Arabpsynet |
||||
|
||||
أ.م. الطب النفسي بجامعة الزقازيق – مصر
|
||||
|
||||
q
النص الكامل
/
Full text /
Texte entier |
||||
جاءت فكرة تأسيس موقع www.maganin.com في وقت شعرت فيه كما شعرَ كل يقظٍ في بلادنا بأنه جاء الوقت الذي يلزم فيه تحديد المواقف و أن يحدد كل واحد منا من هو و ما يستطيع أن يكونه و ما لا يستطيع ! فقد انقسَمَ العالمُ بالفعل إلى موالينَ للغرب دونَ أي قيد أوْ شرط أو معادينَ لهُ و ليسَ هناكَ موقفٌ وسَطيٌ كما يرى الأمريكيون !! و أنا كطبيب نفسي شعرت بأن عليَّ عبءَ تحديد موقفي في مجال عملي الذي عملت فيه ما يزيد على عشر سنوات خمس منهم بعد الحصول على الدكتوراه ! فقدْ أحسَسْتُ أنني لنْ أستطيع الاستمرار مكتَفـيا بما تعلمْتُـهُ على أنه الطب النفسي العالمي و هو في الحقيقةِ الطب النفسي الغربي !! .
و أنا أشعر طوال سنين عملي بأن هناك ما يفصل بيني و بين الناس الذين هم مادة عملي فكثيرا ما أشعر أن الكثير مما درسته و أتقنت حفظه غير صالح للتطبيق في مجتمعنا و أن الفجوة كبيرة في الكثير من الأحيان بين ما أحاول إيصاله لمرضاي و بين ما هم مستعدون لتقبله !
ولا يمكنُني أنْ أنسى تعبيرات وجوه بعض مرضايَ و تعبيرات و جوه ذويهم إذ يَـنْظُـرُ لي بعضُهُم نظْرَةً تنمُ عن الاستغرابِ أو عدم الاستيعابِ لما أقولـهُ لهم من نصائحَ يسمونها ذهبيةً في المراجع التي درستُها و ينظرُ لي البعضُ منَ المُـثَـقَّفينَ نوعًا نَـظْرَةً تـَـنُمُّ عن لوعَـةٍ فقدْ أدرَكُوا أنني مسكينٌ يحسبُ ما تعَـلمَهُ كافٍ لمساعَـدَة الناس وهو في الحقيقةِ غيرُ ذلك وَ بعضهُـمْ يقول لي و مالنا نحنُ بذلكَ يا دكتور و بعضهم يقول لي " النبي عربي" !!! و لم يكن مريحا لي في يوم من الأيام كما هو مريح للكثيرين أن أخلص من هذا الشعور بأن أتهم المجتمع بالجهل و التخلف فأنا أعرف جيدا أوجه القصور في النظرة المادية الخالصة للإنسان و الأشياء و أعرف أيضا أن أوجه القصور في العلم الدنيوي الغربي أكبر من أن تسمح لعاقل بأن يُفْـتَـتن أو أنْ يقنعَ بأن هذا هو كل شيء ؛
كان عليَّ لذلك أن أفتش في أفكارنا و تراثنا كأمـةٍ محاولا الوصول إلى سبب الهوة التي تفصل بين ما تعلمته على أنه العلم العالميُّ الوحيد و بين مجتمعي الذي لا أستطيع مستريحا أن أتهمه بالجهل أو التخلف وبدأت رحلة لا أحتسب منها إلا رضي الله عز وجل ثم شيء من التوفيق بين نظرتين للوجود إحداهما وهي النظرة الغربية بدأت بوضع الإنسان في مركز الكون على أنه السيد الأوحد ثم تحولت تدريجيا إلى جعله جزءًا من الكون غير مستقل عنه بحيث تحكمه نفس القوانين التي تحكم الذرة و الجزيء دون أي سمو عنهما ! و بين نظرة ثنائية هي نظرة الإسلام ترى الإنسان خليفة للخالق الأعظم استخلفه في الأرض و كرمه عن سائر المخلوقات ووضع فيه عقلا و روحا تسموان به عن سائر الأشياء و تجعلانه كفءً لتحمل الأمانة .
كانت أول صدمة لي حين بدَأتُ رحلتي هي حَجْمُ جهلي العظيم بتراث أمتي و أعني هنا تراثها في الطب النفسي و في علاج المرض النفسي و معاملة المريض كأي مريض بأي مـرض آخر فقد كان المـريـض النفـسي يُـعالج في مستشفى بغداد و في مستشفى قــلاوون بالقاهرة في القرن الرابع عشر جنبا إلى جنب مع مريض الجراحة و الباطنة و الرمد و هذا هو ما احتاج الغرب ستة قرون لكي يصلوا إليه على أنه أحدث الصيحات في علاج المريض النفسي مع غيره من المرضى لما لذلك من أثر جيد في تصحيح المفاهيم التي ترى المرض النفسي مـجلـبــةً للعار و تفصل بين المريض النفسي و بين سواه من المرضى مما يتسبب في إعاقة اجتماعية بعد الشفاء أكثر مما يسببه المرض نفسه ! وجدت أيضا العديد من الرسائل التي تصـف الأمراض النفسيـة و تُـحَـدِّدُ أعراضها و أسبابها بشكل إنما يبعث على الفخر و الكبرياء و لست أدري من المسؤول عن حجب كل هذا التراث المشرف عن الدارسين في بلادنا و لا أدري من الذي قرر أن أقرأ فقط وصفات الغربيين و أفكارهم و لا أقرأ مثلا ما يقوله الشيخ أبو حامد الغزالي رحمه الله في وصف نوبة اكتئاب حادة أصابته : "فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربع مائة . وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس ، فكنت أجاهد نفسي أنْ أدرس يوماً واحداً تطبيباً لقلوب المختلفة إليّ ، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة ، حتى أورثت هذه العلة في اللسان حزناً في القلب بطلت معه قـوة الهضم ومراءة الطعام والشراب ، فكان لا ينساغ لي ثريد ولا تنهضم لي لقمة ، وتعدى إلى ضعف القوى حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج وقالوا : هذا أمر نزل بالقلب ، ومنه سرى إلى المزاج فلا سبيل إليه بالعلاج إلا أنْ يتروح السر عن الهم الملم " أو ما يقوله ابنُ سينا مثلا في تحليله للسلوك " إذا كان تناول الطعام مقترنا باللذة، و الضربُ بالعصا مقترنا بالألمِ فإن الحيوانَ و الإنسانَ يحتفظانِ في ذاكرتهما بصورة الطعام مقترنة باللذة ، و بصورة العصا مقترنا بالألم فتصبح رؤيةُ الطعام فيما بعد مثيرةً للشعور باللذة و رؤية العصا مثيرةً للشعور بالألم" وَ هذه هي الاستجابةُ الشرطيةُ التي قال بها الروسي إيفان بافلوف بعد عشرة قرون و التي تعلمتها أنا عن بافلوف منذ أولى سنين دراستي للطب على أنه مبدعها الأول و هي أيضا حجر أساس علم النفس السلوكي و علاجهِ كله. وكذلك وجدت مقالة لاسحاق بن عُـمران عن المالنكوليا أو الإكتئاب حيث يصف ابن عمران بعض العوارض المرضية التي تميز هذه الحالات فهناك المريض الذي تمر به أفكار رهيبة خيالية فيشعر بأحاسيس خاطئة، كالذي رأى جماعة من السود يريدون قتله، وهناك الذي يتوهم أن لا رأس له أو يسمع مثل خرير المياه وقرع الرياح وعصفها وأصوات مهولة في أذنه، كما أن المرض يفقد المحاكمة والتمييز كالذي يخشى من سقوط السماء على رأسه فيجتنب المشي تحتها والأمثلة عديدة في هذا الصدد غير أن هؤلاء المرضى يشعرون بضرورة اللجوء إلى الطبيب بمزيد من التعطش والإلحاح لشدة يأسهم وكثرة آلامهم، أما من الناحية الجسمية فكلهم يشتكون من الهزال والأرق ثم يتعرض ابن عمران إلى الأعراض السريرية للأصناف المرضية المختلفة من المالينكوليا :
و أصبح واضحاً بالنسبةِ لي أن الفخ الذي وقع فيه السواد الأعظم من علمائنا و مفكرينا و مثقفينا هو اعتقادهم بأنَّ الهوة التي يجدونها بين علومهم و ثقافتهم و ما يعيشه الناس في بلادنا إنما ترجع إلى تخلفنا و قد أصبحت على قناعة بأن ذلك غير صحيح بالمرة ! فمجتمعنا ليس متخلفا و لا جاهلا إلا حين ننطلق من مرجعية أنَّ النموذج الغربي المادي هو النموذج الوحيد الصحيح وهذه مرجعية أبعد ما تكون عن الصواب. و أنا أدعوك عزيزي المتصفح أن تنتبه لما يحتويه الموقع من نفحاتٍ من تراثنا العربي الذي لا نعرف عنه إلا القليل ! فلم يكن علم النفس يوماً و لا كان الطب النفسي وليد النهضة الأوربية كما يقال، ولم يكن على الإطلاق أحد إفرازات الحضارة الغربية، ولكن شاء الكثير من الباحثين في علم النفس أن يتركوا أو يتناسوا التاريخ والغور في معالم النفس البشرية ولربما مالوا كل الميل ولا نقول بانحيازهم كل الانحياز إلى ما كتب حديثاً و سهلت طباعته وتيسر نشره، ولم تكن تهمهم تلك الجذور النفسية الموجودة في خضم الفكر القرآني والحضارة الإسلامية.
يقوم الطب الإسلامي على صورة الإنسان في الإسلام والنظرة الإسلامية الشمولية للوجود وللإنسان. ولذلك يتميز الطب الإسلامي عن غيره بصورة الإنسان الشاملة الجامعة للجسم والنفس والعقل والقلب والروح كوحدة متماسكة لا تتأثر بتغييرات التيارات الفكرية المتقلبة والمحدودة في قفص المادة أو النسق المذهبي. والقصد من الطب هو حفظ سلامة الإنسان ماديا ومعنويا بالتربية والتنمية والتقوية والوقاية من الأمراض على اختلاف أسبابها وأنواعها والعلاج بكل الوسائل النافعة ماديا ومعنويا لأن العلم، كما جاء في التراث الإسلامي، علمان: علم الأبدان وعلم الأديان، وهما مترابطان. و إن الغاية الحقيقية من الطب ينبغي أن تكون الحياة الإنسانية السليمة ماديا ومعنويا وأن يلقى الإنسان ربه بقلب سليم.
و مما لا شكَّ فيه أنَّ قلوبَ المؤمنين تطمئنُّ بذِكْـرِ الله عز وجل و عليهِ فإنني لا أستطيع كطبيبٍ نفسي مسلمٍ أن أدَّعى أنَّ ذلك خارجَ تخَصُّصي ولا أستطيع كمثَقَّـفٍ مسلمٍ أنْ أقبل بالوضعِ الذي يسمحُ لكلِّ من هبَّ وَ دَبَّ أنْ يدَّعِيَ العِلمَ بالأمراض النفسيَّةِ و علاجها حتى و إن كان عالِمًـا بالقُـرْآنِ وبعلومِ الدين ! لأنَّ علمَ الأبدانِ غير علمِ الأديان و ما النفس إلا انعكاسٌ لحالَـةِ البَـدَنِ ؛ و منْ يعالِجُ الأمراض النفسيةَ لابُـدَّ أنْ يكون عالمًـا بماهِيَتِها و بالتغَيُّـراتِ البدنيةِ المصاحِـبَـةِ لها كما أنَّ من يُسْمَـحُ لهُ بالتَّصَـدِّي لآلامِ الناسِ و أوجاعِهِمْ لابُـدَّ أن يكونَ كُفْءً لذلكْ
و قد أثبَـتَتْ مجموعة من الدراسات العلمية أجريتْ في ماليزيا على بعضِ مرضى اضطراب القلق العام و مرضى الاكتئاب الجسيم أنَّ المتدينين من هؤلاء المرضى يستفيدون بشكل لا يقبل الجدل عند إضافة بعضِ أساليب العلاج النفسي الديني لعلاجِهِم الدوائي مقارنة بالمرْضَى غير المتدينين حيث احتاج المتدينون لجرعاتٍ أقلَّ من العقَّـارات و استخدموها لفترات أقل من غيرهم ؛ و تلخصت أساليب العلاج الديني تلك في ما يمكن اعتباره إسباغًا للوضوءِ و في إطالة مدَّة الصلاةِ من خلال إطالة مدةِ الركوع و مدة السجود ؛ و كذلك في قراءَةِ بعض آياتٍ من كتابِ الله عز وجل . و معنى ذلك أنَّ كثيرين من مرضانا يمكنهم الاستفادةُ من ذلك العلاج و أنَّ إغفالنا كأطباءَ مُسْلِمينَ لذلكَ الباب الرحيب الذي يُسَهِّـلُ الكثيرَ من الأمورِ على مرضانا لهو تقصيرٌ كبير ؛ و لعَـلَّـهُ هوَ الذي يسْمَحُ لكلِّ من هَـبَّ وَ دَبَّ باستغلالِ القلوبِ المؤمنة ؛ كما أن هناك اختلافاً جوهريا في تناول موضوع الصحة النفسية ما بين علماء الغرب و أطباء النفس الغربيين وبين تناول العلماء و المفكرين المسلمين السابقين له فعلماء الغرب يرون أن أهمَّ مقوِّمات الصحة النفسية هي فقط النجاح في حياة الإنسان المادية و الدنيوية و قدرته على تحمل مسئوليات الحياة و مواجهة ما يقابله من مشكلات ، و توافقه مع نفسه و مع غيره من الناس ،و يغفلون ما غير ذلك إغفالاً تاما و أما علماء المسلمين ومفكريهم فيرون أن أهم مقومات الصحة النفسية هو توافق الفرد مع ربه و تمسكه بعبادته و تقواه سبحانه وتعالى ، و من الواضح أن انتهاجنا كأطباء نفسيين مسلمين لمنهج الغرب لم يحقق نجاحا يمس به المجتمع لأن المجتمع المسلم بطبيعته لا يستطيع إغفال العلاقة بين توافق الفرد مع دينه و ربه و بين ما يحسه من أمن نفسي و أرى أن الأجدر بنا أن نتواصل مع جذورنا لكي نستطيع التأثير في مجتمعاتنا بشكل يفيدُ و يثمر.
و قد بدأ بعض علماء النفس الغربيين المحدثين يدركون أخيرًا أهمية الإيمان بالله تعالى في صحة الإنسان النفسية ، إذ أنه يمدُّهُ بطاقةٍ روحية تعيـنه ُ على تحمل الكثير من مشاق الحياة و تساعده على التخلص من الكثير من القلق ، لكن هؤلاء بالطبع قـلةٌ منهم و لا يشجعهم أحد في المجتمع الغربي ، و أنا لا أعرف سببا لتحرج الكثيرين من الأطباء النفسيين من التصريح و الإعلان عن ملاحظاتهم مع المرضى في ممارستهم للطب النفسي و التي تختلف بالتأكيد عن ملاحظات الأطباء الغربيين التي يملئون بها آذان العالم كله و لا أجد من أطباء النفس المسلمين باستثناء حالات نادرة إلا أنهم يكررون ملاحظات الغرب و يحاولون إثبات أنها عندنا كما هي عندهم و لا أعرف كيف تكون كذلك لكن الواضح أننا كأمة أصبحنا نخاف من القول باختلافـنا عن الغرب اللهم إلا في أننا فقراء و أننا محتاجون لرضاهم لكي نتقدم " أي أن نصبح مثلهم" ، لا أريد البعد عن موضوعي الأصلي و هو الطب النفسي الإسلامي و إمكانية علاج الأمراض النفسية بالقرآن ولكنَّ لا بدَّ أولا من توضيح الفرقِ بين العلاج بالقرآنِ الكريم على أساسٍ فكريٍّ معرفيٍّ واضح و من قِـبَلِ من يعرف ما هو المرضُ وما أشكاله و أسبابه ، و بين من ينسب المرضَ النفسي إلى فعل الجنِّ و يتعامل مع آيات القرآنِ و كأنها تعاويذُ يؤثِّرُ بها في الجن و ما إلى ذلك و يفعل أشياءً ما أنزل الله بها من سلطان ربما يصدقها هو نفسه إن كان سليم النية و يصدقها الآخرون على أنها دلائل على وجود الجني في بدن المريض ؛ لكن الذي يشعرُ المسلم العالمَ بحقيقة الأمور و يخجله هو أن المنوم المغناطيسي أيا كانت ديانته للأسف يستطيع أن يفعل نفس الأفعال التي يفعلها ذلك الشيخ الهمام فيجعل المريضة تتكلم بصوت رجل و العكس دون أن يستخدم شيئًا من القرآن فكل هذه ممارسات ما أنزل الله بها من سلطان لا تحتاج إلا لمريض لديه قابلية عالية للإيحاء و رغبة غير واعية بالتالي في إسعاد المعالجِ أيا كان فيجدُ نفسه يفعل ما يريدُه المعالجُ و يحسب الأخير نفسه قد أنطق الجنَّ كما يحسب الكثيرون !! أحاوِلُ في السطورِ التاليَـةِ أنْ أقدِّمَ بعضَ النماذِجَ مِما يُمكنُ أنْ يُساعِـدَ في علاجِ أمراضٍ كالقلقِ العام والاكتئاب إضافَـةً إلى العقَّـاقير اللازمَـةِ تبعًـا لشدَّةِ الحالة المرضية أي أنه أسلوب علاجيٌ يضـافُ إلى أدويَـةِ المريض المتدين و ربما يكون كافيا وحده في حالات مثل الاضطرابات التكيفية أو الحالات الخفيفة الشدة حسب معايير التشخيص في الطب النفسي ؛ وَ يُمْكِنُني أنْ أسميـهِ محاولَـةً لوضْعِ حجَرِ أساسٍ لعلاج معرفِيٍّ يتناسَبُ مع بيئتنا المسلمة فالعلاجُ المعْرِفِيُّ كما ذكرت هو محاولةٌ يقوم بها المعالجُ لتغيير بعضِ الأفكارِ التي يعتبرها المريض من المسلماتِ التي لا تحتاج مناقشة في منظومته الفكرية بينما هي في حقيقتها أفكارُ خاطئة و غير قائمة على دليلٍ منطقي لكن المريض لا يدرك ذلك. و أرجو أن يكونَ واضِـحًـا للقارئ أن ما أقولُـه هنا يَـجب أنْ يُـطَـبِّـقَـهُ الطبيب المتخصص و ليس مع كلِّ مريضٍ لأنَّ تطبيقَ هذا الأسلوب مع مريض بعيدٍ أصلاً عن الدين إنما يترك أثرًا آخرَ في نفس المريضِ الذي يشعرُ بأن الطبيب يأخُذُ دورَ الواعِظِ و ربما رفضَ العلاجَ برُمَـتِّهِ ! و أؤكِّـدُ مرة أخرى هنا أنني أتكلَّمُ عن علاجٍ بالقرْآن لا ينطلقُ من أنَّ الاضطراباتِ النفسية ناتجة عن مس أو تلبس بالجان و لا عن ضعفٍ في الإيمان لأنها ليست كذلك "وهذا أمر ستردُ مناقشته أيضا في الفصل القادم " و إنما على أساسِ أنَّ القرْآنَ هو أسمى ما لدينا من فكْرٍ و هدْيٍ نتفقُ عليه جميعًا .
1- دعوةَ المريض إلى التفاؤل وعدم اليأس : حسبُنا أن نذَكِّـرَهُ بقول الله تعالى : "......... وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون" صدقَ اللهُ العظيم " يوسف (87)" وَ قولهُ تعالى " قل يا عِبادِيَ الذينَ أسْرَفوا على أنفسِهِمْ لا تَقنَـطُوا منْ رَحْـمَـةِ الله إنَّ اللهَ يغْـفِـرُ الذنوبَ جميعًـا إنَّـهُ هوَ الغفورُ الرحيم" صدقَ اللهُ العظيم" الزمر (53) " ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم , إذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم إذا دعوه :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" صدقَ اللهُ العظيم ." البقرة (186)" نحتاج إلى ذلك بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ مع مريضِ الاكتئاب بل و أحسبها نعمة من نعم الله التي أودعها في كتابه الكريم أن يكون لدينا مثلُ ذلك النور الهادي ولا أدري كيف لا نستخدمه في علاجِ مرضانا فـهذه قمة الأمن النفسي للإنسان .
2- تذكير المريض الواقع في كرب و ضيقٍ لأيِّ مشكلة حياتيةٍ تواجههُ وقد أحسَّ أنَّـهُ وحيدٌ فلماذا لا أناقشُهُ في أمرِ صلنهِ بالله عز وجل ؟ : فقوة الصلة بالله أمر أساسي في بناء المسلم النفسي حتى تكون حياته خالية من القلق والحزن و الغم .. وتتم تقوية الصلة بالله بتنفيذ ما جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس : "يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمات ٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ , وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً" صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم و أنا كطبيبٍ نفسيٍّ مسلمٍ يعالجُ مريضا مسلما في ضيقٍ وكربٍ وخوف ؛ إنْ لم أُذَكِّـرْهُ بمثل هذا الحديث الشريف فماذا أقولُ لهُ ؟ هل مثلا أكلمه عن نصائح ديل كارنيجي لمواجهة القلق ؟؟
3- الثبات والتوازن الانفعالي : الإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب ... قال تعالى : " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ " صدقَ اللهُ العظيم " إبراهيم (27) " "فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " صدقَ اللهُ العظيم " البقرة (38) " "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ و للهِ جنودُ السماواتِ و الأرضِ و كانَ الله عليمًا حكيمًا " صدقَ اللهُ العظيم " الفتح (4) "
4- الصبر عند الشدائد : يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى : "......... وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" صدقَ اللهُ العظيم ." البقرة (177)" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم
5- المرونة في مواجهة الواقع : وهي من أهم ما يحصن الإنسان من القلق أو الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" صدقَ اللهُ العظيم" البقرة (216)" " و عسى أنْ تكرَهُوا شيئًا و يجعلَ اللهُ فيهِ خيرًا كثيرًا " صدقَ اللهُ العظيم "النساء (19)"
6- توافق المسلم مع الآخرين : الحياة بين المسلمين حياة تعاون على البر والتقوى , والتسامح هو الطريق الذي يزيد المودة بينهم ويبعد البغضاء , وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي :"وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم" صدقَ اللهُ العظيم " فصلت (34) "
وما تزالُ الأمثلة وفيرةً ومعظمها لا يحتاجُ إلى تعليقٍ بل حسبهُ أنهُ يخرجُ من القلب إلى القلب و لكنني أعودُ لأؤكِّـدَ أنَّ تحديد المريض المناسب و الكلمات المناسبة لحالتهِ وله أمر يحتاج إلى من يعرف جيدًا عوارض و أبعاد الأمراضِ النفسية و كيفية التعامل معها ومتى نحتاجُ إلى هذا العلاج المعرفي مع الدواء ومتى يكون كافيا وحده و متى يكون غير صالح على الأقل في مرحلة معينة من العلاج ! إذن فهناك طب نفسي إسلامي وَ نعم هناك علاج بالقرآنِ للأمراضِ النفسية ؛ و لكني أكَرِّرُ مَـرَّةً أخرى أنني هنا أستعين بالقرآنِ كمادةٍ للعلاج المعرفي لها ما لها في قلوبنا و فيها ما فيها من بركة أودعَها الله عز و جل لكنني لا أتكلم عن آياتٍ تتعلق بالجن أو بالسحر و لا علاقة لها لا بالمرضِ و لا بما يعانيه المريضُ و لا أتكلم عن آياتٍ أكتبها على فخذ فتاةٍ مصابة بالشلل الهستيري و لا على ظهر امرأةٍ مكتئبة ولا في أوراق ليبلها المريض و يشرب ماءها أو يستحمَّ بها و إنما أتكلم عن آيات يفهمها و يتدبرها المريض ؛ أنا أخاطبُ العقول و القلوب بالقرآنِ و قد أنزله الله تعالى لذلك .
|
||||
سعيا وراء ترجمة
جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية نأمل من الزملاء الناطقين
بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى أحد إصدارات
الموقــع : الإصــدار الإنجليــزي
– الإصــدار الفرنســي |
||||
|
||||
Document Code VP.0024 |
ترميز
المستند
VP.0024 |
|||
Copyright ©2003
WebPsySoft Arab Company www.arabpsynet.com (All Rights Reserved)