Arabpsynet

 وجهات نظـر /  Points of View

شبكة العلوم النفسية العربية

 

التحليــل النفســي والسياســة

الحرب والسلم، إنجاز وفشل

الضغينة من زاوية التحليل النفسي

ترجمة عن الألمانية: أ.د. سامر جميل رضوان

Srudwan@hotmail.com

أندريا شنايدر (1) Anderea Schneider

 

    q         لفت نظــــر ( المترجم )

 

    لا يعبر المقال أدناه عن وجهة نظر المترجم بالضرورة وخصوصاً فيما يتعلق ببعض المفاهيم والمصطلحات السياسية المستخدمة، إلا أن مضمون المقال من الناحية النفسية يستحق النقاش. فهل يمكن الادعاء أن علم النفس و التحليل النفسي بشكل خاص قادر وحده على تفسير وفهم جذور الصراع السياسي بكل أبعاده. فإذا كانت الإجابة بنعم، وهو ما لا نعتقده بالمطلق، فما هو المدى الذي يمكن فيه لهذا الفهم أن يتشوه من خلال عدم أخذ السياقات التاريخية للصراع السياسي بعين الاعتبار. فعزل الصراع عن سياقه التاريخي سوف يقود إلى تلك النتائج التي يتضمن المقال بعضاً منها، فيتساوى عندئذٍ الدافع الأساسي الكامن خلف سلوك التمييز العنصري و الإبادة الجماعية وسلب الحقوق وسلوك التمسك بالأرض والحفاظ على الحقوق وصراع البقاء. يقوم المقال على مناقشة الموضوع من ناحية النتائج الراهنة عبر منظور التاريخ الفردي للأطراف المؤثرة في الصراع، آي ما آل إليه الصراع الآن ومآزق المباحثات التي يكمن خلفها أفراد، ويعرض رؤية نفسية للخروج منه، إلا أن التعامل مع النتائج وسلخها عن سياقها التاريخي الجمعي، سيقود إلى مثل هذه الاستنتاجات اللاتاريخية، التي يتساوى فيها المعتدي و الضحية. إن جرح الإحساس "بالعدالة" في هذا السياق لا يمكن أن يكون جرحاً فردياً فحسب، بل جرح جمعي، أسهم ويسهم فيه المجتمع الدولي في عولمة ذرائعية لا تناقش فيه دوافعها في الشعور بالتفوق والسيطرة على الآخر وقولبته وفق معاييرها. وهنا نتجاوز ميدان الظاهرة النفسية، فالمسألة ليست مسألة نفسية فحسب.

    من جهة أخرى لا نستطيع أن نلوم كاتب المقال أو المحلل النفسي وورمسر على بعض المصطلحات المستخدمة، فهما أبناء مجتمع غربي يعاني من التشويه الاستعرافي والفلترة فيما يتعلق بالجذور التاريخية للصراع. ومع ذلك يظل المقال جديراً بالاهتمام –من الناحية النفسية- ويستحق النقاش الذي نرجو أن يقوم به الزملاء، أينما كانوا.

 

    q         النــص الكامــل

 

    من منا مازال يفهم الوضع في الشرق الأوسط بصورة منطقية؟

    شعب مستعبد-إسرائيل- من جهة وشعب مجلود –فلسطين- من جهة أخرى. خوف من عمليات انتحارية  دون تمييز، وارتعاد من اعتداءات هادفة –حتى من الجانب الفلسطيني.

    فمنذ زمن ليس بالبعيد أقسم كل من رئيس وزراء إسرائيل أرئيل شارون و ياسر عرفات التخلي عن العنف. إلا أن المحلل النفسي المولود في سويسرا والقاطن في الولايات المتحدة الأمريكية  ليون وورمسر Leon Wurmser، كان واحداً من الذين لم يعتقدوا ذلك. وحجته في هذا أن كلاهما: شارون وعرفات سوف يفقدان عبر ذلك مضمون حياتيهما. فالضغينة أقوى مما هو معلن ومن الممكن أيضاً أنها أقوى من الرغبة المنشودة في التعايش السلمي مع بعضهما البعض. بل أكثر من ذلك: فالضغينة تشيّد الحياة وتمنحها معنى وهدف.

    ووفق القاموس فإن مصطلح الضغينة Resentment   يعني:  "السخط الصامت، الكامن، الكره المغلوب على أمره، حسد(الحياة)". إلا أن تعريفات التحليل النفسي للضغينة تمتد لأبعد من هذا النوع من التعريفات: إذ يعتقد وورمسر الضغينة الواضحة يتم إيقاظها من خلال جرح الإحساس بالعدالة". " وتسبق الرغبات والمشاعر العدوانية، وبشكل خاص الحسد والغيرة وحب الانتقام الضغينة" فيشعر حامل الضغينة باللاحول و الارتباك، في استرجاع العدالة، الأمر الذي يقود إلى تعميم وضع الضحية ويثير الرغبة العامة في الانتقام (2) revanche . ويضيف المحلل النفسي  الآخيني (3) ميشا هيلغرز Micha Hilgers  إن "أعمال العنف" لا تتم بشكل مناقض للضمير أو لخلل فيه، بل بالانسجام الكامل مع سلطة الضمير".

 

    للضغينة وجوه كثيرة: عمليات انتحارية أمام الملاهي الإسرائيلية، استعراضات النازيون الجدد في ألمانيا، برامج روستوك-ليشتينهاغن، الكره العرقي في البلقان و اليمين الذي تزداد شوكته في دول الاتحاد الأوروبي، المشاجرات بالسكاكين والفؤوس في أفريقيا. صور العدو اتجهت في الماضي نحو الفقر والغنى، اليمين واليسار، الشرق والغرب، الليبرالية والمحافظة. إلا أن هذا قد تغير من وجهة نظر وورمسر. إذ أن "تعقد الحياة" المتزايد هو المثير للضغينة. ذلك أنه كلما أصبحت البنى أكثر تعقيداً، بدا العالم أكثر غموضاً ورسمية (غير شخصي). فمن لا يستطيع اليوم استخدام الكمبيوتر قلما يكون نافعاً في المجتمع. ويرى وورمستر أنه تتم التضحية "بالفرداني" على "مذبح العموم"، وذلك عندما يحتل الخوف من النفس مكان المعبر نحو العوالم الداخلية. فحيث لا يحتسب إلا الإنجاز و النجاح لا يظل هناك مكان للضروب الفردية والشوائب، ولا للضعف.  ولكن بالمقابل هناك مكان للخجل من عدم القدرة على الإنجاز كالآخرين، أو للشعور باللاحول  بعدم القدرة على الحصول على أكثر ضمن الظروف الراهنة.

   ينمو شعور اللاعدالة و من ثم الاستعداد لاسترداد العدالة الموهومة. ويتجه الحسد نحو أولئك الذين تمكنوا من التصالح مع عالم يبدو غير مفهوم. ويمكن أن يكون هدف الغيرة نجم فرع التجارة العالمية Shooting-Star of IT-Branch  أو المتقاعد الذي يقوم مع أطفال المدرسة بإصلاح عجلات الدراجات. وبالتالي ليس الإنجاز بحد ذاته هو الذي يظهر الحسد و الغيرة والرغبة بالانتقام، وإنما وجود الرغبات و الأحلام القابلة للتحقيق في عالم يبدو مخيباً للأمل.

    وغالباً ما لا  يتوجه كره حليقي الرؤوس ضد أولئك الذين يمكن أن يكونوا حاسدين وغيرانين، بل إن السبب كما يراه وورمسر يكمن في تاريخ أسرهم وطفولتهم. إذ أن من يعيش في طفولته ضعفه الذاتي بشكل شديد ويدرك ذاته في الوقت نفسه ممتهناً أو مهزوماً بدون وجه حق، يمكن أن يُنَمّي الضغينة تجاه كل شيء ضعيف و غريب، التي (أي الضغينة) ترمز إلى اللاحول المكروه في ذات الشخص. يقول وورمسر: "يتحول الضعف الذاتي إلى مكسر عصا الغضب  المفرط". ولكن بما أنه لا يمكن لأي إنسان أن يسمح بذلك، يتجه الغضب ضد كل شيء آخر.  إنه نوع من التحويل العكسي، كما يقول المحللون النفسيون: حيث يتم تدوير (قلب) التهديد المتوجه نحو الذات وتوجيهه نحو الآخر، الغريب الموهوم.

   ويرى وورمستر أن التربية التسلطية المتشددة تعد مصدراً للضغينة المفرطة. ويدعم وجهة النظر هذه كذلك المحلل النفسي السويسري أرنو غرين Arno Gruen حيث يكتب في كتابه بعنوان: "الغريب في داخلناThe Stranger in Us ": "يتعلق بقاؤنا كأطفال بالتصالح (التكييف) مع والدينا وذلك عندما -وبشكل خاص- يكونان باردين بالفعل أو لا مباليين أو قاسيين أو قامعين. ومن ثم يتبنى الطفل اتجاه الوالدين البارد (الخالي من الحب) لنفسه". ويطلق وورمسر على الظاهرة نفسها تسمية "عمى النفس": " يتم الشعور بالحاجات و الانفعالات الذاتية على أنها مزرية، وبالتحديد تتم مقاومة هذه الحاجات في الآخرين. فإذا ما ترافقت التربية على  عمى النفس مع حث مفرط على الإنجاز، فيمكن للأطفال أن يصبحوا لاحقاً قادة كارزميين (جذابي(4))Charisma  -ألمعيون في تخصصهم مثيرون للإعجاب للقوة والقدرة على توكيد الذات، إلا أنهم باردون في التعامل مع أنفسهم والآخرين.

ويعتبر وورمستر أن التماهي مع جماعة ما و قائدها هو بمثابة تحرير للفرد. وهنا يعيش الفرد مشاعر الكره و الغضب و الضغينة بوصفها مشاعر مبررة. "يشعر المرء بأنه قوي لا يقهر. فالآن كل شيء مباح". ويصح هذا بشكل خاص إذا ما وقفت سلطة دينية أو سياسية خلف الجماعة. "إذ أنه عندئذ يتحمل واحد ذنب الجميع، تحظى الجرائم الكبرى بالغفران".  فباستياء مفاجئ اتجهت أنظار العالم نحو أفغانستان، حين دمر الجنود بتغطية وحماية من قيادة دينية تماثيل عمرها آلاف السنين: لم يبدأ الاستياء العالمي إلا عندما  آلت التماثيل بوصفها  موروث عالمي للتدمير، ولكن لم يستأ أحد أثناء القتل والقمع الذي دام لسنوات مديدة، والذي لم يكن يطل التماثيل الحجرية بل الأحياء من البشر –بوصفها شأناً داخلياً.

    و ليون وورمسر، الكاتب بلغات عدة و المحلل النفسي المشهور عالمياً رجل متواضع. رجل في تناقضه كما قال الشاعر كونراد فيرديناند ماير. وهو وعلى الرغم من أنه لا يستطيع إخفاء تعاطفه مع إسرائيل إلا أنه كان دائماً من منتقدي السياسة الإسرائيلية. فهو يلوم "غطرسة القوة"، التي لمعت لعقود عدة ، بتمكنها النصر على العالم العربي في ستة أيام. ويتمنى لو أبدى الإسرائيليون احتراماً أكبر للمهزومين و لقيمهم و حاجاتهم. إذ أنه من "يدوس الاحترام برجليه، يقترب من الضغينة".

   ويرى أن التقارب بين الجانبين لا يمكن أن يتم إلا من خلال عملية ديمقراطية من الأسفل. وحتى مباحثات السلام صادقة النية ليس لها قيمة. إذ أنه على قواد المباحثات أن يتخلوا عن ضغائنهم ليس من أجل الحصول على الاعتراف فحسب وإنما من أجل القبول أيضاً. ذلك أن كلاهما- منح الاعتراف والحصول عليه-  يتطلبان التسامح تجاه الخجل.  فالتوجه نحو الآخر (التقارب) يعني دائماً الاعتراف بنقاط الضعف الذاتية والأخطاء. إلا أن هذا غير ممكن لدى الناس الذين يكون هدف حياتهم دائماً إبراز قوتهم الخاصة. ويعتقد وورمستر بأن التخلي عن الضغينة غير ممكن تقريباً في صراع فلسطين من خلال شخصيات السياسيين الذين يقودون المباحثات وأتباعهم.  وحتى لو أن الرغبة في المصالحة كبيرة: فسوف يسلب التقارب الجدي أهدافهم ومن ثم مستقبلهم.

   ويتحدث المحلل النفسي الميونخي غونتر ليمبا Guenter Lempa عن تبادل وتوازن بين المجتمع والفرد كشرط للشعور الذاتي بالعدالة. إنه ذلك البحث عن التعويض عن الضغينة أو التخفيف منها، والذي لا يستطيع المرء إحداثه سياسياً في المنتجعات الأمريكية ولا فرضه من خلال سلطات مجهولة المصدر (مغفلة anonym ). المهمة هي، بكلمات توماس مان:  "إرادة الاحترام المنقذ للإنسان من نفسه"- إنها ورثة ثقافية عالمية جديرة بالمحافظة عليها، إذا ما تعلق الأمر بالضغينة.

 

    q         هوامـــش

 

1-     (العنوان الأصلي للمقال – Kieg und Frieden-Leistung und Misserfolg - Deutsches Aerzteblatt : Heft 10-Oktober 2003-453-454 )

2-      (انتقام، و بخاصة : سياسة ترمي إلى استرداد أرض مفقودة إلخ)

3-      (نسبة إلى مدنية آخن)

4-      (سحر في شخصية القائد يدفع الجماهير إلى تقديسه)

 

سعيا وراء ترجمة جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية نأمل من الزملاء الناطقين بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى أحد إصدارات الموقــع : الإصــدار الإنجليــزيالإصــدار الفرنســي

 

Document Code VP.0033

SamerPsychoanalyspolitic

ترميز المستند  VP.0033

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)