ، … و كأن هناك من استجاب ، لكن : "على من"؟ ظلت المقاومة تثقل الحركة و كأننا نسبح في رصاص بارد منصهر، و لم يدب النشاط الممكن إلا اليوم فقط [../../..] و لكن ويا للعجب صدر العدد عددين.

يبدو أنه ر مفر.

 

§         الافتتاحية الثانية : ردود و وعود

مقدمة : و رغم أنه لم يصلنا ما أملنا فيه من ردود على الاستفتاء الذي طرح مع العدد الماضي، إلا أن بضعة الخطابات التي وصلت كانت أكثر من كافية، فعلا :

فقد حضر عصمت داوستاش حضوره الطيب كما هو دائما، و كتب مسامحا: " ... أطالبكم بعدم التوقف، و طرح قضايا أكثر شجاعة". يرسل هذا وغيره وهو في حالة من البرد [مرضا]و القرف [مزاجا] و الخوف [وعيا بما يراد بهذا البلد من تخريب]، مشيرا إلى آخر نكتة [وزارة الثقافة] قبل انهيار الثقافة المصرية بعمقها الحضاري – فنقول له : لا تتخل فنحد الرد جاهزا في مقال له يقوم بتعريف رقيق بألبوم الفنان محيي اللباد، فنشكرهما بأن نستمر بهما و لنا ...

 

§         الافتتاحية الثالثة : الحاجة الاجتماعية إلى الحث الإبداعي [لماذا و كيف يجب أن تستمر هذه المجلة؟] / محمد فتحي عبد الفتاح

مقدمة : أولا: و بقفز إلى وسط الحلقة صديق قديم، قوي، فيكتب هذه الافتتاحية الثالثة، فنلحق بها في آخر لحظة رأي الأديب خيري شلبي، أما "فتحي" فقد استشعر فينا نغمة تراجع عن ما جذبه إلينا منذ البداية، وهو ما أسماه بذكاء بالغ "الحث الإبداعي" و الحق معه من حيث المبدأ، فما صدرت هذه المجلة إلا لهذا، و نحن لم نتراجع عنه، فلعلنا لم نقدر على مواصلة التبشير به بطريقة صريحة، و لكن دعونا نستمع إليه أولا :

سؤالان لم يسقطا من أجندة المجلة منذ عددها الأول، قد يتواريان بعض الوقت، لكنهما لا يلبثا أن يعودا إلى الظهور بصور أو بأخرى ..

و أستأذن القارئ في نهد ذاتي للإجابة عن السؤالين ..

لقد جاء لقائي الأول مع "الإنسان و التطور" تأثرا باسم رئيس تحريرها، و اهتماما خاصا بمسألة الحث و التحريك الإبداعيين بصورة عامة. و كان هذا اللقاء بعد رحلة عمل / دراسة حرة استمرت ما يقرب من عشر سنوات في الاتحاد السوفييتي [تخللها سفر إلى أماكن مختلفة]، و قد أتاحت لي هذه الرحلة معايشة السوفييت بأقصى تلاحم ممكن لأجنبي، و خلالها خبرت شرف المعاناة التي يعيشونها، بعيدا عن وهم الحلول الجاهزة. و لن أفصل في هذه النقطة لن القارئ سيجد في مكان آخر من هذا العدد حديثا مسهبا عنها [لإيقاظ النيام قبل اشتعال الحريق [ص 125]...

 

§         الافتتاحية الرابعة : هذا العدد

مقدمة : و نحاول مع قليل من التراجع أن نلتزم في هذا العدد بأبواب العدد السابق، فبعد باب الافتتاحيات نقدم قلما جديدا بسيطا و متواضعا  [مثلما قدمنا في العدد الثاني د. سيد حفظي ثم تراجع أو كاد] يحكي عن مأزق الرؤية [رؤيته] : " .. في لجة الطب يلقى فيه بالمرض" مستعيرين قياسا على قول ابن الرومي: " .. في لجة الماء يلقى فيه بالحجر" و كأن المرض النفسي و المريض إذ يعرض على الطبيب النفسي لا ينبغي أن يؤخذ باعتباره شيئا "تقيسه" آلة حرفية [طبيب] بقدر ما هو ثورة تحرك دوائر وعي إنسان يقال له الطبيب، في موجات متلاحقة متصلة، فأين المدى و كيف السكون؟ ثم يقدم لنا عصمت داوستاشي كتاب "ألبوم" [نظر] لمحيي اللباد، فنتعاطف معه [مع اللباد] في صراخه انتظارا لمائة خطاب تقول له "أكمل" و نحن نكمل بأقل من عشرة و لكننا نحملها معا كل من أذن، أليست لها أذنان [القفة]؟؟

و من هنا جاء الاتجاه الإنساني في علم النفس كمحاولة للتغلب على المثالب التي نتجت عن النظرة الجزئية [للمدرستين السابقتين] و التجزيئية للإنسان عامة [ذاكرة و انتباه و غرائز ... الخ]] وصولا به إلى صورة أكثر ارتباطا بإدراكاتنا اليومية عنه، بصفته كائنا يحلم و يحب و يبدع و ينمو و يسعى إلى تحقيق ذاته و إشباع حاجاته الإنسانية ... و يتفاوت حظ أفراده بقدر تفاوتهم في تحديد غاياتهم و قدراتهم الإرادية ناهيك عما يبذلون من جهد. أو بصفته [إن شئنا تدقيقا أكثر] كائنا منفردا [و ليس نمطا] كليا [و ليس مجرد أجزاء أو مجموع أجزاء] يتحرك دوما حركة تحتمل التدهور و الرقي [ليس صيغة نهائية] يسترشد بعالم الطموحات و القيم العليا في السعي إلى غاياته ...

 

§         الافتتاحية الخامسة : جفاف و حجارة ونيران

مقدمة : ثم أحاطت بنا أفواه الرعب من الجفاف، و ألسنة النيران في آن.

أما أفواه الرعب فهو ما يشغل الناس هذه الأيام من الخوف من  العطش و الجوع – جفافا- إذ يبدو أن النيل العظيم يفكر في الغضب على من لم يرع، و من لا يرعى، هبته و نعمة حضارته.

أما ألسنة النيران فهي ما أشعلته حجارة صبيان و فتيات غزة و الضفة من حريق، في مقابل ما أحاطها من نباح المفترسين و سعار الجبناء إذ يفيقون على ما لم يحسبوا له حسابا.

و نحن لا نملك إزاء فتح ملف مياه النيل إلا أن نتذكر أن ذلك قد يحمل خيرا ما إذ قد يكون امتحانا تطوريا محددا لقدرتنا على البقاء أصلا، مجرد البقاء و ليس كيف نبقى، و لا بد لنا أن نأمل أن نفيق بتهديد العطش و الجوع، إلى ما لم ننتبه إليه بتهديد التخلف و عتامة الوعي، و أحسب أن الإفاقة إذا لاحت، فلا بد أن تطرح جانبا هذا الجدل المضحك – مثلا – حول تطبيق الشريعة أم تشريع المطبق، أو ذلك العبث الدائر حول انتقاء الطريقة الأمثل لمنع التفكير و حظر المراجعة: هل يعم ذلك بالانتماء لأقرب فكر مستورد جاهز، أم بالاختباء في أرسخ فكر قديم ساكن، لأننا حين ننقرض – لا قدر الله – سوف ننقرض لأننا استغنينا عن عقولنا و حقنا في التدبر بلا مقابل، سوف ننقرض لأننا بعنا وعينا لسماسرة العقائد و تجار الأفكار [لا التفكير] فهل آن الأوان أن نعدل الوجهة و نرتب الأولويات قبل فوات الأوان؟؟ إن القضايا الأولى بالاهتمام هي القضايا الحضارية المترجمة إلى فعل يومي مسئول، و إنما تكون القضية حضارية أو غير ذلك بمقدار قياسها بوحدة الزمن التي تتحرك فيه ...

 

q     الباب الثاني : دراسات – قراءات – رؤى

§         دوائر الرؤية / المسئولية، و مأزق الطبيب النفسي / خاطرة : د. أسامة عرفة

مقدمة : المسألة التي أحاول طرحها من خلال هذه السطور تتعلق أساسا بمسئولية الرؤية، و مدى هذه المسئولية و حدودها، و بديهي أن ذلك لا يرتبط بالطبيب النفسي فحسب، بل يمتد ليشمل كل من أوتي ملكة الرؤية و حذق فنها، و إن كنت قد خصصت في العنوان الطبيب النفسي، فربما كان ذلك نابعا أساسا من ذاتية موقفي، و ظروف عملي التي تجعلني أكثر قربا و معرفة بالطبيب النفسي عن الأدباء و المفكرين و الفنانين.

و ما سأطرحه هنا لا ينسحب بالتالي على كل من تخصص في الطب النفسي، و لكنه بالأساس يرتبط بهؤلاء المعالجين المغامرين الذين لم يتوقفوا عند حدود التشخيصات و التصنيفات و الوصفات العلاجية، بل تعدوا ذلك ليواجهوا الوجود البشري ذاته بكل طبقاته و أبعاده و تفاعلاته و دفاعاته و تماسكه و تناثره في مرضاهم و في أنفسهم .. هؤلاء المغامرين الذين كان عليهم أن يصاحبوا و يستوعبوا مرضاهم و في أنفسهم .. هؤلاء المغامرين الذين كان عليهم أن يصاحبوا و يستوعبوا مرضاهم وهم في أشد حالات الوجود البشري تناثرا، و بكل ما يحمل ذلك من تهديدات لذات المعالج و توازناته، و كان عليهم أن يواكبوا مرضاهم في معركة الشفاء جاعلين من أنفسهم أدوات للعلاج و خط دفاع ضد قوى التفسخ و التنافر. إن هذه النوعية من المعالجين تتوالد لديها و تتنامى القدرة على الرؤية حتى يصبحوا أكثر قدرة على قراءة الإنسان تركيبا و تفاعلا و نموا و سلوكا ، سواء في أزمة المرض أو في الحياة اليومية وسط الأصحاء ...

 

§         كتاب هام : نظر / قراءة و تقديم عصمت داوستاشي

مقدمة : كتاب هام فريد، في اعتقادي أنه الأول من نوعه في المكتبة العربية، و أنه مدرسة متكاملة تفيد الفنان التشكيلي كما تفيد المتذوق للفن، و المثقف بصفة عامة لما يحتويه من معلومات شاملة في الحياة، رغم واجهته التخصصية في فن الرسم.

و مؤلف هذا الكتاب واحد من أهم الرسامين المصريين، هو الفنان محيي الدين اللباد، رسام الكاريكاتير المشهور، و المخرج الفني لكثير من المجلات و الجرائد و المطبوعات، و رسام كتب الأطفال المتميزة. و قد يكون الفنان اللباد معروفا على مستوى الدول العربية و العالم المحتضر أكثر مما هو معروف في بلده.

و الكتاب عبارة عن كم هائل من الرسوم من أنحاء الدنيا مقدمة بتعليق من الفنان اللباد في شكل أدبي رفيع .. و لا  أجد أمامي إلا أن أقدم فقرات مكتوبة مع الرسوم المرفقة لها لكي ألقي الضوء على هذا الكتاب الذي قوبل بالصمت، ربما لعدم الفهم، و الأصح لقلة النظر. رغم أنه كتاب جدير بأن يكون في مكتبة أي إنسان، بل إني أنصح من ليس لديه مكتبة أن يبدأ بهذا الكتاب ...

 

§         مثل و موال : الإنسان المصري : حالة كونه مهموما، حزينا عن الهم و الناس

مقدمة : أكثر فأكثر، بفعل إغارة الطب النفسي، و الإشاعات النفسية، و الرطان النفسي، و الأبحاث الأرقامية، يصبح حديثنا عن الحزن، و نستعمل كلمة الانقباض بدلا من الهم، [أو بدلا من أن يقول أحدنا : أنه متنيل بستين نيلة]، و حين نحاول أن نبحث في الفروق الحضارية نصيغ بحثا علميا بمنهج مستورد أيضا، نسأل فيه الناس أسئلة ماسخة فيجيبوننا إجابات جوفاء، و البادي أظلم، ثم ننشر أبحاثنا في مجلاتهم، أو مجلاتنا ال"كنظام مجلاتهم" تحت عنوان ما هو "عبر الحضارات"  Cross Cultural  و لا يعتني العالم منا أو حتى المريض، أن ينظر حوله [و خلفه و داخله] ليتعرف على جذور الحزن و حركية الهم و مداخل الغم و تداعيات "النيلة الغريقة" كما تظهر في نبض الناس بلا تشويهات مسلسلاتية، أو وصاية طبية، أو علمنفسية.

و سوف نحاول في هذا الفصل من هذا الباب أن نلقي بالرشاء إلى بئر الحدس الشعبي في هذا الموضوع [موضوع الحزن في عمق حدته، كيف يعايشه الناس بأمثالهم التلقائية] فلنسمع :

"باب الحزين معلم بطين"

و هذا أول إعلان لطبيعة الحزن إذا ما أعلن، و ظهر سلوكا ظاهرا معيقا لصاحبه، منفرا منه من حوله، فهذا النوع من الحزن المعلن، هو حزن من نوع خاص: شديد و ثقيل – و قد يحمل هذا المثل أيضا، فكرة وشم المرضى بمرضهم، كما قد يكون حافزا ضمنيا لعدم التمادي في الحزن إلى هذه الدرجة ...

 

§         ليفي شتراوس : اللقاء بين العلم و الأسطورة الفصل الثاني : التفكير "البدائي" و العقل المتحضر / ترجمة د. عصام اللباد

مقدمة : إن تلك الشعوب التي اعتدنا أن نطلق عليها "بداية" لا ينبغي أن تسمى كذلك، إذ من الأفضل أن نطلق عليها اصطلاح الشعوب التي لم تعرف الكتابة لأنني أعتقد أن هذا هو في الواقع العامل الذي يميزها عنا، و لتلك الشعوب أسلوب في التفكير تم تفسيره بطريقتين كلتاهما -* في رأيي خاطئ بنفس الدرجة.

فالطريقة الأولى : تعتبر أن هذا التفكير ذو نوعية متواضعة المرتبة، و قليل الشأن إلى حد ما، و أنه يفتقر إلى التجديد و الدفعة.

و تتوارد إلى ذهني الآن، كمثال لهذه الطريقة، أعمال مالينوفسكي في مجال الأنثروبولوجيا المعاصرة.

و هنا حالا يجب على أن أقوم بالتعبير عن شدة احترامي له، فأنا أعتبره عالما أنثروبولوجيا عظيما – و أنا لا أنوي انتقاده، أو التقليل من شأن إسهاماته – و لكن يعتقد مالينوفسكي بالنسبة لتفكير الشعوب التي قام هو بدراستها أو بقول أعم تفكير تلك المجموعات التي هم مادة الدراسة في علم الأنثروبولوجيا تلك المجموعات السكانية [التي تعرف الكتابة] يعتقد أن تفكير هذه الشعوب قد تحدد، أو هو يتحدد بحاجات الحياة الأساسية، و كان يؤمن بأن في إمكاننا تفسير مؤسساتهم الاجتماعية، و معتقداتهم و أساطيرهم و كل ما شابه، إذا ما عرفنا أن وجود أي شعب – مهما كان – يتحدد بالحاجات المعيشة الصرفة ، كإيجاد ما يقيم أودهم و يرضى دوافعهم الجنسية و ما إلى ذلك، و هذا الافتراض الشائع جدا هو ما يندرج في الأنثروبولوجيا تحت اسم الوظيفة.

أما الطرقة الثانية : فلا تعتبر هذا النوع من الفكر ذا مرتبة أدنى، و إنما تعتبره أساسا نوعا مختلفا، و تمثل أعمال ليفي برول Levi Bruhl هذا التناول الذي أعتبر أن الاختلاف الأساسي بين التفكير "البدائي" و بين التفكير الحديث، هو أن الأول محدد تماما بالعواطف و التمثلات representations  الغامضة، أي أن مفهوم مالينوفسكي كان مفهوما نفيعا، و كان الآخر عاطفيا وجدانيا، و ما حاولت أنا إيضاحه هو : أن أفكار الشعوب التي لم تعرف الكتابة هي أفكار غير مجزأة، غير منحازة و غير قياسية من ناحية، و هذا يمثل اختلافا عن ليفي برول و ما حاولت توضيحه في كتابي " الطوطمية" Totemism و العقل الهمجي & savage mind هو على سبيل المثال، أن هؤلاء الناس الذين نعتبرهم عادة أكثر إذعانا لحاجة عدم الموت جوعا، و لحاجة الاستمرار في البقاء فحسب تحت ظروف مادية قاسية، هم قادرون تماما، من ناحية، على التفكير بتلك الطريقة غير المجزأة، غير المنحازة، غير القياسية،و أنهم يتحركون وفقا للرغبة في و الحاجة إلى فهم العالم من حولهم و فهم طبيعته و أيضا فهم المجتمع ...

 

§         علم النفس : من رؤاهم في رحاب التصوف الإسلامي [في رحاب النفري]

مقدمة : و هذا مدخل آخر لما هو "علم بالنفس"، و هو التعبير الذي لن نكف عن استعماله حتى نفتح الأبواب على مصراعيها للمعرفة الحقيقية، و الغائرة، و الموضوعية، بما هو "نحن"، "كيف" ؟ " و إلى أين"؟ جنبا إلى جنب، بل سبقا على ما هو علم النفس كما اختزلته المخاوف و الوصاية و المناهج، أما المداخل السابقة فكانت من أبواب الأدب، و التراث الشعبي، و الموقف إزاء المقتطف و إعادة القراء، مما تعود قارئنا عليه منذ صدور هذه المجلة، و رغم يقيننا الواضح بأن التصوف أساسا هو خبرة معاشة غير قابلة للكتابة، فالشرح و ما أشبه، إلا أننا بعد ما تلكأنا أكثر مما ينبغي لم نعد نملك إلا أن نعاود المغامرة، فقد اكتشفنا أننا لو استسلمنا لهذه المقولة [العجز عن الكتابة عن ما لا يكتب] فإننا نساهم في دفن هذه الخبرة البشرية [الإسلامية خاصة] بعيدا عن وعي من لم يألفها، فلم يرتدها، و بالتالي فنحن نساهم في اختزال الوعي الإنساني إلى ما أريد به من جانب الوصاة و المستثمرين...

 

§         وقفة في رحاب "النفري"

موقف ما لا ينقال : اخترنا أن نبدأ بهذا الموقف لأننا كنا فيه حالا [انظر المقدمة] إذ كيف "نقول" ما لا ينقال؟ يعلمنا مولانا النفري، يقول :

أوقفني فيما لا ينقال و قال لي : به تجتمع فيما ينقال" إذن فما لا ينقال هو وسيلة معرفية فائقة إلى ما يمكن أن ينقال، لاحظ "به" ثم لاحظ "تجتمع" فهو لم يقل به تعرف ماذا ينقال، و إنما قال "به تجتمع" ثم انظر حرف الجر "في" تجتمع في و ليس تجتمع فقط أو حتى تجتمع إلى فيماذا؟ تجتمع في ماذا. فيما ينقال.

فقد صورت لنا قشور العلم "الحديث" أن المخ البشري يفرز فكرا أو كلاما [ينقال] و لم نقف لنتأكد من ذلك، حتى كدنا ننسى، فتذكرنا هذه الوقفة أننا لا نفرز ما ينقال، و لكننا إذا كنا نريد أن "نعرف" حقيقة و فعلا لكننا "نجتمع فيه" ، ف ف: فينقال، و حتى نجتمع فيه لـ لـ : لينقال علينا أن نقف فيما لا ينقال أولا و كثيرا.

[فكيف نفعل و التليفزيون و المنهج و الوصاية تلاحقنا من كل جانب؟؟؟]

و قد يؤكد ما ذهبنا إليه أن يردف النفري :

" و قال لي : إن لم تشهد ما لا ينقال، تشتت بما ينقال"

فشرط أن يكون ما ينقال جديرا بالإنصات، أو بالحضور، أو خليقا بالحوار، أو واعدا بالإضافة، شرط ذلك أن "نشهد" ما لا ينقال، فإن لم نفعل [عفوا مولانا] أصبح ما ينقال عبئا على معرفتنا لا لإضافة إليها، ذلك لأنه لا يكشف ما لا ينقال، و لا يشير إليه، و لا يحدد بعض معالمه و لكنه يشتته ...

 

q     الباب الثالث : قصة – شعر – نقد – كتابة

§         مهارشة – شعر / أحمد زرزور

بداية : لا أحلامه الصيف و لا احتلاماته الشتاء، لا تفاسيره الحقول و لا تباريحه الرياح، لا استيقاناته الذنوب و لا احتمالاته الغفران، لا عقابيله البلاد و لا تهاويله المروق ... كل هذا لم يكن ناجعا – حتى لحظتنا هذه – في خصف عورة الروح التي لحظتنا هذه – في خصف عورة الروح التي أنفقت أوراقها، في استقطاب فراشات لا تكمل – فغي عينيه أطوار نموها...

 

§         قلم كوبيا [قصة قصيرة] / مجدي حسنين

مقدمة : أقسمت بطهر الحزن ألا أفعل خيرا هذا العام، لقد خشيت على نفسي فعزمت النية أن أعيش لها هذا العام أداوي تقيحات جروحي التي سدت رائحتها المتعفنة عن أنفي رائحة الذكرى .. لذة الألم تثيرني، أسحب عن جسدي بقايا ملابسي الشفافة، أتخايل بجروحي أمام المرآة أتعاجب، تناسق التواءات زوايا الجروح تدغدغ أعصابي، يزداد إعجابي بي، أسحب بحذر شديد الغطاء الشفاف اللاصق بظهري، ينجذب معي رويدا رويدا، تنجذب معه بعض القشور، و تخلف بقعا دموية، دمويتها قانية، شديدة الاحمرار و التوهج كأنها ليست من دمي، أضبط نفسي مزاولا حركات غريبة و مستحيلة لأخذ أوضاع مختلفة أمام المرآة حتى أستطيع رؤية ظهري، يغلبني الابتسام، أمسيت أهوى مزاولة ذلك المستحيل منذ ما استطاعت قدماي أن تحملاني، و تماثلت – نوعا ما للشفاء، ... الآلام المنبعثة من فعل السياط الملتهبة تشعل ظهري و تجعله ينز مع أبسط حركة بقعا دموية، دمويتها قانية، شديدة الاحمرار و التوهج، كأنها ليست من دمي ...

 

§         بكائية أخيرة للمهرج المتجول / هناء سليمان

مقدمة : في آخر كل مساء ... أخلع أقنعتي، أبحث عن وجهي في المرآة المتكسرة بباب الملهى، لا يعرفني وجهي، أخرج في ليل لا يرحم ضعفي، أبحث عن صوت مألوف عن وجه يعرفني، تنكرني الأعين ... تلفظني الطرقات ...

 

§         محاولة فاشلة / يوسف عزب

مقدمة : - تسيد الموقف ... عرفت فخضعت ... كان لا بد أن يتسيد أحد : إما أنا ... و إما هو، فأخذها هو.

              - أدركت ذلك في الحال ... فرفضت.

                                   - شعرت بألم وامتهان ... شعرت بموت وأشباح ... شعرت بما شعرت، لكنه تسيد.

                                   - الأمر جلي إذن ... أي كائن حي يفهم العلاقة الآن بيننا.

                                   - ماذا؟ هرب الخيط من يدي.

                                   - محاولة مصاحبته صعبة، بل مستحيلة

                                   - بعد ذلك الجهاد كله، و تلك المحاولات للانتصاب مجرد الرغبة مرفوضة.

-          سأسافر بالخارج و أتناسى الأمر، لكن صوتا يقول هيهات ...

-   

 

§         في رثاء شاعر ما [شعر] / عادل عبد الحميد

مقدمة : قتيل هنا فوق الطريق، من قد يسحب الحبل عن عنقك؟ و من سوف يجني عنك تمر الخديعة، من يغرد كي يستبدل الخنجر المسموم، بالياسمين المنضوي تحته السم البريء حبيبة؟ … لرأسك أن يستلقي الآن تحت الرمل منطفئا، أنت الذي حاولتك الأغنيات فحاولت الصدى من دم و تعب و فاوضتها لما تخطتك بالحلم المرير حتى، ألا تبيت على طوى فهل يشعل الندم الغناء من العدم؟ …

 

§         المطاردة [قصة] / السيد نجم

مقدمة : … و خرجت من باب المدينة الريف … يا أبناء قريتنا أبوكم مات قد قتلته أبناء المدينة، ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف و تفرقوا … يا إخوتي .. هذا أبوكم مات. ماذا، لا … أبونا لا يموت. بالأمس طول الليل كان هنا يقص لنا حكايته الحزينة. [من قصيدة قتل القمر للشاعر أمل دنقل]

 …حتى الخامسة صباحا لم ينم. ذات اليمين و ذات الشمال يصلي الأرق الأكبر … لا ينام و لا يصحو. اليوم يحمى عليه في براثن القلق الغامض، والخوف المتجدد ، فتشتعل لفائف مخه و بؤرة صدره. هذا ما كنزه من سنتين عمره يذوقه الآن متجددا .. إنه يوم ميلاده

منذ سنوات بعيدة، في الخامسة و الخمس دقائق ودعته أمه بعد ـن وقفت عند رأسه حتى ارتدى كل ملابسه. دست له سرة من الأوراق المالية و أخرى من الأوراق الهامة و و قبله. بئس قبله هلعة  … فزعة. قالت : "اذهب الآن. يهون علي فراقك، و لا يهون علي مقلتك" …

 

§         من خلاصات شعري [قصة] / صفية فرجاني

مقدمة : وهن الخصلة الأولى : عينان محملقتان في ضوء النهار .. و يد طويلة ممدودة .. كنت أرتعش عندما تسلم علي في الصباح. تنفرد أصابعي الخمس .. تتعلق بجلباب أبي الواسع الطويل .. يضرب جلبابه بشدة .. تسقط يدي على إسفلت الشارع .. تتصارع خطواته على تيار الهواء المضاد يغيب .. تتساقط قطرات من دموعي على أرض المحل .. جذبتني من جدائلي الممتدة .. و تركتي عند حوض غسيل الشعر أنظفه .. انحل شريط شعري و سقط .. انفرد خصلات شعري تعلن العصيان .. في حلقات دائرة يتكون كل شيء هنا داخل المحل رؤوس النساء .. أحواض غسيل الشعر … بكرات اللاروه .. أحمر الشفاه ..استشوار شعورهن .. علب البودرة .. المكياج .. عيون المقص الواسعة .. كانت كلماتها صغيرة و تكبر تصطدم بي .. أسقط على الأرض أرتعش .. و أذهب بعيدا في هدوء أعمل .. أحمل المكنسة طويلة اليد .. و أقف تعلوني كثيرا [المقشاة عندنا قصيرة .. الحجرة الداخلية لأمي ضيقة .. أنظف السري أولا… يتقوس ظهري لأكنس تحته] .. تعلو نبراتها الحادة الآمرة .. يصدمني البلاط العريض المخطط أبيض و أسود .. قالت : نأويكن الآن و نجلسن هنا غدا .. و أشارت إلى الكرسي العالي بجوارها .. انزلق الماء على الأرض .. سبحت أصابع قدمي فيه .. انتشيت [أمي تتركني دائما ألعب فيه وحدي] دخان سجائرها يعلو تنفثة في الجدران الضيقة .. يمتد و يصل إلى حلقي اقتربت من الماء المنساب على البلاط ألمعه بشكل طولي و عرضي .. انزلقت قدمي .. ارتطمت شفتاي بالبلاط .. قبلته بلا إرادة و قمت …

 

§         الجنس : قراءة نقدية في [بيع نفس بشرية] لمحمد المنسي قنديل / قراءة يحيى الرخاوي

تنويعات في لغة الجنس و دلالاته :

- الجنس "الفيض"

- الجنس " الصفقة"

- الجنس "اليأس"

مقدمة : من أطيب الأمور أن يضطر الواحد منا – في زحمة هذا الزمن الملاحق – أن يقرأ عملا ما كان ليقرأه لولا هذا الاضطرار، و إذا بي أمام عمل متميز يستأهل النظر، فإعادة النظر، فالقراءة المجتهدة هذه، ثم تلا ذلك أني استشعرت قدرا متزايدا من الثقة و الأمل في وقت أنا في أشد الحاجة فيه إلى أي طمأنينة أو ثقة، أو أمل، في حاجة إلى أن أطمئن أن ثمة خطا أصيلا يتقدم، و أن ثمة حركة حقيقية تتميز و أن ما يبدو على السطح من أكوام العجلة و الادعاء، ليس هو كل شيء.

هذا ما كان من شأني الخاص مع هذا العمل المفاجئ "بيع نفس بشرية"، أما ما تلا ذلك من موقف فاعل فهو تلك الندوة، و هذه الدراسة.

و بداية أقول : " في هذا التقيت بقاص سلس مبدع [مبدع رغم أنفه في بعض الأحيان] يملك القدرة على الإحاطة الشمولية، كما يملك أدوات التطريز المنمنم و لو في ربع ملليمتر من الزمان أو المكان، يحكم الحبكة طول الوقت مع أنه قد يفلت منه الخيط هنا أو هناك، يفكر أحيانا بغير لغته [الإنجليزية غالبا] نجح في أن يتخلص من وصاية مهنته [كطبيب] راح يواكب الواقع الجديد دون انغماس حماسي، ثم هو قد قدم عمله بإيقاع نشط غير لاهث، تتداخل نغماته في اتساق معظم الوقت، مع ترهلات متوسطة، يحسن البداية عادة [خاصة القصة الأولى و الثالثة] و تختلف نهاياته من مفاجأة جيدة مفتوحة [القصة الأولى] إلى تزيد متعسف فاتر [الثانية] إلى نهاية عادية مكررة [الثالثة] …

 

§         القصة الأولى : بيع نفس بشرية – الجنس الفيض

أ - صلاة الطبيعة : فيض نهر جار

ب- فيضان الشهوة يقتحم

مقدمة : و هذه القصة هي أفضل قصص المجموعة بلا شك، لقد كان المحور الأساسي الذي تدور الأحداث حوله في هذه القصة هو محور "القهر" بكل تنويعاته، فمصطفى [المدرس المصري المغترب في الخليج] مقهور بفقر أهله، و إلحاح حاجته، و الخادمة الفليبينية "ماتيلدا" مقهورة بفقر وطنها و أسرتها و بطالتها ...، و صديق و زميل مصطفى المدرس الخليجي [المواطن] "صالح" مقهور بطبقته الأدنى، و تاريخ الظلم اللاحق بأسلافه، و حتى الشيخ نفسه – يمكن لمن يريد أن يراه – مقهور باستعباد لذته و شذوذه.

ووسط هذا الجو من القهر من الداخل و الخارج، كان للقارئ أن يتوقع أن يظهر الجنس كأحد أبعاد هذا القهر لو أن المؤلف قد تسطح فرسم لنا صورة شيخ سيد فرعون، و جارية مهيضة سلبية، الأول يفرض على الثانية ما يشاء، فلا تملك إلا أن تستسلم رغم إرادتها، أو رغم تعلق قلبها بحبيب شاب تركته في بلدها، أو حتى رغم تعلق قلبها بالمدرس المصري "مصطفى" الذي أجارها، أو حتى رغم أحلامها بالتحرير ضد ضغط أهلها المحتاجين .. الخ، و حين يحدث ما يتوقع القارئ "هكذا" فإننا نكون قد ابتعدنا إلا قليلا، فماتيلدا ليست خادمة أسيء استعمالها جنسيا ضد ما توقعت، أو غير ما توقعت، فهي لم تأت شغالة ففوجئت بنفسها جارية في حريم السلطان، بل هي واعية طول الوقت بطبيعة العقد و شروطه غير الخفية ...

 

§         القصة الثانية : الوداعة و الرعب – "الجنس الصفقة" [الجسد اللحم]

مقدمة : تأتي قصة "الوداعة و الرعب" [الثانية في المجموعة] لتؤكد موقف الكاتب و قدرته على معايشة الواقع الآني بسبق سوف يذكر له، ففي هذه القصة راح يقتحم موضوع التطبيع مع الجارة اللدود/ فرسمه بحدة تحدياته على مختلف المستويات، دون استقطاب مسطح، فهو قد أوضح وجهة نظر الابن الشاب اليائس الضجر المهاجر[مع وقف التنفيذ] و موقف الأم الخرساء حزنا على ضناها الشهيد، ثم موقف الأب المتردد بين قبول الأمر الواقع و ألم الشعور بالغفلة و الخضوع للعبة أكبر من مقاومته، فردا منهكا مكلوما، و قد اتخذ الكاتب لشخوصه مسرحا يتحركون فيه بعيدا عن أرض الوطن [مصيف فارنا] مما أتاح له مساحة أكبر للحركة و المراجعة و الحوار المتنوع، لكنه كان بمثابة من نقل نعه الوطن [ممثلا في بقية أفراد الفوج السياحي] فاستطاع أن يرسم لنا صورة رجل الأعمال الذي يتقن "الجاسوسية" العلمية" الأحدث و الأخبث، و ابنته التي تذكرنا بالصورة القديمة لليهودية البائعة جسدها بالمقابل المناسب حسب احتياجات السوق و تعليمات الطائفة، و قد استطاع الكاتب أن يقدم لنا صورة عصرية مواكبة حيث جعل الثمن في هذه القصة هو وعي الشاب المصري و كيانه، و تليين الوالد المصري و ترويضه، غير المكاسب الأخرى المحتملة مما لم يعلن ...

 

§         القصة الثالثة : اتجاه واحد للشمس – "الجنس اليأس" [تراكمات الجوع و الفقر]

مقدمة : وددت لو اكتفيت بهذه المقارنة بين جنس و جنس من واقع قصتين طويلتين، أو قل روايتين صغيرتين، كتبتا – فيما يبدو – في زمن متقارب، إلا أني عدت فقدرت أن النظر إلى قصة أقدم [و أقل جودة] قد يضيف بعدا زمنيا لتطور الكاتب، كما قد يكشف لنا أشكالا أخرى للجنس لم تغب عن وعي الكاتب، مما يؤكد ما ذهبنا إليه مقدما من أنه يستهدي بحدسه بأقل قدر من الوصاية.

و قد فضلت أن أكتفي بالإشارة السريعة إلى ما ورد في هذه القصة الثالثة من تنويعات جنسية للوفاء بالغرض الذي أوضحته حالا، لكنني توقفت عند نوع منها غلب على أجوائها، وهو ما تعلق بالجنس مدفوعا بالفقر و الجوع [على أكثر من محور] معلنا اليأس [تراكما .. ففجأة] و قبل ذلك أقدم خطوط و جو هذه القصة الثالثة في إيجاز ...

 

§         إيقاظ النيام قبل اشتعال الحريق [نقد سينمائي] / محمد فتحي عبد الفتاح

مقدمة : إنه ليس فيلما بل زلزالا.

زلزال مشتعل نبيل جميل، إذا استعرنا أسلوب الشاعر العبقري الذي تحدث عنه الفيلم.

زلزال لأنه يهز مسلمات ظلت طويلا من الثوابت التي لا يجرؤ أحد، و بالذات في الموقع الذي صدر عنه، على الاقتراب منها و مشتعل نبيل لأنه يحاول في شجاعة فكرية نادرة إيقاظ المدينة قبل وقوع الحريق، داعيا أهلها إلى مواجهتها – الحريق – بأنفسهم في أقصى حالات اليقظة بعيدا عن الخطر. و لأنه يتحدث عن صدق الفنان الذي يشتعل، فيصبح الناس على ضوء اشتعاله أفضل و أشرف.

أما صفة الجمال فترجع إلى اعتماده مفهوما راقيا و قديما لكل بلاغة، هو مدى ملاءمة الأدوات الفنية للموضوع الذي يتناوله الفنان.

لكن الأهم من ذلك كله أن الأمر مع هذا الفيلم ليس مجرد استمتاع بعمل فني شجاع، فالزلزال ليس بعيدا عن "أرضنا" و يرتبط بواقعنا بأكثر من سبب.

ذلكم هو فيلم المخرج السوفيتي الشهير "جيليب بانفيلوف" – الموضوع -  الذي شهدته القاهرة مؤخرا، و الذي فاز بالجائزة الأولى [الدب الذهبي] في مهرجان برلين [الغربية] السينمائي الدولي عام 1987 ...

 

q     الباب الرابع : ذهابا و جيئة [حوارات و رسائل] / د.عاطف عبد السلام- أحمد عبد السلام بسيوني – محمد شقرة – هشام أحمد أحمد و آخرون

§         الرسالة الأولى : د. عاطف عبد السلام [تكملة]

مقدمة : … إنك تقع في خطيئة نفسية و عقلية، ألا وهي عدم التقدير الموضوعي للآخرين [هل من الضروري أن يرى الآخرون ما ترى، أو هل حتى من الضروري أن يهتم الآخرون بك؟] أنا أرى أنه لا ضرورة لذاك، لأنه لا ضرورة أصلا في أي شيء، فكل شيء ابتداءا اختيار، إنه حتى وجودك نفسه ليس ضرورة، لذلك فإنني أرى أنك قد اخترت موقفك وهو المواجهة و كذلك اختار الآخرون موقفهم وهو اللامبالاة، أو ما تشاء من أسماء، و لهم كل الحق في أن يختاروا فلا لوم، و لا عتاب، و كل مسئول عما اختار من فعل، و أما نتائج هذا الاختيار فليست في قبضة أحد، لأنها هي الأخرى سوف تستدعي مواقف اختيار و هكذا في سلسلة لا تنتهي، لأنك إنما تمارس الحياة لا تدبرها …

 

§         الرسالة الثانية : د. أحمد عبد السلام بسيوني

مقدمة : الخط هو الخط، و اللهجة هي اللهجة،و اليقظة هي اليقظة، و كل الاختلاف هو في الاسم الأول [عاطف : الرسالة الأولى، و أحمد : الرسالة الثانية] فهل هما توأمان؟ أم أنهما واحد؟ [رغم أن أحمد ذكر أنه أمين مكتبة .. الخ] و لكن ماذا يفيد الشك و محاولة إظهار الحذق؟ ليكونا اثنين أو واحدا و لنشكر أحمد [بما هو] على رقته [أكثر من أخيه] إذ يقول : "… و رغم يأس يراودني أحيانا كثيرة نحو إمكانية عمل شيء نرى ثماره في حياتنا، إلا أنني أجدني غير مستسيغ للتوقف، أو بالأحرى غير قادر على الموت، و أقول الحق إنه كلما شعرت بعدم القدرة على شيء، أتت مجلتكم فألهبت ظهري و ساندته، فأجدني أقول لست وحدي و لا مفر من المحاولة …

 

§         رسالة العدد : تحايلات شاب مصري على الوحدة و الظروف

مقدمة : " … ثم اتجهت و انغمرت في بحر يسحب التفكير كلية وهو الشطرنج، لقد كان أفيونتي التي لا أفيق منها أبدا و لمدة خمس أعوام [إعدادي + ثانوي] من اللعب المتواصل و الدراسة، و لم أصل إلى شيء منه إلا عندما رأيت نفسي تائها وسط المجتمع [مرحلة الكلية] فوجدت الشباب التافه يستحوذ على البنات، و يشل تفكيرهم بحديث عن الفيديو و رحلة سيارته من المنزل إلى الكلية، و بنطلون جينز، و نظارة ريبان، فبذلت جهدي في تلك الفترة أن أصبح تافها، و لكن كيف؟ لم أستطع إطلاقا، فلساني ملجم و الأحاديث التي يتكلمون فيها أعرفها و أعلمها و عشتها لكنها ليست مني" ...

 

q     الباب الخامس : دليل القارئ الذكي في الطب النفسي

§         حول مؤتمر القاهرة الدولي للصحة النفسية [18-22 أكتوبر 1987]

مقدمة : بترتيب جيد، و حماس فائق، عقد مؤتمر القاهرة العالمي للصحة النفسية برئاسة د. جمال ماضي أبو العزايم، الرئيس المنتخب للجمعية الدولية للصحة النفسية، و ذلك في المدة بين 18، 22 أكتوبر 1987، و كان المؤتمر شديد الثراء و الازدحام بما أحاط به من موضوعات شغلت سبع قاعات معظم أيام  المؤتمر، كما استطاع منظموه أن يجذبوا إليه مختلف المهتمين بالشؤون الصحية من مختلف الفئات، و سائر أنحاء العالم، وبالتالي فقد مثل المؤتمر دائرة أوسع و أكثر تنوعا ممن يمثلون حضور مؤتمرات الطب النفسي و الأمراض النفسية، فقد كان من بين الحاضرين علماء نفس، و مشتغلون بالتمريض، و أخصائيون اجتماعيون و تربويون، بل و الأهم مرضى نفسيون و عقليون [سابقون]، و كان هذا التنوع بوجه خاص هو ما ميز هذا المؤتمر الجيد ...

 

§         المؤتمرات العلمية بين العلم و السياحة و الإعلام

مقدمة : لا يمكن لمراقب موضوعي أن ينكر فضل هذه الاجتماعات العلمية العالمية في التعريف بمصر الحديثة بشكل أو بآخر، سواء من حيث خدماتها المدنية، أو من حيث اجتهاداتها العلمية، و قد كان هذا المؤتمر بمثابة إعلان شديد الأهمية و الدلالة في هذا الاتجاه، و مع التجاوز عن كثير من الأخطاء التنفيذية أمام هذا العدد الهائل من المشاركين فإننا نرى رأيا نستحسن إعلانه هنا هكذا :

فنحن نصر على المشاركة في مثل ذلك إلى أقصى مدى، و نشكر من ساهم و يسهم في مثل ذلك، لكنا نصر على إدراك حدود هذا النشاط و المخاطر التي تحوطه بكل ما نملك من وعي مسئول، و يقظة حذرة.

ذلك أن بعضنا، أو قل أغلبنا [يا رب لا أقول كلنا] قد يتصور أن العلم الرصين و القادر على مواكبة العصر، و مواجهة التحديات الحضارية التي يعيشها الناس و تنتظرهم، و يعيشها بصورة أدق و أخطر شعبنا في المفترق، يتصورونه في ما يدور في مثل هذه المؤتمرات ...

 

§         في المسألة الإسرائيلية و الأبحاث و المؤتمرات العلمية

مقدمة : حدث في المؤتمر – كما يحدث عادة في مثله – أن فوجئنا بوجود مثلين لإسرائيل بكثرة لا تخفى على أحد، و رغم أن كتيبات المؤتمر الموزعة قبله، و نشراته المعلنة لم تشر إلى مثل ذلك، إلا أنه يبدو أن القائمين على الأمر اعتبروا أن المسألة بديهية، فما دام المؤتمر دوليا، و إسرائيل دولة، و ما دام المؤتمر علميا و في إسرائيل علم، ناهيك عن التبادل الدبلوماسي و مشارطات التحكيم ... الخ، فإن من البديهي أن تكون إسرائيل من بين المشاركين، لكن ليس كل بديهي بديهيا [أليس كذلك؟؟] فعلم بعض شباب الأطباء و المشاركين هذا الذي أخفى، فأحسوا بما أهانهم مرتين، لأنهم خدعوا بالإخفاء العفوي أو المقصود، و لأنهم سيشاركون لئاما، أو من يمثلون لئاما – في مائدة مشبوهة، فقرر البعض ألا يشارك [مثل د. عصام اللباد، و د. هناء سليمان]، و قرر آخرون أن يعلن احتجاجه قبل إلقاء كلمته، أما الفريق الثالث – و أنا منهم – فقد قرر أن يحتج بالمشاركة لو أنه استطاع أن يبلغهم، هم و من يتعرض لهم – أننا هنا، "نعرف" و "نقول"، بلغة علمية متفوقة و من منطلق مستقل متحد ... الخ ...

 

§         أبحاث مختارة من المؤتمر

§         العلاج بالفن : رسم الأحلام [صورة الغلاف]

§         حالات و أحوال : "هند" في مفترق الأمراض

مقدمة : هي سيدة في الثالثة و الثلاثين، مصرية مسلمة، ربة منزل، ترتيبها الرابعة بين الأخوة و الأخوات [الأول من الأم فقط و الثاني شقيق و الثالثة كذلك] وهي متزوجة، و منفصلة حاليا و قد تكون على أهبة الطلاق، لها ابنة واحدة، عمرها ست سنوات من زوجها الحالي [العراقي الجنسية و المقيم بالعراق]، وهي لم تنجب من زوجها الأول، و تقول هي و أمها أنها طلقت منه بسبب عجزه الجنسي، كان لها علاقة عاطفية قبل الزواج الأول، و كانت علاقة متبادلة و ساخنة و كاملة، و رغم أنها لم تنته إلى الزواج إلى أنها مازالت تذكرها بحرارة، و هند تحمل مؤهلا متوسطا [دبلوم تجارة] بالإضافة إلى بعض مقررات فصلية بالجامعة الأمريكية، و قد تنقلت في عدة أعمال من بينها العمل في بوتيك والدها، و كانت قبل مدة المرض الأخيرة تقيم تسعة أشهر مع زوجها العراقي بالعراق، و ثلاثة أشهر بمصر مع أهلها، زوجها مهندس درس بالقاهرة، حيث تعرف بها و أحبها و تزوجها، بموافقة والتها و اعتراض والدها و مقاومته بعض الوقت، ثم ذهب إلى العراق حيث جند بالجيش منذ ذلك الحين، و حتى الآن ...

... و حين بدأت النوبة الحالية منذ ثلاث سنوات، لم يكن هناك سبب مرسب ظاهر، فهذه الصراعات، و الصعوبات، التي تتحدث عنها موجودة في الغربة منذ أن سافرت بعد الزواج سنة 1980. ذلك أننا لم نستطع أن نرصد أي اختلاف في المعاملة أو مزيد من ضغوطات المعيشة أو الحرب، و لكن المريضة – مع بداية المرض – أخذت تتحدث عن ما يوجه إليها من انتقادات و تبالغ في سوء تأويلها، و بسؤال إن كان ذلك قد زاد في هذه الفترة، أجابت بالنفي و لكنها لاحظته أكثر.

و هنا يجدر بنا التنبيه إلى أن رصد بداية المرض و أسبابه، لابد أن تأخذ في الاعتبار هذه "الإفاقة" المرضية أو "الانتباه الخاص" أو "التذكر الانتقائي" لما يجري عاديا طول الوقت و إذا به ببداية المرض لا يعود عاديا، و ما إن بدأت ترصد ما يجري بحساسية مفرطة و ألم زائد حتى لجأت إلى القرآن، استغرقت في قراءته معظم الوقت، ثم بدأت الأعراض الأكثر تحديدا و حدة :

- ابتديت أحس إن عندي روح تانية معايا

- كلام باسمعه في دماغي يبقى صوت، و كأن حد بيكلمني في ودني

- مفيش حاجة غير الأصوات دي، والناس كده بتعرف أفكاري عن طريق الروح دي، و أنا كمان بأعرف أفكارهم.

و تتوقف هنا قليلا قبل أن نسارع – تقليديا – بأن نسمي هذا الذي يجري باسم هلوسة سمعية مثلا، مع أنها – في النهاية – قد ثبتت أنها كذلك، فالهلوسة هي أن تسمع صوتا [تدرك مثيرا حسيا] دون وجود مصدر حقيقي لهذا الصوت في الواقع، لذلك فحديث مريضتنا عن "الأصوات" و "حد بيكلمني في ودني" هو بداية الإشارة إلى أن هذا العرض "هلوسة سمعية" و لكن نظرة أعمق تنبهنا إلى ...

 

§         الموسوعة النفسية : حرف الألف : انتحار

مقدمة : يمكن تعريف الانتحار في صورته المألوفة عند العامة، و في الطب النفسي أنه [فعل حاد، يقوم فيه الشخص بإيذاء نفسه و تحطيمها حتى الموت فعلا] و نحن لا ندعي أن هذا التعريف جامع مانع، و لكنه على الأقل يغطي مساحة مناسبة من التعارف عليه تحت اسم هذه الظاهرة :

أ‌-       فهو يتضمن أن الفاعل و المفعول به هو نفس الشخص

ب‌-   وهو يشير إلى حدة الفعل، سواء من ناحية جرعة التحطيم أم تركيز الزمن

ت‌-   وهو يشترط النهاية بالموت [حتى يسمى كذلك]

لكن هل هذا صحيح؟؟

o        هل حقيقة أن المنتحر يؤذي نفسه، أم أنه يؤذي نفسا في نفسه، أم أن نفسا في نفسه تؤذيه؟

o        و هل يحدث الموت بمعنى التخلص من الحياة، أم هو تخلص من "آخر" داخلي فأخذ الحياة معه تورطا؟

o        و هل هو فعل إيذاء و تحطيم أم هو فعل خلاص و عتق و سعادة [أحيانا على الأقل]

و قبل أن نحاول الإجابة على هذه الأسئلة لابد من الإشارة إلى صعوبات منهجية تجعل دراسة الانتحار مستحيلة إلا بالاستنتاج و القياس و المعايشة الفينومينولوجية، لأن المنتحر فعلا لم يعد في متناول الدراسة، و كل ما دون ذلك ليس كذلك، لهذا فإننا سوف نقدم ما نريد من واقع عمق الخبرة الإكلينيكية في معايشة مأزق إرادة الموت، و تبريرات الهرب الأقصى، و خاصة كما نلقاها في "مأزق العبور" في العلاج الجمعي ...

 

Arabpsynet

Revues   / مجلات /  Journals

شبكـة العلوم النفسية العربية

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, Arabpsynet. (All Rights Reserved)