Consultation books

Arabpsynet

Books Form Consultation

شبكة العلوم النفسية العربية

Books Result Consultation

Title / العنوان

Authors / المؤلف

Traductor / المترجم

Editor / الناشر

Year / سنة النشر

Country / البلد

Size / حجم الكتاب

Category / النوع

Pages Number / عدد الصفحات

Price / السعر

Index / الفهرس

Preface / المقدمة

Summary / الملخص

وسط الضبابية في الفكر الفلسفي والتناقض الأيديولوجي حول كل الإشكاليات الأساسية في الفكر العربي المعاصر، يطرح علي زيعور عبر كتابه الجديد "قطاع الفلسفة الراهن في الذات العربية" مشروعه الفلسفي الرامي إلى التجاوز الاستيعابي الإشكالية، تجاوزا لا يقع في دائرة التوفيقانية المفاهيم الأخرى المرتبطة بها. كما شملت هذه الوحدة والتلفيقانية، بل في إطار عقلاني منفتح يؤسس للاستقلال الفلسفي العربي. إن تحرير الذات العربية من أسر هذه الثنائيات بات ضرورة للخلاص من التبعية والاتجاه نحو البناء والإبداع.
    هذه المغامرة الصعبة هي أساس المشروع الفلسفي لعلي زيعور. فكتابه هو اكثر من قراءة التيارات الفلسفية المعاصرة، انه محاكمة نقدية لهذه التيارات، هدفها النهائي إرساء الفكر الفلسفي العربي على قواعد صلبة وراسخة وبعيدة عن التوتر الإشكالي الذي ما فتىء يتحكم بتوجهاتنا الفكرية والأيديولوجية.
يبدأ المؤلف بتأكيد وجود مدرسة عربية في الفلسفة المعاصرة إزاء التشكيك والتسفيه وعقد النقص: "أنا أرى مدرسة عربية ذات قوام، ولها شخصيتها المستقلة، وعلائقيتها مع الفلسفات في العالم. كما أني أرى في وحدة داخل التيارات الفلسفية المعاصرة". إن الفلسفة مترسخة في الفكر العربي، وهي ليست عالة على الذمة العالمية بل هي محاورة لتلك الذمة ومتفادية الصدام معها. نحن نملك فلاسفة، ومن القسوة والاعتباطية القول بأننا تلميذيون تجمعيون. فالمذهب التجريبي يجب أن يدرس مرتبطا باسم زكي نجيب محمود، والوجدانية يجب أن تقرأ عند عبد الرحمن بدوي وليس عند سارتر أو عند هايديغر. لقد كان الخطاب الفلسفي عندنا وما يزال سباقا حيال الفعل السياسي محللا له ولطرائق الفكر والأيديولوجيات. وعملت فلسفاتنا العربية  الراهنة، بجدية وجدة، من اجل الإنسان، دافعت عن حقوقه، وعن الثقة اللامحدودة بعقله وعن دوره في هذا العالم. 
أما المهمة التي يجب أن تضطلع بها الفلسفة فعظيمة وجليلة. إنها التمثل والتعلم، التخطي والتجاوز، النقد و الاستيعاب، ومتابعة "الرحلة نحو الحقائق ونداءات الأسمى فالأسمى". فالفلسفة يجب أن تكون ضرامية وخلاقة ودفاعية مما يلزمها بان تكون تنشيطية تحريكية، و إعادة مستمرة لقراءة موضوعات العقل والأنساق القديمة والجديدة وموضحة ومنقية للفكر والفعل. وهي بهذا المعنى قيادية ونقدية أن للمجتمع والسلطة أم للفكر والقيم. ما يريده زيعور للفلسفة ليس التجميع والتلفيق الذي يكاتف ويعاضد أو يوفق ويزاوج. فذاك مقال لا يقيم فلسفة، ولا هو مقال فلسفي. ما رويده هو القلق المحرك والتوتر المحرض الخلاق، واللا استقرار الباحث عن التجاوز فالفلسفة يجب أن تكون تغييرية و ألا تنحصر فقط في الشرح والتفسير.
في إطار هذا المفهوم للفلسفة تعامل علي زيعور مع الإشكاليات الأساسية في الفكر العربي المعاصر، وعلى ضوئه طبق منهجيته النقدية الاستيعابية على التيارات الفلسفية العربية المعاصرة. فرأى أن الفلسفة في فكرنا المعاصر ليست تابعة للدين. إنها هي هي، هي نفسها، ليست هي الدين وليست هي العلم وليست هي السياسة. وبصفتها تمتلك خصائص الشخصية. فقد غدا المسعى الفلسفي ذا وجه خاص، ونشاط مستقل يدافع عن حريته. لكن الانفتاح على المتعالي ضرورة لا لبس فيها، ولا إشكال. فالإنسان والعالم والمطلق هي مقومات الفلسفة. أننا هي في وحدة، في كل أو بنية، لا نعرف العالم بدون إنسان ولا نعرف هذا بمعزل عن ذاك. وإذا كان لكل من الفلسفة والدين ميدانه ومنهجيته، فليس مطروحا الخيار دين نقيضين، إذ أن النفي المتبادل، والقول بقطيعة معرفية بين الاثنين، عمل غير فلسفي، انه انغلاق وإرهاب وعبادة للذات. وبهذا المنظار، العلمانية ليست، في قطاع عريض ضمن فلسفتنا المعاصرة، عداء للإسلام. العلمانية متعددة المستويات، ومن التبسيط اعتبارها مرعبة لأحد أو لتيار.
ويطرح زيعور موقفا من الغرب بعيد عن الطرح الإشكالي السائد. الاختلاف عن الغرب وعن التجربة الروسية السوفياتية، في نظره، لا يعني القطيعة والعداء، بل التغاير. يقول زيعور: "لا أستطيع أن أكون ولا أريد أن أكون، إلا أنا نفسي، إلا أنا، إلا نفسي، أي أنا اطلب الاختلاف، وأنا مغاير، تجاه النمط أو الأنماط القائمة اليوم في الفكر والحضارة. لا اختزل الآخرين بحيث يصيرون أنا. ولا أنا اختزل نفسي حتى أغدو: هم (...) صراع المتغيرات ضرورة، وصائب، وله مردودية إيجابية على التقدم. المتصارعان يتناقحان، يتفاعلان، وقد يصلان إلى حيث الوحدة والتكامل".
الاختلاف إذا، هو تعزيز للصداقة وليس إلغاء لها. انه، إعادة تدقيق تجعل الوحدة، المتحد أو الكل متأسسة على الوعي ثم على الإرادة، على التجاوز والتفاهم، على الديموقراطية والحرية، واحترام الخصوصيات وحقوق الذات. هذا الموقف إنما ينطوي على الإيمان بالطبيعة التمددية للفلسفة: "ليست الفلسفة واحدية الطبيعية" بل هي متعددة الصفة والمناحي والتيارات. وهي تأخذ الإنسان بجمعيته وكليته. لا تفصله عن انغراساته في العلائق والحي، في المجتمع والتاريخ. من هنا كان تأكيد زيعور على التنوع والتحاور، فكل حوار نافع ومتحرك دليل عافية فكرية، وكل عطاء فلسفي يجوز على إيجابية.
ويبدي زيعور انحيازه إلى العقلانية. فالفلسفة لا تستطع أن تستمر في مكانها الرفيع إلا بالتعزيز المتواصل للعقلانية، لعقلانية تتخطى "العقلانية الغربية" التي تسند و تدعم القوة الجائرة، والاستلابات، والمصلحة الأنانية والمنفحة الخاصة. عقلانية لا تبلغ درجة القول بان العقل هو الأسبق أو طبيعة أبدية واحدة تطغى على ما هو تجريبي، ولا تتوافق مع المذاهب البنيوية أو مع الكانطية حول النسق والبنية، وقوانين العقل المسبقة اللاتاريخية الخالدة، عقلانية زيعور هي عقلانية مؤنسنة ومؤنسنة، تأخذ الإنسان ككائن، تكامل بين إبعاده في كل مترابط حي متفاعل.
على ضوء هذه العقلانية المنفتحة، وبمنهج نقداني استيعابي، تصدى علي زيعور لتعديد سمات الخطاب الفلسفي العربي  الراهن، وتقييم العطاءات الفلسفية العربية الكبرى المعاصرة. فرأى أن التيارات الفلسفية الكبرى تتلاقى متفادية متصارعة، حول التفكير في المقل القائم، تتوزعها هموم ثلاث: هم معرفي وهم تحليلي نقدي وهم أيديولوجي.
تشترك هذه التيارات في الاهتمام بالإنسان من حيث حقوقه كمواطن داخل مجتمع. تنشغل بما هو عملي، وبالمعيوش، وتلتزم بالدفاع عن الحرية ضد طغيان المال والسلطة والآلة، وتسبر مشكلات الانت والآخر والتواصل العلائقية. وتتميز الفلسفة في التجربة الراهنة عن الدين في بعض من المكان والزمان، وتزخر في خطابنا الفلسفي التوجهات صوب المختلف، وما هو فجوة، وأطراف أو هامشي، وما هو مطرود ومسكوت عنه، وما هو صامت ومتوتر، وما هو ظلي ورمزي. ويهاجم فلاسفتنا الأنساق، أو العمارات الفلسفية الضخمة التي تفرق في المتشابه وتدخل الجميع في الواحد والآحادي والكلياني. ويقترب التصور الفلسفي للعالم أو  للحياة من أن يكون مادي الاتجاه- ماديانيا. وفي بعض تياراتنا الفلسفية كالوجدانية والشخصانية والجوانية ارتداد إلى الانفعال والأحاسيس، إلى  النزعة والرغبة والحدس. ومن أكبر سمات فكرنا الفلسفي الراهن شغفه بالعقلانية، واعتباره بان المقل هو الحل والملاذ، المنقذ والبطل، السحر والساحر، الأداة والغاية. لكن السمات العامة لا تنفي التميز والاختلاف داخل الفكر العربي الراهن حيث الاتجاهات الوضعانية والماركسية والوجدانية والشخصانية والعلمانية.
ولقد تصدى المؤلف لهذه الاتجاهات في العمق وخري بموقف نقدي من ممثليها البارزين مثل زكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي وحسين مروة ومحمد اركون وحسن حنفي.
فزكي محمود هو تجربة داخل فكرنا المعاصر أرسى عادات في التفكير والإنتاج والتقييم غير تلك التي كانت متحكمة في الخطاب التأسيسي العربي والإسلامي هي: التجريب والمنطق الوضعي، العلم والعقل. ويحمد لزكي محمود، المفكر الأبرز في فضاء الوضعانية العربية، اغناءه للنظر الفلسفي العربي . فقد كشف عن أصالة واسهم في مضمار التفكير الفلسفي المحض بعمله سلاح النقدانية، في وجه واقع مثخن بالانجراحات والندوب، وداخل وعي فكري متوتر ومشحون برواسب التجربة الاستعمارية المأساوية.
ولكن زكي محمود اخطأ إذ ظن أن العقلانية بضاعة باهظة تستورد في علبة أنيقة غالية: فالعقلانية تفرض أن لا نبتر الإنسان، والمنطق الأنضج و الأوعد يكون من الكلي والوحدة بحيث نؤنسن الذات العربية باستمرار باتجاه تحقيق المرجو وتخطي القائم.
أما عبد الرحمن بدوي فهو مصنع كبير للفكر و لخطاب فلسفي ولتجربة إبداعية خلاقة. لقد فتح آفاقا واسعة، ونفذ مشروعا حضاريا وثقافيا يفرض علينا إغناءه و إعادة التدقيق فيه. فبدوي ارتاد مناطق مجهولة ونقل إلى  العربية  نصوصا مفيدة مثرية. وفند نظرا أوروبيا أيديولوجيا في الإسلام، وقدم بلغة عالمية، بضاعة فلسفية تغني الامتلاكي والكينوني.
وينكشف حسين مروة غير قادر على الاستقلال في أحكامه. وهو ذو منطق أهوائي، يقدم النتائج قبل التحليل، يقفز إلى  ما رويد، فرق ما هو واقع وقائم. من هنا يبرز عمله كعمل مستشرق سوفياتي، أو  عربي  متسفيت، يجعل الفلسفة سياسة أو  خطة عمل ونضال. فالفكر الماركسي الذي لم ينفك عن الترداد بوثوقية واطلاقية انه نكر المستقبل، أو  افضل أداة معرفية، والمنهجية الوحيدة الصائبة، يتقزم أو  يضمر على يد مروة. وقد لا يكون من اللائق الربط بين حسين مروة، في عمله على تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية، ومرحلة الصراع السوفياتي ضد خصومه في العالم أو  ضد الاستعمار والاستتباع. إن تكرار مكرورات المدرسة السوفياتية لا يولد فكرا خلاقا ولا يوفر لجماهيرنا المعجزة من "الاشتراكية العلمية". ولكن مروة مع ذلك أجرى داخل الوعي العربي  تيارا جديدا مختلفا ومهتما بالمطرود والمنسي، بالاقتصادي والاجتماعي، بالأسس المادية والتشكيلات الاجتماعية، بالمهمش والمظلوم.
وينتصر الفكر العربي  بمحمد اركون، ومعه يترسخ الخطاب الذي يثق حتى التطرف بالإنسان المشرع لذاته، الخالق لقيمه وحقائقه. فتجربة اركون عينة ناجحة، تمثل مرحلة ثرية في تاريخ الفكر العربي  كما في قراءة الإسلام والغرب وما بينهما من مكشوف ومحجوب وواقعي ورمزي وتخيلي.
وفي خطاب حسن حنفي ما يلفت في تضخيمه التهويلي لدور الفلسفة، وقدرتها على التفسير والتغيير، ولسلطة لها تقف في وجه السلطة السياسية وتطمح للقيادة والهيمنة. ولكن حنفي ما زال يحتاج إلى  التحرر من اللاواعي والشاعري أو  الرمزي أو  الأيديولوجي.
أما الإلحاد في رأي زيعور فلا يرادف التنوير أو العقلانية المطلقة، ولا هو الحرية المنقذة، وليس هو عماد الفعل السياسي المخلص. والملاحظ أن الفكر العربي  اكتفي فقط بتمثل ما هو إمكان في الإلحاد: كالأيديولوجية الداعية للتأسيس على العلم، والدعوة إلى  جعل العقل قائدا، ومن ثم الدعوة إلى  الحرية، والتركيز على قيمة الإنسان في حد ذاته.
يبقى أن المسائل المتشعبة والشائكة التي طرحها زيعور، أوسع واكبر من أن تستنفد في مقالة لا تغني في احسن الحالات عن قراءة كتابه. ونكتفي هنا بتسجيل بعض أفكارنا وتأملاتنا على هامش المشروع الفلسفي الذي يعمل عليه المؤلف.
أ- بشكل "تطاع الفلسفة الراهن في الذات العربية"  تقدما نوعيا باتجاه بلورة معالم الفكر الفلسفي العربي ، وهو يندرج، في نظرنا، في سياق المشروع الفلسفي العظيم الذي يعمل عليه محمد اركون وناصيف نصار وهشام شرابي، مشروع عقلنة الوعي العربي  وتحرير الإنسان العربي من اسر الاستلابات الأيديولوجية ومن المفاهيم الملتبسة والإشكاليات الزائفة.
ب- إن التعامل بمنهجية النقد الاستيعابي مع التيارات الفلسفية العربية الراهنة، يعيد الثقة إلى  الفكر الفلسفي العربي  ويجعله يندفع في منحى تجاوزي، وقادر في الوقت ذاته على استيعاب الدين والإيمان والتراث، على عكس النقد الجذري الذي ينحرف إلى  سجال صدامي مع السائد والمتعارف عليه، نتيجته الحتمية تكريس القطيعة بين المثقف والجماهير، بين الفكر والواقع، بين الكائن والواجب.
ج- تتميز "نقدانية" زيعور بعدم الانحياز الأيديولوجي والبعد عن القطبية. تتوخى الدقة والموضوعية وتفتش عما هو أصيل في كل فلسفة وتيار. ومن الملاحظ تأثره بمناهج علم النفس العيادية في الكشف عن المستور والمنسي والنفساني في تفسيره لبعض الاتجاهات الفلسفية المعاصرة.
د- استطاع المؤلف أن يكشف عن الترابط بين التيارات الفلسفية العربية المعاصرة، وان يحرك عملية الحفر والتنقيب في الخلفيات والدوافع التي ترجه فكرنا الفلسفي المعاصر وتفسره.
كل- أرسى علي زيعور فكره الفلسفي على قيم الحوار والتسامح والتعددية والاستيعاب، وهي قيم مهددة في ثقافتنا الراهنة مع تنامي النظرة الآحادية والتطرف ورفض الآخر وتحول النقد إلى  تدمير وعدوانية.
تساؤلات بل هموم كبيرة وكبيرة تساورنا ونحن نخرج من قراءة كتاب زيعور الجديد: كيف نجعل عقلانية أركون ونصار وشرابي وزيعور تنغرس في عصب فكرنا الفلسفي والسياسي والاجتماعي وفي فكرنا الشعبي أيضا كيف نجعل العقلانية الرحبة والمتسامحة والمنفتحة تحل محل الادلجة والتسفيه والهجاء القبلي؟ متى تصبح نقدانية زيعور الاستيعابية البديل عن الرفض والإلغاء، فيحل التحاور محل التنابذ ويغدر الاعتراف بالآخر من مقوماتنا الفكرية الثابتة؟ فهل ستبقى جهودنا الفلسفية بلا طائل ولا مردود؟ نتكلم عن العقلانية والحوار والانفتاح في الدراسات والجامعات، ونشهد مجزرة العقل وحوار الهراوات والسكاكين في الشوارع والساحات. نعترف بالآخر في فكرنا ومؤلفاتنا بينما تفصل بين  مذاهبنا وعقائدنا وأحزابنا.
يبقى أن نأمل كثيرا. فمؤلف زيعور الجديد يشهد بان فكرنا الفلسفي بخير وان شماعات منه لا بد أن تتسرب إلى  واقعنا السياسي والاجتماعي وثقافتنا الشعبية، قد تحرق الهشيم وتكشف الطريق.

Arabpsynet

www.arabpsynet.com

شبكة العلوم النفسية العربية