عجائب العرب وغرائب الأرَب!!
سألني الكثير من الأخوة والأخوات: كيف تكتب ؟
والجواب، أن معظم ما
أكتبه يتولد من التفاعل المتواصل مع الناس , وما تعكسه كلماتهم وأفعالهم
ومواقفهم وتستولده في الأعماق , فالكتابة سلوك يعبّر عن الحياة التي ينغمس
فيها الكاتب.
أخي د.
جمال
( رئيس شبكة العلوم النفسية العربية )
أقول هذا, لأن
رسالتك دفعتني للكتابة عن موضوعات أثارتها وإستحضرتها, فتأسس العنوان, وما
سيتبعه من كلام, ولا أعني به أحدا, وإنما هي ظاهرة سلوكية تستحق الدرس
والإهتمام.
سلوكنا
واحد وماحق , وخلاصته أن لا للعمل الجماعي , والتفرد هو السلطان ,
والنرجسية هي العنوان , والتناحرية من الإيمان , وكل من عليها بالسوء ظان!!
ولهذا ولغيره من الأسباب , تجارب الجمعيات العربية التخصصية بأنواعها تنتهي
إلى ذات المصير , تتعدد الجمعيات والمصير واحد!!
إنه
مصير الضعف والتآكل والإنكماش والتشظي والتنافر والتشقق , وتثبيط العزائم
وهدر الطاقات , وإبخاس النشاطات , وتسفيه الإنجازات.
الرجوع للفهرس
عندما يموت الطبيب النفسي!!
عندما يموت الطبيب النفسي , أتساءل لماذا؟!
خصوصا حينما يكون الموت مفاجئا.
كان لي زميل من بلادي , سمعت بخبر وفاته المفاجئ قبل أعوام
, بعد أن توقف بريده الإليكتروني بغتة , وكان من المدخنين , وقد دخل
المستشفى عدة مرات لإضطراب دقات قلبه.
وحينما كنت مقيما , توفى أحد أساتذتنا فجأة , وكان السبب
سكتة قلبية , وأثناء إمتحان البورد , سمعنا بخبر وفاة أحد الأساتذة
الممتحنين , وكان أيضا موتا مفاجئا .
وأخيرا تواصلت أخبار وفاة عدد من الزملاء , وآخرهم زميل لي
كنت قد إلتقيته قبل أعوام بعد فراق طويل , وقرأت في حينها على وجهه ملامح
عدم إرتياح , وتناقشنا في موضوعات ذات علاقة بالحياة
وعندما نبحث في أسباب موت الطبيب النفسي , يمكننا تلخيصها بالآتي:
الرجوع للفهرس
التسول الحضاري!!
التسول
أن تمد يدك للآخرين وتستعطفهم لكي يضعوا فيها بعض شيئ قد ينفعك , لكن الناس
عموما لا تعطف , وإنما بعضها , وهذا البعض إذا أعطى فأنه يريد ويغذي رغبة
الإستعباد التي فيه , أي لكي يعطيك عليه أن يستعبدك.
وهناك
أفراد مستعبَدون وأمم وشعوب مستعبَدة , وفقا لمناهج التسول وسلوكيات
الإستعطاف والميل للتبعية والخنوع والتحول إلى مملوكات مشاعة للآخرين.
الرجوع للفهرس
الدين والتأريخ براء مما تدّعون!!
القول بأن تأخر المجتمعات العربية سببه الدين والتأريخ فيه
إجحاف وتضليل وخداع وتمرير لأجندات خفية وكبيرة.
فالواقع العربي ومنذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم يدور في
دائرة مفرغة عنوانها الدين والتأريخ , وقد كتب المفكرون العرب مئات الكتب
وآلاف المقالات حول هذا الموضوع ولم يقدموا شيئا ولم يساهموا في حل المشكلة
, وذلك لعدم وجود مشكلة!!
مشكلة الدين والتأريخ متصورة ومن بنات أضغاث الأحلام
والأوهام والهذيانات والإنحرافات الفكرية , فالدين والتأريخ موجودان في
كافة المجتمعات , ولهما ما لهما وما عليهما من تفاعلات وتداعيات , والعرب
ليسوا الأمة الوحيدة التي لديها دين وتأريخ , ومشاكل هذين الموضوعين معروفة
منذ الأزل , ولا تختلف المجتمعات بسلوكها تجاههما , فهما متواصلان مع
المجتمعات البشرية إلى الأبد.
الرجوع للفهرس
بلاء الكتابة!!
الكتابة بلاء مبين , وقوة تهيمن على وعي الكاتب , وإرادة
حاضرة في كيانه الواعي واللاواعي وتستعبده وتتمكن منه , ولا يمكنه أن يتحرر
من قبضتها وما تفرضه عليه من الواجبات والسلوكيات التي لا يستريح إلا
بالقيام بها.
الكتابة عادة يومية قاهرة تصل إلى حد الوسوسة , فالكاتب مصاب بوسواس
الكتابة , ومحكوم بالكلمة التي تعصف في خياله , وقد إستعانت بما يتصل بها
من الأفكار والعبارات والتفاعلات والرؤى والتصورات.
الرجوع للفهرس
الإعلام النفسي!!
التوعية النفسية بحاجة لإعلام نفسي ناشط ومتفاعل مع الناس
لكي يتحقق هدف إنتشار الثقافة النفسية لضرورتها الحضارية المعاصرة , وهذا
يستدعي إستنفار الطاقات النفسية بممثليها الإختصاصيين للمشاركة الجريئة في
وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية.
ولا بد من إستحداث برامج تلفازية إسبوعية , وإلقاء
المحاضرات في المدارس والمعاهد والكليات , والكتابة بأعمدة نفسية في الصحف
والمجلات وعبر وسائل التواصل الإجتماعي المتنوعة , وإقامة المهرجانات
والمؤتمرات النفسية الشعبية التي تحقق إستنهاضا للوعي وتفتحا للأذهان.
كما أن المنشورات النفسية باللغة العربية عليها أن تتوازى مع ما موجود في
المجتمعات المتقدمة , التي فيها العديد من الكتيبات المجانية المساهمة
بالتوعية والتثقيف النفسي , وتجدها منتشرة في العيادات والمستشفيات
والصيدليات وغيرها من المؤسسات والنوادي والمكتبات.
الرجوع للفهرس
الكائن والمكوَّن البشري!!
الكائن ما هو قائم في الشيئ أيا كانت حالته , كالعناصر
الموجودة في المادة , وإن شئت يمكن القول بأن الكائن ما مسطور في الجدول
الدوري للعناصر , وهي المكوّن الأساسي لجميع الموجودات في الكون الفسيح ,
إذ بتفاعلها تتكون حالات وصيرورات لا تحصى ولا تُعد.
وبمعنى آخر أن العناصر عندما تتوفر لها الظروف الموضوعية
الملائمة تنشط وتتفاعل للوصول إلى نتيجة معينة ذات قوام متميز , فهي صيرورة
مما هو كائن.
والمكوَّن ما يتم تصنيعه منها بتوفير ظروف محكومة بنتائج
معلومة , وهذا يؤدي إلى ما نسميه بالتصنيع , الذي أيضا لا يُحصى ولا يُعد ,
وبذات العناصر التي يمكنها أن تتكوّن أو تُصنّع.
وهذا الواقع التفاعلي القائم في الوجود الكوني ومنه
الأرضي, ينطبق على كافة الحالات القائمة ما بين الموجودات الكائنة في بقعة
جغرافية ما , مرهونة بزمنها وظروفها النفسية والفكرية والسلوكية.
الرجوع للفهرس
"عزيز
عليه ما عَنِتُّم"!!
"عزيز عليه ما عَنِتُّم... وتعني يعز عليه دخول المشقة
والمكروه عليكم , أي لا يريد الشيئ الذي يضر أمته ويشق عليها.
وهي من هذه الآية: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة:128
العَنَتُ: دخول المشقة على الإنسان ولقاء الشدة.
تحتفل الأمة بمولد الرسول (ص) وواقعها يزخر بالويلات
والتداعيات الأليمة , التي تعزز الشدائد والملمات وتصيب المسلمين بالوجيع
المقيم , وبذلك فأنها لا تتوافق مع الإرادة التي يعز عليها أن يكون
المسلمون في قهر وظلم وإنتكاس وقنوط وعسر أيام وسوء تفاعلات , تؤدي إلى
تصارعهم وسفك دمائهم وتكفيرهم لبعضهم وإنتهاك حرماتهم وحرمات الدين.
الرجوع للفهرس
الخطابات النفسية الإحباطية!!
خطاباتنا وإنعكاساتنا على الحالات التي تحصل في الواقع
العربي تتميز بالإحباطية واليأسية , والإحتراقية المدججة بالإنفعالية
والمشاعر السلبية الناجمة عن الإغراق العاطفي والتوحد في الحالة.
بينما الواقع يتطلب منا قيما إيجابية وقدرات تحدي نفسي
وإصرار على أن نتحقق ونكون , برغم الموجات الإنكسارية والإنتكاسية
والخسرانية المتراكمة على جميع الأصعدة والمستويات , فالحياة أن نتحدى ,
والقوة في أن نتواصل ونؤمن بأن مانقوم به سيلهم الأجيال , وسيساعد في بزوغ
فجر أروع وصباح أفضل وأيام أسعد.
ويبدو أننا كعرب لم نتمكن وحتى اليوم من ترجمة فكرة "إرادة
الحياة" , التي عبّر عنها الشاب التونسي "أبو القاسم الشابي" في ثلاثينيات
القرن العشرين.
الرجوع للفهرس
هل أن التوحش دين؟
الشدائد تتعاظم , والإنكسارات تتراكم , والعدوانية السافرة
والأحقاد والإنتقامات المريضة تتزاحم , والقاسم المشترك بينها إنكار للقيم
والمعايير المعاصرة , وإنتهاك لحقوق الإنسان.
وهي تخبطات سلوكية تتسبب بأضرار مروعة للعرب والمسلمين ,
وسيتم إقرانها بالإسلام كدين , وسيتولد عنها تعميم وتوصيف يُدين , وتوظيف
سلبي سينال منه ويزيد في الأدلة والبراهين على السلوك السقيم.
فما جرى في القنصلية السعودية في إسطنبول يوم الثلاثاء 2\10\2018 لهو من
السلوكيات التي يندى لها جبين الحجر قبل البشر , وتفضح الحالة النفسية
للمسؤولين , وتؤكد مدى الجهل والأمية السلوكية , التي تتحكم بما يقومون به
ويعبّرون عنه في قراراتهم وخطاباتهم.
الرجوع للفهرس
كتبنا وسنبقى نكتبُ وما
نكتبه يُذهِبُ!!
ما كتبناه ونكتبه يأخذنا بعيدا عن جوهر المأساة ولب المعاناة والمقاساة
اليومية للإنسان ، ويحوّل كتاباتنا إلى أبواق دعائية للكراسي ، ويعتّم على
ما يجري من التفاعلات السلبية المناهضة للوجود الصحيح للإنسان والوطن
والحياة.
وما نكتبه لا يكتبه الكاتب في الدول المتقدمة أبدا ، ولا يقترب منه مثلما
نقترب , فما نكتبه يُظهر
الرجوع للفهرس
التدوين الآثم!!
الرافد الأساسي لأوجاع الأمة ودورانها في أفلاك الغابرات هو وسوسة العرب
بالتدوين الإنفعالي العاطفي المعبر عن موقف ورأي وليس عن حقيقة.
فالعرب ما كانوا يدونون قبل الإسلام بل يتداولون النقل الشفاهي , وقد بدأ
مشوارهم التدويني بعد أن تحقق تدوين آيات القرآن المنزلة على النبي الكريم
, وإنطلاق كتبة الوحي بتدوين ما كان يمليه عليهم , ومن ثم بدأ عصر
الإستنساخ اليدوي , ولكن ببطئ وتخصص بالقرآن , ولو أن البعض قد دوّن شيئا
من الأحاديث ووثق بعض السلوكيات لكن لم يكن سائدا في حينه.
والتدوين العربي بدأ نشاطه مع الدولة الأموية , ويبدو أنه سلوك متعلم من
الدولة الرومانية آنذاك , وقد بلغ ذروته في زمن الدولة العباسية , التي
تركت إرثا معرفيا هائلا هو نتاج ما يقرب من خمسة قرون من الجد والإجتهاد ,
والتدوين المسهب للعديد من الأحداث والتفاعلات .
الرجوع للفهرس
أرقام وإنسان!!
إنتشرت تساؤولات في الأوساط العربية بأنواعها , خلاصتها
لماذا هذه الضجة بسبب مقتل شخص واحد , ولا أحد يأبه لمقتل الآلاف يوميا في
بلاد العُرب أوطاني؟!!
والجواب واضح وبسيط وجوهره "قيمة الإنسان"!!
فلا قيمة للإنسان في بلاد العرب والمسلمين , ولا معنى
للحياة , والتثقيف السائد مبني على الإستخفاف بالحياة وتفريغ البشر من
قيمته الإنسانية وتحويله إلى رقم.
والمتاجرون بالدين هم الذين يسوّغون مناهج تجريد الناس من
كونهم ينتمون إلى بني الإنسان , ويريدونهم أرقاما لكي تربح تجارتهم وتتعزز
مكانتهم وتمتليئ جيوبهم بالسحت الحرام.
نعم البشر بلا قيمة ولا يمكنه أن يتحرر من كونه رقم على
يسار عمامة أو لحية أو كرسي , والمشكلة التي حصلت بخصوص الصحفي السعودي أنه
إنسان وفقا للمعايير المعمول بها في الدولة التي يقيم فيها , وأن الإعتداء
عليه كإنسان حصل في المكان الخطأ والدولة الحطأ.
الرجوع للفهرس
قيمة الكلام في أمة تُضام!
الأمم القوية يتساوى عندها الفعل والكلام , والأمم الضعيفة يكون فعلها
الكلام , وكلما تفوقت نسبة الكلام على الفعل , إزداد الضعف والإنهزام.
وهذا
قانون حضاري يتحكم بالسلوك البشري الجماعي على مر العصور والأزمان.
فأمة
العرب في زمن قوتها وهيبتها كان فعلها سبّاق لكلامها , وفي مراحل ضعفها
تسيّد الكلام على الفعل , وما تعيشه اليوم هو غياب الفعل وكثرة الكلام ,
حتى صارت وكأنها أمة جعجعة وتبويق , لا أمة فعل وتحقيق.
الرجوع للفهرس
جمال ومآل!!
سأتناول موضوع الصحفي السعودي جمال خاشقجي كتعبير عن ظاهرة سلوكية متكررة
في الواقع العربي منذ تأسيس الدول العربية وأنظمة الحكم فيها , وخصوصا
الجمهورية أو العسكرية التي فتكت بأصحاب أي رأي .
وإسم
جمال شاع في البلاد العربية نسبة إلى الرئيس جمال عبد الناصر القائد
العروبي المصري , الذي كان له تأثير فائق وحضور صاعق في وجدان تلك الأيام
وأجيالها , فعندما نسمع بالإسم نعرف أن صاحبه من مواليد أواخر الخمسينيات
أو بداية الستينيات من القرن العشرين .
وما
حصل لجمال القائد ولجمال الصحفي من باب إرادة الأقدار , التي تُذهب
بالأبصار , وتوقع الإنسان في مآلات لم تكن في الحسبان.
فهذا
ما جرى يوم 5\6\ 1967 لجمال القائد , وما حصل يوم 2\10\2018 لجمال الصحفي ,
الذي لديه كل الأدلة والمبررات والمعلومات على أن حياته في خطر , لكنه
تناساها وتم تمرير الخديعة عليه ومضى في ركبها حتى النهاية المأساوية
المروعة.
الرجوع للفهرس
تونس الأمل والقدوة!!
كتبت
كثيرا عن تونس منذ أيام عربة "البوعزيزي" , وتواصلت معها في مواجهاتها
وتحدياتها ومنعطفات مسيرتها المنيرة الراسخة المتمسكة بثوابت وطنية وقيمية
وأخلاقية , وسلوكيات متقدمة كثيرا عما يحصل في بقية بلدان العرب.
وقد
كتبتُ قبل سنوات مقالا بعنوان "أخشى على تونس" , ولم يكن ذلك المقال من وحي
التوجسات والمخاوف الإعتباطية , وإنما مبنيا على مرتكزات ومعادلات ومنطلقات
فاعلة في الواقع العربي , وساعية إلى إجهاض التطلعات وسحق الأمنيات , ومنع
العرب من تنفس هواء الحرية وعبير الرجاء.
وكانت تونس هي الدولة الوحيدة التي قادت النهوض العربي المعاصر , وتمكنت من
الإبحار في تياره برباطة جأش وقدرة على الحفاظ على الكيان الوطني الجامع ,
بعيدا عن الإنجراف وراء تداعيات التشظي والتطرف والتحزب والفئويات , وبرغم
ما عانته لكنها نجحت بمهارة عربية متميزة الصمود أمام الأعاصير والزلازل
والتوسنوميات المتوالية.
الرجوع للفهرس