Summary / Résumés :

 ملخص :يعاني الفكر العلمي من كوابيس عديدة وهو يخشى أن يراها تتحقق وتتحول الى كوارث تطال آثارها الانسانية جمعاء . ومن هذه الكوابيس الغاء الفرضيات الصحيحة على مبدأ تعدد الوجوه للحقيقة الواحدة. فالنظريات التي تبدو متعارضة لا تكون كذلك بالضرورة فالانقسام الذي ساد بين مؤيدي نظرية الجزئيات (نيوتن) وبين نظرية الموجات (بوكو) لم يكن مبررا بدليل ما ظهر لاحقا من نظريات اكدت على كون كليتهما صحيحتين وإنما تتفاعلان على مستويات مختلفة. كما نذكر من هذه الكوارث تلك المتعلقة بإساءة استخدام العلوم. هذا الكابوس الذي دفع بدافنشي الى تدمير العديد من تصوراته الخلاقة (حتى لا يساء استخدامها) وحدا بألفرد نوبلالى انشاء الجائزة المعروفة باسمه. وهذا الكابوس عينة يراود اليوم الباحثين في ميدان الجينات الذين يرغبون أن تؤدي أبحاثهم لانتاج الكائن المتفوق ويخشون أن ينحصر هذا الانتاج في فئات من البشر دون غيرها. انطلاقا من هذه الكوابيس وكثيرة غيرها برزت لدى المفكرين الانسانيين نزعة انسانية تبذل محاولات جاهدة للوصول بالفكر العلمي الى مستوى الانسنة بحيث يتقاسم الأفراد ثمار الحضارة الانسانية بغض النظر عن أي اعتبار سوى انسانيتهم. وفي هذا السياق يأتي مشروع إحدى المؤسسات الأمريكية للأبحاث. وتمحور حول قياس نسبة المعاناة الانسانية وتوزيعها الجغرافي. وذلك اعتمادا على قياس عوامل عشرة هي التالية: 1- متوسط الأعمار 2- مستوى التغذية 3- مدى توافر مياه الشرب الصحية 4- مدى توافر لقاحات الأطفال 5- مستوى الاقبال على التعليم الثانوي 6- متوسط دخل الفرد 7- معدل التضخم المالي 8- مدى الافادة من تكنولوجيا الاتصال 9- مستوى الحرية السياسية 10- مدى تمتع الفرد بحقوقه المدنية. على أن تعطي علامة تتراوح بين علامة واحدة وعشر علامات لكل من هذه المتغيرات ولقد توصلت هذه الدراسة الى النتائج التالية : أ‌- أن هناك 27 دولة (8% من سكان العالم) تقع في فئة المعاناة القصوى من البؤس (اذ حصلت 25 علامة أو أقل مما يعني معاناته البؤس هي في حدود 75% ). وتأتي الموزامبيق في أسفل السلم (93%) ب‌- تناولت الدراسة 141 بلدا جاء الدنمارك في مقدمتها بوصفه الأقل معاناة والموزامبيق في المؤخرة بوصفها الأكثر معاناة. وفي المقارنة بين البلدين نجد: - متوسط الأعمار في الدنمارك 75 سنة مقابل 48 سنة الموزامبيق - متوسط الدخل الفردي في الدانمارك 20 الف دولار مقابل 80 الف دولارا في الموزامبيق - نسبة التضخم في الدانمارك 2%مقابل 80%في الموزامبيق - الاقبال على التعليم في الدانمارك 95% مقابل 4% في الموزامبيق - نسبة وفيات الأطفال في الدانمارك 1% مقابل 14% في الموزامبيق ونكتفي بهذا القدر من عرضنا لنتائج الدراسة حتى نطرح اشكالية المنهجية التي تقرأ هذه النتائج. فالقراءة التي يقدمها المشرفون على هذه الدراسة هي قراءة رقمية بحتة. وذلك بحيث تحولت نتائج الدراسة الى التأكيد على وجود دول غنية ودول فقيرة ودول دائنة وأخرى مدينة وشعوب بائسة ومتخلفة واخرى مدينة وشعوب بائسة ومتخلفة وأخرى غنية ومتطورة... الخ. فهل يمكن للمعاناة الانسانية أن تقيم على هذا النحو؟ وهل يمكن أن تتوقف انسانية البحث العلمي عند حدود توجيه النصائح بتحديد النسل لدى شعوب لا يعيش أفرادها أكثر من 48 سنة في المتوسط ويموت أطفالها جوعا؟ وإذا ما حدث واصر بعضهم على قراءة هذه النتائج بأساليب أخرى فإن البعض يتعرض لاتهامات عديدة كالراديكالية والفوضوية وغيرها. هذا إذا كان القراء منتمين الى العالم الأول أما في حال انتمائهم للعالم الثالث فإن لهم حرية أكبر بسبب عجزهم عن الاتصال بالجمهور ( وخاصة جمهور الدول المتقدمة)والمعوقات الأساسية لهذا الاتصال. وهذا الواقع هو اللمات الأساسية المميزة لعبثية الراهن العلمي- الانساني. إلا أن السمة العظمى لهذه العبثة تكمن في كون مجمل هذه الدراسات متصفة بآحادية الاتجاه. بمعنى أن الدارسين ينتمون الى العالم الأول ويحملون أفكاره المسبقة لدى تصديهم لدراسة العالم الثالث. وهم لا يملكون دراسات، في الاتجاه المعاكس ، كي يهتدوا بها. وعن هذه الأحادية يتفرع التقسيم الى دول ضعيفة ودول قوية والى دول أرقى يحق لباحثيها تقويم مستوى الحريات والحماية والارهاب في الدول الأدنى. وذلك مع الاهتداء بالإحصاءات المعلنة في الدول الأرقى حول هذه المواضيع . كما أن السير في الاتجاه المعاكس محظر وممنوع بشكل حاسم. فهل يمكن لباحث من العالم الثالث أن يطلع على المعطيات الحقيقية لمواضيع الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والارهاب وأثرها في مستوى الأمن والحريات في الدول المتقدمة نفسها ومن ثم في سائر أنحاء العالم؟ قولنا هذا لا يعني معارضة هذه الدراسات وإنما تأكيد على أن نبل أهدافنا لا يستطيع أن يعطيها الموضوعية اللازمة كي تقدم الحلول الجاهزة للآخرين. علاوة على محاولة فرض هذه الحلول بقوى الاعلام والاقناع والضغط السياسي. ولنأخذ الحالة اللبنانية تحديدا حيث يوحى بصرف الملايين على مشاكل تقدفي أدنى سلو الأولويات بالنسبة الى بلد يحتاج الى إعادة نظر منهجية في هيكلياته الأساسية. ففي لبنان نجد محاولة، بل محاولات، ضاغطة للاهتمام بموضوع الادمان والاتجار بالمخدرات. هذا في حين يصرح برنار فاهي ( رئيس وفد برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات) بالقول : " لا يوجد انتشار مهم للإدمان في لبنان وبكل سرور أقول أن اللبناني لا يقع تحت سلطة الادمان... الخ" ومع ذلك يصر بعض الخاضعين للايحاء على القول ان احصاءاتهم تشير الى وجود 350 ألف مدمن (1989) ومئة ألف مدمن ( شباط 1992) وسبعين ألف مدمن ( أيار 1992) هذا علما أن نفس الجهة هي الي تذيع هذه الاحصاءات المتناقضة والوهمية. وهكذا نقع في أثر الايحاء الذي يتضخم لدى بعضهم الى درجة الحصول على أذن رسميللاتصال بتلامذة المدارس من أجل توعيتهم (في الواقع اثارة فضولهم) لأخطار المخدرات مما تقدم يتضح لنا أن المسألة انما تتعلق بالمنهجية ولنا على منهجية هذه الدراسات مآخذ عديدة نعرضها بقصد الحؤول دون قيام باحثينا بتقليد هذه المنهجية وصولا الى نتائج متشابهة ايحائيا. وهذه المآخذ هي: أ‌- العوامل العشرة (التي اعتمدت عليها الدراسة) هي عوامل نسبية وغير ثابتة. إذ يمكن للزلازل والبراكين وموجات الأمراض أن تحصد الآلاف من السكان بغض النظر عن الدولة التي يعيشون فيها. أما مستوى التغذية فإنه لا يتسم بصدق الدلالة الا في المجتمعات الجائعة. ومتوسط دخل الفرد يفقد معناه ودلالته في الدول النامية حيث الفروقات الطبقية الهائلة. هذا علاوة على نسبة معايير تقييم الحريات والحقوق المدنية ب‌- اعتماد مبدأ العلامات لكل عامل من العوامل . وهذا الاعتماد يعكس الميل لتحويل المعاناة الانسانية والانسان نفسه الى مجموعة أرقام. ولسنا بحاجة الى مناقشة خطر هذا التحويل. ت‌- الغاء خصائص الشعوب والأفراد. وهنا نتساءل مثلا عن غياب عامل يفوق في أهميته العوامل العشرة (التي اعتمدتها الدراسة) مجتمعة. ونقصد بهذا العامل: "نسبة الانتحار" التي تعكس بصورة أصدق مستويات البؤس. وكذلك العوامل المتعلقة بالبؤس المعنوي الذي تتعرض له شعوب كاملة. حتى أن هذه الدراسة لم تأخذ في اعتبارها أيا من هذه العوامل نهاية نقول أن انتقاداتنا لا تلغي منهجية الدراسة ولا طريقة قراءتها وإنما هي طريقة أخرى في رؤية الحقيقة وهي في اعتقادنا وسيلة لرؤية أوضح لهذه الحقيقة. ونحن إذ نختلف في رؤية كل منا لهذه الحقيقة فإننا نرد هذا الاختلاف الى تفاوت مستويات الطرح وقنواته وليس الى خطأ رؤية وصواب الخزى. فالعالم ليس بذلك الشيء الجامد والثابت بل هو قابل لإعادة التشكيل وبهذا فإن الانسان يبتدع عالمه من خلال مجموعة السيروراتالتي لا تتوقف عند حدود الأشخاص أو الأفكار أو النظريات. لأن هذا العالم يسير نحو النمو والتطور ومستقبله يتكون في الحاضر من خلال الممكنات التي نتقبلها من هذا الحاضر.وهذا ما سيجعل من هذه الممكنات أمورا بديهية أو مستحيلة. والرقي الانساني في نموه يستتبع احترام جميع الآراء (حتى ما بدا لنا منها باطلا أو مقصرا عن استيعاب الواقع) طالما أن أصحابها يعتنقونها بإيمان وبصدق. وعن هذا الاحترام ينبع الاعتراف الناجز بالآخر وصولا الى التعاون معه في سبيل رؤية شمولية وتسامحا للواقع، وذلك بعيدا عن أي تمييز وعن كل أنواع الأفكار المسبقة التي تسيء الى العالم من خلال تعاملها مع الحقيقة على أنها ثابتة وجامدة ومصبوبة في قوالب لا تشبهها على الاطلاق. انطلاقا من هذه النظرة نعلن عدم إيماننا بمواقف الرفض الساذج وكذلك بعدنا عن تبنيها المجاني شأن العقول الأسيرة. فنحن نتفق على شمولية منطلقات هذه الدراسة الهادفة الى معاينة وتسجيل المعاناة البشرية. ولكننا نفرق هنا بين البعد العلمي الانساني لهذه الدراسة وبين بعدها الايديولوجي. ومعيار هذا التفريق هو الفاعلية الاجرائية لنتائج هذه الدراسة بالمقارنة مع المعطيات الموضوعية لواقع الدول النامية اجمالا ودولنا العربية خصوصا وهكذا نلاحظ ان لهذه الدراسة بعدا ايديولوجيا باطنيا هدفه فرض النموذج الفكري الأمريكي كنموذج موحد يهيمن على الفكر العالمي. وفي هذا السياق تأتي مثل هذه الدراسة وكأنها حصان طروادة الذي يتسلل عبره الفكر الأمريكي الى الدول النامية. ومن هذه السمات ذكرناايديولوجية تصنيف الدول الى غنية وفقيرة وتحويل المعاناة الى أرقام... الخ وننتقل الآن الى مناقشة الفعالية الاجرائية لنتائج الدراسة. فنرى أن هذه النتائج قد حددت سلفا من خلال منهجية الدراسة. ماذا نفعل؟ هل نطلب من هذه الأمم تحديد النسل ومتوسط عمرها لا يتجاوز الخمسين سنة؟ أم نطلب منها رفع مستوى الدخل الفردي وهي تعاني التضخم والمديونية؟أم تأمين التعليم الجامعي. وهي تكاد تعاني المجاعة؟... الخ من هذه الحلول التي يسوقها الاعلام الغربي وينيء لها المؤسسات في الدول النامية. وذلك على طريقة الملكة التي نصحت شعبها بأكل البيسكويت عندما يفتقد الخبز! وبهذا نصل للسؤال عن الحل. فما هو الحل إذا؟ إن الحلول كثيرة وجميعها تبدأ من ملكيتنا للقدرة على الفصل بين ما هو علمي- انساني وبين ما هو ايديولوجي وهذا يعني في ما يعنيه ان نهتدي بأرقام هذه الدراسة ولكن ان نتجنب اثرها الايديولودجي الايحائي. فإذا ما أردنا مباشرة دراسة من هذا النوع تجنبنا الانطلاق من العوامل العشرة وأرقامها وعلاماتها الى منطلقات أكثر انسانية والتصاقا بالواقع المعيشي من قبلنا والمجهول من قبل الباحث الغربي وبهذا قد نصل الى الحلول التي تتناسب مع واقعنا وهي كثيرة. وفي البداية علينا نعقيل واقعنا من هنا كان انتقاء مواد هذا العدد على النحو التالي: 1- مقابلة مع ديقرية يتحدث فيها عن خاصية الاعراق في استيعاب الأبعاد النفسية 2- حالة تحليلية تؤكد على ذاتية المعايشة 3- الانسان والدواء في نظرة مستقبلية لممكنات العقل الانساني 4- مجموعة تقارير لأطباء لبنانيين يظهرون من خلالها خاصية وظروف العيادة اللبنانية. ومن بينها تقرير للدكتور نبيه خير يتكلم فيه على حالات سكري غير معروفة في الأدب الطبي 5- أخبار الحمقى والمغفلين التي تأكد إدراك العرب للأبعاد النفسية 6- مكتبة المجلة حيث تطرح للمناقشة مجموعة من الكتب التي تلامس مواضيع الخاصية والأفكار المسبقة والمستوى الانساني للبحث 7- معجم الثقافة النفسية لمصطلحات علم النفس ونختم العدد بدليل الكتاب النفسي العربي والله ولي التوفيق رئيس التحرير