الافتتاحية:
قراءات في سيكلوجية
الإيمان والكفر -
محمد كمال الشريف
وجهت شبكة العلوم النفسية العربية الدعوة للزملاء
للمشاركة في ملف سيكولوجية الإيمان والكفر لعدد خريف 2024 من المجلة
العربية " بصائر نفسانية "، لإثرائه بمعارفهم وآرائهم وللأسف لم يتم
التجاوب المأمول من هذه الدعوة.
إن بحث سيكلوجية الإيمان والكفر على قدر عظيم من
الأهمية من نواحٍ متعددة أولها تقديمه نظرية في المعرفة (إبيستيمولوجيا)
جديدة مؤسسة على البصائر النفسانية التي لجأنا إليها كي نفسر الطريقة التي
يؤمن بها الناس أو يكفرون.
الرجوع للفهرس
مقالات
ودراسات-
محمد كمال الشريف
الشك
واليقين
العقـــــل يتبـــع القلــــــب
•
سنحاول في هذه الصفحات أن نفهم كيف يعمل دماغنا، وكيف تتحقق حريته أن يؤمن
إن شاء، لأنه اختار أن يؤمن، أو أن يكفر
إن شاء رغم وضوح
الأدلة،لأنه لا يريد أن يؤمن.
•
من أجل ذلك يستحق من آمن الثواب من رب العالمين، لأنه آمن دون أن يكون
عقله مجبراً على الإيمان، ويستحق الكافر الذي بلغته دعوة الرسل العقاب،
لأنه رفض الإيمان ولم تكن مشكلته قلة الأدلة.
•
ما نسميه
العقل إنما هو الجزء الواعي المفكر من أدمغتنا شاملاً ما حَوّلَه إلى
عمليات عقلية لاشعورية، لكنها تبقى إرادية مع أننا لا نكاد نشعر بها أبداً،
فأن تكون لاشعورية لا يعني أنها لا إرادية.
•
هذا العقل المفكر المنطقي يصل إلى الحقائق بطريقتين: أولاً بإدراكها
بالحواس كالبصر والسمع وغيرهما، حيث نحس أن ما تدركه حواسنا موجود حقاً،
وثانياً يصل العقل إلى الحقائق بالطرق العقلية المنطقية، وأهمها الاستنتاج
والاستقراء.
الرجوع للفهرس
الإيمان
أيضاً علمي
• يجادل
الملحدون ويعيبون علينا أننا نؤمن بما لم تدركه حواسنا بينما هم علميون لا
يؤمنون بشيء إلا بناء على مدركات الحواس ثم يأتي الاستقراء والاستنتاج،
ويقولون أرونا الله لنؤمن به.
• إنهم
يوم القيامة يدعون أنهم تيقنوا أن لهم خالقاً أرسل الرسل وأمر ونهى،
ويطلبون العودة إلى الدنيا:
• "وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ
رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ
صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ {12}" السجدة.
• إنه باستثناء الرياضيات فإن أغلب العلوم تقوم على الاستقراء، وبالتالي
نحن لسنا أقل منهم تفكيراً علمياً عندما نؤمن بخالقنا دون أن نراه، بعد ان
استقرأ آياته في آفاق الطبيعة التي خلقها الله وفي أنفسنا، أما الكافرون
فسيأتي اليوم الذي ينكسون فيه رؤوسهم وقد أبصروا وسمعوا ما كانوا يكابرون
وينكرونه.
• ".... أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا
مُوقِنُونَ {12}" السجدة.
• وأوضح مثال على ذلك أنه لا أحد يجرؤ على الادعاء أن ساعة جدار
دقيقة وجدت هكذا ولم يصنعها صانع. وفي هذا قال ربنا:
• "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35}"
الطور.
الرجوع للفهرس
الفطرة في
اللاشعور
أخبرنا ربنا في القرآن الكريم عن حادثة مررنا كلنا
بها تم فيها غرس الإيمان في أعماق قلوبنا، قال تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ
عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن
تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}
أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا
ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173}" الأعراف.
• لكن الذرية تأتي من الخصية والمبيض وكلاهما ليس في الظهر، وقد اكتشف علم
الجنين في القرن العشرين أن الخلايا التي تتحول إلى بييضات عند المرأة وإلى
حيوانات منوية عند الرجل تتخلق على جانبي العمود الفقري، ثم تنزل باتجاه
البطن في الأسبوع الثامن والتاسع من حياة الجنين.
•
أي ربنا أخذنا من ظهور آبائنا وأمهاتنا لما كانوا هم أجنة ولم تتخلق
أعضاؤهم التخلق الكامل، وبالتالي لم يكتسبوا أي سلوك يمكن أن ندعي يوم
القيامة أنه انتقل إلينا بعوامل الوراثة ، والمقصود هنا الكفر وإنكار أن
الله ربنا الذي خلقنا.
•
في تلك المرحلة المبكرة من حياة الآباء والأمهات أحيانا الله وأشهدنا على
أنفسنا (ألست بربكم؟) فقلنا: (بلى شهدنا) وبيَّن ربنا لنا أنه أشهدنا على
أنفسنا في تلك المرحلة، لأنه يريد أن يقطع الطريق على من سيكفر ويفسق ثم
يدعي أنه ورث الكفر والفسوق من والدين كافرين وبالتالي فهو معذور لأن الكفر
كان في أصل تكوينه.
الرجوع للفهرس
خداع النفس
والاهتداء
•
والسؤال الحاسم هو كيف نعرف إن كنا نخدع أنفسنا بخصوص قضية ما، أم نحن نقر
بالحق ونكون بذلك مهتدين؟ هذه من المعضلات التي بحثها علم النفس المعرفي
المعاصر، وحلها بسيط وبدهي.
•
عندما يكون هنالك احتمالان متناقضان مثل: هل للكون والأحياء خالق أم هم
ولدوا بالصدفة المحضة؟ فإن من يأخذ بالاحتمال الأقوى هو المهتدي، أما من
يتمسك باحتمال ضئيل وعلى أساسه ينكر ما تقوم الدلائل على أنه الحق، فهو
الخادع لنفسه الرافض للهداية التي تقتضيها البداهة البشرية
Common sense
التي يقوم عليها تفكيرنا في كل شيء نستقرئه في حياتنا اليومية.
•
الخادع لنفسه يتبنى ما يثبت العقل والعلم أنه
على الأغلب باطل،
وينكر ما احتمال صحته يقترب من مئة بالمئة.
• عندما تكون احتمالية صحة الأمر أو عدم صحته متقاربتين وتكادان
تكونان خمسين بالمئة لكل منهما، في هذه الحال يصعب علينا تمييز الاهتداء عن
خداع النفس، لكن خلافنا مع الملحدين ليس من هذا النوع، حيث الاحتمال العقلي
أن الحياة ولدت صدفة، وتطورت وارتقت بمزيد من الصدفة المحضة لتبلغ ذروتها
في الإحكام والإتقان والروعة التي خلق بها الإنسان، احتمال ذلك وارد من
الناحية العقلية لأن العقل البشري قادر على تخيّله، لكنه احتمال متناهٍ في
الضآلة بحيث يكاد يكون صفراً بالمئة.
الرجوع للفهرس
مصادر سكينة الإيمان
لا تخش الإخفاق
إن من أسباب القلق في حياة الإنسان عموماً الخوف من الإخفاق. هذا النوع من
القلق النفسي يعرفه الطالب الذي يخشى الامتحان خوفاً من الرسوب فيه، ويعرفه
كل من يقدم على مشروع أو تجارة أو أي عمل يحرص حرصاً شديداً على إنجازه
بنجاح ويخاف الإخفاق فيه. وحتى لا يقع المؤمن في مثل هذا القلق، علّمنا
رسولنا محمد ﷺ أن نأخذ بأسباب النجاح ما استطعنا، فنخطط لما نريد القيام به
ونبذل الجهد ونثابر، ولا نعجز فنستسلم للأحلام دون أن نعد للأمر عدته، ودون
أن نسعى في سبيل ما نريد السعي اللازم، فقد سمى النبي محمد ﷺ هذه الحالة من
عدم السعي، ومن الاكتفاء بالتمني "عجزاً"،
ويقابلها: "الكَيْس"،
حيث السعي والأخذ بالأسباب بفطنة المؤمن، واجتهاده، وإتقانه.
عن عوف بن مالك ان النبي ﷺ قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي
الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ﷺ ردوا علي الرجل فقال ما قلت قال قلت
حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ﷺ "إنَّ
اللَّهَ يلومُ على العَجزِ، ولَكِن عليكَ بالكَيسِ، فإذا غلبَكَ أمرٌ فقُل:
حسبيَ اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ" (أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما)
الرجوع للفهرس
أنواع القلق الإنساني
القلق الوجودي
أي: القلق النفسي الملازم لوجود الإنسان، إذ
بمجرد أن يوجد الإنسان، "Exist" ويدرك ذاته، ويعي نفسه، فإن هموماً وأقلاقاً
معينة تفرض نفسها عليه، وتنغص عليه حياته، ما لم يجد لها إجابات مريحة،
ومقنعة.
ومن الهموم والأقلاق (جمع قلق) الوجودية قلق الموت، حيث ليس هنالك إنسان
واحد يعيش على وهم الخلود في الدنيا، فالبشر كلهم على يقين أنهم سيموتون
يوماً ما، وللموت رهبته، وهو مصدر قلق وخوف في حياة الإنسان.
ومن
الأقلاق الوجودية، شعور الإنسان أنه كائن حر مريد، أي: حر وقادر على
الاختيار الحر، ويتساءل عما سيفعله بهذه الحرية، وهذه الإرادة.
ثم
إن الإنسان مخلوق، لا يقدر أن يحيا دون معنى، فهو يعطي لكل شيء في حياته
معنى، ثم يتساءل عن معنى وجوده وحياته، ويكون البحث عن معنى الحياة، واحداً
من أهم الهموم والأقلاق الوجودية عند الإنسان.
الرجوع للفهرس