موضوع "الشخصية" من مواضيع علم النفس الحديث، وقد در س
هذا الموضوع من طرف عدد كبير من المنظرين السيكولوجيين كما سنرى أدناه.
ووضعت تصورات نظرية مختلفة عن خصائص وأبعاد الطبيعة البشرية، وقد انبنت
على ذلك تصورات حول سيكولوجية "الشخصية".
ونظرا للعلاقة الموجودة بين هذه التصورات حول الطبيعة
البشرية وأي تصور للشخصية الإنسانية ارتأيت دراسة هذا الموضوع كمقدمة
لفهم سيكولوجية الشخصية من منظور مقارن: إسلامي وغربي.
ويعكس تعدد التصورات والافتراضات في هذا الموضوع حقيقة
تعقد موضوع الشخصية من جهة، وصعوبة إخضاعها لتصور نظري موحد، كما يعكس
ذلك صعوبة دراسة موضوع الطبيعة البشرية وخصائصها. ولهذا، فإننا نجد في
علم النفس الحديث تعاريف عديدة لمفهوم الشخصية، كما نجد عدة نظريات
للشخصية، وعدة تصورات للطبيعة البشرية وخصائصها. وسنورد فيما بعد أهم
التصورات عن خصائص الطبيعة البشرية من أجل معرفتها، والمقارنة فيما
بينها، وإدراك علاقتها بنظريات الشخصية من منظور سيكولوجي معاصر دون
الاهتمام بماهية الطبيعة البشرية من الناحية الفلسفية.
وفي الواقع، فإن الاختلاف في تحديد هذا المفهوم،
وفي تحديد أبعاد الشخصية يرجع أيضا إلى اختلاف تصورات الباحثين
والدارسين حول "الطبيعة البشرية" وخصائصها؛ فمنهم من يعتبر هذه الطبيعة
شيئا لا يختلف عن طبيعة الحيوان بل هي امتداد وتطور لهذه الطبيعة ولا
شيء أكثر؛ وذلك وفق قوانين النشوء والارتقاء، ومنهم من يرى أن هذه
الطبيعة قد كرمها الله سبحانه وتعالى بخصائص ووظائف تختلف اختلافا
جذريا عن خصائص الحيوان ووظائفه مثل العقل والتدبر والروح والتعلم
والعلم.
سنرى عند استعراض "التصور الإسلامي لهذه الطبيعة مدى
اختلاف هذا التصور عن التصورات التي وضعها مختلف علماء السيكولوجيا في
الغرب، كما سنلاحظ مدى اختلاف هذه التصورات وتباينها عن بعضها حتى في
إطار الثقافة الغربية نفسها، وإن كان هذا الاختلاف لا ينفي وجود قو
اسم مشتركة بين هذه التصورات "الغربية".