مجـــــــــلات 
 

الإنســان و التطــور

تصدرها جمعية الطب النفسي التطوري و العمل الجماعي

السنة الثانية والعشرون العدد 69-74 إبريل 2000 – يوليو 2001

www.mokattampsych.com

 

q       فهرس الموضوعات /  CONTENTS / SOMMAIRE 

 

§         الافتتاحية 1 : أ.د. يحيى الرخاوي (النص الكامل Full Text /)

§         ملف العدد عن : أزمة القيم و إشكالة الأخلاق

§         الافتتاحية 2 :الأخلاق بين الضرورة الاجتماعية و النزعة الإنسانية / فردي زهران

§         الأساس الأخلاقي للمجتمع / عرض و تلخيص د. أحمد الفار

§         الأخلاق (الجامعية) : ميثاق مكتوب، أم ثقافة معاشة؟

§         الأخلاق الجامعية : بين التنظير التجريدي و الممارسة اليومية

§         التكنولوجيا تعيد صياغة الأخلاق

§         دعوة ضمنية "ضد – أخلاقية" من المثل الشعبي

§         حين يصبح العلم ضميرا و خلقا

§         أخلاق الإبداع، و إبداع الأخلاق

§         عن العولمة و الأخلاق : و حضور الله في الوعي الفردي و الفعل اليومي

§         لمحة من خلق مسيحي : المحبة أن تفعل الأفضل / د. حسام حشمت

§         دعوة للقراء للمشاركة : منظومة الأخلاق تتغير

§         حصار / د. هاني يحيى

§         الإسلام يناقض الاحتراف الديني / د. أحمد منصور

§         رجل يملك كل شيء / ياسر نصار

§         قصص قصيرة خذ حذرك

§         علاج ذاتي بالفلسفة / د. يسرية أمين

§         شطحات /د. عادل مصطفى

§         حالات و أحوال

§         نقد : حديث الصباح و المساء

§         نصوص علمية مزدوجة اللغة

§         مفهوم الصحة النفسية من وجهة نظر إكلينيكية

§         ملحق الصحة العقلية و عصر  المعلومات

§         باب جديد قديم : ... ندوات الجمعية إبريل – مايو – يونيو  2001

(1)       ندوة إبريل 2001

(2)       ندوة مايو 2001 : كتاب المسيح اليهودي / تأليف : رضا هلال

(3)       ندوة يونيو 2001

§         تعدد الذوات : حوار، أم صراع، أ/ تبادل أدوار  : نحو  ولاف محتمل؟ / الشاعر د.  أحمد تيمور

§         مونودراما الممثل ... قصيد درامي ...

§         ملحق الإدمان

§         تذكرة عاجلة عن الإدمان و الشباب ... سؤال و جواب

§         تعتعا : مركز دراسات التعامل مع الإدمان و التعاطي في دورته الأولى / د. إيهاب الخراط.

 

q       ملخصات  /  SUMMARY / RESUMES 

 

§         ملف العدد عن : أزمة القيم، و إشكالة الأخلاق

ملخص: نشأت فكرة هذا الملف حين كتب زميلنا سكرتير التحرير" فريد زهران "، افتتاحيته هذا العدد يكمل ما بدأه في هذا الموضوع، ويضعنا أمام  مسئوليتنا الصعبة، وهو يذكرنا بدلالة الأخلاق وخطورة سوء استعمالها، وخفاء مداخل زيفها وتزييفها.

في افتتاحيته السابقة للعدد 66/65 بدأ هذا الهم يتضح بجلا ء وهو يتقد بأطروحته التي تناولت "الأخلاق بين الضرورة الاجتماعية، و الإيمان الديني" و كانت هذه الأطروحة بمثابة الرد على مقال لرئيس التحرير نشر في الأهرام عن العولمة و نوعية الحياة (المعاصرة)، بتاريخ 4 يونيو 1999، و قد رد رئيس التحرير بدوره في افتتاحية لنفس العدد بسلسلة من لتساؤلات كان من أهمها تساؤل عما إذا كان "استدعاء حضور الله هو مرادف لاستدعاء القيم الخيرة و الأخلاق النبيلة، أم أن وجود الله سبحانه هو حقيقة موضوعية في ذاتها، والأخلاق بعض تجلياتها ؟". عاد فريد زهران في افتتاحية العدد 68/67 إلى إثارة جوانب أخرى في المسألة حول " الأخلاق بين مذاهب الانحطاط ، و سقف الضرورة الاجتماعية" ثم هاهو يعود في هذا العدد مصرا على تنبيهها إلى محور نعتبره أساسا في تبرير صدورنا، و تشجيعنا على الاستمرار.

ولما كانت المجلة تعاود الصدور بشكل يكاد يكون عشوائيا (!!) بالصدفة أو نتيجة الشعور المتماوج بالذنب، فقد كان طبيعيا أن يبدأ الحوار بين أعضاء تحريرها، وهو تقليد وارد منذ صدورها،، فجمع رئيس التحرير ما تيسر من أوراقه، مما سبق نشره متفرقا ومما لم ينشر أصلا، ووضعهم بالترتيب الممكن أملا في أن يتواصل الحوار من خارج البيت بإسهام القراء الذين يهمهم هذا الموضوع، وكلهم كذلك.

الخراب الأخلاقي، سواء كان سببا أم نتيجة، هو أخطر ما يصيب أمة في مرحلة من مراحل تطورها، وهو أمر لا يمكن فصله عن الصحة النفسية، بمعنى الهارموني الممتد، ومن ثم عن معنى الجمال، والتكامل البشرى.

إننا ونحن نفتح هذا الملف لا ننسى أن نشكر مشارك فاضل سبق له أن أسهم في هذه القضية في هذه المجلة بمقاله "الأساس الأخلاقي للاشتراكية العلمية "، (العدد 68.67 سنة 2000)، وكئا نود أن نضمن الملف هذا المقال بأكمله، لكن حال دون ذلك خشية التكرار المتلاحق، فقام د. أحمد الفار بإيجازه في هذا العدد.

نحن نأبى أن يكون هدفنا من طرق هذا الباب هو إقامة مزيد من حلقات "العديد " على ما آلت إليه القيم والأخلاق. لا فائدة من إطلاق خطابة الترهيب، والترغيب، والرثاء والنحيب على أمجاد وأخلاق الماضي من فوق منابر الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية، الأمر الذي يعرف الجميع مدى تهاوى مصداقيته.

الذي حدث ويحدث مؤخرا في المجتمع المصري هو من أخطر ما مز على مصر منذ عصور طويلة، وقد صورت وسائل الإعلام المسألة تصويرا أبشع من الواقع، لكن ذلك قد يكون مفيدا بشكل أو بآخر. نحن لسنا مع الذين يزعمون أننا نعيش ثقافة العنف، أو ثقافة الغد ر، أو ثقافة البلطجة. إننا نعيش ثقافة الغش، وثقافة الكذب، والثقافة الكسل و الاعتمادية واللامبالاة. ولأنها ثقافات أكثر سلبية، فهي أسهل انتشارا. العنف والبلطجة مازالت تدور في إطار محكوم بالقانون، رغم تراجع سطوته، هي مظاهر مازالت مرفوضة، ولو من حيث المبدأ. الخطر الحقيقي يكمن في التدهور الأخلاقي حين يأخذ شرعية وقبولا حتى تنعكس منظومة القيم لتصبح الرذيلة هي موضع فخر لمن يرتكبها ! !!

دلالة أخرى أخطر من العنف، والسلاح الأبيض، وعقوق الوالدين، والاعتداء على الأمهات، وقتلهن أخيرا، هو أن مصدر فساد القيم وانحلال الخلق أصبح هو هو الذي كان منوطا به إرساء القيم، وتمثيل القدوة. ما حدث في الجامعات (مثلا) سواء في كلية الآداب (مدرس يغتصب طالبة معوقة) أو طب قصر العيني (وكيلا الكلية يحاكمان بتهمة التزوير) أو جامعة الإسكندرية، أو حلوان، أو المنيا ليس جديدا. الجديد أنه اكتشف،

ثم أعلن عنه ليصبح في متناول الناس.

الحديث عن الفساد، والرشوة، وسوء استغلال النفوذ، هو حديث عفا آلت إليه الأخلاق أساسا.

تدخل من باب الأخلاق فتجد نفسك في ملعب السياسة، والدين، والحضارة والمستقبل. جميعا. لهذا كان هذا الملف.

نحن في حاجة إلى تعريف جديد للأخلاق بقدر ما نحن في حاجة إلى اكتساب وتخليق أخلاق جديدة تناسب العصر دون السجن في أحكام جاهزة مسبقة ومغلقة.

تواكب إعداد هذا الملف مع استشراء ظاهرة الداعية الشاب " عمرو خالد"، تلك ظاهرة التي قد تكون لها مغزى خاص، تغلب إيجابيات (حتى الآن)،

إذ نرى من خلاله حقيقة ما يحتاجه شبابنا، ومدى تقصيرنا في حقهم، وقد تحتاج إلى عودة مستقلة لنناقش ما لها وما عليها، وخاصة فيما يتعلق بما وصلنا من دور هذه الدعوة في الترغيب دون الترهيب، وأيضا في تقديم ما أسميناه " الدين الدمث "، وهو صورة نحتاجها بقدر ما نتصور أنها لا تكفي، وقد يساء استعمالها.

رجوع إلى الفهرس

 

§         الافتتاحية II : الأخلاق بين الضرورة الاجتماعية والنزعة الإنسانية / فريد زهران

ملخص :  كنت قد بدأت في العدد الماضي من الإنسان والتطور محاولة طموحة لمناقشة الأخلاق بين مذاهب الانحطاط وسقف الضرورة الاجتماعية، واستعرضنا في هذه المحاولة آراء الاتجاهين الأساسيين اللذين قدما إسهامات فكرية في النظر إلى الأخلاق، وهما الحدسيين والتجريبيين، وأوضحنا أن الحدسيين قد اعتبروا أن علم الأخلاق معياري ويسعى إلى وضع مثل عليا للسلوك الإنساني، بينما دخل التجريبيون بالأخلاق إلى رحاب علم النفس والأنثربولوجيا و رفضوا رؤية الأخلاق كعلم معياري استنباطي واتجهوا إلى اعتماد منهاج استقرائي قد تقدم مذاهبه رؤى تصلح لحدود زمانية ومكانية معينة لكنها لا تزعم لنفسها القدرة على صياغة أنساق معيارية- أو مثل مطلقة- تصلح لكل زمان ومكان، ولاحظنا من خلال ما تقدم أربع ملاحظات: الملاحظة الأولى: (ن علم الأخلاق نفسه قد بدأ رجلة احتضاره في نفس اللحظة التي تخلى فيها عن وضع مثل عليا مطلقة للسلوك الإنساني، عندما بدأ البشر تحديدا يردون المثل العليا إلى التجربة الإنسانية، واعتبروا أن تحديد ما إذا كان هذا السلوك الإنساني خيرا أو شرا هو أمر مرتبط بما يمكن أن يترتب على هذا السلوك من نفح أو ضرر ولأن هذا النفع أو ذاك الضرر هما أمران نسبيان فمان الناس اتجهت إلى رد هذه النسبية إلى أصولها، أي إلى المجتمع نفسه، وازدادت بالتالي. وتوثقت العلاقة بين الأخلاق وبين علوم الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا وباعدت الأيام بينه وبين الفلسفة، وتخلي الفلاسفة والمفكرين- أو بالأحرى معظمهم- عن وضع مثل أعلى أخلاقي.

الملاحظة الثانية: إن أغلب المصريين الآن أسرى الرؤية الحدسية ويعتمدون- كمثل أعلى- نوعا من النسق القيمي الأخلاقي الديني الذي يعتبر الخير خيرا لأن الله- أو النص- قد أمر به، ومن ثم فإن ما يفتى به الناطق باسم النص- لأن النص لا ينطق بالأصالة عن نفسه- يصبح هو المعيار المقدس للأخلاق، وقد اتضح لنا- في ظل ما نعيش من تردى أخلاقي لا تخطئه العين- أن هذا المقدس الأخلاقي الذي  يتأرجح حسب الحال والأحوال يتطابق في ملامحه وسماته العامة مع أكثر المذاهب انحطاطا، مذهب الطاقة الأناني الذي يرفع شعار "أنا ومن بعدى الطوفان" ، وهذه الأنا في طبعتها العلمانية تجعل من اللذة- المبنية علي الاستهلاك والتشيؤ- هي غايتها الكبرى تأكيدا علي اغتراب الإنسان الذي يزداد مع وحشة وخواء الفردية الذي يزداد بدوره في ظل تجريم وتحريم العمل الجماعي منذ نصف قرن.

الملاحظة الثالثة: انتهينا بخصوص مصر إلي أن الخروج من دوامة الانحطاط الأخلاقي لن ينجح بدون تأكيد انتماء الإنسان المصري الاجتماعي، وهو التأييد الذي يحتاج إلي إعادة إحياء كافة البني الاجتماعية المذبوحة على عتبات الاستبداد من نقابات وأحزاب وجمعيات.. الخ، ذلك أن صحوة الأخلاق تبدأ من إعادة الاعتبار للعمل الاجتماعي الجماعي.

الملاحظة الرابعة: إن الغرب يعيش تناقضا واضحا بين معايير الضرورة الاجتماعية والنزعة الغيرية- وما تفرضه من ملامح إيجابية- وبين النزعة الفردية والبحث عن اللذة وما يرسمه ذلك من ملامح سلبية.

وكنت قد وعدت بمواصلة الحديث في الموضوع حول ما إذا كان من الممكن أن  نطرح مثلا عليا أخلاقية في هذه اللحظة أم لا انطلاقا من أرض عقلانية وتجريبية، ولكن ضيق ذات الوقت بسبب أحداث الانتفاضة وما فرضته من واجب الدعم والمساندة لم يمكننا من تقديم ما ننشده من جهد، ومع ذلك فإننا سنحاول هنا تقديم مساهمة محدودة في اتجاه إثارة نقاش واسع في هذا الموضوع كخطوة أرجو أن تتلوها خطوات أخرى بإذن الله.

ودعونا نبدأ هنا من النقطة التي انتهينا إليها العدد الماضي، ونعني بذلك التناقض القائم بين مبدأ الضرورة الاجتماعية، ومبدأ اللذة، وبالذات في المجتمعات الغربية التي تتميز بأوضاع أخلاقية أفضل مما نعيش وتدين بذلك إلي ما يفرضه مبدأ الضرورة الاجتماعية الغيري من نتائج وتداعيات إيجابية، لكن دعونا نذهب إلى أن سقف الضرورة الاجتماعية ذاته لم يعد هو غاية ما يمكننا أن نطمح إليه، ذلك أنه منذ اكتشف ماركس- منذ ما يزيد عن 150 سنة في المانفستو- كيف أن الرأسمالية ظاهرة عالمية تسعى من خلال آليات السوق إلى توحيد العالم، ومنذ قدم البشر في خضم الثورات- التي بدأت بالثورة الفرنسية- أول مشروعات إنسانية لا تبني على أساس إرثي عرقي أو ديني. أو مذهبي، منذ ذلك الوقت تنامي ما يعرف بالنزعة الإنسانية حتى أصبح من حقنا الآن أن نعلن أن ش- الأخلاق ينبغي أن تتجاوز الضرورة الاجتماعية إلى الضرورة الإنسانية، ولعل ذلك وحده هو ما يمكن أن يفسر كيف رفع المتظاهرون الإنجليز والفرنسيون ضد العولمة- أو بالأحرى الأمركة: - في أول مايو شعارات تطالب بإلغاء ديون العالم الثالث، ولو كانت دوافع مثل هؤلاء المتظاهرين الأخلاقية مجرد دوافع محكومة بسقف الضرورة الاجتماعية لعالمهم الغربي المرفه لما كان لهم أن يرفعوا مثل هذا الشعار أو غيره، إن تحررهم من هذا السقف وقدرتهم على تجاوزه إلى أفاق الضرورة الإنسانية هو الذي ساعدهم على مثل هذا التجاوز، و ينبغي أن نشدد وبوضوح على أن سقف الضرورة الاجتماعية الذي نشيد هنا بتجاوزه من قبل البعض في الغرب هو سقف أرقي بكثير من انحطاط الأخلاق المقدسة المفروضة بقراءات المشايخ وأمراء الذبح للنصوص والمفروضة علينا هنا.

إن آفاق الضرورة الإنسانية التي تطرحها الطلائع المثقفة والمستنيرة في الغرب- على قلتها ومحدودية تأثيرها الآن-إنما تبشر- ومنذ فترة تاريخية طويلة- بأنساق ومثل أخلاقية يتجاوز فيها الإنسان مصالح وضوابط ومعايير علم ضيق إلى آفاق مصالح وضوابط ومعايير أكثر عمقا وارتباطا بمستقبل الإنسان بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو عقيدته، ويقينا فإن هذا الفهم للأخلاق- والشيء بالشيء يذكر يتناقض كلية مع الفهم المحدود  الذي ينتقد مشروعات الغرب الإنسانية لأنها تتضمن بعض الملامح العنصرية (الدينية أو العرقية) لكي ينتهي من ذلك- كما فعل د. عبد الوهاب المسيرى في كاتبه " العالم من منظور غربي "- إلى تقديم بديل إرثي عقائدي عنصري يبدأ من الإسلام والمسلمين...

رجوع إلى الفهرس

 

§         الأساس الأخلاقي للمجتمع / عرض وتلخيص د. أحمد الفار

إشارة موجزة إلى مقال سامح سعيد عبود بعنوان "الأساس الأخلاقي للاشتراكية العلمية" (العدد 68.67 سنة 2000 : ص 82-96)

ملخص : لا يمكن تصور الأخلاق بدون وجود سابق للمجتمع عليها، فلا يمكن للفرد أن يمارس سلوكا/ أخلاقا بدون وجوده في جماعة ما.. كذا لا يمكن استمرار مجتمع دون وجود منظومة قيمية تحكم تصرفات أفراده فيما بينهم، حتى في المجتمعات الإجرامية، أو الخارجة على القانون.

ترتبط الأخلاق ارتباطا وثيقا بتنوع الظاهرة البشرية وامتدادها، فهي لا ترتبط فقط بالخلفية الفكرية، أو النظرية للأفراد، ولا بظروف حياتهم المادية والاجتماعية الآنية فحسب، وإنما يمتد هذا الارتباط ليشمل التاريخ الإنساني الطويل بمختلف تجلياته، المادية، والدينية والحضارية.

لذلك: تتميز الأخلاق بكونها نسبية ومطلقة في آن واحد، فهي تكتسب خصائصها النسبية من ارتباطها بالواقع الحياتي المعاش، وتأثرها بالتركيبة الاجتماعية للمجتمع، ط ذا كانت هذه النسبية تبدو حقيقة مزعجة بعض الشيء، إلا أن دلائلها تبدو واضحة في التباين الشديد بين القيم الأخلاقية في المجتمعات المختلفة بل وفي المجتمع الواحد بين طبقاته المختلفة أو على مر الزمن. بينما تنبع الطبيعة المطلقة من أنه على امتداد التاريخ البشرى أخذ ينمو ويتطور ما يمكن أن نسميه بالأنا العليا المشتركة للبشرية، والمكونة من المثل والقيم العليا المتفق عليها تحت أي ظروف..

ويشكل الدين والقانون آليات الضبط والجبر الاجتماعيين الذي يحافظ بها المجتمع على استمرار نظمه الأخلاقية.

الدين، مثل كل الأنساق الفكرية الكبرى، يشتمل على نظمه الأخلاقية الخاصة به، كما يحتوى أسا الجب الترغيب والترهيب الخاصة به أيضا، وهذا وذاك يستندان إلى مرجعية أخروية ألوهية، بينما يستند القانون على سلطة المجتمع القادرة على وضع القواعد و إلزام المواطنين بها وفق آليات العقاب التي تقوم بها السلطة، إلا أن الأديان بترغيبهما وترهيبها، والقوانين بمواد عقوباتها لم تردع البشر عن ارتكاب الآثام والذنوب والجرائم المختلفة، وذلك لأن العنصر الحاسم في التأثير على سلوكيات البشر. وأخلاقياتهم هو البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يدخلون فيها.

في المجتمعات الرأسمالية يتأسس النسق الأخلاقي على قاعدة الفردية، وما يرتبط بها من ذاتية وأنانية، و إعلاء لقيم الفردية والمصلحة الخاصة على المجتمع، وبالتالي تحول الفرد إلى مجرد رقم في سعا ر السوق. هكذا تبرمج الأخلاق بحسب مقتضيات خريطة التوسع للشركات الكبرى، فتزين الوقوع في شبق استهلاكي لا يرتوي، حتى يصبح الإنسان عبدا لرغباته ولإله السوق.

في المقابل يتأسس النسق الأخلاقي الاشتراكي على قاعدة الجماعية، جماعية الأحرار المتعاونين طوعا فيما بينهم من أجل إشباع حاجياتهم المختلفة الفردية والجماعية، وهو بالتالي لا يتعامل مع الآخرين كأشياء أو موضوعات أو وسائل لإشباع رغباته، وإنما تحل قيم التعاون والتضامن والتكافل بدلا من قيم التنافس والصراع، وهكذا يتحرر البشر من سعار التملك والاستهلاك، عن طريق تحويل هدف الإنتاج من تحقيق الربح عبر فروق القيمة إلى إشباع الاحتياجات الاستعمالية فقط، على افتراض أن سعادة الإنسان تتحدد بمقدار تحرره وسيطرته الفعلية على مقدرات وجوده الإنساني.

رجوع إلى الفهرس

 

§         الأخلاق (الجامعية) : ميثاق مكتوب، أم ثقافة معاشة؟

أما قبل: قدمت هذه الورقة – في صورتها الأصلية – في ندوة عقدت بجامعة القاهرة، بعد حادث محاولة اغتصاب طالبة معوقة من مدرس علم نفس في كلية الآداب بنفس الجامعة و قد حوكم و أدين.

و بعد سنوات بدأت الأمور تتكشف عن خراب أخلاقي في الجامعة، لم يكن جديدا على من يعرف ماذا يجري فعلا، أما ما حدث من تزوير في النتائج، أو تبديل لأوراق الإجابة هو الدليل الأول على الحاجة إلى إعادة النظر، فالمسألة أعم، و أهم، و أخطر من تناولها بشكل فردي الشأن الفردي أمر تتولاه النيابة فالقضاء، و مهما كان حكم هذا أو ذاك فإن الدلالات تظل قائمة.

فضلنا أن ننشر الورقة كما قدمت في الندوة بأقل قدر من التعديل.

تمهيد : في الوقت الذي تتغير فيه الحياة إلى ما لا نعرف، تحت عناوين متعددة ("عصر المعلومات " "العولمة/ الكوكبة " "النظام العالمي الجديد ".. إلخ)، نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نعيد النظر في كل أسلوب حياتنا، وفي قيمنا، وفي سلوكنا، ولعل هذا اللقاء هو من قبيل ذلك فيما يتعلق بمسألة الأخلاق

بداية نتساءل: أليس مجرد أن تكون الأخلاق "مسألة فيها نظر"تستدعى ندوة نقاش هو أمر يدل على أن الأخلاق لم تعد من المسلمات البديهية التي يفسدها الكلام فيها، وعنها؟ الدعوة لعقد هذه الندوة تحمل رسائل متعددة، منها على سبيل المثال:

1) إعلان درجة الدهشة (من بعض ما حدث مؤخرا، ناهيك عفا يحدث سرا ).

2) إبلاغ فرط الانزعاج إلى من يحسب أن المسئول مسئول (ياه!!! أ إلى هذا الحد؟)

3) إظهار حسن النية (ها نحن نعقد ندوة عن الأخلاق والمثل، ألا يدل ذلك على موقفنا من القيم، وحرصنا عليها؟)

4) محاولة تأكيد التفاؤل (نحن قادرون على وقف ما لا يليق!!)

5) محاولة استعادة الوعي (إن كان لدينا شجاعة الاعتراف بغيبته أو تغييبه)

6) بعض إبراء الذمة (نحن لسنا، شركاء فيما حدث)

إن كل هذا لا يعني أن الخير والبر والإيجابية يمكن أن تتحقق جميعها، أو يتحقق بعضها، بمجرد انعقاد الندوة أو إعلان التوصيات، بل إن الخوف- على الرغم من كل النوايا الطيبة- هو أن يحل هذا اللقاء الذي عادة ما ينتهي بالفرح، والقبلات، فالطمأنينة للقدر الهائل من النصائح والبيانات والتوصيات وبنود الميثاق المقترح، أن يحل كل ذلك محل وعينا المتألم بما آل حالنا إليه.

أعتقد أنه ما لم تتضح أبعاد المسألة الأخلاقية (ماهية الأخلاق ) التي سوف نتحدث عنها أو نتحدث فيها، فإننا يمكن أن نلف وندور حول أمور مختلفة تماما، ونحن نحسب أننا نتكلم حول نفس المسألة.

ولتحقيق أي قدر من الاتفاق اللازم لإمكانية التفاهم والحوار لا مفر من طرح أسئلة تدور في خلدنا حتى لو لم ندرك ذلك. وإليكم بعض ما عن لي من أسئلة، لم أحاول قاصدا أن أتوقف للإجابة عليها، حيث أن قيمتها بدت لي في طرحها أكثر مما هي في إجاباتها المحتملة.

من هذه الأسئلة:

1) متى تكون الأخلاق بديهية لا تحتاج إلى مناقشة

2) إلى أي مدى يمكن أن تشوه الأخلاق إذا ما نوقشت كلاما منطوقا أو مكتوبا؟

3) هل إشكالة تحديد مستوى ومعني ووظيفة الأخلاق هي: إشكالة ممارسة؟ أم إشكالة حضارة؟ أم إشكالة تدين؟ أم إشكالة تربية؟ أم إشكالة ثقافة عامة؟ أم إشكالة سياسة؟ أم إشكالة قانون مكتوب، وميثاق معلن، وقسم مشترك (... إلخ)؟

4) أي أخلاق تلك التي جئنا لنناقشها هنا والآن في هذه المناسبة ؟

أخلاق التشكل لما يجرى في المجتمع وترضى عنه السلطة؟

أم أخلاق المواثيق (المستوردة) الحسنة السمعة (حقوق الإنسان، منظمة العفو.. إلخ)؟

أم أخلاق الفعل الماثل أمامنا "يمشى على الأرض "؟

أم أخلاق التدين الشائع؟ حسب نص سلطة الفتوى، لا نص الهدى والفطرة.

أم أخلاق الموقف الإيماني الكياني الكلي؟

أم أخلاق القانون (المكتوب) الظاهر؟

أم أخلاق الترهيب والترغيب؟

أم أخلاق الاتساق الهارموني المبدع؟

5) ما علاقة الأخلاق بالتعليم، بالعلم، بالبحث العلمي؟ في عصرنا هذا، في مصرنا هذه؟

6) هل تختلف أخلاق الأديان المختلفة عن بعضها البعض؟

7) هل ثمة فرق بين ممارسة الأخلاق في مختلف المواقف.

مثلا: هل يختلف الأمر (أخلاقيا) في موقف الانسان:

(أ) أمام الله،

عنه (ب) أمام الناس،

عنه (ب) أمام القانون المكتوب أساسا أو تماما؟

8) هل يوجد ما يسمى الأخلاق السرية الخاصة؟ (من أول تقية المتصوفة، وحتى أخلاق راسكولنيكوف في الجريمة والعقاب: ديستويفسكى)

9) هل يوجد ما يمكن أن يسمى أخلاق الصفوة؟ تميزا عن أخلاق العامة؟

10) هل الأخلاق فعل شعوري مسئول، أم طبع لا شعوري غائر. وبالتالي: ما هو الحد الفاصل في تحديد مدى مسئولية صاحبها، ليس أساسا بصفة قانونية، ولكن من حيث اختياره لهذا الخلق دون ذاك.

11) هل يمكن مناقشة مثل هذه القضية في موقع بذاته (الجامعة مثلا أو المدرسة أو الحزب)، أو موقف بذاته (مثل الانتخابات) أو وقت بذاته (بداية القرن 21)، بعيدا عن السياق الكلي لثقافة مجموعة البشر؟

12) كيف يتعلم الأطفال الأخلاق؟ ومن من؟

و بعد

لا تقدم هذه الورقة إجابات، لكنها تأمل يقينا في مشاركة.

إن أي إجابة سريعة أو مباشرة أو جاهزة أو مستعارة هي إجابة خاطئة في أغلب الأحوال. إن ربط الأخلاق بنفع الناس، بالإيمان، بالتوازن النفسي (الصحة النفسية) بالجمال هو أمر يحتاج إعادة تعريف مضمون كل هذه الكلمات وغيرها، بقدر ما يحتاج إلى تخليق مناهج قادرة على اختبار طرق وتشكيلات احتمال هذا الربط.

إن الورقة المطروحة خاصة بما آل إليه الحال في الجامعة خاصة، حتى قبل تقديم بعض رجالها للمحاكمات بتهم التزوير وغيرها، لكننا مجرد نموذج لما يجرى فيم هو أقل من مستوى الجامعة، وأيضا فيما هو أعلى من مستوى الجامعة. ثم إنها ليست قاصرة على النظر في المرحلة التي كتبت فيها، ولا على المناسبة التي كتبت ليا.

هي قضية عامة، تتجلى مظاهرها في داخل أي أسرة صغيرة، لتمتد سياسيا واقتصاديا تظلل اجتماعات مجموعة السبعة الكبار (ولا مؤاخذة).

رجوع إلى الفهرس

 

 

§         الأخلاق الجامعية: بين التنظير التجريدي والممارسة اليومية

ملخص : ثمة ظواهر في الحياة، لها فاعليتها، وحضورها، وعمقها، مع أنها غير قابلة للإثبات بالكلمات العاقلة المصقولة، ولا بالبرهان الشائع والمنطق المعقلن، يسرى هذا التحفظ على بديهيات و " كليات " كثيرة مثل: الذات الإلهية، والجدل (الديالكتيك) والمعرفة، حتى يبدو أن الحديث عن أي منها قد يكون- في النهاية- ضد طبيعتها أساسا.

نعترف أيضا أن ثمة ظواهر وحقائق تعرف- على الأقل في مستوى الممارسة اليومية-بآثارها أكثر مما تعرف بماهيتها، مثل السحاب والشمس.

بل إن تعريف الألفاظ في كثير من المعاجم يكون بذكر أمثلة استعمالها في سياقات مختلفة (أساس البلاغة مثلا للزمخشرى)

 وقد خيل إلى أن المسألة الأخلاقية هي من بين هذه الكليات البديهية، التي لا ينبغي أن نتعرف عليها، أو حتى أن نناقشها إلا من خلال               آثارها وتجلياتها السلوكية، لا من خلال محاولة النقاش فيها أو تعريفها أو شرحها

أعلن ابتداء: إن الحديث عن الأخلاق في مجال " الحياة الجامعية " هو حديث حرج. وهام، وضروري، لكنه خطر، ولمكن أن لكون خادعا ومعوقا في آن.

لا أريد أن أتمادى في تبرير هذه المعاذير التي قد تؤدي في النهاية إلى الصمت فالتمادي في الإنكار و التدهور معا. فإذا كان لا بد من فتح الملف، و إعادة النظر، فلنأخذ حذرنا حتى لا يحل الكلام عن الأخلاق محل ممارساتها.

المصفاة  الشخصية :

تحيرت حتى الإعاقة حين واجهت نفسي بسؤال يقول: من أي منطلق "أخلاقي" يمكن أن تساهم في طرح هذه الإشكالة، وبأي مقياس سوف تقيس به موقفك؟

إن ممارساتي الشخصية ونشأتي المنغمسة في الريف بشكل أو بآخر، والمتدينة -تدينا مصريا بسيطا مباشرا، تنبهني طول الوقت إلى أن ثقافتي الخاصة لها مواقف خاصة من مسألة الأخلاق والمعاملات، ثم إن انتقالي المتكرر في أوقات النمو الحرجة من مواقع إلى أخرى (بلدان صغيرة في الوجه البحري حسب عمل والدي المدرس) جعلني أنتبه- مؤخرا- إلى نسبية الأخلاق وضرورة أخذ الثقافات الفرعية، الأصغر منها فالأصغر، في الاعتبار طول الوقت. فإذا أضفت إلى هذا البعد الجغرافي بعد) تاريخيا يتعلق بمراحل نموي شخصيا، بغض النظر عن أين كان ذلك، إذن لأمكن القول أنني انتقلت- مختارا أو مرغما- في كثير من هذه المراحل من موقف خلقي كنت أحسبه غير قابل للنقاش، إلى نقيضه، وفي كلا الحالين كنت (وما زلت)، أتصور أن كلا منهما (الموقف الأول ونقيضه اللاحق) كان موقفا أخلاقيا طول الوقت.

السؤال المطروح هو: هل يمكن أن يكتب (أو يتكلم) أحدنا عن الأخلاق دون أن يمر ما يقوله أو يكتبه بمصفاة أخلاقه شخصيا؟

مع كل الاحترام للوصايا الدينية الأساسية بكل ما تعني من إيجابيات، وهي البادئة ب " لا " أبدا (لا تسرق، لا تزن، لا تقتل.. إلخ) دعونا ننتقل إلى المستوى الأكثر تعقيدا، ودلالة، والأقرب إلى لغة العصر، و إلى أزمة هذه الندوة، فنتجول حول إشكالات أخرى يمكن أن تتضح من خلالها بعض المعالم الضرورية ونحن نتناول المسألة الأخلاقية من مدخل عام قد يكون أنسب لموقفنا هذا في موقعنا هذا، وأضع لذلك بعض رؤوس المواضيع على سبيل المثال لا الحصر:

1- الأخلاق والآخر

2- الأخلاق والإتقان

3- الأخلاق والتفكير السليم

(والمنطق البسيط، والحس العام، واللغة)

4- الأخلاق والحرية (وإشكالة أخلاق الصفوة)

5- الأخلاق والبحث العلمي (والنشر العلمي) ...

رجوع إلى الفهرس

 

§         التكنولوجيا تعيد صياغة الأخلاق!!

ملخص :  يبدو- لأول وهلة- أن الكلام عن الأخلاق في مجال المال والاقتصاد والتكنولوجيا العصرية هو بمثابة طفولة خائبة أو مناورات تخديرية، إلا أن مفهوم الأخلاق المعاصرة لا بد أن يختلف عن الصورة المثالية التي كان يغلب عليها فصل الأخلاق عن حسابات المنفعة، وربطها بأحلام اليوتوبيا.

بعض الأسئلة المطروحة على الوعي البشرى حاليا تقول:

هل تتحسن الأخلاق مع امتلاك الإنسان وسائل أكثر حذقا، وأدق أداء لتسيير حياته بعطاء الأحدث فالأحدث من أدوات التكنولوجية الفائقة القدرة؟ أم أن الأخلاق تتدهور بالإزاحة أو التشويه؟ ثم هل ما نسميه الأخلاق حاليا هو هو ما اعتدنا تسميته كذلك من قبل؟ أم أن ثمة أخلاقا أخرى تتسحب إلى كياننا دون أن ندري؟ لا بد أن ننتبه إلى أن المسألة تحتاج إلى وعى متزايد حتى يكون تغيرنا اختيارا وليس انسياقا وراء ما لا نعرف حقيقة أبعاده.

إن أي تطور أو تدهور هو، في نهاية النهاية، مسئولية من يلحق به.

ثمة حقائق وأخبار تأتينا من الخارج بشكل متواتر، وبفضل ما يسمى الشفافية، تعلن أن ثورة الأدوات الحديثة ووفرتها لم تحقق لمن سبقونا على السلم المدني المنزلق في نعومة ما كانوا يتصورونه من رقي خلقي، أو رفاهية مزعومة.

أفلا يلزمنا هذا بالتأني ونحن نسير على آثارهم مغمضين، خصوصا فيما يتعلق بما هو قيم، وخلق؟

لا أستطيع أن أرد على كل هذه الأسئلة في مقال في هذا الحيز، لذلك سوف أكتفي بالإشارة إلى مثالين محددين لتوضيح ما أردته.

المثال الأول: مخاطر التعليم الذاتي على العلاقة بالآخر.

المثال الثاني : تحديث قيمة "الإتقان" لتحقيق ماذا؟  ...

رجوع إلى الفهرس

 

§         دعوة ضمنية ضد – أخلاقية من المثل الشعبي

ملخص :  الاستشهاد بالأمثال ليس دعوة لتطبيقها. قد يكون تنبيها لتطبيق عكس ما يقوله ، وقد يكون كشفا لأمر يجرس لشكل ملتبس، فيعزيه المثل. ومع ذلك فكثيرون منا يتصورون أن للأمثال قيمة أخلاقية إيجابية في ذاتها، في حين أنها قد تفيد في كثير من الأحيان معان سلبية، بل وقد تساعد على الحفز إلى ممارسة هذه القيم السلبية، مثل الدعوة إلى قبول الذل، أو التأكيد على التمييز الطبقي أو العنصري، أو تشويه صورة الذات الوطنية أو القومية، بما لا يدع مجالا للشك عن مغزى ظهور مثل هذه الأمثال، وترجيح سمة العصر الذي ظهرت فيه.

إن الوعي الجماعي قد تبلغ به القسوة مبلغا لا أخلاقيا ينبه إلى انه ليس كل ما يجمع عليه الناس، هو افضل، أو اصدقه، أو ارحم. بل لعل العكس يكون اقرب للصواب أحيانا كثيرة نتذكر مثلا – لعبة الحكم على الحلاج، و القاضي يتذرع بحكم العامة، بعد أن استدرج الحلاج حتى "يبوح" لكي يصدر فيه قرار و دبر متذرعا بحكم العامة، نذكر كيف ينهى عبد الصبور مسرحيته الرائعة "مأساة الحلاج" بتذكيرنا بقسوة المجموع. (انتم حكمتم فحكمتم). نذكر أيضا منظرا مقابلا في فيلم زوربا اليوناني – رحم الله أنتوني كوين – وهو يصور نساء الجزيرة وهن يشمتن أو يدمغن أو يتشفين في بريئة متهمة. (شيء من هذا القبيل، لا أذكر التفصيل، لكن الصورة حضرتني ماثلة).

دأبنا فيما سبق في باب مثل وموال في هذه المجلة آن نقدم الجانب الإيجابي والمعرفي في المثل العامي، ثم ننتهزها فرصة هذه المرة لنقدم الوجه الأخر لجانب لا أخلاقي من الوعي الشعبي، دون أن ننسى ما بدأنا به هذه المقدمة، بأن المثل، حتى إذا تضمن دعوة لا أخلاقية، فإن استعماله قد يكون أخلاقيا بقصد تعرية الموقف حتى نتجنبه، أو على الأقل لا نتمادى فيه.

إن سياقه المثل، وتوقيته، لا ألفاظه، هو الذي يمكن أن يحدد حسن أو سوء استعماله...

رجوع إلى الفهرس

 

 

§         حين يصبح العلم ضميرا و خلقا

ملخص : شاع مؤخرا ما يطلق عليه "الثقافة العلمية"، واختلطت الأمور على كثيرين في تعريف الثقافة، وأيضا في إعادة تعريف العلم. ومنذ أنشئت في المجلس الأعلى للثقافة لجنة سميت الثقافة العلمية و الإشكال قائم حول تعريف هذا المفهوم (الثقافة العلمية) الذي يبدو وكأنه جديد و من خلال هذه المراجعة و تلك المناقشات، استبعد أن يكون هذا المفهوم هو مرادف لتبسيط العلم، أو تسويق المعلومات، أو التنبيه على ضرورة استعمال معطيات العلم الحديث، وما ترتب عليه من وسائل تكنولوجية أحدث.

مهمة الثقافة العلمية هي الإسهام في تشكيل الوعي بحيث يصبح العلم- بمفهومه المتسع المتطور- متغيرا فاعلا في صياغة الحياة اليومية وتطوير الجنس البشرى. من هذا المنطلق، فإن دور منظومة القيم السائدة في تشكيل الوعي لا يمكن أن يستبعد أو يختزل تحت زعم أن العلم نشاط متعادل لا علاقة له بالأخلاق اللهم إلا فيما يتعلق بطريقة استعمال نتاج معطياته.

من هنا جاءت هذه الفكرة لمزيد من توضيح ماهية الثقافة العلمية، وعلاقتها بالقيم...

رجوع إلى الفهرس

 

§         أخلاق الإبداع، و إبداع الأخلاق

ملخص : ثارت أزمة ذات دلالة شاعت باسم "أزمة الروايات الثلاث "، وهي روايات نشرت بمعونة من الدولة، في سلسلة من سلاسلها الثقافية، وقيل إنها تجاوزت حدود الأدب!!. الجديد هذه المرة أن الجهات الرسمية (وزارة الثقافة خاصة) هي التي قامت بدو ر الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (كما تتصوره). نفس المسئولين الكبار كانوا يقفون الناحية الثانية أيام الأزمة التي سميت " أزمة الوليمة " (نسبة إلى اسم الرواية المشبوهة " وليمة أعشاب البحر")، وهكذا اختلط الأمر على الناس، فكاد يعجز أغلبهم أن يتبين الصواب من الخطأ، أو الطيب من الخبيث، ناهيك عن تمييز الجميل من القبيح، حدث ذلك نتيجة تبديل الأدوار حتى اختلطت الأمور لم يعد أحد يعرف من مع من؟ إلى متى؟ ولماذا؟

إن ما يجرى على الساحة الفكرية هكذا هو غاية ما يرجوه عدونا لنا، إن التمادي في هذا التذبذب، حتى يفقد الناس تقدير الخير من الشر، الحرية من القهر، ثم احتمال ترجيح كفة الأخلاق بمعنى الخوف مما ليس كذلك، وكفة الجاهزة لرشوة الوعي المتخلف، كل ذلك هو انتصار لعدونا يريحه من تحسبه لتهديد حضاري محتمل، المفروض أننا نعد له عدته.

إن ناسا ترتبك عندهم المعاني، وتتأرجح القيم، إلى هذه الدرجة، هم أهون على عدوهم من أن يعمل حسابهم.

هيجة " الروايات الثلاث " تدور هذه المرة عن الأخلاق واللا أخلاق، وليس عن الحلال والحرام، يتكرر الحديث عن الحياء واللاحياء، وليس عن الإيمان والإلحاد. ومن الذي يديره على الجانبين؟ وزير دأب الناس أن يلحقوا باسمه صفة " الفنان " تكريما أو لمزا. هذا الوزير قد نصب نفسه، أو وجد نفسه منصبا، لحماية الأخلاق كما يتصورها، أو كما صورها له خوفه أو حساباته. يفعل ذلك من موقع نفس السلطة التي سبق أن عزفت الإبداع والأخلاق والإيمان أيام " أزمة الوليمة " بما يكاد يكون عكس ما تصرح به هذه المرة أيام " أزمة الروايات الثلاث " فارتبك الناس....

رجوع إلى الفهرس

 

§         عن العولمة والأخلاق و حضور الله في الوعي الفردي والفصل اليومي

ملخص : كثر الحديث عن العولمة، وعن العالم الذي أصبح قرية صغيرة، وعن ثورة الاتصالات التي سمحت للإنسان المعاصر بأكبر قدر من الحرية (حرية ماذا؟).

كما كثر الحديث عن الشفافية التي يزعمون أنها جعلت كل شيء متاح لكل أحد، وعن النظام العالمي الجديد الذي به حفت " نهاية التاريخ"!!!، وعن " صراع الحضارات " الذي لا بد بالتالي أن ينتهي لصالح الحضارة المنتصرة، (على فرض أن الحضارة الأمريكية قد انتصرت جدا. إذا كانت قد وجدت أصلا!!)

يبدو أن كل ذلك قد شغلنا عن الأهم والأولي بالنظر، وهو محاولة التساؤل بعد كل هذا، ومع كل هذا عن: إلى أين..؟ (و) إذن ماذا؟.

نحن إذ نتساءل عن ذلك لا نعترض ولا نتحفظ ولا نضع شروطا لاستفادتنا من إنجازات العولمة، لكننا نحاول أن نرتقي بوعينا وفعلنا إلى مسئوليتنا عن وجودنا، وعن نوعيته، هذا إذا كان لنا أن نختار ما فضلنا به الله، وهو الوعي بما هو نحن، ومن ثم الإسهام في اختيار ما يمكن أن نكونه.

لقد أنهى بيل جيتس كتابه " الطريق يمتد قدما " The Road Ahead (1995) المترجم باسم " المعلوماتية بعد الإنترنت " (في سلسلة عالم المعرفة- ترجمة عبد السلام رضوان- مارس 1998) بأمل واعد يقول "... ويمكننا بالتأكيد أن نواصل توفير برمجيات أفضل وأفضل من أجل جعل الكمبيوتر الشخصي أداة تمكين معممة في كل مكان... " ولم يقل، ولا يبدو أنه شغله أن يقول لنا، "أداة تمكين من ماذا؟ ولا أداة تمكين للوصول إلى أين..؟" اللهم إلا إشارة عابرة لإنشاء شركات جديدة، لم وعلوم جديدة تحقق ما يتصوره عن تحسين نوع الحياة.

رجوع إلى الفهرس

 

§         محبة من خلق مسيحي المحبة: أن تفعل الأفضل / د. حسام حشمت

ملخص : المحبة تحكم باقي الوصايا، حتى أن المسيح أشار إلى أن الناموس كله يكمل في آية واحدة "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك وتحب قريبك كنفسك ".

المحبة هي- إذن- المرجع الأساسي لباقي الوصايا التي تحكم السلوك المسيحي.

المحبة في المسيحية ليست هي مشاعر الحب أو التسامح أو الغفران أو تحمل إهانة الغير أو أي من تلك المظاهر السلوكية الشائعة حول كلمة "المحبة".

تعريف المحبة- مسيحيا- هي أن تريد وتفعل الأفضل، كل الأفضل للآخر. الجدير بالذكر أن المقياس الذي من المفترض أن يحكم الأخلاق المسيحية ليس هو "الصواب والخطأ" أو "الثواب والعقاب" أو حتى "الخير والشر" بل هو في الواقع "المحبة والأنانية".

لاحظ أن عكس المحبة في المسيحية ليس الكره، لكن الأنانية.

من هنا نجد أن الأخلاق في المسيحية ليست مجموعة من القيم التي تحكم العلاقات مثل الصدق والأمانة والوداعة، لكن هي اتجاه عام من المحبة بالمعنى السابق. أما مظاهر هذا الاتجاه فيمكن أن تكون الصدق والأمانة والوداعة. المحبة في المسيحية تعبر عن علاقة رأسية وأفقية. رأسية بالله وأفقية بالآخر...

رجوع إلى الفهرس

 

§         دعوة للقراء للمشاركة منظومة الأخلاق تتغير

ملخص : لا مفر من إعادة النظر في مضمون ما شاع من تقديس بعض المفاهيم الأخلاقية التي تجمدت أو انقلبت إلى عكسها، في السر أو في العلن.

رأينا في نهاية الملف أن نضع فرضا خطر على بالنا ونحن في سبيل أن نعرض قائمة بالتحولات التي نتصورها فيما هو خلق، مما أصبح جديد بالنظر في عصرنا هذا، بأدواتنا الأحدث، وحضورنا المختلف.

وأملا منا أن يشترك القراء- رغم تقصيرنا في الانتظام- رأينا أن نعرض هذه القائمة كمجرد فرض، يصح أو لا يصح، وأن ندعو القراء للمناقشة حوله، ثم ننتهي بعد عدد أو عدة أعداد إلى ما يمكن أن نعرضه بشكل أوفى، ومشاركة أشمل.

الفرض

نقترح إعادة النظر في منظومة الأخلاق السائدة على الوجه التالي:

المجموعة الأولى: أخلاق وقيم تحتاج إلى إعادة نظر:

الفرض يزعم أن ثمة قيم وأخلاق جميلة (مثل التضحية، والبراءة، والثبات على المبدأ) يمكن أن يكون عمرها الافتراضي، بما شاع عنها، قد انتهى، فهي تحتاج إلى تعديل أو تطوير أو إحلال. ليس المقصود بذلك أنها لم تعد قيما مطلوبة، أو مفيدة، لكن الدعوة هي لإعادة النظر بشكل أكثر موضوعية، و إبداعا.

( أنظر ملحق (1) في هجاء البراءة في حضورها السلبي، أو المثالي، أو التبريري.)

المجموعة الثانية: رذائل وقيم سلبية شاعت حتى كادت تصبح مقبولة أو حتى مطلوبة.

إن عددا من السلوكيات القبيحة، واللا أخلاقية، أصبحت تمارس علانية وجماعيا حتى لم يعد يخجل منها صاحبها، بل إنها كادت تتحول إلى ميزات. قد لا يفخر بها صاحبها علانية (و إن كان هذا وارد ومتزايد)، ولكن أغلب من يتصفون بها يمارسونها بزهو ظاهر أو خفي. تحت أسماء متعددة مثل:

الواقعية، والعملية، والنجاح، وما شئت من صفات حقيقية، أو أقنعة خافية. (راجع مقال : " دعوة ضمنية ضد- أخلاقية من المثل الشعبي")

المجموعة الثالثة: الفضائل الجديدة الدالة على النضج والواعدة مستقبلا لتميز الإنسان حالة كونه يتطور.

وردت  خلال الملف أمثلة كثيرة لهذه المجموعة إشارات إلى مفاهيم وقيم لم تكن تعد من الفضائل أصلا، لكننا أسميناها كذلك: مثل أن يصبح التفكير السليم خلقا حسنا (ص: 59)، أو أن يصب ح العلم ضميرا حيا (ص: 56)، أو أن تصبح الحرية شرفا (ص: 41) لا تسيبا واستسهالا، أو أن يصبح الإبداع في ذاته تناغما قيميا، ناهيك عن علاقة الأخلاق بالجمال. إلى غير ذلك مما جاء في الملف...

رجوع إلى الفهرس

 

§         حصار / د. هاني يحيى / شعر

بداية :

لا أحمل في قلبي إلا الصحراء

غبارا يتناسل خلف صهيل الخيل

ثلاثون خريفا يا عبل..

أرتق آلاف الأحلام

أوطئ رؤيانا للغرباء

أشيد مساءات فوق الغيم

وأرجع.. لا أحمل إلا الصحراء

وصورة طفلين اقتسما القمر

وناما مبتسمين

أنا الغجري.. أخبئ تحت ثيابي الريح

وأستأنس بالجن

ثلاثون خريفا يا عبل ..

أعانق دمع الشوق.. وأنتظر

...                                          ...                       ...

رجوع إلى الفهرس

 

§         الإسلام يناقض الاحتراف الديني / دكتور أحمد صبحي منصور

مقدمة : تحول الإسلام في اعتقاد العصر إلى مؤسسات وطوائف.

هناك مؤسسات رسمية تزعم أنها منارة الإسلام، وهناك طوائف تدعى أنها مفوضة لأن تحكمنا باسم الإسلام. وفي أماكن كثيرة من "العالم الإسلامي" تجد أولئك المتاجرين والمرتزقة باسم الإسلام. سواء من كان منهم في موقع السلطة أو من يطمح في الوصول إليها. ولقد تحول دين الله تعالى الذي نزل في رسالاته السماوية إلى كهنوت، تحول به من إسلام لوجه لله تعالى إلى ما يسمى باليهودية والنصرانية، حيث الكهنوت والأحبار والرهبان. ثم نزل القرآن رسالة خاتمة من الله تعالى لأهل الأرض، لتجعل العلاقة مباشرة بين الله تعالى والناس، فالله تعالى أقرب إلى الناس من حبل الوريد، إذا سأل عباده عنه تعالى فإنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وأنه ما من دابة إلا هو مسيطر عليها،-يرزقها حيث كانت، وأنه تعالى لا يشرك في حكمه أحدا من الناس، وأنه وحده تعالى المعبود، وليس لعباده من دونه ولي ولا نصير سواه جل وعلا.

وبالتالي فلا حاجة لأي كهنوت مقدس من أشخاص أو من طوائف أو من مؤسسات.. ولكن ما لبث أن عرف المسلمون الكهنوت وتقديس الأولياء والطوائف.. ما لبث أن عرف المسلمون الاحتراف الديني .. و هذا موضوع يحتاج إلى تفصيل..

الإسلام ضد الاحتراف الديني من حيث المبدأ  و من حيث التاريخ ...

رجوع إلى الفهرس

 

§         رجل يملك كل شيء / ياسر نصار  / شعر

بداية : هل سترتدي سيارتك الفارة اليوم؟

وهل ستدهسني ثانية؟

لماذا إذن تصر على الصراخ في وجهي

كلما حاولت العبور؟

هل تريد المزيد من الوجوه الفاخرة

و الأحذية ذات النعال الصفراء؟

هل ستمتطي اليوم إمرأة بدينة

أم هي عجفاء الأمس ؟...

رجوع إلى الفهرس

 

 

§         قصص قصيرة : خذ حذرك / السيد نجم

ملخص : سار على الطريق المستقيم نحو نجم سقط من السماء هناك.

كانت الأرض متشققة والعشب جافة من تحته، ولأن الأشجار ماتت عطشا وانطفأت الحياة من حوله، تعلق  بالنجم اكثر.. لا يبعد سوى مسيرة ليلة واحدة.

فقالت له الجرذان. خذ حذرك. تمتم في نفسه: لم أهرب من الموت إلا لأنني حويط وحذر.

فقالت له الديدان : خذ حذرك. همهم لأذنيه : النجم البعيد على مسيرة شارفت على الانتهاء ..

هناك لا يعرف الهلاك / فقالت له أشياء لم تبن له : خذ حذرك. غمغم ثم قال بصوت شارف حدود النجم: هناك أستطيع أن أحفر قبرى وأتجاوزه.

فلما كانت أصداء صوت ضحكة طويلة وعميقة وقوية.. زلزلت السماء والأرض والأشياء من حوله.. فهم أن النجم الآفل في انتظاره رابط الجأش...

رجوع إلى الفهرس

 

§         علاج ذاتي بالفلسفة / د. يسرية أمين

مقدمة : هذه قراءة في كتاب كثر منها مقال أو نقد، لكن الأمل أن تكون أكثر من هذا وذاك. الكتاب هو"The Consolation of Philosophy " "مواساة بالفلسفة" والمؤلف هو Boethius بيثيوس. يقع زمان هذا العمل في سجل الحضارة الرومانية، عند مراحل غروبها.

 الموضوع- كما يشير العنوان- يبدو وكأنه أطروحة فلسفية، أو أمر يتعلق بالفلسفة بشكل أو بأخر، لكنه يخرج عن كونه مقالا فلسفيا تقليديا من حيث انه يقدم محاولة لتطبيق الأفكار النظرية في الفلسفة في موقف معين من حياة الكاتب.

يعيش بيثيوس في هذا العمل في محنة وكرب وتقوم الفلسفة بدور المعالج النفسي. والمعالجة تتضمن بحثا في معاني الحياة والوجود، ويضرب الكاتب في هذا العمل أشكال السعادة التقليدية بما تتضمنه من حب للسلطة والسيطرة و السعي اللانهائي وراء التملك والثراء والبحث عن الشهرة والانغماس في الملذات ويقدم رؤية لطريق السعادة الحقيقية. ولما كان من الصعب فصل هذا العمل بوجه خاص عن المؤلف فلابد من تقديم موجز لسيرته...

رجوع إلى الفهرس

 

§         شطحات / د. عادل مصطفى

ملخص : عفريت العلبة : الإعلام تنين جديد يصوغنا ويحركنا دون أن نرى خيوطه الخفية أو ندرك دبيبه الخبيث. ولأنه لا يتوجه إلا إلى عامة الجمهور، ولا يخاطب إلا سواد الناس، فهو يطالعنا عن كل تخصمي بوجوه مكرورة لا تتغير، يقدمهم لنا بوصفهم أهل ذلك التخصص وأحباره، مطمئنا إلى أننا خارج تخصصاتنا عوام أميون، وأغرار مفتونون، نصدق ما يقال، ونسأل أهل المجال.

غير أن ثبات الوجوه وتكرار الأسماء وإلحاح الظهور أمور تنطوي في ذاتها على تناقض مريب. فمن طبيعة العالم الحق أنه كلما تعمق في تخصصه وتبحر في علمه، عشقه عشق الغناء، وتبتل له واكتفى به وغار عليه، فإذا به يكره فيه الأضواء ويضيق بالتسطيح ويستصعب التبسيط. فلا يظهر على عامة الجمهور إلا كارها مقلا.

آية العالم الحق أنه معتكف في معقله، مستغرق في دراساته، منكب على أبحاثه، مهموم بكشوفه، متوجه إلى أهل التخصص من خلال المؤتمرات والدوريات والمراسلات العلمية، لا إلى العامة والسواد خلال البرامج الترفيهية الرقيعة والجرائد اليومية المتبسطة والمجلات الأسبوعية المنظرانية.

تلك إمارات العالم ومواصفاته، وهي لا تأتلف بحال مع أصحاب الوجوه المكرورة الدين يطلعون علينا كل يوم لكي يقولوا لنا ما نعرفه وندريه، ويجيبوا على أسئلة سطحية تتأبط جوابها وتمليه، وفي النية والقصد أن يطبعوا في أذهاننا أسماءهم وسحنتهم، لا علمهم وحكمتهم. ثم لا يفرغوا إلا وقد زادونا جهلا لا علما...

رجوع إلى الفهرس

 

§         حالات وأحوال (دور المريض ومعني الأعراض) /  كيف تنعكس العملية الذهانية في اتجاه عملية إعادة بناء التوازن (الصحة)

مقدمة : بدأنا هذا الباب بوصف بعض الحالات بشكل شبه تقليدي من حيث تفاصيل الوصف المستعرض، ثم تاريخ الحياة، ثم عرضنا تتبع بعض الحالات كما تيسر.

ثم تقدمنا بعد ذلك خطوة حين قدمنا ما يسمى العاب علاجية" كنا قد سجلناها أثناء جلسات العلاج الجمعي/ كان التسجيل بالكتابة يقوم به أحد الزملاء الأصغر، تحت التدريب وهو جالس- مشاهدا، بإذن المرضى- خارج المجموعة.

إلا أن فرصة لتطوير هذا الباب قد لاحت مؤخرا، حين نجحنا في تسجيل مسار وأطوار مجموعة علاجية لمدة سنة كاملة بالصوت والصورة، بإذن المرضى وموافقتهم/ ثم بدأنا في عرض بعض المشاهد التي جرت أثناء العلاج وذلك بهدف التدريب والمناقشة جميعا. وذلك في الندوات العلمية الشهرية التي تعقدها جمعية الطب النفسي التطوري والعمل الجماعي، بمستشفي دار المقطم للصحة النفسية. وقد تبينا من خلال المتابعة، والمناقشة المحدودة أن هذه الطريقة يمكن أن تعيد إلى الطب النفسي الوصفي حيويته القادرة على الكشف والعلاج جميعا.

وقد رأينا بعد عودة المجلة للظهور، أن نقدم العرض الأخير الذي قدمناه في ندوة أول يونيو 2001، وهو عرض بعض "حالة" واحدة من مجموعة العلاج الجمعي الذي تم تسجيلها بالصوت والصورة خلال عام كامل. هذه الحالة كان قد سبق عرضها هي نفسها في ندوات الجمعية السابقة، لتظهر ما أسميناه "اختيار الجنون " أو بتعبير أدق اختيار الحل المرضى، أو بتعبير أكثر فأكثر دقة : الاضطرار إلى اختيار الحل المرضي. هذا ولا يمكن تلخيص ما سبق عرضه بأي درجة مفيدة، لهذا سوف نكتفي بتقديم معالم محدودة لتاريخ وتوصيف الحالة، ثم نقدم المقتطفات المحدودة التي عرضت في الندوة المذكورة، لإثبات فرض "الاضطرار إلى اختيار المرض " فالصحة، مع التعليق.

نحن نأمل أن يصلنا من القارئ ما يطمئننا انه وصله بعض ما أردنا، أو ما يعد لنا باقتراحاته وتعقيبه، حتى نصحح نفسنا في الحلقات والأعداد القادمة...

رجوع إلى الفهرس

 

§         قراءة في: "حديث الصباح والمساء " لـ"نجيب محفوظ " / يوسف عزب

مقدمة : يعتبر نجيب محفوظ أهم كاتب باللغة العربية في أدب الرواية. وهو يحتاج إلى مجلة دورية تتخصص في دراسته ودراسة أعماله حتى يمكن التعرف عليه وعلى عالمه أسلوبا ومعني. ولكني سأقتصر في هذه المحاولة على التعرف على بعض جوانب من شخصية الكاتب ظهرت لي بمناسبة قراءة هذه الرواية وكذلك بعض قضايا أرى أنها أساسية في حياة الكاتب وصلتني من هذا العمل.

أولا: من حيث بعض جوانب شخصية محفوظ

(1) لماذا يقلقني محفوظ بصفة خاصة دون أي كاتب آخر؟

إذا فاجأك أحد الأشخاص- وأنت تتحدث معه، أو اكتشفت أنت، أثناء تأملك داخل نفسك- صفة خفية داخلك لم تكن تدرى عنها شيئا من قبل، فالحقيقة أنك قد يصيبك بعض القلق وقد يصيبك بعض الاهتزاز، وكذلك إذا رأيت بعينيك قيمة أو صفة جوهرية من صفات الوجود الإلهي أو البشرى أو الكوني فإنك- فضلا عن كونك تسعد بذلك- إلا أنك تقلق أيضا، ولكن يمكن في كل الأحوال احتمال ذلك لقلة حدوثه ولكن ما الحال إذا كنت أمام رجل لا يتحدث إلا عن جوهر الحياة وحقائق الوجود بعد أن يستبعد منها كل عرضي؟ فما يفعله نجيب محفوظ هو أن يصفي الوجود أمامه إلى حقائقه الثابتة التي خلق منها (وكأنه رأى الله وهو يخلق الوجود أمامه وعرف منه حقائقه الثابتة التي لا تتغير أبدا) كذلك يفعل عندما يتحدث عن إنسان، فهو يصفي الإنسان نفسه إلى عناصره الجوهرية بعد أن يستبعد العرضي  منها (وكأنه أيضا رأى الإنسان وهو يخلقه ربه ورأى عناصره الجوهرية التي لا تتغير أبدا) بل ويصفي الطبيعة نفسها إلى حقائقها الأولي، إذ يغربل الواقع فيلقى بكل ما هو عرضي جانبا ويأخذ كل ما هو جوهر، فتجد نفسك وأنت تقرأه أنك أمام الوجود وهو يخلق وتجد أمامك الحقيقة والحياة عاريتين كما خلقهما الله، و إذ تراها جميعا هكذا تخفق كل خلية من خلاياك تجاه الحركة والفعل ووجه الحق، فأنت ترى الإنسان كما خلقه ربه والحقيقة كما أنشأها الله فلا تجد مفرا أمامك للهرب وتجد نفسك في مواجهه حادة بين التغيير والثبات بين الفعل أو التوقف بين الحق وبين الباطل ذو الألف وجه.

هذا هو ما يفعله نجيب محفوظ.

وقد فعل محفوظ ذلك برواية "حديث الصباح والمساء "، جاءت الحقيقة عارية من أي شئ يسترها...

رجوع إلى الفهرس

 

§         نصوص علمية مزدوجة اللغة : تطوير و  تفسير

ملخص : خلال عشرين عاما، حاولت هذه المجلة أن تقدم عينات محدودة من مراجعات وتحدي!ث لمعلومات علمية في كل من الطب النفسي وبعض ما يتعلق به من علوم نفسية. كان ذلك تحت العناوين التالية (1) الموسوعة النفسية (ب) إعادة قراءة في مصطلح قديم (ب) مقتطفات علمية. وكان ما يشترك فيه كل هذه الأبواب هو ما يمكن أن يسمى النقد العلمي، بمعني أننا لم نعرض لمصطلح أو نقدم نتيجة بحث أو طريقته أو موجزه، إلا والتزمنا بالنظر فيه من حيث إعادة قراءة مضمونة، ثم مدى ملاءمته للممارسة المحلية، وأيضا مدى اتفاقه مع ثقافتنا المعاصرة (وأحيانا ثقافتنا عامة).

ومع التطوير الذي نحاوله في هذه المرحلة رأينا أن تنضم هذه الأبواب معا ما أمكن ذلك، وأن يكون النشر باللغتين الإنجليزية والعربية معا، وتبرير ذلك على الوجه التالي:

(1) تحاول هذه المجلة أن تساهم في النقلة الضرورية اللازمة لاستعادة دورها وموقعا ليس فقط كأداة لصياغة العلوم الطبية، والنفسية، الطب النفسي خاصة، و إنما كمتغير مساهم في استعادة قدرتها (وقدرتنا) على الإبداع.

(2) تحترم هذه المجلة ما آلت إليه حال الأطباء خاصة من شعور بالنقص إزاء لغتهم، ذلك الأمر الذي وصل إلى أنهم لا يفهمون العلم إلا بلغة مغتربة، بل إن بعضهم قد يحتقرون العلم أو لا يعتبرونه علما إذا كان بلغتهم الأصلية، ومع رفضنا لهذا الموقف بكل ما يعنيه شعرنا أننا في حاجة مرحلية إلى احترام هذا الضعف مهما بشعت دلالته، فقررنا هذه المحاولة، ولنسمها المرحلة الثنائية اللغة، انتظارا لاستعادة ثقتنا كاملة بما تستحقه هذه اللغة العريقة.

(3) نحن نتصور أن الأجانب أيا بلغ حجمهم يحتاجون أن يسمعوا منا هذا الموقف النقدي، من واقع ثقافة غير ثقافتهم، وفي نفس الوقت لا بد أن نعترف أننا في مرحلة من القصور والتقصير بحيث لا يلوح له، ولو تخيلا إمكانية أن عندنا ما نضيفه إلى علومهم بلغة غير لغته، (ولا حتى بلغتهم). من هذا المنطلق، ومهما كان النقد أصيلا، والفكر مبدعا، فلن يحاول (و ريما لن يستطيع) أي منهم أن يغامر بترجمة ما ذهبنا إليه من نقد، وما يمكن أن يحمل من أصالة، فقلنا نجعل المادة التي نقدمها جاهزة بلغتهم ربما كانت هذه أيضا مرحلة تريهم بعض ما نحاوله، حتى إذا انتقلنا إلى الكتابة الأصيلة بالعربية، تذكروا أن ثمة ما يمكن أن يضيف إليهم من فكر آخر قد يحتاجونه كما نحتاجه.

نحن لا نلزم أحدا أن يقرأ النص باللغتين، و إنما نأمل من الزملاء خاصة،  و ربما من كل من يهمه الأمر أن يحترم المحاولة، وأن ينقدها، وأن يساهم فيها إن شاء. كما نأمل من زملائنا الأطباء خاصة أن يحاولوا معنا في هذا الاتجاه. فالطريق طويل، ونحن نحتاج كل إسهام من أي ممن يهمه الأمر.

نبدأ هذا العدد بتقديم مراجعة وتطور لمفهوم " الصحة النفسية " الأمر الذي يبدو بديهيا وهو أبعد ما يكون عن ذلك. إن ما يحمله هذا المفهوم من غموض من ناحية، وارتباط بالفروق الثقافية من ناحية أخرى، ثم ارتباط بما هو "عادى"، وما هو "إبداع " من ناحية ثالثة يحتاج إلى وقفة ومراجعة.

تقديم مفهوم للصحة النفسية هو ضرورة لمواجهة تسطيح الحياة البشرية، واختزال الإنسان إلى ما يخدم شركات الدواء، وأوهام الرفاهية. هناك علم جديد ترعاه شركات الدواء اسمه " علم السعادة"، وهو يكاد يحدد موضعا بذاته في تركيب المخ تنبع منه السعادة. إن الترويج لمجتمع الرفاهية وعلم السعادة، وما يوازي ذلك من تسكين وتخدير بانتقاء المفهوم السلبي للتدين وتصوير الاطمئنان على أنه استرخاء ودعة. كل ذلك هو الذي دعانا إلى هذه المداخلة المتضمنة عدة مراجعات تطورت مع تطور كاتبها ذاتا، و رؤية.

رجوع إلى الفهرس

 

§         مفهوم الصحة النفسية من وجهة نظر إكلينيكية : مفهوم الصحة النفسية و علاقته بالإبداع و الإيقاع الحيوي

مقدمة: لا يحتاج الأمر إلى الاعتراف بضرورة تحديد الخط الفاصل بين السواء والمرض النفسي. هو أمر صعب، لكنه أمر لازم للتعرف على ماهية ما نسميه مرضا، ليس فقط للتشخيص، بل وأيضا أثناء العلاج حتى نعرف متى زال هذا العارض الذي سمى مرضا. تظل المسألة بنفس الصعوبة مهما تحددت أهميتها.

في الطب النفسي لا توجد مقاييس محددة كحد فاصل بين السواء والمرض مثل التخصصات الأخرى. ضغط الدم العادي 80/120، من ضغطه أعلى من ذلك كثيرا يقال إنه مصاب بمرض ارتفاع في ضغط الدم، وكذلك درجة حرارة الجسم (37). وتصبح المسألة أكثر صعوبة حين يثار الشك في سوء استعمال الطب النفسي بواسطة السلطة السياسية.

وفيما يلي نقدم تطورات وجهة نظر مصرية حول هذا المفهوم " الصحة النفسية".

رجوع إلى الفهرس

 

§         باب جديد قديم : ندوات الجمعية إبريل- مايو- يونيو 2001

تصدير : هذا الباب ليس جديدا تماما، فقد سبق أن قدمت هذه المجلة موجزا لبعض الندوات/ التي تقيمها جمعية الطب النفسي التطوري والعمل الجماعي، مثل ندوة "حدس اللحظة، لبشلار، أو إسلامية المعرفة أ. د. عبد الوهاب المسيرى أساسا ، كما أن كثيرا مما ينشر فيما يخص النقد الأدبي يكون قد نوقش- في الأغلب- في ندوة من هذه الندوات (ظل هذا التقليد حتى هذا العدد، فنقد يوسف عزب لرواية حديث الصباح والمساء المنشور (ص 180)، هو موضوع ندوة من هذه الندوات).

الجديد في الموضوع، أننا قررنا أن تمثل موضوعات الندوات بابا ثابتا في هذه المجلة، حتى لو لم يزد تلخيص ما دار في الندوة عن صفحة أو بضع صفحات. وسوف نكتفي في هذا العدد بتقديم ندوات (1) ندوة إبريل 2001، فيلم : مدينة الملائكة (تقديم ونقد : د. أحمد عبد الله ود. حسام حشمت) (2) وندوة مايو 2001 : المسيح اليهودي ونهاية العالم (تأليف : رضا هلال) (نقد وتقديم : د. إيهاب الخراط/ والباحث أ. جلال الدين عز الدين)

(3) ثم ندوة يونيو 2001 : مقتطفات من شعر د. أحمد تيمور (من ديواني البراكين الطيبة. شجن شجر الشوارع. تقديم د. أحمد عبد الله، ود. هاني يحيى).

(1)    ندوة إبريل 2001 : فيلم  : مدينة الملائكة

(2)    اقترح الفيلم : د. أحمد عبد الله

(3)    المقدمان : د. حسام حشمت،  و د. أحمد عبد الله

رجوع إلى الفهرس

 

§         (2) ندوة مايو 2001 : كتاب المسيح اليهودي / تأليف : رضا هلال

ملخص : اقترح الكتاب د. أحمد الفار واستجاب للاقتراح معظم الحضور باعتبار أنه إسهام في تفسير مأزق العالم وهو يمر بما يمر به، ويحاول ضمن خبطاته أن يخرج منه بما يسمى اليقظة الدينية (أو شبه الدينية المستعملة للدين)، وارتباط ذلك بدعم إسرائيل وتأييد احتلالها للقدس، بزعم أن هذا التزام ديني بشكل أو بآخر. إن قيام إسرائيل اعتبر الخطوة قبل الأخيرة للمجيء الثاني للمسيح، أما الخطوة الأخيرة فهي بناء الهيكل فوق قبة الصخرة عند المسجد الأقصى. يتناول الكتاب محاولة شرح ما يمكن أن يسمى "تدين أمريكا " المعاصر، كمدخل لفهم ما يجرى بها، ومنها، وخاصة في مجال ادعاء الحرية، والتدخل في موقف الأقليات الدينية عبر العالم، ثم موقفها من إسرائيل.

مقدما الندوة. د. إيهاب الخراط (بمثابة قس بروتستانتى، وطبيب نفسي)  أ. جلال الدين عز الدين (خبير الشؤون الإسلامية في الشرق الأوسط، والمسؤول في موقع إسلام أون لاين على شبكة الإنترنت).

رجوع إلى الفهرس

 

§         ندوة يونيو 2001 : مقتطفات من شعر د. أحمد تيمور : من ديواني البراكين الطيبة شجن شجر الشوارع / تقديم د. أحمد عبد الله، ود هاني يحيى

التقديم العام : بدأت الندوة بالتذكرة أن هذه الندوة تتجنب تقديم ما نتصور أنه نقد الشعر. الشعر لا ينقد بعبارات، قد لا ينقد الشعر إلا شعرا، مثلما كتب محمود محمد شاكر قصيدته على قصيدة الشماخ المسماة " القوس العذراء.

ثم تساءل مقدم الندوة عن ماهية الشعر، واسترجع المقدم تساؤل صلاح عبد الصبور عفا إذا كان الشعر حالة، أم حلية، أم أسلوبا، وانتهي صلاح إلى أنه حالة. وأشير إلى أن الشعر هو جرعات من الكشف المكثف، يتجلى فيها إعادة تخليق اللغة، جنبا إلى جنب مع تشكيل الزمن (الإيقاع). فكيف بالله يتجرأ أحد أن يزعم أنه ينقد شعرا.

لكن يبدو أنه في نهاية النهاية، مادام ثم شاعر، وثم متلق، فما بينهما هو الناقد. ولكن- أخرى- نحن لا ندعي الوصول إلى مرتبة النفاد، فهو التلقي المشارك، إن صح التعبير.

وقد عرجت المقدمة إلى المعركة الدائرة حول قصيدة النثر، وخاصة بعد ما عاد لإثارتها عبد المعطى حجازي، حتى وصل الحوار إلى ما بشبه السباب بينه وبين الدكتور جابر عصفور وآخرين. وتساءل المقدم عن رفض شعر جويدة بوجه خاص رغم شعبيته وجاذبيته وسلاسته، وقد وصل السب النقدي إلى نص يصفه ساخرا "شعر دا يا مرسى " (اقتباسا من مدرسة المشاغبين: "سنتنتنضم " إنجليزي دا يا مرسى؟). ولم يتردد المقدم في إعجابه المتحفظ بكل من شعر جويدة وتيمور وأن السهولة لا تعيب الشعر، والموسوعية وحضور المعنى المباشر من حيث المبدأ لا ينقصان من قدر الشعر شعرا، ما دام قد تكثف وتنغم وجدد واخترق.

بدأت الندوة بكلمة د. أحمد عبد الله الطبيب النفسي، الذي كان وما زال أحد أعمدة هذه الندوة وهذه الدار التي تعقد فيها الندوة، ثم إنه من رواد ومريدي صالون الشاعر صاحب الديوانين المقدمين د. أحمد تيمور وقد أوجز ما قدمه كتابة فيما يلي…

رجوع إلى الفهرس

 

§         قراءة في : تعدد الذوات حوار أم صراع. أم تبادل أدوار :  نحو ولاف محتمل؟ (من وحي/ "قصيد درامي" : للشاعر د. أحمد تيمور)

ملخص : تعدد حالات الذات Ego states (النوات، المنظومات الدماغية) هو مفتاح فهم النفس البشرية، والتركيب الحيوي الهيراركى للدماغ.

هذه الحقيقة ليست جديدة، وليست ثانوية. هي حقيقة تمارس أكثر منها تنظر،وقد تناولتها هذه المجلة منذ أكثر من خمسة عشرة سنة في مداخلة بعنوان "الوحدة والتعدد في الكيان البشرى" (الإنسان والتطور، السنة الثانية، العدد الرابع، أكتوبر- ديسمبر 1981).

لم يعد الأمر فرضا يحتاج إلى إثبات. تأثير هذا المدخل قد يمتد إلى كل مظاهر الحياة المعاصرة، من أول هز صنم الديمقراطية حتى فهم عالم الجان والأرواح، وقد يمتد الطموح المعرفي في هذا المجال، ليفتح آفاقا رحبة أمام استيعاب الخبرات الصوفية والإيمانية في مسارها نحو تكامل الكل في واحد نحو وجه الله تعالى.

المداخلة الحالية ليست تنظيرا مثل سابقتها المشار إليها حالا، إنها تطبيق نقدي- على "قصيد درامي"، للشاعر د. أحمد تيمور الذي قدمنا في هذا العدد لمحات لما دارا في ندوة يونيو الشهرية للجمعية، تناولت مقتطفات من ديواني "اشجن شجر الشوارع ". و "البراكين الطيبة (أنظر ص 284 من هذا العدد).

ينتمي هذا المدخل إلى ما يسمى الآن "التحليل التركيبي"Structural Analysis وهو ما أوليناه أكبر جانب من العناية والتطبيق في كثير من الدراسات النقدية التي قام بها الكاتب، ونشرت في هذه المجلة وغيرها. كما أنه يعتبر المحور النظري الذي تدور حولها لتطبيقات الإكلينيكية التي تمارس في ظل الفكر الإيقاعي التطوري خاصة في العلاج الجمعي…

رجوع إلى الفهرس

 

 

§         مونودراما الممثل : قصيد درامي

خاتمة : مرة أخرى ة كيف ننقد الشعر، و كيف نقرأ الشعر، بل كيف نقرأ الإبداع عامة.

الإبداع ليس فيضا مضطردا من حلو الكلام، إنه إشراقات نبية، تطالعنا من خلال متن يطول أم يقصر، يكفي المبدع شرفا أن يصدق مع نفسه، وأن يجمع خبرته، وأن يصقل أداته، ثم يواصل ويثابر حتى تحل بنا وبه ما تيسر من إضاءة، بيت واحد من قصيدة يكشف للشاعر، فالمتلقي عن حقيقية بشرية أو كونية من خلال معاناة ذاتية/ موضوعية، يمكن أن يكون إضافة ليس كمثلها شيء.

النقد ليس تصيدا متربصا، ولا هو حكم فوقي يصدر من هيئة محلفين، ثم إن هذه الدراسة ليست نقدا بالمعنى المعتاد. يمكن أن نسميها استلهاما، ويمكن أن نسميها معرفة موازية.

نحن أحوج ما نكون إلى الإنصات لكل الأصوات، ننتقي منها ما نستطيع، وندع ما لا يصلنا إلى أصحابه، فله أصحابه.

المطلوب هو التقاط اللؤلؤ بغض النظر عن ما حوله، أو ما هو دونه.

نحن نتعلم من رطان المجنون كما نتعلم من نبض الشاعر، ونتحمل في سبيل ذلك كل ما هو غير ذلك، فيتحملنا كلاهما لنلتقي ونستمر.

نحن في حاجة إلى وقت طويل، وجهد كبير، وذهن مفتوح، ومثابرة، وأن يرى بعضنا بعضا من كل زاوية، نخطئ ونصيب، نحسن ونتخبط، ونستمر.

لا يصح أن نشكر مبدعا على إبداعه.

لكن قد يجوز أن ندعو لنا وله، بأن نواصل حتى نتواصل، لعل في وجودنا معا ما ينفعنا، فننفع الناس.

رجوع إلى الفهرس

 

q       النص الكامل /  Full text / Texte  entier 

 

§         الافتتاحية 1 / أ. د. يحيى الرخاوي

نشاهد أحيانا على بعض حافلات الجيش الكبيرة، أو النقل العام، لافتة مكتوب عليها "وقوف متكرر"، تتقه السائق القادم من خلف أن هذه الحافلة سوف تتوقف في أي محطة قادمة، أو حتى في وسط الشارع، أو تنبهه، أن السائق تحت التمرين. هذه المجلة كذلك، أولي بنا بدلا من تكرار الاعتذار، بهذه الصورة المرفوضة من قبل القارئ، أن نكئب على الغلاف "توقف متكرر" نحن نلتمس هذه المرة عذرا من حق القارئ ألا يقبله.

حين تتكلم الحجارة، وتقتل الأبرياء، ويتحيز الرأي العام في معظم أنحاء العالم (وليس حكوماته فحسب) كل هذا التحيز، على الرغم من الشعارات المرفوعة، والضغط على إسرائيل الأكثر إهانة وهو أشبه بالدغدغة، حين يكون الأمر كذلك، يصبح الصمت أشرف من أي كلمات ترص بجوار بعضها، لعل الصمت يدفع لفعل آخر، له أثر آخر.

لكن إلى متى الصمت، وهو هرب مضاعف لمن لا يحمل السلاح الآن؟

لن نعتذر عن التوقف، ولن نعد بالانتظام.

الأمور العامة اصعب ثقلا، والكلمة أخطر عجزا، و المصيبة تبدو أكبر من قدراتنا، ومع ذلك، أو لذلك، نعاود الظهور. يا لسخف كل هذا، هكذا.

في هذه الفترة التي احتجبنا فيها مؤخرا، لن أحددها مدعيا الخجل، حدثت أمور كثيرة كثيرة، خطيرة خطيرة، بدت لخطورتها انه لا يصلح معها إلا أن نتوقف/ حتى لو كان ذلك من قبيل اليأس الذي رفضنا الاستسلام له في أي لحظة منذ قررنا أن نقولها والسلام، "الكلمة"، ربما تجد يوما من هو أهل أن يجعلها فعلا يمشي على الأرض. نحن نحاول والله العظيم!!

لا نعرف بأي وجه نلقي القارئ من جديد. لقد زودناها خلال عشرين عاما وواحد. ثم ها نحن نعود مرة أخرى، وهكذا. ننظر سويا في بعض أحداث ما كان، لعلنا نجد فيها ما يبرر الصمت، وأيضا ما يبرر العودة.

ا- استشرت العولمة وكشفت عن وجهها، تبين بما لا يدع مجالا للشك أنها أمركة رأسمالية، استعمارية، جديدة. رأسمالية متوحشة لم تعد تحتاج حتى أن تتخفي وراء تبرير أو تنظير. في نفس الوقت ظهرت حركات مقابلة، ليس لها أية قوة فاعلة إلا التذكرة بأن المسألة (مسألة الاستعمار المالي المعلوماتي العالمي) لمن تمر سهلة إلا على حساب كل البشر، المتعولم، والمتعولم، ولا عزاء للديناصور.

الإرهاصات الشعبية عبر العالم (من سياتل حتى إيطاليا؟؟)، رغم عدم جدواها، وخفوت صوتها، تصيح صيحة غريق معاند، يأبى أن يستسلم لموج المحيط رغم كل شيء. تصيح تنبهنا إلى أن أمور العالم تسير  في اتجاه خاطئ، كما تلوح- في نفس الوقت- بعناد المتشبث بالحياة، أن الناس لق تسع، طال الزمن أم قصر.

إذا نجح هذا الاتجاه الخاطئ المتغطرس المحتكر أن يتمادى في قيادة العالم بحسابات منفردة، فقد انتهي الجنس البشرى تماما. إن الجنس البشري كان قادرا طول تاريخه أن يتخطى مثل هذه الانحرافات، فلماذا نشك الآن أنه تراجع عن قبول التحديات.

2- وجدت العولمة أدواتها جاهزة فيما يعرف بثورة الاتصالات والمعلومات، إضافة إلى صك بعض المفاهيم المصاحبة، (مثل الشفافية)، ثم التمادي في تقديس مفاهيم قديمة كانت ومازالت ملتبسة (مثل الديمقراطية). أن سوء استعمال هذه المفاهيم البراقة لصالح الخطأ المتمادي الذي أشرنا إليه حالا، أدى، ويؤدى إلى عدد من المضاعفات التي تتزايد باستمرار، لهذا يجدر الانتباه إلى أن مضاعفات أي مرض (أو دواء) لا بد أن تؤخذ واحدة واحدة بنفس الاهتمام الذي نقاوم به المرض الأصلي.

قد يكون من الممكن أن نقلل من المضاعفات حتى لو لم نستطع أن نقضي على المرض، أو لو تأجل القضاء عليه. وقد يكون من الممكن أن نخفف من الآثار الجانبية لدواء معين لو لم يكن له بديل أسلم. لهذا وذاك، فإن التركيز على إظهار مضاعفات هذا الإنجاز البشرى الأحدث لا يعني رفضه. إن ما يسقي عصر المعلومات يحمل في طياته- للأسف- احتمالات سلبية، بقدر ما يعد بقفزة رائعة.

لا أحد يريد، ولا أحد يستطيع أن يوقف هذا الطوفان الهائل مما يسمى المعلومات، ومع ذلك فإن الاستسلام له بلا شروط هو إعلان بانتهاء النوع البشرى.

أن المسألة أشبه بطوفان نوح عليه السلام، ولا أتصور أن الحل هو أن نفعل مثلما فعل، بمعني أننا لا نتصور أن علينا، وقد فاض بنا الحال، أن ننتقي من الحياة ما يمثلها من كل زوجين اثنين (من إيجابيات الإنتاج البشري)، لنهرب به على سفين عزلتنا ونحن نتفرج وندعي الحكمة بالانتظار. نوهم أنفسنا أنه إذا غرق الجميع بغبائهم، في"مستنقع اللذة" (الاسم الحركي له هو، مجتمع الرفاهية والاستهلاك)، بدأنا نحن من جديد. هذا حل قديم يستحيل تكراره،. إن طوفان المعلومات والعولمة يبدو أسرع وأخطر من طوفان نوح عليه السلام.

لا مفر من ابتداع آلية جديدة للتعامل مع هذه المعلومات بما يجعلها إيجابية.

لا بد من بديل لهذه الأمركة المتخفية تحت اسم العولمة، نريد أنه نكون "أمة واحدة"، لكن بشروطنا نحن البشر، كل البشر، أغلب البشر، وليس بشروط النخاسة والفوقيين.

أخطر الخطر من هذه الهيجة المعلوماتية لا يكمن في سحق هوية الأضعف، وتكهين لغته، وتأكيد تبعيته، هذا كله كان واردا عبر التاريخ من خلال الإقطاع، فالاستعمار، فالقهر الشمولي لابسا قناع الاشتراكية، فحكم العسكر... إلخ، الخطر كل الخطر، هو في "اختزال الإنسان إلى معلوماته".

الإنسان كل تاريخي رائع، والمعلومات المعروفة والمتاحة لمخازنه الإلكترونية الحديثة هي مجرد جزء من وجوده، لأنها جزء من تاريخه.

الخطأ التطوري الذي يقع فيه الإنسان حاليا هو أن يعطي هذا الجزء الإلكتروني المتضخم أكثر من حقه، بل أكثر مما يستطيع أن يحيط يه. هذا العملاق الإلكتروني أعجز من أن يحيط بتاريخ الإنسان الحيوي، ناهيك عن تاريخ الحياة، علما بأن هذا وذاك (تاريخ الحياة، وتاريخ الإنسان هو ماثل حالا في خلايانا لا ننسى أن هذه المجلة اسمها "الإنسان، و التطور!!).

إن ثمة زعم يقول إن الديناصور قد انقرض لأن جسمه نمى أسرع من مخه. على نفس القياس، فإن الإنسان المعاصر مهدد بالانقراض إذا ترك قشرة دماغه، الإلكترونية الهوى، تنمو على حساب بقية وجوده الحيوي لتاريخه البيولوجي والكياني "هنا والآن".

الرفض المتشنج لهذه الإنجازات لن يترتب عليه إلا تأجيل خائب ثم تبعية متأخرة، أما الاستيعاب للتمكن فالتجاوز، فهو الأمل المنشود.

إن التأثير الذي أحدثه هذا الطوفان المعلوماتي هو أخطر من أن نعدده في هذه الافتتاحية، لكنه هو هو ما جعلنا نعاود الصدور.

إن الحل لن يأتي من صراع "بل جيتس" مع منافسيه، ولا من "تعلمة" العالم العربي ليلحق الركب لاهثا محفلا بأرقام لا يعرف مصدرها، ولا هو واثق من مصداقيتها.

إن الحل أيضا لن يأتي من سباق حرب الصواريخ والصواريخ المضادة بين روسيا أو الصين وأمريكا، ولا من إعادة قراءة كتب التراث دون النصوص الأصلية التي سجنوها في تفاسير وصية كادت تنفي نبضها، وتعكس وظيفتها، تفاسير لا تصلح- إن صلحت- إلا لزمان غير هذا الزمان.

إن إرهاصات الحل أو توجهاته، قد تأتينا من إنسان متواضع، لا يستحق إحدى الجوائز العالمية ولا المحلية، لا نعرف اسمه (في الأغلب) لكننا ننتظره طول الوقت، ننتظره انتظار الباحث العامل الجاد طول الوقت، لا المتفرج مدعي الحكمة. إنه لن يهبط علينا من السماء، وإنما هو سوف يقفز من بيننا حالة كوننا نحاول.

قد تأتينا إشارة الحل من لمحة من مجنون قالها وانتحر، يرحمه الله.

وقد تأتينا من إفاقة تجليات متصوف قالها مدوية، ثم انسحب أو لم ينسحب.

وقد تأتينا من مراجع ناقد من بين أهل التقدم والمعلومات أنفسهم. من يدرى، لعلهم يفيقون في وقت مناسب، وقد أدركوا أن الطوفان سيغمرهم أول من يغمر.

في انتظار بعض ذلك نعاود الصدور، آملين ألا يثبت بعض ما يخطر لنا أحيانا من أن هذه المجلة ليست إلا صوتا ذاتيا مسكنا أشبه بضلالات المهدي المنتظر.

3- حدث أيضا خلال هذه الفترة أن طالت ذراع أمريكا طولا قبيحا، فأصبحت وصايتها فاجرة مكشوفة، و أصبحت مصداقيتها مهلهلة بالية، وأصبح غباؤها تكلسا مفضوحا. امتدت الوصاية إلى الانفراد بتحديد من هم الأقليات، وما هي الديمقراطية، وما هي الحرية، وما هي الحقوق، وما هي الواجبات، بل ما هي الأخلاق. ومع انتشار الأصولية اليهومسيحية قد تتفضل أمريكا بإصدار فرمان قريب يحدد لنا من هو الله. (انظر فصل ندوات الجمعية، وخاصة فيما يتعلق بمناقشة كتاب رضا هلال عن المسيحي اليهودي، ونهاية العالم ص 241).

4- قامت انتفاضة الأقصى، وما كان لها إلا أن تقوم، تأخرت كثيرا. لكن هذا هو ما حدث. لكل أجل كتاب، ولكل وقت أذان. أذن مؤذن الجهاد، فتصورنا أن كل شيء ينبغي أن يتغير، ليس في فلسطين فحسب، ولكن في كل قلب عربي ومسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وأي إنسان على أي دين، وأي إنسان بلا أي دين. لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن.

هذا ليس حديثا في السياسة. تعريف السياسة عندنا أشمل من أن يحده تعريف. السياسة هي حمل الهم العام هما شخصيا، فالمشاركة من موقعك بما يمكنك، السياسة هي الوعي الفردي المسئول الذي يجعل الفرد يقوم بممارسة الفعل اليومي مرتبطا طول الوقت بعموم الناس. الإنسان حيوان سياسي. نقترح هذا التعريف ليواكب العصر.

من فضائل الانتفاضة أن كشفت لنا- للأسف- ما آلت إليه "حالة" جمهرة العالم الغربي. هي قد عزت أيضا أغلب دعاة السلام (لا كلهم) في إسرائيل، و غير إسرائيل. هذا الأمر قد أوصلني إلى منطقة تغرى بالاقتصار على الرفض، فالكراهية وقد حلا محل النقد واللوم والأمل في الحوار. أنا أتجنب ذلك طول عمري، وما زلت قادرا على التوقي من هذا الانسحاب الحقير. أنا، أنت، نحن، مسئولون عن أخطائهم.

إن ما آلمني ويؤلمني هو موقف الناس هناك، ناس الغرب لا حكوماته ولا بورصاته. أخذت أرفض تصور اختفاء العدل والمنطق السليم من وعى عامة ناسهم، لكنني أرفض أكثر هذا الخداع اللغوي وهم يتحدثون عن مفاهيم مغلوطة يضلّوننا بها، وربما يضلّون أنفسهم أيضا، قبلا، بها. هاأنذا التمس لهم العذر بالعافية. عذر لا يبرر غفلتنا حتى لو كانوا هم الأسبق بالغفلة. مجرد قراءة تعبيرات تتحدث عن "وقف العنف" أو "وقف إطلاق النار" أو التوصية بعدم "الإفراط في العنف" أو الحديث عن "المعتدين الفلسطينيين"، أو الموافقة الضمنية على سياسة الاغتيالات دون محاكمة. هو أمر جدير بأن ينبهنا كيف وصلت الإهانة والتفريغ إلى كل المفاهيم والألفاظ والتاريخ والمعني.

في هذه الفترة التي توقفت فيها المجلة أتيحت لي الفرصة أن أكتب في عدد من الدوريات والصحف بشكل أكثر رحابة وبفرص أكثر سماحا (كانت أهم هذه الفرص، الصفحة الأخيرة من الوفد، ثم الوطن السعودي، و مجلة "الكتب وجهات نظر")، كما اشتركت في عدد من البرامج* الديمقراطية" (!!!) الجديدة "على الهواء" ، فتيقنت من كل ذلك، وبعد اعتراف حقيقي لأصحاب الفضل بالفضل، إن مساحة السماح أوسع فعلا. لكنني توقفت، أو تصادف أنني وقفت فرحت أنظر في كل ما كتبت في هذه الفترة (ما يربو على ثلاثين مقالا، كلها- كما أتصور- فيها آراء كنت أحسب أنها مفيدة). رحت أحاسب نفسي، من الذي استفاد من أي كلمة من كل هذا، أين هو؟ ثم ماذا؟ أنا شخصيا استفدت، إنني أكتشف ما أريد أن أقوله أو كونه أثناء كتابته لا قبلها، و أحيانا أكتشف هذا وذاك وأنا أقرأ ما كتبت. لكن السؤال يظل كما هو : إلى من؟ ثم ماذا؟

حين صدرت هذه المجلة من أكثر من عشرين عاما كنا نتصور أننا يمكن أن نضيف قطرة في بحر، والآن تبينا أننا قد لا نكون أكثر من دمعة في محيط، دمعة تنساب على صفحة وجه أصحابها وبضع مئات ممن ما زالوا يحتملونه تذبذبها، لكنني تبينت أنه حتى هذه الدمعة قد تتطاير قبل أن تصل أصلا إلى لمس وجه المحيط، ثم عدت أقول : لكنها قد تتجمع مع مثيلاتها لتصبح سحابا فمطرا.. إلى آخر هذا الشعر الذي لا ينفع، ولكن، من يدرى؟ لعله ينفع !

   يفني كل شيء، ويبقي السؤال يتردد ونحن وقوف بين يدي العدل الرحيم، سؤال يوجهه كل واحد لنفسه : لماذا لم تقلها؟ أنت لست صاحبها، لست ولي أمرها، لست مسئولا عن مسارها أو مصيرها، فلماذا لم تقلها؟ ربما لهذا عدنا.

  المصيبة أن المؤشرات السلبية لا تظهر في مجال السياسة بشكل مباشر. لغة السياسة أصبحت خطابا محفوظا عن ظهر قلب، تصريحات، وأرقام، ووعود، ومباهاة، ومديح، وديمقراطية تدور في دائرة مغلقة، آخرها يلتقي بأولها كل صباح، وكل وزارة، وكل تصريح، وكل وعد.

   المصيبة الأكبر والأكثر دلالة أن منظومة القيم اهتزت بحيث أصبحت، لمن يحسن

الإنصات، من أخطر نذر الإفلاس الذي لا يقتصر على الإفلاس القيمي. دخلنا إلى الدائرة الجهنمية، أو وجدنا أنفسنا بداخلها حيث يصب التدهور القيمي في الخراب الاقتصادي، ومن ثم اللغو السياسي، فمزيد من التدهور القيمي، وهكذا. ثم تتفتح حلقات جهنمية جانبية في كل مجال لتصب في الحلقة الجهنمية الأساسية.

   في حديث مع مفيد فوزي في برنامج "حديث المدينة" سألني عن تفسير لثقافة العنف (بعد الحوادث الأخيرة إياها) التي سادت مجتمعنا، فأنكرت أننا وصلنا إلى مرحلة تسمح أن نطلق على هذه الحوادث التي أعتقد أنها ما زالت فردية اسم "ثقافة العنف" أو حتى "ظاهرة العنف". ومع ذلك فإنها جزء لا يتجزأ من ثقافة سلبية أخطر وأكثر دلالة على التراجع والتدهور ألا وهي ثقافة الزيف، وثقافة الكذب، وثقافة الغش. الأصل في أحاديثنا وصحفنا وأرقامنا الآن هو الكذب، والأصل في أبحاثنا وترقياتنا وتقييمنا لجهود المجتهدين هو المجاملات والشلل وتزييف الحقائق بوعي أو بغير وعى. والأصل في امتحاناتنا، وتوظيفنا، وتصنيعنا، هو الغش بكل أنواعه على كل المستويات.

  ثقافة الغش والكذب أخطر من ثقافة العنف. هي أخفي وأسرع سريانا، ثم إنها أخفي وأخبث، وبالتالي فهي أبعد عن التعرية فالمواجهة أولا بأول.

   التعميم ظلم بين تحت كل الظروف، لهذا لا نملك إلا التحفظ بالإشارة إلى استثناءات مشرقة هنا وهناك، لكتها تطل استثناءات.

هل هذا الانهيار الأخلاقي هو نتيجة أم سبب ما نحن فيه؟ هذا أمر يكاد يصبح ثانويا حين تصبح النتيجة سببا والسبب نتيجة (انظر افتتاحية فريد زهران في هذا العدد، ثم "ملف" هذا العدد عن أزمة القيم وإشكالة الأخلاق).

إن ما وصلنا إليه هكذا هو أمر لا يصلحه مقال في صحيفة، ولا حوار في برنامج تلفزيوني، ولا نشاط حزبي، ولا نقاش نيابي، ولا تعليمات وزير التربية والتعليم، ولا قرارات النائب العام، هذا أمر له دلالة تدهورية لا مفر من مواجهتها سياسيا، وتربويا ودينيا، من كل واحد دون استثناء، فرض عين، الآن وليس بعد.

الأخلاق لا تتكون وترسخ وجودها بمقالات أو استجوابات أو خطب الوعظ والإرشاد. الأخلاق يبدأ زرعها منذ الولادة من خلال ممارسات منتظمة، ليس أقلها العبادات الراتبة، مع أقل قدر من التعليمات المباشرة، والأصوات العالية.

سألني مفيد فوزي- في برنامج حديث المدينة السابق الإشارة إليه- عن الحل : قلت له إن الحل يكمن في الداخل في الإحسان ("أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا")، وفي الخارج في جندي (مرور أو مرافق أو أي جندي متواجد في الشارع بين الناس ليمثل السلطة) محترم وقادر على أن يصبح رمز الدولة في وعي الناس، و "مدرس قدوة رسول".

حين يصبح "العسكري" محترما من رئيسه ومن الناس ويقبض عشرة أضعاف ما يقبض، ويمثل رئيس الجمهورية شخصيا، وحين يصبح المدرس والدا وراعيا ذا ضمير ويقبض عشرة أضعاف ما يقبض، وحين يصبح الحق تبارك وتعالى مختلطا بالوعي الذاتي معظم الوقت، سوف تظهر بارقة أمل أننا يمكن أن نعدل قليلا أو كثيرا في منظومة القيم  ومسار الأخلاق إلى أحسن. هذا وارد مهـما تدهور الحال. التاريخ يعدنا بمثل هذه الإفاقات.

عدنا للظهور، وأطفال الفلسطينيين لا يجدون غازا، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا طعاما، حتى أصبح الاستشهاد أرحم حتى من الناحية العملية البحتة. عدنا وحكومة إسرائيل تمثل أسفل إرهاب عرفه التاريخ، الحكومة هي المافيا، والعالم يتفرج، ويشير من تحت المائدة بإبهامه بعلامات النصر على البربرية المتخلفة.

عادت المجلة للظهور وعمداء ووكلاء الكليات يقدمون للمحاكمة بتهمة التزوير.

عادت المجلة والكساد على أشده، في نفس الوقت الذي تفرض فيه الحكومة ضريبة المبيعات، وتقول إنها لن تضر لا التاجر ولا المستهلك !! (ملحوظة: هذا ليس كلاما في السياسة ولكنه في التربية والتعليم، و... ربما علم النفس، أو حتى الطب النفسي!!.

حين تقول لطفل في الثامنة من عمره إنني سآخذ من مصروفك ربع جنيه من كل جنيه، لكن مصروفك لن ينقص، ولن تشترى أقل مما كنت تشتري، لأنني سآخذ أيضا من البائع الذي يبيع لك المصاصة جنيها كاملا. ماذا تظن يكون موقف هذأ الطفل؟

هل يمكن أن تتجاهل ابتسامته الساخرة وهو يضحك عليك شفقة أو استهانة؟ هل هذا كلام في السياسة أم هي مسألة حساب في كراسة الواجب المنزلي. أليس هذا بعض ما صرح به السيد وزير ضريبة المبيعات أو أي وزير من وزراء التصريحات، ولو أثناء المراحل الأولي لتمريرها : يقول صاحب التصريح الرفيع "إنه سيحصل الشيء الفلاني من خلال هذه الضريبة، لكن المستهلك لن يضار، ولا التاجر ولا أحد". [لعل إسرائيل هي الخاسر في النهاية لأن حصيلة ضريبة المبيعات سوف تزيد في قدراتنا الدفاعية جدا، شكرا).

هذا لغز لا يحله إلا تحضير الجان أو عكس المنطق، وكلاهما أصبح واردا في مرحلتنا الراهنة. أعرف أنه لا وقت للسخرية. هذه ليست سخرية.

في هذه الفترة أيضا تحول موقف وزارة الثقافة، وكثير من المثقفين الذين ينتمون إلى فصيلة عباد الشمس، من أقصى الحرية إلى أقصى الأخلاق، وكأن الأخلاق ضد الحرية !!! (انظر مرة أخرى ملف الأخلاق في هذا العدد).

كذلك ظهر مؤخرا نجم جديد اسمه الدكتور "زغلول النجار" ويبدو أنه رجل فاضل، يريد أن يفيض علينا من إيمانه العلمي الكوني الجيولوجي، ما يطمئننا إلى ديننا ومتانته، وهو بذلك يكرر فضل (وخطأ) الصديق الجليل د. مصطفي محمود. يا سادتي حسني النية، أن المدخل إلى الإيمان وإلى الله له باب آخر غير هذه الدعاية الطيبة المتحمسة لمعلومات تبدو براقة، وكأنها قادرة أن تعيد جذب من تحول من عبادة الله إلى عبادة الأصنام المعاصرة. (العلم المتغطرس، والأرقام الصماء، والمعلومات الكمية الخانقة.. إلخ). صحيح أن الناس، والشباب خاصة، في أشد الحاجة إلى من يطمئنهم أن تدينهم ليس كفرا بالعلم، ولا استهانة بالعقل، لكن الصحيح أيضا أن هذا الاهتزاز جاء نتيجة خلط المناهج، وضيق الأفق. إن هذه المحاولات التي لا نشك في حسن نية من يحاولونها، قد تفيد بعض الذين يعبدون الله على حرف. لكن مخاطرها على المدى الطويل أكبر من أي تصور، ليس فقط على الدين الحقيقي، ولكن على المنهج، وعلى المنطق السليم، وعلى العلم. إن الطريق إلى الله تعالى لا يمر بتليسكوب فلكي، ولا بمعمل كيميائي، هو طريق يعرفه من سار فيه، لا أكثر ولا أقل، فإن كان لا بد له من عون جنبا إلى جنب مع ما أنزله الله- حقيقة وفعلا- على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فلا يوجد عون غير مباشر إليه ما يتجلى في الإبداع الحقيقي الذي هو في عمق أعماقه قبس من فيض البديع السميع العليم.

لا يهدى إلى الكشف "الداخليالخارجي"، الهارموني الأعظم، بعد كلام الله سبحانه، وعباداته، مثل زعبلاوى، أو عاشور الناجي في حرافيش محفوظ، أو حتى قنديل محمد العنابي الشهير بابن فطومة (محفوظ)، أو عطر زوسكند، أو سيميائى (ساحر الصحراء) كويلهو، أو السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، أو لوحة عباد الشمس لفان جوخ. هذه كلها طرق جانبية توصل من أراد شحذ وعيه، إلى الله سبحانه وتعالى. أما تفاصيل العلوم البراقة فهي مهما حشرت في النص المقدس حشرا، لا تثبت النص ولا تضيف إليه. الله سبحانه ليس خاضعا لهذا الاختزال الخائب "إثبت لي واثبت لك". هذه مضيعة للوقت، وابتعاد عن الحق سبحانه وتعالى، مع كل احترامي لحسن النية وسلامة القصد وفرط الجهد. إن الله سبحانه وتعالى يطلب منا أن "ننظر في الكون وفي أنفسنا، لا أن "نبحث" فيهما بأدوات أدني من "النظر" البشري النقي، مهما قيل ويقال.

ظهرت أيضا موجة من الانجذاب نحو واعظ شاب اسمه عمرو خالد يروج لإسلام "دمث"، فيحيى فينا أمل أن يرتبط الدين بالأخلاق على أرض الفعل اليومي، لكننا نخشى عليه، وعلى من ينجذبون إليه من استغلال حسن نيتهم لغير ما أرادوا، نخشى أن ينتهي بهم الأمر ليصبحوا مجرد مرددين، تابعين، هادئين، ذاهلين عن الكدح إلى وجه الله، الجهاد في مواجهة الظلم، وأن يكتفوا بما يسمعون دون الاجتهاد في إعادة تفسير النص.

* هذا العدد :

قد يكون هذا العدد علامة فارقة في تاريخ هذه المجلة، ذلك أنه يشمل اختراقات متعددة، في المادة والمنهج على حد سواء.

الاختراق الأول هو تخصيص ملف بأكمله عن موضع واحد، صحيح أننا لم نعد لذلك العدة من قبل فنستكتب من يهمه الأمر حتى نثرى الاختلاف، لكن الافتتاحية رقم (2) بقلم فريد زهران هي التي أوحت لنا بهذه الفرصة، حتى لو بدا الكلام معادا.

  عاد فريد زهران بحذقه وأمانته وانتمائه وتفاؤله إلى تناول الموضوع الذي لا يكف عن الإسهام في تحديد مفاهيمه بشكل نأمل معه أن ينتبه أي منسحب فردى، أو مغرور مثالي، أو متبلد منسحب، إلى استحالة تجنبه. تواكبت افتتاحية زهران مع الانتباه المتزايد إلى الانهيار الأخلاقي الذي أشرنا إليه في بداية هذه الفقرة. إن تدهور الأخلاق يتمادى بشكل أسى (وليس باضطراد عددي] يكاد ينذر بعجزنا عن إيقافه. هذا الهم المسئول بدأنا التعرض له- في أعداد سابقة- بما يشبه الحوار الضمني بين رئيس التحرير وسكرتير التحرير، وخاصة في موقع علاقة التدين والإيمان بالأخلاق، وبالذات عما إذا كان الإيمان قيمة موضوعية في ذاته، أم هو تجل أخلاقي مفيد، ثم ساهم سامح سعيد عبود بإضافة منهجية محددة في مناله الوافي "الأساس الأخلاقي للاشتراكية العلمية" (العدد 67. 68 سنة 2000 ص 82- 96)، ثم هذه الظاهرة الجديدة التي نسميها "الدين الدمث" والذي يمثله ذلك الشاب "عمرو خالد" تضيف بعدا أخلاقيا طيبا يحتاج لمناقشة دون رفض. فكان هذا الملف (الذي شمل أيضا تجميع بعض ما كتبه المشاركون في الملف هنا وهناك).

الاختراق الثاني في هذا العدد هو عرض جانب من "حالة" مرضية من خلال تفاعلها في بعض جلسات العلاج النفسي، نعود من خلال ذلك إلى فتح منهج آخر يضيف إلى باب "حالات وأحوال"، الذي ظهرت منه فصول كثيرة في الأعداد الأولي لهذه المجلة. في ذلك عودة للتأكيد على أهمية منهج "الحكى"، والتناول النوعي لماهية الإنسان في الصحة والمرض. الجديد في هذا الأمر- مما اعتبرناه اختراقا- هو أننا حاولنا هذه المرة أن نستفيد مما أصبح في حوزتنا من عطاء التكنولوجيا الأحدث لنسخرها في مجال نشر الخبرة النوعية لتكون في متناول القارئ العادي. ذلك أنه قد أتيحت للجمعية التي تصدر هذه المجلة وسائل لتسجيل خبرات المرضى بالصوت والصورة، كما أتيح لها أيضا تدبير موقع على الإنترنت سوف نعلن عن بدء تشغيله قريبا. أن هذا وذاك قد يكون سبيلنا للتوسع في عرض المادة النفسية كما هي، وخاصة فيما يتعلق بخبرات المرضى، وبنص كلامهم. نحن نكتشف، دون جديد، أن أحدث إنجازات التكنولوجيا يمكن أن تسهم فيما نريده، إذا أحسنا استعمالها، فتصبح أداة لنا تمنع التمادي في استقبالها باعتبارها أداة كمية صرفة تخدم أغراضا مجهولة بشكل دائم. إن هذه التكنولوجيا هي التي تفتح آفاقا جديدة لمناهج التسجيل "الحكى/ الحضور المصور المسموع"، ومن ثم إعادة قيمة منهج الحكى، ثم القراءة النقدية من واقع عرض المادة المتاحة مرة ومرات، أمام أكثر من وعى، سعيا لأكثر من قراءة.

إن ما دأبت هذه المجلة على توضيحه هو أنها مجلة للنقد على كل المستويات (الأدبي، والعلمي، والحياتي)، وباعتبار كل إنسان فرد، وخاصة المريض النفسي "نصا" يحتاج إلى قراءة أكثر من حاجته إلى تفسير، فإننا نعتبر هذا الباب بهذه الصورة "قراءة نقدية نفسية في نص إنساني مريض". صعب أن ندعو لتعميم هذا المنهج دون إعداد كاف، وشروط ضرورية، لكننا نبدأ هذا السبيل بحذر ونحن نرى المجلة وهي تتحول أخيرا إلى غايتها التخصصية، حتى لو ظلت لفترة أخرى "مجلة الصوت الواحد". إن الإشارات تلوح بأنها سوف تكون أكثر فأكثر مجلة لنقد أحوال المرضى باعتبارهم نصوصا حية، دون التخلي عن نقد أحوال المعالجين والأطباء، وأيضا دون التراجع عن موقفها النقدي العام.

باب حالات وأحوال يقدم في هذا العدد حالة من واقع مقاطع في العلاج الجمعي، مع تعليق مفصل على عرض الحالة كما تم تقديمه بالصوت والصورة في الندوة العلمية الشهرية لشهر يونيو 2001.

نحن نشعر بخطورة إغارة شركات الدواء ليس فقط على جيوب المرضى (إن تبقي فيها شيء) وإنما على أدمغة الأطباء. نحن- كما ألمحنا- ننتظر حلا منهجيا إبداعيا من شخص مجهول (حتى لو كانت شطحة مجنون). إن من أهم واجباتنا، وهمومنا، وآمالنا في هذه المجلة هو أن نتمكن من تقديم بعض ما لا يستطيع غيرنا أن يقدمه. وهذه الحالة، بهذه الصورة، في هذا الباب، في هذا العدد، هي بداية بعض ذلك.

الاختراق الثالث هو أننا أدمجنا باب مقتطفات علمية الذي كان ينشر باللغتين الإنجليزية والعربية، مع باب إعادة قراءة في مصطلح قديم، لنقدم فصول عمل نأمل أن يتم، وهو مراجعة منهجية من منطلق ثقافتنا المحلية، لأساسيات الطب النفسي، كعلم وفن في آن. وقد أقدمنا على هذه المخاطرة متعللين بالأسباب التالية :

1- إنه بعد إغارة شركات الدواء على أدمغة أغلب الأطباء في العالم أجمع، أصبح من الواجب أن يكون الخطاب موجها مباشرة و في المقام الأول، لأصحاب المصلحة، المرضى و أسرهم أساسا، ثم عامة الناس، ولا يكون الأمر كذلك إلا بلغة أغلبية أصحاب المصلحة هؤلاء.

2- إن النشر باللغتين الإنجليزية والعربية معا، يؤدى خدمة نحو تسهيل مهمة الانتقال الواجب من رطان اللغة الأجنبية إلى أصالة لغتنا القادرة. هي مرحلة انتقالية بالضرورة، لكننا رأينا أنها أصلح- بالنسبة للأطباء خاصة- من القفز إلى اللغة العربية مباشرة.

3- أن هذا النشر على حلقات سوف تلزم كاتب العمل أن يتمه، الأمر الذي أصبح يشك فيه لأسباب لا تخفي.

4- إن في ضخامة المسودات الجاهزة و المتاحة من هذا العمل ما يضمن انتظام صدور المجلة، حتى لو لم تقم إلا بنشره بانتظام رتيب.

أما العيب الأساسي لهذه المغامرة، والذي لم يعد تعتبر عيبا لكثرة ما غلب وتمادى، هو أن المجلة بدلا من سعيها إلى تعدد الأصوات زادت تركيزا على الصوت الواحد، وهو صوت رئيس التحرير ولا مؤاخذة. هذا قدر استثنائي على أي حال حتى يحثها القراء والزملاء وكل من يهمه الأمر، بالإسهام بحوار مناسب ولو حول هذا النص الاجتهادي الثنائي اللغة.

الاختراق الرابع هو إعادة إحياء باب قديم جديد على الرغم من أنه لم ينتظم أبدا، كما أنه لم يكن ثابتا كباب مستقل، وهو باب عرض "ندوات الجمعية"، وسوف نلتزم بدءا من هذا العدد بأن نقدم موجزا للندوات التي تعرضها الجمعية شهريا، منذ ما يناهز ثلث قرن، و بالتالي فسوف نقدم ثلاثة موضوعات كل عدد، وهو ما عرض في الثلاثة أشهر بين صدور عددين]. نأمل بذلك أن نعرّف الناس نشاط الجمعية من جهة، وأيضا أن يشاركنا عدد كبر في مناقشة هذه الموضوعات التي نتصور أنها من صميم ما يصب في هدف هذه المجلة "الإنسان والتطور" كما أننا نأمل أن يكون في طريقة عرض الندوة المتعددة الأصوات ما يخفف ولو قليلا من حكاية الصوت الواحد، ولو أنه، حتى في الندوات، يظل هذا الصوت أيضا عاليا على مساحة ممتدة. وسوف نكتفي بالندوات الثلاث الأخيرة وهي على الوجه التالي، فيلم "مدينة الملائكة" (إبريل 2001)، ثم كتاب "المسيح الهيودى، ونهاية العالم" تأليف رضا هلال (مايو 2001)، ثم قراءة في بعض قصائد من ديواني شجن شجر الشوارع، والبراكين الطيبة شعر د. أحمد تيمور (يونيو 2001)، يعقبه نقد نفسي تركيبي لقصيد درامي، هو ما تصدر ديوان البراكين الطيبة باسم "مونودراما الممثل"، فيكون هذا بمثابة الإسهام النقدي في هذا العدد، جنبا إلى جنب مع قراءة الصديق يوسف في رواية "حديث الصباح والمساء" (وقد كانت موضوع ندوة شهر 9/1999) لعل هذا النقد، في رحاب محفوظ، ومن أحد مريديه، قد يصبّر القارئ على توقف القراءة النقدية في أصداء السيرة الذاتية، التي لا مفر من إكمالها إن كان في العمر بقية.

أما العينات التاريخية التي تمثل أبوابا أخرى كانت ثابتة، فهي تشمل أبوابا متعددة تداخل أغلبها فيما تجدد من تقسيم، فمثلا نجد أن باب "مثل وموال" وباب متقطف وموقف قد تضمنهما ملف الأخلاق، كما أن باب الموسوعة النفسية الذي أصبح اسمه "إعادة قراءة في مصطلح (قديم/ حديث) " قد تداخل مع باب "مقتطفات علمية" ليقدم لنا هذا الكتاب الثنائي اللغة في حلقات، (كما أشرنا).

و أخيرا، فنحن نشعر بخجل حقيقي ونحن نعاود الطلب من أصحاب هذه المجلة القدامى أن يستعيدوا ثقتهم فينا بعد كل ما اقترفناه في حقهم، فيعاودون الكتابة إذا بلغهم أننا عدنا.

كما نرحب بخبرات ضيوف جدد، بالإضافة إلى خبرات الذين مروا بأزمات يحسبونها مرضية، لعلنا نستطيع أن نحاورهم احتراما، إن لم نستطع أن نمد لهم يد العون عجزا.

كذلك نحن نرحب كل الترحيب بتعقيبات، واعتراضات، وإضافات نقدية، على كل مواد هذا العدد بوجه خاص، باعتباره نقلة نوعية، اضطر رئيس التحرير أن يقوم بمسئولية تقديم أغلب مادتها، وهو أمر نرجو أن يكون مرحلة (وقد طالت أكثر من عشرين سنة) يتجاوزها إلى حوار مشارك بشكل أو بآخر.

ولا يحرمنا د. أحمد صبحي منصور من اختراقاته الرائعة (التجاوزية) التي تفتح الآفاق دائما إلى الاطمئنان إلى أن ديننا ليس حكرا لأحد، وأن المناهج المتجددة، هي الجهاد الأكبر، أخطأت أم أصابت. فيكتب ليؤكد أن "الإسلام يناقض الاحتراف الديني"

وتعود د. يسرية أمين- وهي من أولي من أسهمن في الكتابة في هذه المجلة منذ أنشئت- تعود لتكئب لنا من غربتها في المملكة المتحدة (بريطانيا) ما يجعلنا نشعر أنها أقرب كثيرا من كثير من القريبين منا جسديا. القرب والبعد لهما مقاييس أخرى غير الأحضان والقبلات الجديدة الغريبة على مجتمعنا، خاصة بين الرجال، تعود د. يسرية لتوجز لنا كتابا يتناول موضوعا نحن ننتمي إليه طول الوقت، وإن كنا أعجز من أن نوفيه حقه. الكتاب هو، « The consolation of philosophy » "مواساة بالفلسفة" و المؤلف قديم (جديد) هو "بثيوس " Boethius إن عودة الفلسفة ترياقا للحياة الطازجة المتفرجة هو من بين أحلام هذه المجلة منذ صدورها.

رجوع إلى الفهرس