Arabpsynet

Documentations    وثائــق / Documentations

شبكة العلوم النفسية العربية

 

كيــف تتعامـل الأســرة مـع المريـض بالوسـواس القهـري؟

د. وائل أبو هندي

E.mail :doctor@maganin.com

Web site : www.maganin.com

سلسلة عالم المعرفة - عدد 293 -    يونيو 2003

 

      أولا: كيف نعرف أن في أسرتنا مريضا بالوسواس القهري؟

لعل أهم نقطة في هذا الموضوع هو أن تعرف الأسرة بادئ ذي بدء أن واحدا من أفرادها مريض بالوسواس القهري، علما بأن هناك حالات لن تعرف الأسرة فيها أن أحد أفرادها يعاني كل هذه المعاناة، وذلك لسببين:

أما السبب الأول فهو أن الكثير من أعراض اضطراب الوسواس القهري إنما توضع على المتصل نفسه الذي توجد عليه التصرفات الإنسانية العادية، فهي نظافة أو هي حرص أو دقة أو انضباط ! أو هي اهتمام أو هي انشغال، لكنه زائد عن الحد. أي أنه على نقطة متطرفة من المتصل، و التفريق بين ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي يحتاج إلى وضع حد فاصل نتفق عليه جميعا، و ذلك في حد ذاته صعب. لكن من الممكن أن نعتبر من وجود تأثير سلبي لأي من هذه الصفات في أداء الشخص واجباته الأسرية أو الوظيفية أو الاجتماعية، أو وجود معاناة شخصية واضحة بسبب هذه الصفات بداية للتداخل بين، ما هو طبيعي و ما هو مرضي.

    و أما السبب الثاني فهو أن الكثير من المرضى، كما ذكرت من قبل. يعانون في صمت ويكتمون سر معاناتهم خوفا من اتهامهم بالجنون، و معظم هؤلاء طبعا يعانون أفكارا اجترارية ، و أفعالا قهرية من النوع العقلي، و هو ما يسمح لهم بالمعاناة في صمت دون أن يحس أحد من المقيمين معهم في البيت نفسه إلا أنهم يعانون الأرق أو التوتر... هكذا، لكن معظم الطقوس القهرية الحركية يصعب إخفاؤها خاصة أن معظمها يتعلق بالنظافة والتكرار، و بالتالي فإن من السهل ملاحظة قيام الشخص بغسل يديه أكثر من الشخص العادي، و من السهل ملاحظة قيامه بالتحقق من أدائه للأفعال التي يفعلها الناس كلهم ببساطة، و لا يحسون بالرغبة في التحقق أو التأكد من فعلهم لها، والمثل الشائع هنا هو التحقق لأكثر من مرة من إغلاق الباب أو القفل أو أنبوبة الغاز، و هناك أيضا من يلاحظ اضطرارهم إلى العد أثناء قيامهم بأعمالهم اليومية، و هناك من يبدون تلجما و تخوفا مثلا من لمس الأشياء التي يلمسها الناس عادة بلا خوف و لا قلق، بل ربما بفرح مثل الأوراق النقدية المستعملة! و أمان من هم أكثر عرضة للوسوسة في صمت فهم الأطفال لأنهم في كثير

من الأحيان لا يعرفون أن شيئا غير طبيعي يحدث لهم، ويحتاج الطفل إلى فترة طويلة من الوقت لينتبه إلى اختلافه عن أقرانه، أو ربما نبهه أحدهم لذلك، و ربما يلاحظ المدرس في المدرسة قبل الأهل أيضا.

    و في حالات اضطراب الوسواس القهري في الأطفال يمكن أن يلاحظ الوالدان بعض العلامات على الطفل تجعل من الحاجة إلى ملاحظة تصرفاته بشكل أدق أمرا لا بد منه، و ما أذكره هنا هو بعض التصرفات التي قد تحدث من الطفل و لا ينتبه إليها الأهل أو يفهمونها خطأ و يعاقبون الطفل لأنه لا يستطيع التوقف عنها، و من المهم بالطبع أن يمثل التصرف تغيرا عن المعتاد بالنسبة إلى هذا الطفل: 

1-    ظهور ما يشبه الجير على اليدين من كثرة الغسل بالصابون

2-    استهلاك كميات فوق المعتادة من الصابون أو ورق الحمام.

3-    التأخر في الحمام لمدة أكثر من المعتاد.

4-    البقاء لساعات طويلة أمام الكتاب من دون قلب الصفحة، وربما هبوط في الدرجات.

5-    الإفراط في استخدام الممحاة وظهور ثقوب في الكراريس نتيجة لذلك.

6-    الإطالة في الوضوء أو في أداء الصلاة.

7-    تكرار السؤال لأفراد الأسرة (عادة للاطمئنان)؛ مع طلب الإجابة بكلمات معينة ليطمئن.

8-    قضاء وقت أطول من اللازم في التهيؤ للخروج.

9-    الإصرار على أن يكون آخر من يخرج من البيت بعد أفراد الأسرة لكي يكون بإمكانه مصاحبتهم.

10-  الخوف المتكرر والمستمر على حالته الصحية أو حالة أحد أفراد الأسرة (كما يتضح من تكرار السؤال مثلا).

و من الأسئلة التي تفيد في بيان وجود الأعراض إذا أعطيت للطفل أو للمراهق في حالة الشك في وجود الأعراض القهرية، خاصة إذا كان هناك تاريخ أسري لاضطراب الوسواس القهري أو اضطراب العرات (اللوازم الحركية) أو اضطراب توريت:

1- هل لديك أفكار أو تخيلات أو صور تزعجك أو تقلقك؟

2- هل تجد نفسك مرغما على التحقق و إعادة التحقق من الأشياء؟

3- هل تغسل يديك أو جزءا من جسمك عددا من المرات أكثر من الأطفال الآخرين؟

4- هل تعاني الشك في إتمام الوضوء أو الصلاة بشكل مضبوط؟

5- هل تجد نفسك مرغما على العد حتى رقم معين أو تكرار عمل الأشياء عددا معينا عن المرات؟

6- هل تجد نفسك مرغما على تجميع الأشياء التي عادة ما يرميها الأطفال الآخرون؟

7- هل تحتاج إلى التحقق المتكرر من أن شيئا بشعا لم أو لن يحدث؟

8- هل تحتاج إلى قراءة أو كتابة الأشياء أكثر من مرة لتتأكد من صحة ما قرأت أو كتبت؟

9- هل تخاف من أن تقول بعض الأشياء التي لا تريد أو لا يصح أن تقولها؟

10- هل أنت شديد الترتيب و الحرص على أن يكون كل شيء في مكانه، لكي لا يحدث مكروه؟

 

      ثانيا: كيف نتصرف في المرحلة الأولى بعد اكتشاف المرضى؟

و لنفترض أن الأسرة عرفت أن أحد أفرادها يعاني اضطراب الوسواس القهري، ما هو الأسلوب الذي يجب اتباعه لكي يصلوا به إلى بر السلامة و الأمان؟ من المفروض منه- بالطبع- أن لجوءهم إلى الطبيب النفسي هو أول ما يجب فعله، و لكن الغرض الأساسي من هذا الفصل هو بيان كيفية التعامل مع المريض الذي يحاول إشراك أهله في الطقوس القهرية، سواء أكانت في شكل أسئلة يظل يسألها و يكررها و يطلب الإجابة عنها لكي يطمئن، هل نجيب عنه ليطمئن أم نتركه ليخبط رأسه بالحائط؟ و إذا تمثلت الأعراض في شكل طقوس معينة في الغسل أو الوضوء أو غير ذلك، وماذا يكون رد الفعل في حالة ما إذا طلب المريض من أعضاء الأسرة الالتزام بقواعد معينة في أدائهم للأنشطة اليومية العادية؟ 

أعتقد أن من المفيد أن أتكلم بشكل فيه تحديد أكثر لأن كون المريض هو أحد الأبناء يجعل الكلام مختلفا عن كونه أحد الوالدين، و يختلف الكلام كذلك بناء على من من الوالدين هل هي الأم أم هو الأب ؟ في حالة الأبناء: عادة ما تتمثل المشكلة هنا في خوف الوالدين على الطفل أو المراهق من أن يصبح مريضا نفسيا، و لعل لذلك الخوف ارتباطا وثيقا بالنظرة السلبية الموجودة في مجتمعاتنا العربية، و الموروثة أصلا عن الغرب على رغم ما يعتقده الكثيرون من أن الغرب ليس لديهم مشاكل من هذه الناحية. و الحقيقة أن النظرة السلبية للمرض النفسي و الطب النفسي بالتالي هي موروث غربي تلقفته المجتمعات العربية التي انفصلت عن تاريخها تماما ( وائل أبو هندي، 2002) أ. المهم أن الكثيرين من الآباء و الأمهات يطلبون من الطفل أو المراهق الكف عن أفعاله التي لا معنى لها، و هم يتهمونه بأنه يستطيع أن يمنع نفسه و أن الأمر كله بيديه! وهم في ذلك واهمون طبعا كما أن بعض الآباء و الأمهات يرون في قدرة المريض أحيانا على التحكم في أفعاله القهرية دليلا على أن الأمر كله بيديه! و هذا ما يسبب الكثير من الألم للمريض، و على العكس من ذلك نجد بعض الآباء و معظم الأمهات يستسلمون تماما لكل ما يطلبه الطفل أو المراهق فيفعلون ما يريح ابنهم من العذاب، بمعنى أنهم يشاركونه في إتمام الطقوس القهرية أو يلتزمون بالقواعد التي يضعها لهم، فأنا أعرف أما كانت تغسل رغيف العيش الذي ستأكلها ابنتها بالماء و الصابون! ثم تقوم بتسخينه على النار لكي يكون معقما بالشكل الكافي!!! و في الحالة الأولى يتعذب المريض دون فائدة تذكر، و في الحالة الثانية يكتشف الأهل بعد فترة أن استسلامهم لأعراض ابنهم أو ابنتهم لا يساعد بل يضر، و ينتج عنه تعميم للأعراض و تضخيم للمخاوف و الشكوك و تعظيم للشروط، فمثلا في المثال الذي ذكرته، الذي كانت الأم تغسل فيه العيش لابنتها بالماء والصابون ثم تسخنه، أصبح ذلك غير كاف من وجهة نظر البنت بعد ثلاثة شهور من ممارسة الأم لذلك، و طلبت من أمها أن تستخدم الكحول الأبيض بمد الماء و الصابون، و هنا خافت الأم لأنها تعرف أن الكحول مسكر و كل مسكر حرام! إذن الاستسلام لا يحل المشكلة.

    و المطلوب من أعضاء الأسرة، لكي يكون تصرفهم على مستوى المسؤولية، هو إعانة المريض على مرضه من دون تجريح و لا سخرية، لأن المريض يجب ألا يلام. كما أن العديد من ردود الأفعال الأسرية، مثل الاهتمام المفرط و الحمائية الزائدة Emotional  Over-Involvement (كما يتمثل في الاستسلام لرغبات المريض)، أو عكس ذلك كالانتقاد   Criticismأو العدائية   Hostility(كما تتمثل في اتهام المريض بأنه يستطيع التحكم في تصرفاته و لكنه لا يريد، أو إلقاء اللوم عليه فيما قد تتعرض له الأسرة من مشاكل)، كل ردود الأفعال هذه التي يترك فيها أعضاء الأسرة المكان لانفعالاتهم قد ثبت أنها تضر أكثر مما تفيد (Shanmughai et al.,2002).

في حالة الأم/ الزوجة: في هذه الحالة يكون الدور الأساسي في التعامل مع الموقف واقعا على عاتق الزوج، خاصة الزوج الموجود في البيت طبعا، لأن هناك أزواجا لا يدخلون البيت إلا للنوم في أيامنا هذه، و يمكن أن يصاب أحد أبنائه بالوسواس القهري و لا يدري إلا إذا أخبرته زوجته، و أما عندما يصيب الوسواس القهري الزوجة فكثير من الأزواج لا يعلمون، و كثيرا ما يكون علمهم بالأمر هو أول ما يدفع الزوجة لطلب العلاج خوفا من رد فعل زوجها، فإذا علم الزوج أن الموقف الذي يجب عليه اتخاذه من الأفكار التسلطية هو طمأنة زوجته ومساعدتها على العلاج، و أما الموقف الذي يجب عليه اتخاذه من الطقوس القهرية فإنه يعتمد- إلى حد كبير- على طبيعة تلك الطقوس فهناك طقوس تستهلك وقتا كبيرا من الزوجة بما يؤثر في واجباتها المنزلية، و هناك منها ما يستهلك الإمكانات المادية للزوج كالإسراف في شراء المناديل الورقية و الصابون و المنظفات بوجه عام، المهم أن الموقف المثالي للزوج من الطقوس القهرية هو البيان الواضح لمدى قدرته على التحمل و استعداده التام لمساعدة الزوجة في العلاج بشتى صوره، شريطة أن تتعاون مع المعالج وأن تلتزم بالعلاج، وعليه أن يطمئن المريضة و أن يذكرها دائما بأن عدم الاستسلام للفعل القهري لن يهد الدنيا و كل ما سيحدث هو زيادة مؤقتة للقلق، و عليها بعد ذلك طبعا أن تلتزم بنصائح المعالج.

    و قد ذكرت من قبل في فصل العلاج، في باب اضطراب الوسواس القهري، أن المدى الذي يمكن أن تصل إليه شدة الأعراض القهرية و مدى تعميمها على المواقف و الأحداث يعتمد كثيرا على مدى استعداد الأسرة للتحمل، فهناك من تشتري ملابس جديدة في كل مرة تخرج فيها من البيت  لأن الملابس قد تلوثت بالتأكيد! و لا يمكن أن ترتديها مرة أخرى، و هناك من تكتفي بغسل الملابس مرتين بدل مرة واحدة لأنها تعرف أن زوجها لن يشتري لها بديلا لما ترميه في الشارع لأنه اتسخ! و أضيف هنا أيضا أنه في بعض حالات أفكار التلوث التسلطية يصل الأمر إلى اضطرار الزوج إلى تغيير المسكن بصورة متكررة لأن الأمور تصل في كل شقة إلى الحد الذي لا يمكن معه استمرار العيش فيها، فالزوجة يصل خوفها من التلوث من هذه الشقة، التي تعتبرها تلوثت بشكل ليس له حل، إلى أن تمتنع تماما عن تنظيفها لأنها تخاف من لمس أي شيء فيها! بل إن هناك من تحجم عن رعاية أطفالها لأنهم لا يلتزمون بما تأمرهم به فلا تطبخ لهم مثلا، و هناك من تحرم على أسرتها أكل اللحم الحيواني لأنها رأت ما يحدث عند بائع اللحم من إهمال يمكن أن تتلوث الذبيحة بسببه، و هي ترفض اللحم برمته نتيجة لذلك.

و هكذا يمكن أن تصبح المرأة الموسوسة بالنظافة عكس ما كانت، لأنها تعتبر أنه لا فائدة من التنظيف فهو لن يزيل التلوث الذي حدث، فضلا عن خوفها من أن تلوث نفسها، و يمكن أن تصبح حال أطفالها يرثى لها بعد أن كانت موسوسة في اهتمامها بهم، و يعتمد ذلك كله إلى حد كبير على مدى ما تسمح به إمكانات الزوج المادية و استعداده للاستسلام لوساوس زوجته.

و أما موقف الأبناء في حالة إصابة أمهم باضطراب الوسواس القهري فهو موقف لا يحسدون عليه، خاصة في المرحلة الأولى، أي في مرحلة اكتشاف أن ما تفعله الأم من تصرفات تبدو غريبة أو مبالغا فيها هو علامة من علامات المرض النفسي، فهم من جهة لا يستطيعون إخبارها بأنها مريضة نفسيا خوفا من أن يتهموا بقلة الأدب، و هم في الوقت نفسه، من جهة أخرى، لا يستطيعون دائما طاعتها في كل تحكماتها و متطلباتها، و لا ننسى بالطبع أنها الأم التي تجب طاعتها بحكم الدين، و لكن هل معنى ذلك أن عليهم  طاعتها؟ و إلى متى تجب عليهم طاعتها ؟ إن هناك حالات رأيتها بعيني رأسي كان على الأولاد فيها- إن أرادوا الحياة في البيت كأبناء للأم- أن يلتزموا حرفيا بتعليماتها التي كان منها على سبيل المثال لا الحصر: الخروج من باب البيت ممنوع في يوم الجمعة (لأن فيه ساعة نحس)، و الدخول من باب البيت يجب أن يكون بالقدم اليمنى و من باب الشقة إلى باب الحمام حيث يتم خلع الملابس كلها و الاغتسال ثم غسل المفاتيح... و هكذا، و كان على البنت ألا تجلس مباشرة على المقاعد الخشبية في الجامعة، بل كان عليها أن تقوم بفرش مجموعة من المناديل الورقية قبل الجلوس لكي لا تخالف أمها... و هكذا. و هناك حالات تتسبب أفكار التلوث التسلطية فيها إلى العزلة الاجتماعية التامة للمريض و للأسرة أيضا، فهم لا يفتحون باب البيت لأحد لأن الأم لا تثق في نظافته مثلا، و حتى في حالة ثقتها في نظافته أو في كونه سيلتزم بقواعد الوجود في الشقة فيلمس كذا و لا يلمس كذا على سبيل المثال، و أحيانا يقاوم أعضاء الأسرة ذلك لكنهم كثيرا ما يستسلمون لأن النتائج المترتبة على عدم طاعتهم للأوامر دائما ما تكون أسوأ من طاعتهم للأوامر. و معنى ذلك أن هؤلاء الأبناء يوضعون في صراع مستمر ما بين ربتهم  في الحياة بشكل طبيعي و بين التزامهم بتعليمات الأم و بين اضطرارهم إلى الكذب عليها أحيانا أو باستمرار. إن على الأبناء أن يستعينوا بالأب أو بالخال أو بالعم (أو من هم في مقامهم حسب الظروف الخاصة بكل أسرة) في مثل هذه الحالة لأن ترك هذه الأمور لا يؤدي إلى هدوئها إنما بالعكس إلى تفاقم المشكلة.

    في حالة الأب و الزوج و العائل الوحيد: و هنا أصعب الأوضاع لأن الزوج هو الآمر الناهي و هو السيد المطاع في معظم البيوت العربية، و ليس كل مريض بالوسواس القهري يعترف أمام نفسه و أمام الآخرين بأنه مريض نفسي و لعلها هنا تكمن المشكلة فلو أن الأب على استعداد للاعتراف بمرضه لما كانت هناك مشكلة، فمن الممكن أن يكون المريض هنا لا يعرف أنه مريض، و من الممكن أن يكون عارفا بأنه مريض لأنه يعرف أنه ورث هذه الحالة عن جده أو أبيه مثلا، و لكن معلوماته هي أنه لا علاج لمثل هذه الحالات، و ليست هناك بالطبع ثقافة طبية نفسية لدى معظم الناس في بلادنا العربية، و لا دراية بالتطور الذي أحرزه الطب النفسي في أساليب و طرق العلاج.

    و الذي يحدث في الكثير من الأحيان هو أن الزوجة و الأبناء يلاحظون اضطراب تصرفات الأب و لكنهم يخافون من فتح الكلام في الموضوع، و كثيرا ما يستسلمون لتحكمات هذا الأب و الزوج. وهناك حالات يصل فيها استسلام المريض للطقوس القهرية إلى الحد الذي يؤثر في التزامه بعمله و قدرته على كسب لقمة العيش لأنه يتأخر عن مواعيد العمل، و أحيانا يرفض الذهاب أصلا إلى العمل، و من المعروف أن ممارسي طقوس الغسل و طقوس التحقق بصفة خاصة من أكثر الذين يقابلون مشاكل في عملهم (Khanna et al .,1988 و هناك حالات قليلة يتسبب اتخاذ أعضاء الأسرة لموقف حاد من الطقوس القهرية التي يطلب منهم الزوج/ الأب المشاركة فيها فيرفضون المشاركة إلى وقوف الأسرة على حافة الانهيار بالطلاق و أحيانا يحدث الطلاق بالفعل، فماذا يفعل هؤلاء المساكين؟ لابد- في رأيي أنا- من طلب التدخل و الوساطة من أهل الزوج أو أصدقائه المقريين، و يحسن فعل ذلك بعد محاولة الكلام في الموضوع مع الزوج نفسه. لأن فتح الموضوع بصورة حكيمة يمكن أن يكون كافيا لاعتراف الأب / الزوج بوجود مشكلة، و يصبح اللجوء إلى الطبيب النفسي ممكنا بعد ذلك.

 

      ثالثا: كيف نتعاون مع المعالج في أثناء العلاج؟

   الحقيقة أن تعاون الأسرة مع المعالج في أثناء العلاج يفيد فائدة كبيرة في التعجيل بعملية الشفاء و في المحافظة على التحسن الذي يتم الوصول بفضل الله تعالى إليه، و إن كان هناك في بلادنا كثير من المرضى النفسيين بوجه عام يقبلون على الطبيب النفسي دون علم أفراد أسرهم و يطلبون من الطبيب ألا يجبرهم على إعلام الأهل بأنه يعالج نفسيا، وهو ما يجعل الطبيب و المريض وحدهما في العملية العلاجية، و يجعل العلاج أصعب و أطول ولا حول ولا قوة إلا بالله. و يحتاج الأمر بالطبع إلى فهم أعضاء الأسرة كلهم لطبيعة اضطراب الوسواس القهري و نوعية الأدوية المستخدمة في علاجه و طول المدة التي يقرر الطبيب النفسي احتياج المريض إلى الاستمرار على العلاج خلالها كما أن من واجب الطبيب النفسي أن يوضح للمريض و للمتوافرين من أعضاء الأسرة احتياج المريض إلى الصبر على الدواء الذي لا يعمل إلا بعد فترة قد تصل إلى ثلاثة شهور، مع أن المريض يستخدمه كل يوم، فهذه هي النقطة التي يحتاج المريض و الأهل فيها إلى تعلم الصبر، و في الحالات التي يكون فيها الأهل  متفتحون و مستعدون للتعاون يستطيع الطبيب النفسي أن يشرح  لهم مفاهيم العلاج السلوكي و المعرفي،  و يستطيع أن يتخذ منهم معاونين له في برنامج العلاج السلوكي الذي يتفق عليه مع المريض، و من الممكن الاستعانة بأخ المريض أو أخته، كما يمكن الاستعانة بالأبناء، بشرط أن يكونوا على قدر من الفهم و الوعي اللازمين لإدراك الفرق بين دورهم كمساعدين للمعالج و دورهم كأبناء، و أن يفرقوا بين ما تجب عليهم فيه طاعة الأم أو الأب، و بين ما هو جزء من المرض تجب عليهم إعانة الأب أو الأم عليه.

 

      رابعا: كيف نتعاون مع المريض و المعالج في مرحلة العلاج الوقائي ؟

    و لعل من أهم المفاهيم التي يجب إيصالها للناس هنا هو أن الوقاية خير من العلاج، بمعنى أن الاستمرار، على العقار بعد حدوث التحسن أفضل من تركه و إعادة المحاولة كلها بعد رجوع الأعراض، خاصة أن الدواء قد لا ينجح في كل مرة!

    و من النقاط المهمة هنا في مجتمعاتنا أن يوضح الطبيب النفسي أن الدواء المستخدم في العلاج سواء كان من مجموعة الماس أو الماسا، هو دواء آمن إلى حد كبير في حدود  العلم و الدراسات المتاحة منذ أكثر من عشرين عاما و حتى يومنا هذا و أن الاستمرار عليه لفترات طويلة آمن أيضا، و أن تركه في أغلب الحالات يعني أن تعود أعراض الوسواس القهري إلى الظهور.

    ثم إن هناك نقطة مهمة أيضا،  و هي أن نتيجة العلاج إنما تقيم بابتعاد المريض على السلوكيات القهرية التي كان يضيع أيامه في ممارستها، و بقدرته على فعل ومواجهة الأشياء التي كان يخاف من مواجهتها، و كذلك بقدرته على التغلب على الأفكار التسلطية إذا حدث أن هاجمته في لحظة ما و هو على العلاج ، لكن الغريب أن المرضى في بلادنا يريدون معنى آخر لنجاح العلاج و هو أن ينسوا أعرض المرض و فترة المرض بكل تداعياتها و تأثيراتها فيهم و في أسرهم، و من  هذه التداعيات مثلا أنهم لا يزالون يتناولون الدواء الذي يشكل في الكثير من الأحيان عبئا اقتصاديا على الأسرة، أو أنهم ما زالوا يتذكرون الأفكار التي كانت تقتحم وعيهم و لا ينجحون في التخلص منها، و لا يكفيهم أنهم يستطيعون بعد العلاج التغلب عليها و التخلص منها، فهم يريدون نسيانها تماما. و الواقع أن ما يطمح إليه العلاج هو أن تكون لدى المريض القدرة على التحكم في أفكاره و أن يستطيع التناسي، لا أن ينسى ما كان، أقول هذا القول لأنني لاحظت نوعا من التعاون المستتر مع المريض ضد حالته في أثناء مرحلة العلاج الوقائي، فترى أعضاء الأسرة يوافقون بصمتهم على ترك المريض للدواء و انقطاعه عن المتابعة مع طبيبه لأنهم يرون أنه تحسن و لم يعد بحاجة إلى علاج و لا إلى طبيب، و هم في الحقيقة، فضلا عن مخالفتهم لنصائح الطبيب، إنما يعبرون عن رغبتهم في التخلص من العبء المادي و المعنوي لاستمرار المريض على العلاج، مع أن هذا هو السبيل الوحيد إذا أراد الله تعالى لمريضهم أن يبقى قادرا على التحكم في وسواسه القهري.

 

سعيا وراء ترجمة جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية نأمل من الزملاء الناطقين بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى أحد إصدارات الموقــع : الإصــدار الإنجليــزي الإصــدار الفرنســي

 

Document Code PD.0010

OCDfamilyGuide 

ترميز المستند PD.0010

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.aabpsynet.com  (All Rights Reserved)