-واقــــع الطـــــب النفســـــي فـــي العالــم العربــــي
1- لمحة عن أوضاع الاختصاص في العالم العربي
ضيق المجال سيدفعنا إلى عرض حقائق هذه الأوضاع بصورها الطبيعية القبيحة
لأن تجميل هذه الصور يقتضي إطالة لا داعي ولا مجال لها في هذا المقام
ونترك هذا القبيح ليتوالى ويتجلى في الصور التالية :
- كان عدد الأطباء العرب المشاركين في المؤتمر الدولي الثامن للطب
النفسي (1) ثلاثين طبيباً من أصل سبعة آلاف مشارك في هذا المؤتمر .
كما أن هذه النسبة انخفضت في المؤتمر التاسع (2)
- لا يتعدى عدد الأطباء النفسيين العرب الخمسمائة طبيب ، أي بمعدل
طبيب واحد لكل أربعمائة ألف نسمة .
- لم يتمكن اتحاد الأطباء النفسيين العرب من جمع أكثر من 120 طبيباً
.
- لقد عجز الطب النفسي العربي لغاية اليوم عن تقديم أي مساهمة علمية
تصل إلى مستوى السبق العلمي في هذا الميدان .
- تعجز جامعاتنا عن إنتاج الأعداد اللازمة من اختصاصي الطب النفسي .
- إن الأسرّة المتوافرة في مصحاتنا لا تفي بأكثر من 5% من الحاجات
الفعلية .
- تمتاز العلاقة بين الاختصاصيين العرب بتوترها على أكثر من صعيد
الأمر الذي يبعثر جهودهم في خلافات فرعية أسبابها هي التالية :
-حـــول مستقبــل العلــوم الانسانيــة فــي الوطـــن العربـــي
ملخص
تتعرض العلوم الانسانية راهنا
لمراجعات نقدية مكثفة. وهذه المراجعات ليست من نوع الترف النظري-الفكري
كسابقاتها. فهي مطروحة كضرورة ملحة وحيوية للحفاظ على الفعالية
الاجرائية لهذه العلوم. اذ ان استمراريتها مرتبطة بالتعديلات المنهجية
والفكرية التي يمكن لهذه المراجعات ادخالها لتحديث هذه العلوم وتخليصها
من شوائب تكاد تقضي على فعاليتها. وبهذا يمكن لهذه العلوم الاستمرار في
البرهان على فعاليتها وقدرتها على تحسين مستوى اللياقة النفسية
والفكرية للانسان. حيث الانسان هو طموح هذه العلوم وموضوعها.
والواقع ان ثورة الاتصالات والمعلومات
قد تسببت في احراجات كثيرة ومتعددة الصعد لمناهج العلوم الانسانية
وايديولوجياتها. مما اقتضى المراجعة.
ورقتنا هذه تهدف تحديدا" الى مناقشة
دواعي المراجعة النقدية لهذه العلوم على ضوء تطبيقاتها العربية. وذلك
عبر محاولة تحليل رجعي لهذه التطبيقات. ويمكننا تصنيف دواعي هذه
المراجعة على النحو التالي:
-السياســـــــة وأخلاقيــــــات الطــــــب النفســـــــي
ورقة قدمها النابلسي في المؤتمر
العالمي الثالث لحل الصراعات الذي انعقد في القاهرة 3- 6 فبراير/شباط
1994
يروي القديس اوغسطين قصة الاسكندر. حيث
دافع القرصان عن نفسه امام الاسكندر قائلا": انت تسرق العالم فتدعى
امبراطورا" وأنا اسرق يفينة فأدعى لصا"!. وقصة هذا القرصان، تختصر
نسبية تعريف الصراع وتفرعاته من عنف وارهاب وضحية وغيرها من المصطلحات.
هذه النسبية التي تربك موقف الطبيب النفسي من هذه الوضعيات وتجعل دوره
والتزامه بالقسم الأبقراطي موضوعا" نسبيا" بدوره. في خضم هذا الارتباك
على الطبيب أن يقدم الدعم والعناية لطالبيهما. فيزيد هذا الارتباك من
انعدام الدقة في التصنيفات السيكياترية المطروحة وخصوصا" التصنيف
الأميركي لاضطرابات الشدة عقب الصدمية (P.T.S.D).
والدليل الاميركي للاضطرابات العقلية عموما".
-معــــاداة العـــلاج النفســــي علـى الطريقــــة العربيــــة
يمتاز المجتمع العربي بنظراته الخاصة ومفاهيمه المميزة للعلاج النفسي .
ولا يمكن لأي شخص ( أو مدرسة أو مجموعة ) أن يتنكر لخصائص مجتمع ما حتى
ولو كانت هذه الخصائص وليدة تفسير خاطئ وغير منطقي للحقائق . ولكن
المجتمعات الراغبة في التطور لابد أن تتخلص من شوائب الإشاعات وأن تقضي
على غابات الجهل الكثيفة التي تحول دون التعامل مع الواقع بالموضوعية
اللازمة . هذا إذا كانت هذه المجتمعات راغبة فعلاً في التطور . فإذا
رفضته أو خافت منه فإنها تلجأ إلى الحيل لإيجاد تبريرات " منطقية "
للواقع تمهيداً لقبوله دون أي تغيير . والواقع الذي نود مناقشته هو
واقع عجز الفرد ( العربي ) عن الإفادة من العلاجات النفسية المتوافرة ،
ويتضح لنا حجم الخسارة الناجمة عن هذا العجز ، من خلال مراجعتنا لتعريف
أهداف الطب النفسي المعاصر(1) .
-العــــرب بيــــن الارهـــــاب والبحــــــث العلمـــــي
ورقة مقدمة في مؤتمر الاتحاد العربي
للعلوم النفسية (1996) ومنشورة في عدة مجلات متخصصة وفي كتاب " نحو
سيكولوجيا عربية "
في كتابه قراصنة وأباطرة يذكر العالم نعوم تشومسكي رواية قبض
الاسكندر على أحد القراصنة ومحاكمته له وسؤاله عن سبب اعتراضه للناس.
في دفاعه يجيب القرصان: أنا أعترض السفن وأنت تعترض العالم، أنا أرهب
الأشخاص وأنت ترهب الشعوب. وبعد هذه الرواية يستخلص المؤلف أن تهمة
الارهاب توجّه اليوم الى الأمم الأضعف في حين يتم التغاضي عن ارهاب
الأقوياء.
والواقع أن لهذه المواقف المتناقضة من مفهوم الارهاب مبرراتها
وأسبابها الموضوعية. فلو أخذنا مثلا" مسألة الارهاب الصهيوني نجد أن
هذا الارهاب قد وجد تغطيته من خلال خطة مدروسة علميا" بشكل فائق الدقة،
حتى تحول الارهاب الى مجرد دفاع عن النفس ومحاولة لحفظ النوع
والاستمرارية. فلدى مراجعتنا لأبحاث علم نفس الحروب والكوارث نلاحظ أن
السواد الأعظم من هذه الدراسات يتمحور حول موضوع معاناة اليهود من
الأسر النازي ومن ثم حول معاناة المتعرضين للإرهاب العربي! وبهذا تمت
تغطية مذابح دير ياسين وغيرها من المذابح الصهيونية السابقة واللاحقة.
-الشخصيــــة العربيـــــة فـــي عالــــــــم متغيـــــــر
قواتنا محتشدة وغايتنا واضحة
والعدو
يقوى يوما" بعد يوم
ونحن
في ذروة بعدها الانحدار
هنالك
مد في أقدار الرجال
بسبب
الفيضان الذي يقود الى الظفر
وعند
التغاضي عنه فان رحلة الحياة
ستسقر
في المياه الضحلة والتعاسة
وفي
خضم البحر نطفو الان
فاما
الاندفاع مع التيار المؤاتي وإما الخسران
بهذه الأبيات لـ"بروتس" يستشهد صمؤيل هنتنغنتون
(
Samuel Huntington)
صاحب مقالة "صدام الحضارات" ليخلص الى القول بأن على الغرب أن يتعلم
الابحار في المياه الضحلة. وبأنه من العبث الاستمرار في محاولات احتواء
انتقال النفوذ.
ولسنا بصدد مناقشة المنطلقات التي يستند اليها هذا الفكر، ولسنا نحن
بصدد نقد طروحاته واستنتاجاته. فنحن نكتفي بالاشارة الى أن هذه المقالة
المنشورة في مجلة "شؤون خارجية" الأميركية لم تكن أكثر من اعلان عن
التفكير أو الرؤية المستقبلية لتيار فكري – بحثي بدأت طلائعه في الحرب
العالمية الثانية. حين توجهت بعض الأبحاث لدراسةالشخصيات الأممية
لأصدقاء الولايات المتحدة ولأعدائها على حد سواء. ولقد استخدمت الأخيرة
وتم توظيفها في الحرب النفسية ضد الأعداء. ولقد استمدت هذه الدراسات
أهميتها من فعاليتها. بحيث شكلت هذه الدراسات نماذج صارمة لتعامل
الولايات المتحدة مع هذه الأمم.
-فرضيـــات التموقــــع العربـي فــي الفضـــاءات العالميــــة
مصطلح الفوضى هو المصطلح الدلالي الأوفى لوصف ما آلت إليه السياسة
الدولية بعد انهيار جدار برلين. حتى تبدو بقية المصطلحات المطروحة منذ
ذلك التاريخ وكأنها مجرد شائعات. فمن النظام العالمي الجديد إلى صدام
الحضارات ونهايات التاريخ والأيديولوجيات والقوميات ...الخ من
المصطلحات التي تظهر لتختفي ولتتم مراجعتها ومن ثم التراجع عنها. وهو
تراجع يعادل الاعتراف بكونها مجرد شائعة. أو اقله الإعلان عن عدم
صوابيتها بما يزيد من حدة الفوضى ويعزز دلالتها كمصطلح معبر عن واقع
حال السياسة الدولية. ولعلنا لا نبالغ في القول بان الشك يطاول مصطلح
العولمة نفسه. بل هو أنجح شائعة مصطلحية لغاية اليوم.
التموقع صعب في خضم هده الفوضى السائدة لكنه غير ممكن التجني لكونه
حاجة آنية وضرورة مستقبلية لا سبيل لتجاهلها أو لتحمل وزر إهمالها.
وهذا ما يدفعنا إلى محاولة استعراض فرضيات التموقع العربي في الفضاءات
المطروحة راهنا". وهي محاولة لا تكتمل بدون استشفاف الاحتمالات
المستقبلية لنشوء فضاءات جديدة أو مكملة للفضاءات الراهنة.
-الانتفاضــة بوصفهـــا مرحلـــة حضانـــة للمثقـــف العربـــي
أن نرصد مواقف المثقفين العرب من حدث
مفصلي كالانتفاضة يعني ان نراجع تقييم الفعالية الاجرائية لهؤلاء
المثقفين. وهي مراجعة مكرورة ومتعبة. مما يجعلها مربكة بسبب خلافات
الرأي التي تبدأ من تعريف الثقافة والمثقف ولا تنتهي عند اشكالية
علاقتهما بالسلطة. الا أن غياب فعالية المثقف العربي في حدث الانتفاضة
يدفعنا دفعا" لاثارة الموضوع على رغم ما يحف به من مزالق وما يستجلبه
من جداليات.
فبمراجعة بسيطة نجد ان تجليات الثقافة
في حدث الانتفاضة ممكنة التصنيف كما يلي:
1. القصائد الشعرية. التي ما لبثت ان تحولت الى موضوع انتقائي هو
محمد الدرة.
2. المقالات المتفرقة على وسائل الاعلام المختلفة. والخاضعة
لتوازناتها.
3. المناسبات الخاصة بالانتفاضة.
-لقـــــاء مـــع الدكتـــــور جمـــــــال التركـــــــي
لكل حديث بداية و اسمح لي أن تكون بداية حوارنا أن تعّرف بشخصيتك؟
§ يصعب
عن المرء أن يعرّف بنفسه ولكنّي أكتفي بالقول بأنّي أخصائي في الطب
النفسي خرّيج الجامعة التونسية، مقيم سابقا بمستشفيات باريس، أعمل
حاليا استشاري بالممارسة الحرة منذ 1987، مجالات اهتماماتي تتعلق أساسا
بـ:
- المعلوماتية و تطبيقاتها في الطبنفسي و العلوم النفسية.
- تعريب مصطلحات العلوم النفسية من خلال العمل على إصدار المعجم
المعلوماتي للعلوم النفسية .
- الصحة النفسية للمرأة و الإهتمام بالعلاقة بين الهرمونات الجنسية و
الاضطرابات الوجدانية
- العلوم الجنسية و التحليلجنسي
§ عضو
عديد الجمعيات النفسية و الطبنفسية المحلية و العربية و العالمية
أهمّها لجنة المعلوماتية بالجمعية العالمية للطب النفسي، لجنة الصحّة
النفسية للمرأة بالجمعية العالمية للطب النفسي، المعهد الدولي للتحليل
الجنسي، الجمعية التونسية للطب النفسي، الجمعية التونسية للمعلوماتية
الطبية وأخيرا حصل لي شرف الانتماء إلى عضوية الاتحاد العربي لعلم
النفس.
-الهـــــــارب الــــى ضــــــــوء الشمــــــــــــوع
في ذكرى وفاة الشاعر نزار قباني وعودته إلى الأوديبية نتذكر أبا توفيق
يرثي إبنه فيقول : ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وأنت غائب ... وينتقل
إلى سيارة ابنه ليناجيها في نكوص شعري جامح يذكرنا بوقوف الشاعر
الجاهلي على الأطلال !!
في هذه الذكرى تلوح لنا معالم قصائده ودواوينه بديلة لسيارة ابنه . فهل
نقف على أطلالها ؟ أو نترك ذلك لجيل تعلم الحب على يديه أو نسخ عشقه
أغاني يرددها المطربون ؟ وبغض النظر عما يفعله هؤلاء وأولئك ، أليس
حرياً بنا السؤال عما أمسى عليه شعره بعد وفاته ، نشعر نزار كان
مرتبطاً بشخصه بصورة عضوية وهو خسر كثيراً بوفاة الشاعر .
إلى هذه الخسارة تضاف خسائر أخرى أبرزها أن مجمل الأعمال الإبداعية لا
تملك ذات مستوى الحصانة تجاه الزمن . فقصائد الشاعر نفسه تتفاوت في
مستواها الإبداعي وفي حدثيتها وقدرتها على الاستمرار . ولا شك في أن
قصائد نزار المغناة تكتسب زاداً إضافياً يدعم استمراريتها ولكن هل
يقتصر إبداع نزار على الغزل وهل يقنع بعد وفاته ببقائه شاعر المرأة .
وهو لقب اكتسبه لدوافع سيكولوجية أكثر منها إبداعية فقصائده الغزلية
تتضمن رصداً لسيكولوجية المرأة ودراسة معمقة لأحاسيسها ومعايشة لأفكار
حميميتها. وهذا الطابع السيكولوجي يضفي على غزليات نزار صفة القدرة على
اجتياز عواطف المرأة وتشجيع اسقاطاتها لتصبح هي الحبيبة أو لتتمنى أن
تكونها . إلا أن قباني لم يهرب إلى ضوء الشموع إلا بعد أن أحرقه ضوء
الشمس فهو تعاطى السياسة في حياته وفي شعره حتى اليأس . وهو لم يلجأ
إلى المرأة إلا كملاذ وكلحظة كان يود أن يجمد الزمن عندها . فلحظة
المرأة في شعر نزار هي لحظة تمرد أرادها نزار خارج الزمن المعيوش
فأحوال الأمة لا تسر ومستقبلها ينذر بالأسوأ ومثقفوها موزعون بين عضوية
ناقصة في حاشية السلطة وبين فقر الخروج من دائرة السلطة والعمل على
رضائها ، وبين باحثين عن الحلول لأوضاع أمتهم واقعين في فخ البحث عن
حلول لأزماتهم الشخصية متورطين في اتجاهات بعضها يبدو مأمونا وبعضها
لايبدو كذلك .لكن أحداً لا يعرف إذا كان ظاهر هذه الإتجاهات يعكس
خلفياتها ؟ وربما كان هذا الغموض هو دافع نزار قباني للهجرة إلى عالم
المرأة .