Arabpsynet

أبحاث أصيلة / Original papers

شبكة العلوم النفسية العربية

 

الأبعـاد الباراسايكولوجيـة فـي شخصيـة طفــل الانتفاضـة

د. محمد فيصل خير الزراد

أستاذ و رئيس قسم علم النفس السريري – مستشفى الطب النفسي الجديد – أبو ظبي / الإمارات العربية المتحدة

E.mail : drzarrad@adnph.com

 

    لا شك بأن طفل الانتفاضة بما حققه من نصر وصمود (عجز الكبار عن تحقيقه) يجعلنا نحن عالم الكبار نقف وقفة تقدير و إعجاب، وانحناء لهذا الطفل العربي الفلسطيني الذي يدافع عن شمه ووطنه وعن كرامة أمته العربية والإسلامية، وبكل شجاعة، و إرادة، وصمود، وإكبار في المواجهة وفي التضحية والجهاد وفي الكر و الفر مع أشرس الأعداء الصهاينة ودون أن يتسرب الخوف والارتباك أو القلق إلى نفسية هذا الطفل بالرغم من المخاطر المحدقة به. إننا نلاحظ بأن طفل الانتفاضة هو طفل تخلى عن طفولته وسبق زمنه، وكبر قبل أوانه، ووقف إلى جانب الكبار ليمدهم بطاقاته، وليساهم في تقرير مصيره وفي وجوده لدرجة الإعجاب والإبداع، ولدرجة تجعلنا نشعر بأن ظاهرة طفل الانتفاضة هي ظاهرة غير عادية، أو هي ظاهرة خارقة لم نلحظها لدى أي من أطفال العالم، ولم تسجل تاريخ الحروب والمواجهات مثل هذه الظاهرة التي تعمل على تحويل الطفولة البريئة أو البسيطة إلى قنبلة موقوتة، أو إلى طاقة فعالة وضريبة وعلى أرض الواقع، وفي أشد الظروف الصعبة، والضغوط النفسية والمادية قسوة، مما يجعلنا نتساءل عن السر في ذلك وعن اللامعقولية فيما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه عبر شاشات التلفاز، والإذاعات والصحف والمجلات من أن طفل صغير لا يتجاوز الثانية عشر من عمره (مثل الطفل محمد الدرة وغيره) وقف صامدا في مواجهة أفراد العدو الصهيوني الذين يملكون السلاح والعتاد والتقنيات وهو لا يملك إلا سلاح الحجر إلى جانب الإيمان بالله وبالقضية وبالجهاد..

    لقد كنا جميعا أطفالا وللطفولة خصائصها التي تميزها عن خصائص الكبار والراشدين، وكلنا يعلم بأن من خصائص الطفولة وطبيعتها أن الطفل يخاف ويقلق ويتردد وينفعل ويهرب من كل ما يهدد ذاته ووجوده. فهو يخاف من مواجهة الكبار... الخ. وهذا لأن الطفل ما زال صغيرا، في نموه، و ضعيفا في قدراته، ومحدودا في خبراته في الحياة ومازال في حاجة إلى رعاية، وحماية، ومساعدة وتوجيه الكبار من حوله وحتى يشتد عوده، وتنضج قدراته وتزداد خبراته.. ومن الطبيعي أن شخصية الطفل تؤثر فيهـا مجموعة عوامل تربوية وأسرية، و اجتماعية، وصحية، وفكرية، ودينية، وحضارية ومادية..

    ويتم ذلك عن طريق عوامل التنشئة الأسرية والاجتماعية، و التعلم المدرسي، والتعلم الاجتماعي والمحاكاة للكبار، والتدريب بالإضافة إلى فرص التعلم المتاحة للطفل والأصدقاء والأعلام.. وبذلك يتم بناء شخصية الطفل وتكوين خصائصه وسماته التي تميزه عن الأطفال الآخرين من مثل عمره (سواء السمات الإيجابية أو السمات السلبية).

    إن من عادة الأطفال إذا وجدوا في ظروف ضاغطة أو شعروا بضغط الكبار الأقوياء تنازلوا تدريجيا عن استجاباتهم، وإذا كانت هذه الضغوط قوية وحاسمة تخلى الطفل عن توازنه النفسي والجسمي والعقلي إرضاء للآخرين الكبار من حوله ويكون بذلك معرضا إلى أحاسيس القهر والإحباط ومشاعر النقص والهزيمة، وفقدان الأمن الداخلي، لهذا فان التوازن النفسي و الروحي والجسمي لدى الطفل غالبا ما يكون معتمدا على مواقف الآخرين (الكبار) و مشاعرهم و مزاجهم وسلوكياتهم بمعنى آخر يكون سلوك الطفل وردود أفعاله دفاعية أو تعويضية.. ولكن طفل الانتفاضة هو طفل يشبه الأطفال الآخرين و يختلف عنهم في نفس الوقت، يشبههم بطفولته ومرحلة نموه، ويختلف عنهم في سماته و سلوكياته. إنه طفل لا يخاف ولا يقلق و لا يرتبك في مواجهة الكبار، وشجاعته فائقة و إرادته قوية وصموده عظيم، ومعنوياته عالية، ولا يعتمد في توازنه النفسي والفكري والجسمي (كليا) أو على مشاعر الآخرين (الكبار) أو على مزاجهم أو تهديداتهم. أو ضغوطهم.. إلخ.

    فهـو طفل وراشد في نفس الوقت، صغير و كبير، طفل ولا طفل. بل إنه لا طفل ولا راشد إنه فوق كل هذا وذاك إنه معجزة، أو ظاهرة غير عادية، ظاهرة خارقة مبدعة (كما أشرنا في السابق) عملت على تحقيق المستحيل وما عجز عنه الكبار والقادة والسياسيين، إن طفل الانتفاضة لا يتخلى عن توازنه النفسي بل إن تحقيق توازنه هو الهدف الذي يسعى للحفاظ عليه وهو ما يجعله يستجمع طاقاته وقدراته ليتحكم بها ويستفيد منها في مواجهاته.

    وتبقى أحاسيس هذا الطفل ومشاعره منسجمة مع أحاسيس الصغار والكبار من حوله، وكذلك فإن الضغوط التي يواجهها كلما اشتدت قربته من مصادر قوته أو طاقته الداخلية، هذه الطاقة الداخلية، التي تعمق إحساسه بالثقة، و القوة، و الإرادة والشجاعة، وتدفعه إلى النصر.

     ولكن ما هي مصادر هذه الطاقة الخلاقة لدى طفل الانتفاضة؟ أو بمعنى آخر ما الذي جعل طفل الحجارة لا يخاف، ولا يقلق ولا يرتبك وهو يواجه المخاطر وجنود الصهاينة، ويرى الجرحى و الشهداء و يسمع الانفجارات، ويشاهد الدماء والدمار والمخاطر تحدق به من كل مكان ... للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من الإشارة إلى بعض العوامل السيكولوجية و أخبار السايكولوجية حتى نقف على تفسير واقعي وموضوعي لخصائص طفل الانتفاضة، ولان التفسيرات المادية أو الظاهرية واضحة تماما حيث نشاهد طفلا صغيرا عتاده الحجر فقط يواجه جنودا صهاينة مدربين و مدججين بأسلحتهم وتقنياتهم والمنطق يقول بأن النصر سيكون حتما لهؤلاء الصهاينة الأقوى ماديا ولكن الحقيقة هي غير ذلك وهي أن هذا الطفل الصغير يملك من الطاقات ما يفوق كثيرا ما يملكه الصهاينة من هذه الطاقات أو من مولدات الطاقة و التي يملكها طفل الانتفاضة وعلى سبيل المثال ما يلي:

1-  أن طفل الانتفاضة يشعر بأنه صاحب قضية عادلة وأنه مظلوم، وعلى حق وهو يقاتل مغتصب قام باحتلال أرضه وانتهاك كرامته، فهو طفل غير معتد، وغير مجرم وغير مغتصب وغير مذنب.. وهذا الإحساس يولد لدى طفل الانتفاضة طاقة عالية ودافعية للجهاد والمواجهة و لاسترداد  الحق ودون إحساس  بالإثم أو الذنب أو الخطأ فيما يفعله. أما العدو فإنه يدرك تماما في قرارة نفسه أنه معتد ومحتل وظالم، ومجرم، وإرهابي، وإنه مرتزق ولا يقاتل من أجل قضية عادلة ... و لهذا نجد معنويات العدو هابطة مع الإحساس بالخوف والقلق والصراع، والهزيمة، وقد يكبت أفراد العدو هذه المشاعر السلبية، وينفذ ما تملي عليه قيادته دون أن يكون لديه إرادة أو قدرة على اتخاذ القرار أو يتمكن من الفرار من المعركة أو من الهزيمة.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستوي الحق والباطل.. الظالم والمظلوم.. الإيمان والكفر.. الحقيقة و الوهم.

لهذا ليس غريبا أن نجد العدو الصهيوني يقوم بتكثيف اعتداءاته، وجرائمه ضد الأطفال، والنساء، والشيوخ والممتلكات و ذلك من أجل أن يخفف من صراعاته النفسية المؤلمة ومن مشاعر الخوف والقلق لديه (وان يكن ذلك بشكل مزيف أو خيالي) وحتى يوحي لنفسه انه مازال قويا وان بإمكانه مواجهة أطفال الانتفاضة وكل انتفاضة، ولكن حقيقة مشاعره تكون عكس ذلك. لذلك فان القاعدة النفسية تقول بأنه كلما كثف العدو الصهيوني اعتداءاته، وجرائمه كلما دل على خوف ووهن وقلق وضعف إرادة.. وعلى الإحساس بالهزيمة.. الخ.

2-  كنت قد نشرت في مقال سابق حول سيكولوجية أطفال الانتفاضة في مجلة الكفاح العربي 10/11/ 2000 م أن طفل الانتفاضة يكتسب خبراته عن طريق القدوة ومحاكاة الآخرين الصغار والكبار من حوله والذين يشاركونه في انتفاضته وبشكل مباشر، أو غير مباشر، ولا شك أن أطفال الانتفاضة اقتدوا بآبائهم وأمهاتهم و شهدائهم ومن سبقوهم في نضالهم كما اقتدوا ببطولات هؤلاء، وصمودهم، وتضحياتهم وشجاعتهم في الدفاع عن الحق .. وحتى أصبح هؤلاء الأطفال يؤكدون للكبار أنهم أصبحوا كبارا مثلهم، ولا يقلون شأنا في أفعالهم عما يفعله الكبار حتى التضحية بالأرواح و قبول الشهادة، هذا بالإضافة إلى أن أطفال الانتفاضة يقتدون ببعضهم البعض وبأبناء جيلهم في حماسهم، ومواجهتهم، وتعاونهم، والدفاع عن بعضهم والتنسيق فيما بينهم، وكرهم وفرهم، إننا شاهدناهم كيف يندفعون لإنقاذ الجرحى، أو لمساندة بعضهم البعض، أو لتشييع من استشهد منهم...

إن هذه المحاكاة جعلت كل طفل ينصهر مع جماعته (أو مع أنا جماعته) التي ينتمي إليها ولم يعد يشعر بفرديته، لهذا فإن طفل الانتفاضة يعمل بشكل فردي- جماعي، وانتمائه إلى جماعته يؤمن له الإحساس بالطمأنينة والأمن والتوازن ويزيده قوة وعطاء وطاقة فعالة في المواجهـات.

3-  إن طفل الانتفاضة هو طفل مطعم بالفطرة ضد الخوف من المعركة أو الخوف من المواجهة والقتال، فهو لا يحتاج إلى تدريبات أو مناورات (كما هو الحال لدى أفراد الجيوش النظامية) فتاريخ طفل الانتفاضة، وتاريخ شعبه و أمته والأحداث التي توالت على هذا الشعب جعلت من طفل الانتفاضة فردا محصنا ضد الخوف، وضد الاستسلام، وجعلته يألف أجواء النضال، والجهاد، ودخول المعارك والمواجهات.

فلا يوجد ما يخيفه، أو يضعف من عزيمته، والدليل على ذلك انه استفاد من الحجر في مواجهة العدو وأسلحته ودباباته وحقق النصر بواسطة هذا الحجر الذي أربك العدو فعلا، و جعلته يتخبط، ويعيش في حالة فوضى وضعف ثقة، وسبب في نشر الهلع بين سكان المستوطنات، وأضعف الجبهة الداخلية للعدو، وجعل الصهاينة يشكون في قياداتهم وما أدل.. على ذلك إلا الانقسامات الأخيرة التي حدثت بين قادة العدو الصهيوني.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ماذا لو توفر لأطفال الانتفاضة الإمداد بالحد الأدنى من الأسلحة الفردية مقابل ما يتوفر لجنود العدو من طائرات ودبابات ومدفعية ثقيلة وآليات.. وتقنيات؟ ماذا لو اجتمعت لديه الطاقة الروحية مع الطاقة المادية...

4-  إن طفل الانتفاضة أجاب إجابة واضحة وصريحة من خلال نضاله ومواجهاته على كل من يعتقد خطأ بأن الصهاينة يملكون العتاد والسلاح والتقنية والذرة وإنهم لا يقهرون، ونسي هؤلاء جميعا بأن العتاد المادي والقنبلة الذرية، والطيران وغير ذلك من تقنيات، لا يفيد إذا لم يعزز هذا العتاد بدعم نفسي وروحي ومعنوي أو باراسيكولوجي، وكلنا يعلم بأن الفرد بقدراته الحسية وفوق الحسية هو عصب القوات المسلحة و أساس النصر والهزيمة وبدون قدرات الفرد الداخلية تفقد الجيوش فعالياتها، ومهما وصلت هذه الجيوش من حداثة أو تطوير، ثم إن الالتحام مع أفراد العدو والتماس معه في المواجهة (كما يفعل أطفال الانتفاضة) يمنع العدو من استخدام أسلحته المتطورة و الطيران و الذرة وما شابه ذلك، ويعرضه إلى الهزيمة المؤكدة بسبب ضعف طاقته النفسية و الروحية والمعنوية.

5-  إن طفل الانتفاضة لا يخضع في نضاله وتحركاته إلى قيود أو أنظمة أو قوانين أو قرارات، كما لا يخضع إلى مساومات أو مفاوضات، أو خيانات، انه يخضع فقط إلى إيمانه بالله وبقضيته و إلى صوت أحاسيسه الداخلية، و إلى فطرته الصادقة التي لم يشوبها الكذب والنفاق والدجل والخداع وما شابه ذاك.

 

         الباراسيكولوجي وأطفال الانتفاضة:

    إذا تعمقنا بشكل أكبر في أبعاد شخصية طفل الانتفاضة نجد بأن المواجهة بين طفل الانتفاضة الذي يمتلك الطاقات العظيمة المتفجرة وبين أفراد العدو هي ليست في الواقع مواجهة حجر بعتاد عسكري لدى العدو، بقدر ما هي مواجهة باراسيكولوجية إن صح التعبير و إلا كيف لنا أن نفسر هذه الطاقات العظيمة لدى طفل الانتفاضة التي تفوق طاقة الحجر، والتي تجعل من الحجر أداة فعالة في مواجهة العدو وتحقيق الانتصار عليه.

    مما لاشك فيه بأن قوة التأثير الباراسيكولوجية لدى أطفال الحجارة والتي هي مصدر الطاقة الأساسي كنبع من الإيمان بالله وبالقضية، وبالجهاد وان قوة هذه المعتقدات الباراسيكولوجية تعمل على تفجير الطاقات الكامنة لدى هؤلاء الأطفال، كما أن الضغوط النفسية وعمليات القهر والإحباط التي يلقاها أطفال الحجارة ساهمت وبشكل تلقائي إلى إطلاق هذه الطاقات والقدرات الباراسيكولوجية الكامنة في أعماق النفس وفي مشاعر وأحاسيس طفل الانتفاضة. وحتى تواجه هذه الطاقات أو هذه القدرات العدو الصهيوني، وتقاوم وتتحدى كل وسائل الذل والقهر والإحباط. إن طفل الانتفاضة تدرب وتعلم كيف يستفيد من كل ما هو نفسي أو روحي ليدعم كل ما هو مادي لديه، وتعلم كيف يحقق التوازن والتفاعل بين كل ها هو روحي وما هو مادي ليحقق هدفا يسعى إليه، وليحافظ على طاقاته من التشتت أو الهدر أو الضياع، فهو طفل في وضع يتطلب منه الاستفادة من قدراته النفسية والروحية (و المعنوية) إلى أكبر قدر ممكن ولأن هذه القدرات تحت سيطرته وفي حوزته، إلى جانب ما يتوفر لديه من قدرات مادية (ضعيفة في كثير من الأحوال)، لهذا كان عليه أن يواجه التأثيرات الباراسيكولوجية التي يمارسها أفراد العدو الصهيوني بالصبر والتحكم والجرأة و الإرادة والثبات، لذلك فهو يضيف إلى طاقة الحجر طاقات باراسيكولوجية أخرى، ولدى طفل الحجارة الكثير من هذه الطاقات مما يستطيع عن طريقها مواجهة أي عدوان أو عنف.

    إن أطفال الحجارة أبدعوا بما أتوا به من جديد في مجال الاستفادة من قدراتهم فوق الحسية و بالتنسيق مع قدراتهم المادية آو العلمية. لقد أصبحت قدراتهم فوق الحسية مصدرا خصبا لمعرفة جوهر طاقاتهم ومنبع قدراتهم وكيف أن هذه الطاقات تم تفعيلها في مواجهه العدو الظالم و في تفتيت قدراته، وفي تحقيق العديد من المكاسب.

    لقد تبين بأن سلوك الإنسان ليس فقط نتاج لعمليات عقلية واعية فقط إنما هو حصيلة عمليات باراسيكولوجية لا يعيها الإنسان، ولكن يكون لها تأثير مادي قوي خاصة على طاقات الإنسان على تفجير هذه الطاقات، وأن طفل الانتفاضة تدرب واكتسب من الزمن ومن بيئته كيف يتحكم ويسيطر على عملية ضبط النفس والتحكم في الانفعالات وكيفية تفريغها، واستثمار الطاقات الباراسيكولوجية بشكل مفيد وفعال، وذلك لتحقيق أغراض سامية يسعى إليها هذا الطفل، وهذه المهارة اكتسبها طفل الانتفاضة ليس فقط من التجارب الحياتية و المواقف المؤلمة التي تعرض إليها بل اكتسبها مما يمكننا أن نسميه بالرياضة النفسية أو الروحية التي تجعله يكتسب مهارة الصبر و التحمل و ضبط النفس وتفريغ الطاقة في الوقت المناسب و بالقدر المناسب وحسب الظرف المناسب كما اكتسب مهارة الاسترخاء في مواجهة المآسي والصعاب وهذا ما جعله يحافظ على توازنه الداخلي من خلال استجابته لمتطلبات هذا التوازن(أو النداء) الداخلي الذي يخبره الطفل، و كذلك من خلال حصيلة هذا الاختبار الإيجابية أو السلبية، وليس معنى ذلك إلغاء العمليات العقلية في إصدار القرارات لدى الطفل و إنما تسمح هذه الاختبارات الذاتية للطفل في إعطاء فرصة لعالمه الداخلي الروحي أو النفسي للمساهمة في دعم كل ما هو مفيد لمصلحة الطفل و مجتمعه، لذلك فإن طفل الانتفاضة يصغي دائما إلى صوته الداخلي و إلى نداء الروح والضمير بالتعاون مع صوت العقل وذلك في إصدار قراراته ولا يصغي إلى إرضاء الآخرين، انه طفل فعال أكثر مما هو منفعل، انه يؤثر بقدراته أكثر مما يتأثر لذلك فهو طفل جريء يرفض الكذب والخداع والرياء (كما أشرنا سابق) ولأن هذه الصفات تفسد التوازن وتهدر الطاقات، وتشتت القدرات وهذا مرفوض لدى طفل الانتفاضة.

 

         المعادلة الصعبة :

    يقول الإمام على بن آبي طالب كرم الله وجهه ما معناه "إذا خفت من شيء فقع فيه فإن شدة توقيه أشر من الوقوع فيه ".

   ولا شك بأن هذا القول يتضمن عظة وحكمه و إرشاد، وحافزا يدفع الإنسان نحو مواجهة مصادر خوفه، و قلقه، وتوتراته لا الهروب منها أو تجنبها، (وخاصة إذا كانت مصادر الخوف هذه تهدد ذاته ووجوده، ومصيره)، فإن عملية الخوف والهرب أو التجنب توقع الإنسان في مشاكل نفسية ومخاطرة  كبيرة تفوق المشاكل و المخاطر المترتبة على عملية المواجهة أو الهجوم .. و في المجال العسكري يقول القادة العسكريون أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وفي مجال علم النفس العلاجي نجد أن عملية تعريض المريض (Exposure) إلى مصدر الخوف عدة مرات يؤدي به إلى الخلاص من الخوف الذي يهدد حياته، وفي الدراسات النفسية تأكيد على أن شدة الخوف وما يصاحبه من قلق وتوترات تزداد كلما اقترب الإنسان من مصدر خوفه (من الهدف)، أو كلما زاد تعرضه إلى ضغوط ومخاطر و آلام قاسية.. ولكن هذا لا ينطبق على وضع طفل الانتفاضة، حيث تبين بالدليل الواقعي الميداني ومن خلال مقابلة عينة من أطفال الانتفاضة الجرحى الذين يعالجون في مشافي دولة الإمارات العربية المتحدة أن الأمر على العكس من ذلك، حيث وجد بأن طفل الحجارة يزداد حماسا، وجرأة، ودافعية، وصمودا، أو سيطرة، كما تزداد قدرته على المواجهة.. كلما زادت شدة الضغوط والمخاطر التي تحدق به، وكلما اقترب من الهدف أي من العدو الصهيوني.

    ولكن لماذا يزداد طفل الانتفاضة طاقة وقدرة على المواجهة كلما اشتدت الظروف والمخاطر من حوله؟ وما هو تفسير ذلك؟

    أرى بأنه من الصعب الإجابة عن هذا السؤال إلا من خلال الدراسات الباراسيكولوجية، أو من خلال توحدنا مع شخصية طفل الانتفاضة ومع مشاعره وأحاسيسه وهو على أرض المعركة أو المواجهة، وحتى نقف على الآلية التي بتم من خلالها شحن هذا الطفل بما يمكننا أن نسميه بالطاقة الباراسيكولوجية أو بالقدرة الإبداعية.. و أترك الإجابة المفصلة للأصحاب الاختصاص في مجال الباراسيكولوجى. ويمكننا القول بأن الخطأ الكبير الذي ارتكبه أفراد العدو الصهيوني وقيادته في أنهم ساهموا في جعل أطفال الانتفاضة (و أطفال الوطن العربي) أكثر صلابة وحماسا، وجرأة وتضمانا في وجه اعتداءاته وجرائمه وفي وجه مناوراته السياسية وغير السياسية المضللة والخادعة.

    وفوجئ الجميع بأن هذا الطفل العربي بإمكانه أن يصنع المستحيل. لقد اتخذ هؤلاء الأطفال قرارهم في المضي في انتفاضتهم دون عودة وحتى يتم تحرير الوطن وتحقيق الحرية والكرامة لشعوبنا العربية والإسلامية المغلوبة على أمرها، والمقهورة من قبل البعض من قادتها والتي تنتظر رفع القيود عنها حتى تلتحق في صفوف الانتفاضة أو تقوم في أداء واجبها الوطني.

 

Document Code OP.0061

ZarradPsychology&Life

ترميز المستند OP.0061

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)