Arabpsynet

Livres  / كتــب /  Books

شبكة العلوم النفسية العربية

 
النفــس المفككــة
سيكولوجية السياسة الأميركية

أ.د. محمد أحمد النابلسي

 مركز الدراسات النفسية مايو 2003

 

 

q        

 

       بعد كتابيه " النفس المغلولة – سيكولوجية السياسة الاسرائيلية" و" النفس المقهورة – سيكولوجية السياسة العربية" يصدر الدكتور محمد احمد النابلسي الطبعة الثانية من كتابه الثالث " النفس المفككة – سيكولوجية السياسة الاميركية" حيث إقتصر توزيع الطبعة الأولى على أعضاء المركز العربي للدراسات المستقبلية ومشتركيه. وربما رأى مركز الدراسات النفسية ،ناشر السلسلة، ضرورة نشر طبعة شعبية منه بعد الحرب العراقية.

    ولهذه السلسلة أهميتها لكونها تقدم قراءة سيكولوجية للسياسات الراهنة بعد أن خلّف سقوط الاتحاد السوفياتي فراغا عالمياً جعل الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في العالم، بما أغرى رئيسها جورج بوش بإطلاق مصطلح النظام العالمي الجديد لتأكيد سطوة الولايات المتحدة وجبروتها العسكري، الذي كرسته حرب الخليج الثانية، التي ذهب بعضهم لاعتبارها الحرب العالمية الثالثة، استنادا إلى عدد الدول المشاركة فيها وإلى كمية الأسلحة المستخدمة خلالها. وعلى الرغم من الإحراجات الدبلوماسية والأخلاقية التي سببها قرار الحرب الأميركي على العراق العام 1991 فان الجبار الأميركي لم يتوقف عن الشكوى. وتركزت شكاويه على الأمور التالية بصورة خاصة:

1-    إنه لا يحظى بنفوذ سياسي يتناسب وتفوق قدراته العسكرية، بما يعكس عدم كفايته بالرغم من قدرته على جر دول عديدة إلى تلك الحرب بضغوطات نفوذه وقوته الاقتصادية والعسكرية والسياسية. فقد كانت كل من فرنسا وروسيا تبذلان المستحيل من الجهود لمنع هذه الحرب. ليس فقط لإضرارها بمصالحهما ولكن أيضاً لوعيهما أن هذه الحرب هي حاجة أميركية وليست ضرورة دولية أو إنسانية أو غيرها. علاوة على حرج الدول العربية بالمشاركة في حرب أميركية ضد دولة عربية. خاصة بعد الرفض الأميركي لمحاولة إيجاد مخرج عربي للأزمة.

2-    إنه يبحث عن عدو ولا يجده. حتى بدا الأمر وكأنه يطالب العالم بتقديم ضحية ليتسلى الجبار بافتراسها وممارسة جبروته عليها. وفي غياب هذه الضحية راح الجبار يتسلى بالحروب الصغيرة وبالحصارات المتعددة الدرجات ومعها تصنيف دول العالم إلى تابعة ومارقة. وفي ذلك الإعلان عن عدم وجود حالة وسطية.

3-    إنه يواجه عقبات في وجه عولمة نظامه القيمي الذي  يرى الجبار الأميركي انه اثبت نجاحه ليصبح سيد العالم دون منازع. فإذا ما فشلت العولمة في مجموعة كبيرة من الدول المتعولمة والمستسلمة لشروط الأمركة رد الجبار هذا الفشل إلى الفساد والتخلف في هذه الدول. وليس إلى عدم صلاحية نظامه للعولمة.

4-    إن بعض تطبيقات العولمة تضر بالاقتصاديات الأميركية مما يعطي للجبار الحق بتجاوز العديد من قوانين السوق ومنظمة التجارة العالمية. لكن هذا الحق بالتراجع لا يمتد إلى أية دولة أخرى مهما بلغ شانها وقوتها العسكرية. حتى لو أدى الأمر إلى معاناة شعبها من المجاعة كما حصل في روسيا.

    هذه هي باختصار المظالم الأميركية التي جعلت الولايات المتحدة تبرر تجاوزاتها لمبادئها الليبرالية. لتخوض صراعات مثل حرب كوسوفو ولتفرض الحصار على مئات الملايين من البشر. بل أنها أجبرت الاتحاد الأوروبي على اتخاذ الخطوات الكفيلة بالقضاء عليه وعلى إمكانيات تطويره. وكان ذلك عبر التعديلات الاستراتيجية المدخلة على ميثاق حلف الناتو (الأطلسي). والتي بدأت طلائعها مع إعلان بوش الابن عن إصراره على مشروع "الدرع الصاروخي الأميركي" ولما يمضي شهر على دخوله البيت الأبيض.

    هذه المظالم تقودنا إلى السيكولوجيا وإلى الحديث عن العقل الجمعي المنتج لهذه السياسات والمواقف؟. ليصدمنا هذا السؤال بواقع التعددية الأميركي الذي يجعل من المجتمع الأميركي تجمعا أشبه بالموزاييك الذي يتطلب أولاً السؤال عن المواد اللاصقة لأجزائه والجامعة بين جماعاته. وهو السؤال الأصعب!. فعلى الرغم من وجود جواب سهل وجاهز يتمثل بالوفرة الاقتصادية (متوسط الدخل الأميركي 35 ألف دولار سنويا) فإن الموضوعية تقتضي تحري أجوبة أخرى. فالوفرة المادية قد تكون المادة اللاصقة الأساسية للموزاييك البشري الأميركي، إلا أنها ليست الوحيدة فماذا عن بقية المواد؟

    إن معرفة المواد اللاصقة الأخرى غير ممكنة بالنظر إلى المجتمع الأميركي من الخارج. إذ إن هذا المجتمع يختلف بصورة كلية عندما ننظر إليه من داخله عنه عندما ننظر إليه من الخارج. ففي الداخل الأميركي رفاهية نفسية تضاعف الأثر اللاصق لتلك المادية. فالحرية الأميركية لا تقف عند حدود ممارسة القناعات الخاصة بل تتعداها إلى التحرر من قيود الآخر لدرجة اللامبالاة به. وذلك على عكس المجتمعات التقليدية حيث يكون الفرد أسيراً لرأي الآخر ومقيدا بالنظم الرمزية للجماعة وقيمها. بما فيها تلك التي تتعارض مع قناعاته ورغباته. بما يجعل الفرد يحس أحيانا بالاغتراب داخل جماعته. أما المجتمع الأميركي فيقدم للفرد حرية شخصية في حدودها القصوى. وهذا ما يعطي للمجتمع الأميركي قدراته التذويبية الفائقة التي تصهر المزيج الأتني والثقافي الهائل التنوع في موزاييك المجتمع الأميركي. فإذا أردنا أن نعطي مثالا على اللامبالاة والتحرر من قيود الآخر فإننا نأخذ المقابلة التي أجريت مع الرئيس بوش الابن عندما كان مرشحا. ففي تلك المقابلة الشهيرة كان بوش نموذجا للمواطن الأميركي العادي الذي لا يهتم بما لا يعنيه. ومن هنا فشله في الإجابة على أسئلة من بديهيات السياسة. وهو فشل فضائحي بالنسبة إلى مرشح لرئاسة القطب العالمي الأوحد. ومن الأمثلة أيضاً ذلك الإحصاء الذي بين أن 80% من الأميركيين يعتقدون أن باكستان وإيران هي دول عربية! وقس عليه.

    في المقابل لابد من السؤال عن "الحنين إلى الأصول" وهو حنين من طبيعة الجنس البشري. والجواب اختصارا هو أن عوامل انتصار البراغماتية الأميركية عقائديا والوفرة المادية وخمود القوميات كانت عوامل مذوبة كبتت هذا الحنين، الذي عاود ظهوره بقوة تتنامى مع تنامي انبعاث القوميات. وهو ردة الفعل الطبيعية أمام خمود الأيديولوجيات (ويقال سقوطها). وهذا ما يجعل دراسة المجتمع الأميركي الراهن أكثر تعقيداً. فهل نقسمه وفق انتماءاته العرقية والقومية؟ أم نتبع التقسيم البراغماتي الذي يصنف الناس في أنماط وقوالب سلوكية بغض النظر عن شخصياتهم ولا وعيهم الفردي والجماعي؟.

     ويبدأ الكتاب بفصل عنوانه "الشخصية الأميركية" يخصصه المؤلف لمحاولة تقديم الأجوبة على الموزاييك الأميركي وعن نموذج الأمة فاقدة التراث في كيفية تحديدها لمعايير الانتماء ومدى جدية هذا الانتماء.

    أما الفصل الثاني فهو مخصص لتعريف القارئ باللعبة السياسية الأميركية. وهي لعبة تجعلها البراغماتية (سياسة المنفعة والمصالح) لعبة بدون قواعد. ويحمل هذا الفصل عنوان "مدخل إلى السياسة الأميركية". حيث محاولة إيجاد هذا المدخل عبر عرض الكتاب لقراءات قائمة من أهم الكتب المتعلقة بالسياسة الأميركية. وهي عروض نقدية كان النابلسي قد نشرناها في قنوات إعلامية مختلفة.

    بالانتقال إلى الفصل الثالث وعنوانه " فوضى النظام العالمي ونهاية العولمة" وفيه عرض للفوضى العالمية المنعكسة على سياسة الولايات المتحدة بفقدانها للتوجه ولاعتماد استراتيجية واضحة. وصولا" إلى مخالفتها الصريحة لشروط العولمة وقوانينها. فهي تعادي العولمة إن تعارضت مع مصالحها.

    أما الفصل الرابع فهو مخصص لمحاولة تبين المتغيرات التي يحملها ووكر بوش معه إلى السياسة الأميركية. ومدى مرونة رؤاه ومشاريعه للتكيف مع متغيرات اللحظة السياسية الاقتصادية الراهنة مضافا" إليها تركة كلينتون والتزاماته. ويحمل الفصل عنوان " الولايات المتحدة في عالم متغير".

    ونأتي إلى الفصل الخامس الذي يتم في التركيز على العلاقات الأميركية-الصينية. حيث تمثل الصين مصدر الخطر المستقبلي على الولايات المتحدة، مما يجعل علاقات البلدين على درجة كبيرة من الأهمية والحساسية. لكن هذا التركيز لا يمكنه أن يكون بمعزل عن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة المتاخمة للحدود الصينية، والتي يطيب لبريجنسكي تسميتها بالحزام الأوراسي. ويحمل هذا الفصل عنوان " الولايات المتحدة والحزام الأوراسي". حيث يعرض أيضاً للمواقف الأميركية من اليابان واستراليا وأندونيسيا وروسيا.

وننتقل إلى العلاقات العربية-الأميركية في الفصل السادس وعنوانه " السياسة الأميركية في الشرق الأوسط". وفيه عرض للدور المركزي الذي يلعبه النفط في تحديد أبعاد هذه العلاقة، والإصرار الأميركي على السيطرة على النفط العربي كخطوة على طريق السيطرة العالمية.

    ولكن ماذا عن الداخل الأميركي؟ وكيف تبدو أميركا من الداخل؟ وما هو نوع التغيرات في الداخل الأميركي وفي أيّ الاتجاهات تسير؟ ...إلى غيره من الأسئلة التي لا يمكن تجاوزها في سياق الحديث عن سيكولوجية السياسة الأميركية. حيث رأى المؤلف في انتخابات العام 2000 خير نموذج لتجسيد هذه التغيرات. ويحمل هذا الفصل السابع عنوان "الولايات المتحدة من الداخل".

    وبذلك نصل إلى الموضوع الأهم والأكثر إلحاحا وهو موضوع "مستقبل الولايات المتحدة الأميركية". إذ يبين علم المستقبليات أن الإمبراطوريات متعددة القوميات تموت موتا بطيئا و موجعاً وجالباً للكوارث ومريقاً للدماء. فهل تشذ الولايات المتحدة عن هذه القاعدة المستقبلية المتعارف عليها؟.

    إن المواطن الأميركي اليوم فاقد للتوجه. إذ يتنازعه الحنين للأصول ( الآريون الأميركيون واللوبي اليهودي والتجمعات العرقية والدينية المختلفة) ومتعة اللامبالاة والذوبان، مما افقد الموزاييك الأميركي دعم الوفرة المادية بنشوة الحرية الشخصية التي تبدت مثاليتها ولا واقعيتها في الزمن الصعب، حيث اشتكى الآريون من سيطرة اليهود على الحكومة الفيديرالية. وحيث اشتكى الزنوج من تدني دخلهم واستمرارية التمييز العنصري ضدهم. وحين اتهم ذوو الأصول العربية بانفجار أوكلاهاما وغيرها من المواقف التي غذت الحنين إلى الأصول وهي في طريقها لإلغاء متعة اللامبالاة بالآخر. هذا الإلغاء الذي يترك الموزاييك الأميركي قائما على الوفرة المادية وحدها. وهكذا يتوضح تدريجيا عجز الذات الأميركية عن مكاملة وتركيب مجموعاتها الدينامية. إذ يزداد بروز عوامل الاختلاف بين هذه المجموعات حتى ينفجر مع أول أزمة اقتصادية أميركية قادمة. وعندها ستتبدى الفوارق بين هذه المجموعات على الأصعدة المختلفة ( العرقية واللغوية والدينية والمذهبية والقومية ...الخ). حتى أمكن القول إن انفجار أوكلاهوما وقبله حوادث ليتل روك ولوس أنجلوس وبعدها حوادث سينسيناتي لم تكن سوى مظاهر لبداية تفكك الذات الأميركية، على طريق تحويلها إلى فتات من الأقليات المتنافرة. إنّها النفس الأميركية المفككة...

    يقع هذا الكتاب في 305 صفحات من الحجم الوسط وهو صادر عن مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية. ولعل ما يلفتنا فيه هو إبتعاد المؤلف عن إقحام نوبة هياج 11 أيلول في تحليله للشخصية الأميركية. إذ أن التحليل النفسي بنظر لهذا الهياج على أنه تنفيذ هوامي للرغبات المكبوتة. هذه الرغبات التي يلاحقها النابلسي ويتتبعها بالرصد والتحليل.

     جريدة الأنوار- الدكتور عبد الرحمن العيسوي

      أستاذ علم النفس / جامعة الإسكندرية

 

q       تقديــم الكتــاب / PREFACE

 

    خلف سقوط الاتحاد السوفياتي فراغا عالميا جعل الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في العالم.بما أغرى رئيسها جورج بوش بإطلاق مصطلح النظام العالمي الجديد لتأكيد سطوة الولايات المتحدة وجبروتها العسكري. الذي كرسته حرب الخليج الثانية. التي ذهب بعضهم لاعتبارها الحرب العالمية الثالثة. استنادا إلى عدد الدول المشاركة فيها والى كمية الأسلحة المستخدمة خلالها. وعلى الرغم من الإحراجات الدبلوماسية والأخلاقية التي سببها قرار الحرب الأميركي فان الجبار الأميركي لم يتوقف عن الشكوى. وتركزت شكاويه على الأمور التالية بصورة خاصة:

1.   أنه لا يحظى بنفوذ سياسي يتناسب وتفوق قدراته العسكرية. بما يعكس عدم كفايته بالرغم من قدرته على جر دول عديدة إلى تلك الحرب بضغوطات نفوذه وقوته الاقتصادية والعسكرية والسياسية. فقد كانت كل من فرنسا وروسيا تبذلان المستحيل من الجهود لمنع هذه الحرب. ليس فقط لأضرارها بمصالحهما ولكن أيضا لوعيهما أن هذه الحرب هي حاجة أميركية وليست ضرورة دولية أو إنسانية أو غيرها. عداك عن حرج الدول العربية بالمشاركة في حرب أميركية ضد دولة عربية. خاصة بعد الرفض الأميركي لمحاولة إيجاد مخرج عربي للأزمة.

2.   أنه يبحث عن عدو ولا يجده. حتى بدا الأمر وكأنه يطالب العالم بتقديم ضحية ليتسلى الجبار افتراسها وممارسة جبروته عليها. وفي غياب هذه الضحية راح الجبار يتسلى بالحروب الصغيرة وبالحصارات متعددة الدرجات ومعها تصنيف دول العالم إلى تابعة ومارقة. وفي ذلك الإعلان عن عدم وجود حالة وسطية.

3.   أنه يواجه عقبات في وجه عولمة نظامه القيمي الذي  يرى الجبار الأميركي أنه اثبت نجاحه ليصبح سيد العالم دون منازع. فإذا ما فشلت العولمة في مجموعة كبيرة من الدول المتعولمة والمستسلمة لشروط الأمركة رد الجبار هذا الفشل إلى الفساد والتخلف في هذه الدول. وليس إلى عدم صلأحية نظامه للعولمة.

4.   إن بعض تطبيقات العولمة تضر بالاقتصاديات الأميركية مما يعطي للجبار الحق بتجاوز العديد من قوانين السوق ومنظمة التجارة العالمية. لكن هذا الحق بالتراجع لا يمتد إلى أية دولة أخرى مهما بلغ شأنها وقوتها العسكرية. حتى لو أدى الأمر إلى معاناة شعبها من المجاعة كما حصل في روسيا.

    هذه هي باختصار المظالم الأميركية التي جعلت الولايات المتحدة تبرر تجاوزاتها لمبادئها الليبرالية. لتخوض صراعات مثل حرب كوسوفو ولتفرض الحصار على مئات الملايين من البشر. بل أنها أجبرت الاتحاد الأوروبي على اتخاذ الخطوات الكفيلة بالقضاء عليه وعلى إمكانيات تطويره. وكان ذلك عبر التعديلات الاستراتيجية المدخلة على ميثاق حلف الناتو. والتي بدأت طلائعها مع إعلان بوش الأبن عن إصراره على مشروع "الدرع الصاروخي الأميركي" ولما يمضي شهر على دخوله البيت الأبيض.

    هذه المظالم تقودنا إلى السيكولوجيا والى الحديث عن العقل الجمعي المنتج لهذه السياسات والمواقف؟. ليصدمنا هذا السؤال بواقع التعددية الأميركي الذي يجعل من المجتمع الأميركي تجمعا أشبه بالموزاييك الذي يتطلب أولا السؤال عن المواد اللاصقة لأجزائه والجامعة بين جماعاته. وهو السؤال الأصعب!. فعلى الرغم من وجود جواب سهل وجاهز يتمثل بالوفرة الاقتصادية (متوسط الدخل الأميركي 35 ألف دولار سنويا) فان الموضوعية تقتضي تحري أجوبة أخرى. فالوفرة المادية قد تكون المادة اللاصقة الأساسية للموزاييك البشري الأميركي. إلا أنها ليست الوحيدة فماذا عن بقية المواد؟

    إن معرفة المواد اللاصقة الأخرى غير ممكنة بالنظر إلى المجتمع الأميركي من الخارج. إذ أن هذا المجتمع يختلف بصورة كلية عندما ننظر إليه من داخله عنه عندما ننظر إليه من الخارج. ففي الداخل الأميركي رفاهية نفسية تضاعف الأثر اللاصق لتلك المادية. فالحرية الأميركية لا تقف عند حدود ممارسة القناعات الخاصة بل تتعداها إلى التحرر من قيود الأخر لدرجة اللامبالاة به. وذلك على عكس المجتمعات التقليدية حيث يكون الفرد أسيرا لرأي الأخر ومقيدا بالنظم الرمزية للجماعة وقيمها. بما فيها تلك التي تتعارض مع قناعاته ورغباته. بما يجعل الفرد يحس أحيانا بالاغتراب داخل جماعته. أما المجتمع الأميركي فيقدم للفرد حرية شخصية في حدودها القصوى. وهذا ما يعطي للمجتمع الأميركي قدراته التذويبية الفائقة. التي تصهر المزيج الأتني والثقافي الهائل التنوع في موزاييك المجتمع الأميركي. فإذا أردنا أن نعطي مثالا على اللامبالاة والتحرر من قيود الأخر فإننا نأخذ المقابلة التي أجريت مع الرئيس بوش الابن عندما كان مرشحا. ففي تلك المقابلة الشهيرة كان بوش نموذجا للمواطن الأميركي العادي الذي لا يهتم بما لا يعنيه. ومن هنا فشله في الإجابة على أسئلة من بديهيات السياسة. وهو فشل فضائحي بالنسبة إلى مرشح لرئاسة القطب العالمي الأوحد. ومن الأمثلة أيضا ذلك الإحصاء الذي بين أن 80% من الأميركيين يعتقدون أن باكستان و إيران هي دول عربية! وقس عليه.

    في المقابل لابد من السؤال عن "الحنين إلى الأصول" وهو حنين من طبيعة الجنس البشري. والجواب اختصارا هو أن عوامل انتصار البراغماتية الأميركية عقائديا والوفرة المادية وخمود القوميات كانت عوامل مذوبة كبتت هذا الحنين. الذي عاود ظهوره بقوة تتنامى مع تنامي انبعاث القوميات. وهو ردة الفعل الطبيعية أمام خمود الأيديولوجيات (ويقال سقوطها). وهذا ما يجعل دراسة المجتمع الأميركي الراهن اكثر تعقيدا. فهل نقسمه وفق انتماءاته العرقية والقومية؟ أم نتبع التقسيم البراغماتي الذي يصنف الناس في أنماط وقوالب سلوكية بغض النظر عن شخصياتهم ولا وعيهم الفردي والجماعي؟.

لذلك رأينا أن نبدأ هذا الكتاب بفصل بعنوان "التحليل النفسي للشخصية الأميركية" نخصصه لمحاولة تقديم الأجوبة على الموزاييك الأميركي وعن نموذج الأمة فاقدة التراث في كيفية تحديدها لمعايير الانتماء ومدى جدية هذا الانتماء.

    أما الفصل الثاني فهو مخصص لتعريف القارئ باللعبة السياسية الأميركية. وهي لعبة تجعلها البراغماتية (سياسة المنفعة والمصالح) لعبة بدون قواعد. ويحمل هذا الفصل عنوان "مدخل إلى السياسة الأميركية". حيث نحاول إيجاد هذا المدخل عبر عرضنا لقراءات قائمة من أهم الكتب المتعلقة بالسياسة الأميركية. وهي عروض نقدية كنا قد نشرناها في قنوات إعلامية مختلفة.

    بالانتقال إلى الفصل الثالث وعنوانه " فوضى النظام العالمي ونهاية العولمة" وفيه عرض للفوضى العالمية المنعكسة على سياسة الولايات المتحدة بفقدانها للتوجه ولاعتماد استراتيجية واضحة. وصولا" إلى مخالفتها الصريحة لشروط العولمة وقوانينها. فهي تعادي العزلمة أن تعارضت مع مصالحها.

    أما الفصل الرابع فنخصصه لمحاولة تبين المتغيرات التي يحملها ووكر بوش معه إلى السياسة الأميركية. ومدى مرونة رؤاه ومشاريعه للتكيف مع متغيرات اللحظة السياسية الاقتصادية الراهنة مضافا" إليها تركة كلينتون والتزاماته. ويحمل الفصل عنوان " الولايات المتحدة في عالم متغير".

    ونأتي إلى الفصل الخامس الذي نركز فيه على العلاقات الأميركية-الصينية. حيث الصين تمثل مصدر الخطر المستقبلي على الولايات المتحدة. مما يجعل علاقات البلدين على درجة كبيرة من الأهمية   والحساسية. لكن هذا التركيز لا يمكنه أن يكون بمعزل عن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة المتاخمة للحدود الصينية. والتي يطيب لبريجنسكي تسميتها بالحزام الأوراسي. ويحمل هذا الفصل عنوان " الولايات المتحدة والحزام الأوراسي". حيث نعرض أيضا" للمواقف الأميركية من اليابان واستراليا وإندونيسيا وروسيا.

    وننتقل إلى العلاقات العربية-الأميركية في الفصل السادس وعنوانه " السياسة الأميركية في الشرق الأوسط". وفيه عرض للدور المركزي الذي يلعبه النفط في تحديد أبعاد هذه العلاقة. والإصرار الأميركي على السيطرة على النفط العربي كخطوة على طريق السيطرة العالمية.

    ولكن ماذا عن الداخل الأميركي؟ وكيف تبدو أميركا من الداخل؟ وما هو نوع التغيرات في الداخل الأميركي وفي أية الاتجاهات تسير؟ ...الخ من الأسئلة التي لا يمكن تجاوزها في سياق الحديث عن سيكولوجية السياسة الأميركية. حيث رأينا في انتخابات العام 2000 خير نموذج لتجسيد هذه التغيرات. ويحمل هذا الفصل السابع عنوان "الولايات المتحدة من الداخل".

    وبذلك نكون قد وصلنا إلى الموضوع الأهم والأكثر إلحاحا وهو موضوع "مستقبل الولايات المتحدة الأميركية". إذ يبين علم المستقبليات أن الإمبراطوريات متعددة القوميات تموت موتا بطيئا و موجعا وجالبا للكوارث ومريقا للدماء. فهل تشذ الولايات المتحدة عن هذه القاعدة المستقبلية المتعارف عليها؟.

إن المواطن الأميركي اليوم فاقد للتوجه. إذ يتنازعه الحنين للأصول ( الآريون الأميركيون واللوبي اليهودي والتجمعات العرقية والدينية المختلفة) ومتعة اللامبالاة والذوبان. مما افقد الموزاييك الأميركي دعم الوفرة المادية بنشوة الحرية الشخصية التي تبدت مثاليتها ولا واقعيتها في الزمن الصعب. حيث اشتكى الآريون من سيطرة اليهود على الحكومة الفيديرالية. وحيث اشتكى الزنوج من تدني دخلهم واستمرارية التمييز العنصري ضدهم. وحين اتهم ذوو الأصول العربية بانفجار اوكلاهوما وغيرها من المواقف التي غذت الحنين إلى الأصول  وهي في طريقها لإلغاء متعة اللامبالاة بالأخر. هذا الإلغاء الذي يترك الموزاييك الأميركي قائما على الوفرة المادية وحدها. وهكذا يتوضح تدريجيا عجز الذات الأميركية عن مكاملة وتركيب مجموعاتها الدينامية. إذ يزداد بروز عوامل الاختلاف بين هذه المجموعات حتى ينفجر مع أول أزمة اقتصادية أميركية قادمة. وعندها ستتبدى الفوارق بين هذه المجموعات على الأصعدة المختلفة ( العرقية واللغوية والدينية والمذهبية والقومية ...الخ). حتى أمكن القول أن انفجار اوكلاهوما وقبله حوادث ليتل روك ولوس أنجلوس وبعدها حوادث سينسيناتي لم تكن سوى مظاهرين لبداية تفكك الذات الأميركية . على طريق تحويلها إلى فتات من الأقليات المتنافرة. أنها النفس الأميركية المفككة...

  

الفصل الأول : التحليل النفسي للشخصية الأميركية

    تجد الأنثروبولوجيا الثقافية جذورها في تاريخ الفكر الإنساني. ولعل اقدم الملاحظات الأنثروبولوجية هي تلك المنقولة عن المؤرخ هيرودوتس الذي لاحظ الفوارق بين العادات الإغريقية والعادات الفرعونية. ثم توالت الملاحظات الشبيهة مع تنامي إمكانيات الاختلاط بين الأمم عبر التاريخ. حتى وصلت إلى تقارير منظمة تتعلق ، بخصوصيات الأمم، من أعداد المبشرين الدينيين. إلا أن تحول الأنثروبولوجيا الثقافية إلى فرع علمي مستقل تأخر لغاية الحرب العالمية الثانية. حين قادت الولايات المتحدة دراسات الشخصية القومية من منطلق فائدتها في التعرف على بنية وهيكلية مجتمعات الأعداء. إضافة إلى التعرف على أساليبهم التفاعلية وردود أفعالهم المحتملة أمام الأحداث والشائعات وغيرها. وتولت هذه المهمة هيئات رسمية أميركية استعانت بكبار الباحثين الأنثروبولوجيين في حينه. فقد عمل العالم "باتسون" في هذا المجال لدى مكتب الخدمات العسكرية الأميركي (المخابرات في حينه). كما عمل العلماء "غورير" و "لايون" و"كلاكهوهن" في مكتب المعلومات البحرية الأميركية (فرع المخابرات الأخر في حينه). وقام هؤلاء بدراسة الشخصيات القومية في الدول الصديقة والعدوة على حد سواء. إلا أن الاهتمام تركز في حينه على الشخصية اليابانية (بسبب جدية التهديد الياباني وخطورته أثناء تلك الحرب) والشخصيات الرومانية والتايلاندية والروسية والألمانية بالطبع.

    أما بالنسبة إلى الدراسات المتعلقة بالشخصية الأميركية فقد تأخر ظهور أول الدراسات المنشورة في هذا المجال إلى العام 1948 عندما نشر العالم "غورير" كتابه المعنون:

Gorer.G: The American People,A Study in National Character, W.W. Norton,NY,1948

    في هذه الدراسة يلاحظ غورير ان الأميركيين يطبقون نظاما صارما بالنسبة لمواعيد إرضاع أطفالهم. ومن الطبيعي أن الطفل يحتاج إلى فترة للتكيف مع هذا النظام (الموضوع من قبل بالغين عاجزين عن التحديد الدقيق لحاجات الطفل. خصوصا وأنها عشوائية وغير منتظمة). خلال هذه الفترة يمر الطفل بتجربة الجوع التي تغضبه فيعبر عنها بالصراخ. ويستنتج غورير أن الشعور بالخوف من الجوع يلازم الأطفال الأميركيين على مدى حياتهم. وهذا سبب الاحتجاجات الأميركية الشعبية على المعونات الأميركية التي قد تؤدي إلى مجاعة أميركية في حال استمرار توريد الأغذية إلى الخارج. ويدعم الباحث هذا التحليل بالخوف الذي يجتاح الأميركيين من احتمالات تناقص المحاصيل الزراعية في المستقبل (كانت هذه المخاوف منتشرة في حينه في المجتمع الأميركي). كذلك يربط غورير بين تجربة الجوع هذه وبين اهتمام الأميركي بصدر المرأة. ويصف المرأة الأميركية بأنها شبقية وعمياء معتبرا هذه الصفات على علاقة بجوعها إبان فترة الرضاعة.

    والواقع أن هذه الدراسة تعرضت لانتقادات عديدة أهمها أن الباحث يؤكد على كون مرحلة الطفولة محددة للشخصية البالغة (توجه تحليلي-فرويدي). ومع ذلك فان أثر مرحلة الطفولة غير قابل للإلغاء وان لم يكن وحده المحدد لشخصية البالغ. بل إننا ،وبالرغم من تغير الظروف والمعطيات، لا نزال نلاحظ خوف الأميركي من الجوع في مواقف عديدة. مثل الجماعة التي كانت تخزن الأطعمة في أقبية خاصة تحسبا للحرب النووية. وكذلك الاهتمام الأميركي البالغ بالرفاهية الاقتصادية. وهو الاهتمام الذي جعل كلينتون يفوز على بوش تحت شعار"أميركا أولا". ومن احدث تبديات هذا الخوف من الجوع ذلك الشلل الذي أصاب تجارة البيع بالتجزئة في النصف الثاني من العام 2000 حين قتر الأميركيون على أنفسهم حفاظا" على مدخراتهم. التي اعتبروها مهددة بسبب التغيير المرافق لسياسة الرئيس المقبل. وكان قرار خفض سعر الفائدة بعد فوز بوش على علاقة بهذا الخوف. فهذا الخفض يسمح للمواطن العادي بالاقتراض بفائدة اقل مما يشجعه على الإنفاق ويحرك جمود تجارة التجزئة.

    وإذا كان غورير قد التمس نقطة الضعف هذه فان ذلك لا يعني بحال استمرار صلاحية تحليله للشخصية الأميركية. فقد لحق التغيير بنظم التربية (نعايش حاليا الجيل الأميركي الذي تربى وفق مبادئ الدكتور سبوك.وهو ما عرف بالتربية الحديثة التي حولت الأطفال إلى متحكمين بأهاليهم) وبالتركيبة الديموغرافية ومستوى الدخل الفردي ومستوى الهيمنة العالمية للولايات المتحدة. هذه المتغيرات وكثيرة غيرها تسقط تحليل غروير وتجعله مجرد مرجع لتلك الحقبة. وهذا يقودنا إلى طرح السؤال حول الشخصية الأميركية المعاصرة بعد كل هذه التبدلات؟.

    إن الموزاييك الأميركي، الذي يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، يقطع الطريق أمام مجرد محاولة الحديث عن شخصية أميركية بالمعنى القومي لسمات الشخصية الجمعية. ولقد أدرك الأميركيون هذه الاستحالة لذلك طرحوا المسألة على صعيد ما أسموه ب:"نمط الحياة الأميركية". بما ينسجم مع تعدديتهم التي تضعهم في ردة فعل دفاعية-فكرية تجعلهم يرفضون القوميات والأفكار القومية. وهذا ما سيقود للحديث عن الأمة الأميركية عوضا عن القومية الأميركية. وبذلك يصبح استكشافنا لهذه الشخصية مرتبطا بالفكر المقرر لنمط الحياة الأميركي. وهو الفكر البراغماتي الإنساني. الذي تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى عولمته. بما يعادل فرض نمط الحياة الأميركي على شعوب العالم. وهنا تكمن مفارقة شديدة الأهمية. إذ أن نمط الحياة هو سلوك برهنت التجربة الأميركية على كونه قابلا للاعتماد من أشخاص وجماعات ينتمون إلى مختلف الثقافات والأعراق. والسلوك هو نمط تصرفات وحياة قابل للاعتماد من قبل الشخصيات المختلفة. أي أنه من الممكن اعتماد النمط السلوكي مع الحفاظ على الشخصية ومعها على الفروق الفردية. وهذا ما يقودنا للحديث تفصيلا عن نمط الحياة الأميركي ومنطلقاته الفكرية التي طالما تعرضت للسخرية لكونها لا ترقى إلى مجال الفلسفة. وهذا ما حال دون تحويل هذا النمط إلى نظام أيديولوجي. وها هو هذا النمط يحفظ استمراريته بعد غياب  (سقوط) الأيديولوجيات. لدرجة استغلال الفراغ، الناجم عن هذا الغياب، من اجل الدعوة لعولمة هذا الفكر (البراغماتي) ونمطه الحياتي.

 

البراغماتية الإنسانية

نصادف عناصر الفكر البراغماتي موزعة في محطات عديدة من التراث الإنساني. بل إننا  نجد اثر هذه العناصر في بعض الديانات القديمة. كما نجدها في العديد من الأساطير القديمة والمنسوخة. إلا أن انتظام الفكر البراغماتي شهد بداياته عند نيتشيه حيث طغت عليه النزعة التشاؤمية. في حين يعتبر الفيلسوف الأميركي وليام جايمس، المؤسس الفعلي للبراغماتية، الذي اصدر أول كتبه بعنوان " مبادئ السيكولوجيا" مكرسا فيه قناعته بضرورة انحسار طموحات الفلسفة من الكون إلى الإنسان. ومطلقا نظريته البراغماتية التي لم تتجاوز كونها مجرد واحدة من نظريات المعرفة. ولم تكن نظرية جايمس لتقاوم وتستمر لغية الآن لولا التطوير الذي ادخله عليها الفيلسوف فرديناند كانغ سكوت شيلر(1864 – 1934). الذي أطلق ما عرف باسم "البراغماتية الإنسانية". وهو يعتقد أن إنسانية نظريته تعود إلى الأهمية المركزية للإنسان فيها. فقد حافظ شيلر على مبدأ جايمس بالحكم على قيمة المعرفة من خلال منفعتها. وبما أن الإنسان هو الحكم على هذه المنفعة فان شيلر يعطيه مكان الصدارة في التفلسف بحيث يشارك فيه بحسه وعقله و إدراكاته وحتى بوجدانه. وبذلك يعتبر شيلر أن الإنسان هو المركز لكامل العالم الفكري. جامعا" بذلك بين اكسيولوجية بروتاغوراس ( القائلة بان الإنسان هو المرجع في الأمور جميعها) وبين تشاؤمية نيتشيه ( القائل بان الإنسان هو حيوان لن نصل يوما إلى فهمه). وانطلاقا من أهمية الإنسان في هذه النظرة اعتبر شيلر أن مذهبه هو "المذهب الإنساني للبراغماتية". وبهذا فهو يسمح لنفسه باستبدال أحكام "الوجود" بأحكام "القيمة". وهكذا تتحول الحقيقة إلى مجرد أداة للعمل ( بعد أن فقدت اطلاقيتها وتجريديتها) وهي لا تصبح واقعة إلا بفعل الإنسان فيها. وقبل متابعة شرحنا لنظرية شيلر نود إيراد الخلاصة العملية لهذه النظرية والتي تنعكس بوضوح على نمط الحياة الأميركي. حيث يمكن اختصارها بالمبادئ التالية:

1-  يجب احترام جميع المعتقدات حتى ما يبدو لنا منها باطلا. شرط أن يكون أصحابها صادقين ومخلصين لها.

1-       يجب الابتعاد عن مواقف التشيع والانحياز.

2-       يجب الابتعاد عن المواقف التحزبية.

3-       يجب الابتعاد عن مواقف العنصرية والتمييز وتجنبها.

4-        يجب اعتماد قيم التسامح والشمولية الإنسانية.

وبالرغم من قائمة الأسئلة التي تثيرها هذه المبادئ ،والتي نؤجل مناقشتها، فإننا نلاحظ أن هذه المبادئ هي المعتمدة كأساس لليبرالية الأميركية. أما عن نمط التفكير الداعم والمرافق لتطبيق هذه المبادئ فيلخصه شيلر عبر تصنيفه للاعتقادات التي يعتبرها أداة قمع اجتماعية أو سلطوية. بحيث يجب الخلاص من تأثيرها. وعلى طريق هذا الخلاص فأنه يصنفها إلى:

1.        الاعتقادات الضمنية – التي لا نجاهر بها ولا نناقشها.

2.        الاعتقادات الجدالية – وهي غير مستقرة لكننا نسلم بها عن بينة.

3.        إنصاف الاعتقادات – وهي غير ثابتة (غالبا" دينية برأي شيلر).

4.        الاعتقادات الموهمة – وهي إيحائية الطابع.

    عبر هذا التصنيف يبين لنا المذهب الإنساني لاطلاقية المعتقدات وعدم اضطرارنا للاستسلام لها كأداة بطش اجتماعية أو سلطوية. وتاليا" فإننا لسنا عبيدا" لمعتقداتنا. فنحن أحرار في اختيارها وتعديلها بما يتناسب مع طموحاتنا الفردية ورغبتنا في تعديل البيئة (الواقع) وفق غاياتنا. ونحن إذا ما قرنا دعوة شيلر للخلاص من سلطة الاعتقادات وجدنا أنه المؤسس الحقيقي لدعوة العولمة الراهنة. فالخطوة الأولى لتطبيق نظام السوق (العولمة) تبدأ من إلقاء الاعتقادات جانبا". لأن الخلاص من سلطتها شرط رئيسي لليبرالية الأميركية التي أرسى شيلر مبادئها. وبذلك يحق لنا الاعتقاد بأن كتاب شيلر المنشور عام 1929 تحت عنوان "منطق للاستخدام" هو المقدمة الفكرية للعولمة. مما يجعل من مناقشة هذا الكتاب وأفكار مؤلفه عامة مناقشة للينابيع الفكرية وللإرهاصات الأولى للعولمة. ولعله من المفاجئ أن الباحثين العرب المتصدين لمناقشة العولمة لم يتطرقوا إلى هذا الجانب الفكري منها.

 

2. مناقشة البراغماتية الإنسانية

    ولكت هل تفضي هذه المنطلقات إلى حرية العيش الإنساني؟. فلو نحن سلمنا بأن الإنسان يصنع واقعه بنفسه فإننا سنقع في إشكاليتين ميتافيزيقيتين هما: أ- عدم كمال الواقع وب- إطلاقية حرية الفعل الإنساني. وشيلر يتجاهل الإجابة على هاتين الإشكاليتين ليرى أن حرية الإنسان هي أمر واقع لأنها غير محدودة بواقع ثابت (لأن العالم غير تان لذلك فهو يتغير ويتطور باستمرار مغيرا" معه الواقع). في المقابل نجد أن شيلر لا ينكر الحتمية لكنه يجد البينة على محدوديتها في نتائج أبحاث الفيزياء الكوانتية. التي أثرت الفلسفة وقدمت لها أداة ثمينة لاستيعاب منهج العلم وطبيعة المعرفة.

مما تقدم نلاحظ أن الإغراق في الجانب النظري لآراء شيلر يحجب عن البعض علاقة هذا المذهب بدعوة بداية القرن 21 (وما العولمة إلا واحدة من تجلياتها) لكن الخلاصة التالية توضح لنا بجلاء هذه العلاقة وهي اختصارا" التالية: " إن عدم تمام العالم وحاجته إلى التطور تحولان الواقع إلى عدم الثبات والى إمكانية التحكم به وتشكيله. بحيث يمكننا  أن نصنع منه ما نشاء. بل إننا نبدل فيه ونبتدع منه على الدوام ودون توقف. وبما أن عالمنا مستمر في نموه وتطوره فأن عملية ابتداعنا للواقع غير قابلة للتوقف أو الانتهاء. وبذلك يكون المستقبل مجموعة ممكنات (أو احتمالات) يمكننا أن نحول بعضها إلى واقع وبعضها الأخر إلى مستحيل (المستقبليات من تجليات هذا المذهب) أما عن اتجاه هذا التحويل فهو يتعلق بعوالمنا الفردية ومنها الاعتقادات المصنفة أعلاه.

    ونعود إلى مبادئ نمط الحياة الأميركي لنناقشها واحدة بعد الأخرى ولنبدأ ب:

1-    احترام معتقدات الغير شرط أن يكون صادقا" في اعتناقه لها.

    وهنا يطرح السؤال من يحدد هذا الصدق ومقداره؟. ومن يتولى مهمة توزيع المعتقدات وفق تصنيفاتها المذكورة أعلاه؟. وغموض الأجوبة على هذه الأسئلة يكاد يساوي شرعية احتقار آراء الغير ومعتقداته (لدرجة إلغائها) أن هي لم تتوافق مع معايير التصنيف وفق رؤية الطرف الأقوى لها!؟. بل أن سؤالا" اكثر جذرية يطرح نفسه وهو: هل تعني الحرية الإنسانية وجوب الحصول على الاعتراف بالمعتقدات؟. وإذا كان ذلك واجبا" فمن هي الجهة المانحة لهذا الاعتراف؟. وما هي الإثباتات والقرائن الواجب على صاحب الاعتقاد تقديمها لنيل هذا الاعتراف؟. وإذا كان هذا المذهب شريكا" للسيكولوجيا (شراكة الموضوع وهو الإنسان) فإننا نسأله عن سبب إهماله للغرائز الإنسانية وهي محركات اكثر فعالية من الاعتقادات. فماذا عن غرائز البقاء واستمرارية النوع لدى شعوب يأكلها المرض والمجاعات فتتعرض لمساومات تبديل اعتقاداتها حتى يسمح لها بالاستمرار في الحياة!. فهل هذه هي الليبرالية؟.

2-    الابتعاد عن مواقف التشيع.

   ألا يتعارض هذا المبدأ مع أبسط المعطيات التاريخية والإنسانية؟. ماذا فعلت البشرية عبر حربين عالميتين وعبر آلاف الحروب الصغيرة؟ وماذا عن مبدأ الأحلاف (الاقتصادية والعسكرية والعرقية ...الخ) ؟ ألا تندرج هذه جميعها في خانة التشيع؟.

3-    الابتعاد عن الحزبية.

    والحزبية هي المصطلح السياسي لما تطلق عليه السيكولوجيا تسمية الانتماء. والانتماء مرادف للحياة واستمراريتها. هذا دون أن نتجاهل الإشارة المحقة لشيلر حول أعباء الانتماء وتبعاته الثقيلة على طموحات الفرد. إلا أن "اللاانتماء" يعني "فقدان الاعتراف" وهي أزمة وجدانية تهون أمامها إعاقة الطموحات.

4-    الابتعاد عن العنصرية والتمييز.

    وهو ما يكتسب راهنا" تسمية الحقوق المدنية. وهو شعار إنساني رائع إذا توصلت البشرية لوضع المعايير العالمية له. أي المعايير الصالحة للتطبيق بدون تمييز يقوم على عوامل المصالح . فالواقع يشير إلى أن أغنياء المعلومات هم الذين يفرضون معايير الحقوق وفق مصالحهم. في حين يدفع فقراء المعلومات فواتير هذا الخلل المعياري. بما يقود للتأكيد على أن ازدواجية المعايير هي عنصرية متطورة تهون أمامها العنصرية التقليدية.

5-    اعتماد قيم التسامح الإنساني.

    وهنا نتساءل عما إذا كان السباق على مشاريع الدمار الشامل وجهود احتكارها هو مظهر تسامحي؟!. أم أن التسامح يتجلى في الحروب الرمزية. حين تستخدم القوة العسكرية بكل طاقتها وتسيل الدماء بدون الحاجة لمجرد إعلان الحرب؟.

مما تقدم نستطيع استنتاج الباعث الحقيقي على الفوارق القائمة في تطبيق مبادئ الليبرالية ما بين داخل الولايات المتحدة وخارجها. وعندها يمكننا القول بأن المواطن الأميركي ليبرالي لغاية تلقيه إيحاءات إعلامية عن وجود تهديدات للمصالح الأميركية، وبالتالي لمستوى الرفاهية الذي يعيشه، فعندها فقط يتحمس الأميركي لتخطي الليبرالية!. وبمعنى أخر فان الليبرالية ونمط الحياة الأميركية هما مجرد خدعة إعلامية.

وتجنبا" للإغراق في النظري نجد من الواجب تقديم لمحات تطبيقية عن السلوك الأميركي العام إبان الأزمات. لأن السلوك المأزمي هو خير مدخل للاطلاع على مكونات الشخصية.

 

3- ملامح الأزمات الأميركية

    سنحاول في هذه الفقرة تقديم رواية مختصرة عن التاريخ المأزمي الأميركي. لنجد أن المؤشرات الإمراضية الأميركية ممكنة التصنيف في ثلاثة محاور مرضية هي: المحور الاقتصادي (البورصة تحديدا") والمحور السياسي (وراثة زعامة العالم الحر) والمحور الديموغرافي (الأقليات الداخلية).

أ- الانعكاسات النفسية لأزمات الاقتصاد الأميركي.

    في المحور الأول تعود أولى الأزمات المالية الأميركية إلى العام 1907 حين واجهت البورصة الأميركية وضعية الخراب بسبب الضغوط لتحويل تغطية عملتها من الفضة إلى الذهب. وحدث حينها ما سمي ب"الرعب في وول ستريت" الذي أثار غضبة الجمهور الأميركي. مما اجبر الإدارة على اتخاذ بعض الإجراءات التي أثبتت التجربة عدم فعاليتها. ثم كان بعدها صدور "قانون الاحتياط الفيديرالي" الصادر عام 1913 . والذي اعتبره المواطن الأميركي حماية له. إلا أنه ومع نشوب الحرب العالمية الأولى تبين أن هذا القانون يعاني من ثغرات تسمح للمصارف الأوروبية باستغلال الاقتصاد الأميركي. ثم توالت بعد ذلك الأزمات وصولا" إلى الانهيار التام في أزمة 1929 الشهيرة. ثم توالت عقب ذلك الإصلاحات الاقتصادية ومعها الأزمات المتسربة من ثغرات هذه الإصلاحات. حتى تكرس الإحساس بوجود متربصين متخفين جاهزين للانقضاض على الاقتصاد الأميركي عندما تحين الفرصة. بل إن هؤلاء بدوا وكأنهم يختبرون قدرتهم على التسبب في فوضى البورصات الأميركية من وقت لأخر.مما انعكس على المواطن الأميركي بنوع خاص من الخوف التوقعي. الذي يشبه الخوف من الحسد في الثقافات الأخرى إلى حد بعيد. ولعل الخوف من الفقر الأميركي يعود إلى هذا السبب وليس إلى تحديد أوقات الإرضاع كما فسرها غورير. ولقد كرست أزمة 1929 هذه المخاوف مرسخة شعور المواطن الأميركي بأنه مجرد نقطة ماء في المحيط الأطلسي الذي يجلب معه العواصف التي لا يمكن للنقطة سوى أن تستسلم لها. من هنا كانت صعوبة إقناع الأميركيين بتجاوز مبدأ الحياد والدخول في الحرب العالمية الثانية. ولولا ردة الفعل الناجمة عن الهجوم على بيرل هاربر لما اقتنع قسم منهم بالمشاركة في الحرب. كما أن هذه المخاوف التي لا تجد تعويضها إلا بالرخاء هي التي دفعت الأميركيين للتظاهر ضد الحرب في فيتنام. فهم غير مستعدون لتقديم التضحيات والمخاطرة بمستوى رفاهيتهم من أجل مكاسب استراتيجية باهظة الثمن وبعيدة عن الولايات المتحدة.

    والواقع أن لهذا الرهاب الأميركي تظاهراته على مختلف الصعد (سنذكر بعضها في الفقرات التالية) لكننا نكتفي بذكر العارض الاقتصادي لهذه المخاوف. فنعود إلى ما سمي في حينه ب: "الأثنين الأسود". الذي وافق يوم الاثنين في 19/10 /1987 .حين بلغت خسائر وول ستريت 500 مليار دولار في ذلك اليوم. فاجتاح الأسواق رعب كارثي اجبر الرئيس ريغان على التدخل شخصيا" بالإعلان عن أن المؤشرات الاقتصادية الأميركية قوية جدا" ولا داعي للاستنفار...الخ. لكن إدارة ريغان كلها استنفرت لمواجهة هذه الكارثة التي تهدد بالتفاقم. وشارك الأكاديميون الأميركيون بدراسة الوضع. فكانت الدراسات التي أعدت في جامعات يال وكولومبيا  واريزونا أهم هذه الدراسات. وكان باحثوها مساهمين في وضع التقرير الذي أعدته اللجنة التي ألفها ريغان لدراسة الأزمة. والتي أصدرت التوصيات التالية:

1.   إيلاء قدر أقل من الثقة لحكمة المستثمرين والانتباه إلى دوافعهم الفردية.( مما يعني تقييد حرية الاستثمار والخروج على مبادئ السوق. مما يشكل اعترافا" ضمنيا" بحاجة النظام الرأسمالي (السوق) للإصلاح).

2.   إخضاع الأسواق المختلفة لرقابة فيديرالية مركزية واحدة.( وهو نوع من الحماية الذي ترفضه مبادئ السوق. حيث تشترط الغات إلغاء الحماية بكافة أشكالها).

3.   استخدام آليات " قطع التيار" على غرار ما يجري في توزيع الكهرباء. وذلك للتحكم بالتقلبات السريعة (لأن جنون السوق مرتبط بزيادة سرعة التقلبات). وعلى هذا الأساس تم إقفال البورصة قبل نصف ساعة من موعده في ذلك اليوم.

4.   استخدام المبدأ السابق "قطع التيار" لوضع الحدود للأسعار (مما يعني تدخل المراقبة المركزية في تحديد هوامش –حد أدنى وحد أقصى لأسعار الأسهم- بما في ذلك من قضاء على حرية السوق وتحويلها خفية إلى اقتصاد موجه على النمط الاشتراكي. (تولت الصناديق الاستثمارية لاحقا" هذه المهمة لتصبح المتحكمة الكبرى بالشركات وبأسعار أسهمها – حول هذه النقطة تحديدا" تتركز انتقادات جورج شوروش للرأسمالية. التي أودعها كتابه "أزمة الرأسمالية العالمية" الذي سنعرضه لاحقا").

    وكان من الواضح لدى جميع المراقبين أن التحكم في الاثنين الأسود لم يتم عبر هذه التوصيات والنصائح وإنما هو تم عبر الآليات السوداء للتدخل في السوق. وهي آليات تسمى بالسوداء بسبب لا مشروعيتها ومخالفتها للأخلاقيات المعلنة.

    ويبقى السؤال عن نجاح هذه التدابير في التحكم بآليات السوق وصولا" إلى تأمين حماية البورصات الأميركية؟. والجواب يقلق الأميركيين ويضاعف خوفهم التوقعي. فقد أعطت البورصة إشارات خطيرة متعددة. لم تتعدى فوضى بعضها الساعات القليلة حيث أمكن السيطرة على السوق بعدها. إلا أن يومين كاملين من الفوضى كانا كافيين لإعادة تفجير الخوف. الأول كان يوم الاثنين شبيه الأسود في 27/10/1997 أي بعد عشر سنوات كاملة.  حيث هبط مؤشر داو جونز 153 نقطة في ذلك اليوم (مقابل 508 نقاط في اثنين1987) ويومها صرح مايك ماكوري باسم كلينتون بأن المؤشرات الاقتصادية الأميركية قوية...الخ (بما يتطابق مع تصريح ريغان العام 87). أما عن محدودية الهبوط فهو يعود إلى استعداد كلينتون المعروف لاستخدام الآليات السوداء على أنواعها لحل المشاكل التي تصادفه.والثاني كان يوم الجمعة في 14/4/2000. الذي شهد هبوطا" انتقائيا" في اسهم التجارة الجديدة. حيث بدا وكأن هذا الهبوط مدروس من أجل التحكم بالأسعار والحد من ارتفاعها الوهمي (فقاعات السوق) الذي يعقبه هبوط خارج السيطرة.

    ونصل إلى إحصاءات سوق التجزئة الأميركي خلال العام 2000 لنجد أن مخاوف الفقر لدى المواطن الأميركي لا تزال شديدة الحدة. فقد عمد هذا المواطن للامتناع عن الاستهلاك الزائد وتمسك بمدخراته خوفا" من التغيير الآتي مع الرئيس الجديد. وكان خفض سعر الفائدة على القروض الصغيرة فور انتخاب بوش بمنزلة الدعم المعنوي والتشجيع للمواطن كي يعود للاستهلاك دون الخوف على مدخراته ومن أزمة محتملة. وهذه المخاوف قد تتحول إلى كارثة في حال نجاح أي إيحاء في تفجيرها. وعندها تصبح المسألة شبيهة بأن يصرخ أحدهم في دار للسينما حريق...حريق!.

 

ب-وراثة زعامة العالم الحر.

    كانت التعددية الأميركية مساهمة في نسج نمط التوجه الاستراتيجي الأميركي وتطوراته اللاحقة. ويلاحظ هنتنغتون في مقالته "تآكل المصالح الأميركية" أن الولايات المتحدة ومنذ قيامها توجه مصالحها واستراتيجيتها في الاتجاه المضاد لأعدائها. فهي كانت تتوجه عكس القارة القديمة (أوروبا) لغاية الحرب العالمية الثانية عندما تحولت إلى معاكسة للنازية ومن ثم للشيوعية. ويتابع هنتنغتون بأنها فقدت وجهة مصالحها بعد نهاية الحرب الباردة لأنه لم يعد لديها أعداء توجه نفسها بالنسبة إليهم!. وبهذا يوضح هنتنغتون الثمن الذي تدفعه الولايات المتحدة بسبب خسارتها للعدو وبالتالي وراثتها للعالم الحر. هذه الوراثة التي كلفت الولايات المتحدة وزر إلقاء قنبلتين ذريتين على اليابان. ومعهما مشاعر الذنب وتوقع الانتقام ورهاب المحاكمة واحتمالات الانقلاب في الأدوار الذي يجعل المواطن الأميركي غير مقتنع بأنه يعيش في وطن نهائي. هذه الوراثة التي بدأت التكاليف الباهظة للمحافظة عليها تتبدى أمام عيون المواطن الأميركي مع حروب فيتنام وكوريا ومع تهديدات الحرب الباردة وغيرها من التكاليف التي ولدت عقدة فيتنام الأميركية. ومعها رفض الأميركيين للتضحيات البشرية بأولادهم من اجل مكاسب استراتيجية بعيدة عن الأرض الأميركية. ولقد تجلى هذا الرفض في حرب كوسوفو عندما أدرك كلينتون عجزه عن دفع الثمن الاستراتيجي للإنزال البري في كوسوفو فرفضه. والواقع أن حرب كوسوفو قد بينت الفهم الأميركي لوراثة العالم الحر. الذي يمكن تلخيصه بالمعادلة التالية: "التفوق العسكري الأميركي بتضحية أوروبية لحماية مبادئ العالم الحر.". ومن الواضح أن أوروبا غير موافقة على هذه المعادلة. مما يعد الأميركيين بالاضطرار قريبا" لتقديم التضحيات. وهو وعد يعيد تفجير الرهاب الأميركي. خصوصا" عندما يقترن مع تهديدات التجسس الروسي والصيني والإسرائيلي ومعهم تهديدات الإرهاب الداخلي متعدد المصادر. وهذا يبين أدراك الرئيس نيكسون لهذه المخاوف ولاحتمالات الخطر فيها إذ كتب في مذكراته: ... لو سألني مواطن أميركي عن البلد الذي يمكنه أن يضمن له مستقبلا مستقرا" لأولاده لنصحته بأوستراليا!...

 

ج- الخطر الديموغرافي

    قلنا إن نمط الحياة الأميركي يقوم على استبدال محركات الشخصية بقوالب أو بأنماط سلوكية محددة يمكن للأشخاص اعتمادها وتبنيها بمعزل عن الشخصية الأساسية. مما يحفظ للفرد عالمه الداخلي ويقولب تصرفاته وعلاقته بالآخرين وفق شروط محددة ومقبولة. وبذلك كانت الأقليات الأميركية تخوض كفاحها من اجل توسيع إمكانيات انصهارها في البوتقة الأميركية. والسماح لها بتباع هذه الأنماط وتوفير الشروط لذلك. لكن تغييرات عميقة تنامت مع الوقت مدعومة بالظروف وأخرها سقوط الاتحاد السوفياتي. ففي البداية كانت الجماعات الأميركية ساعية للانصهار. لكن بعضها كان يتميز بحس انتماء متطور جعلها تبقى مصرة للحفاظ على خصوصياتها. ومن هذه الجماعات اليهود (يصرون على الانغلاق بوصفهم الشعب المختار) والصينيون (بسبب تطور حسهم القومي). بالإضافة إلى الفقراء المنعزلين في أحياء الصفيح من لاتينيين وأفارقة وغيرهم. إلا أن الأمور تعقدت بعد نهاية الحرب الباردة بحيث باتت فضائح الاستغلال اليهودي للحكومة الفيديرالية سببا" لانبعاث حركة الميليشيات الأميركية البيضاء. في المقابل وجدنا أن بحث أميركا عن عدو دفعها للتصادم مع بلدان المنشأ للعديد من جماعاتها. فهي اصطدمت مع الصين (حادثة السفارة في بلغراد وطائرة الاستطلاع ...الخ) ومع دول الأطلسي (عبر ابتزاز حرب كوسوفو وتضارب المصالح الاقتصادية) ومع دول أميركا اللاتينية ومع أفغانستان والدول العربية وإيران ...الخ. بحيث أدت هذه الأحداث المتراكمة والمتسارعة إلى استشعار هذه الجماعات ضرورة  أحياء خصوصياتها والتجمع بشكل جماعات ضغط (لوبي) شبيهة باللوبي اليهودي. وينعكس ذلك عمليا" بفقدان الولايات المتحدة التدريجي لأهم مقومات نمطها وهو اللغة الإنجليزية التي بدأت بالتراجع لتدخل في منافسة مع الإسبانية خصوصا" ومع لغات أخرى عموما".

    هذه الملامح الانشطارية غير قابلة للتجاهل بسبب خلفية الحرب الأهلية الأميركية. إذ يشير الاستقراء إلى كون الحرب الأهلية نوعا" من الفصام(الشيزوفرانيا) غير القابل للشفاء  لأنه يعاود ولو بعد حين. وبأن علاجه الوحيد هو الوفرة الاقتصادية. التي لا زالت الولايات المتحدة تؤمنها لمواطنيها. وتأمين هذا العلاج يستبعد الحرب الأهلية لكنه لا ينفي علائمها (مظاهر التفكك بلغة الاختصاص). ومن أبرز هذه العلائم نذكر الحوادث التالية:

1.   الحوادث العنصرية في ليتل روك العام 1957 التي اضطرت الجيش الأميركي للتدخل فيها ضد سلطات الولاية وقضائها. مما وضع الليبرالية الأميركية والقضاء ومبادئ الحريات الأميركية في موقف شديد الحرج. وعرض مصداقيتها محليا" وعالميا" للشك.

2.   حوادث لوس أنجلوس العنصرية. التي اندلعت اثر اعتداء شرطي ابيض على مواطن أسود. وتسجيل الحادثة على شريط فيديو. الأمر الذي استتبع حوادث عرقية تضمنت التمرد والنهب وإشعال الحرائق.

3.   حوادث مدينة سينسيناتي في ولاية اوهايو التي اندلعت في7/4/2001 والتي استمرت لبضعة أيام تخللها النهب والشغب مما اضطر سلطات الولاية للجوء إلى أساليب عنفية  والى حظر التجول كي تتمكن من السيطرة عليها وعلى الشغب في أحياء السود الثائرين لقتل جندي ابيض للأسود تيموثي توماس. وجاءت هذه الحوادث بعد سلسلة من الاعتداءات التي ارتكبها بيض بحق مواطنين سود في تلك الولاية. وتكرار هذه الحوادث العنصرية منذ 1957 وحتى اليوم هو مؤشر على وجود مظهر تفككي قابل للانفجار في بنية الموزاييك العرقي الأميركية.

4.   انفجار أوكلاهوما (1995). الذي قامت به حركة الميليشيات الأميركية البيضاء. في محاولة لإظهار عدم رضاها عن الحكومة الفيدرالية. و إعلان خروجها عن طاعة الحكم الأميركي. الذي تعتبره هذه الميليشيات تابعا" لليهود.

5.   هوس التسلح الأميركي. وأحد أبرز آثاره الجانبية جرائم المدارس. حيث سجلت عشرات الحوادث التي قام بها أطفال مدارس بقتل رفاقهم. في حوادث قتل جماعية.

6.   العمليات السوداء للمخابرات الأميركية. وهي قد رافقت الوكالة منذ إنشائها ولغاية اليوم. وقد سميت بالسوداء نظرا" لتعارضها مع المبادئ الليبيرالية المعلنة. وهي تعكس مظاهر فصامية –تفككية. إذ تشير لاضطرار الحكم الأميركي لتجاوز قوانينه.

7.   الاغتيالات التي تطال الرؤساء الأميركيين وبعض مقربيهم. وتطول القائمة منذ اغتيال لنكولن ولغاية محاولة اغتيال ريغان. وهذه الاغتيالات تبقى في غالبيتها غامضة بما يبرر اعتبارها نوعا" من الانقلاب على السلطة. مما يضع الولايات المتحدة في موقف لا يختلف كثيرا" عن موقف أميركا اللاتينية خلال فترة الانقلابات المتتابعة.

8.   العقدة الفيتنامية غير القابلة للشفاء كونها سجلت أولى الهزائم الأميركية. بعد أن تسببت بانشطار الرأي العام الأميركي بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب. وهذا المظهر التفككي لا يزال يعاود الظهور في القضايا العسكرية. حيث اضطر بوش الأب لتوريط كل أصدقاء أميركا في حرب الخليج. كما اضطر كلينتون إلى تجنب الإنزال البري في كوسوفو. وهذا الخوف يختزل كافة المخاوف الأميركية الكامنة وراء الإصرار على تراث الكاو بوي ومعه امتلاك الأسلحة الفردية بحرية. الذي أيده بوش الابن بصفته محافظا" مهتما" بهذا التراث ومنتميا" إليه. وهو انتماء قد يفسر مسارعة المحافظين للتورط في استعمال القوة.

 

4.التحليل النفسي للشخصية الأميركية

    قد لا يكون من الموضوعي الحديث عن شخصية أميركية وسط هذه التعددية المغرقة في التعقيد. حيث الانتماء لا يتوزع على محور الأصول العرقية أو اللغوية أو التاريخية بل تضاف إليه محاور أخرى يتعلق أهمها بتاريخ الهجرة والمدة الفاصلة بينه وبين الراهن. عداك عن محور التصنيف الطبقي الذي يصنف الجماعات الأميركية وفق دخلها السنوي.

    مع ذلك يبقى تحليل هذه الشخصية ممكنا" بسبب اعتمادها قالبا" سلوكيا" نمطيا" هو ذلك المسمى بنمط الحياة الأميركية. وهو قابل للتحليل خاصة مع غياب الفروقات العقائدية العميقة. حيث يميل التحليل إلى تصنيف القوالب السلوكية الجامدة في خانة العصاب السلوكي. حيث يعرف التحليل النفسي هذا العصاب كالتالي: "أنه من الأعصبة الراهنة (أي أنها لا تعود إلى عقد في صلب الشخصية) التي تتأتى عن تجارب سلبية تدفع بالشخص إلى الاعتياد على تنفيذ رغباته وممارسة غرائزه دون إخضاعها لسيطرة أو مساهمة الجهاز العقلي. ويدل ذلك على أن الوظائف النفسية لدى هذا النوع من العصابيين لم تتوطد بشكل ثابت وراسخ.".

    ولدى مراجعتنا لنمط الحياة الأميركي نجده ينتمي تحديدا" إلى هذا النوع من العصاب. إذ تمت تربية المواطن الأميركي حتى لا يهتم إلا بما يعود عليه بالمنفعة. أما العقل والجهاز العقلي فهما صندوق اسود يستحسن عدم الخوض فيه. وهذه ليست تهم نسوقها جزافا" إذ أن إحصاءات الثقافة العامة لدى المواطن الأميركي هي خير داعم لهذا التشخيص. الذي يتدعم أيضا" من خلال الخضوع الكلي للجمهور الأميركي للإيحاءات الإعلامية. وحسبنا هنا التذكير بضآلة المعلومات العامة الفضائحية في المقابلة التلفزيونية التي أجراها ووكر بوش وهو بعد مرشح. إذ أنه كان يسعى إلى رئاسة أقوى دول العالم دون أن يملك المعلومات العامة التي يحتاجها أي متسابق في برنامج العاب تلفزيوني.

    بهذا نصل إلى السؤال عن المستقبل الإمراضي لهذا العصاب السلوكي. حيث تشير الأبحاث التحليلية إلى أنه يتسبب بالإصابة بالأمراض الجسدية وليس النفسية. وعليه فان هذا العصاب يمكنه أن يفسر أسباب ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض السيكوسوماتية في المجتمع الأميركي. حتى أطلقت عليها تسمية أمراض العصر. بل إن هذا العصاب الجماعي يمكنه أن يفسر لنا التفوت في معدل الأعمار وفي معدل السن المنتجة بين اليابان والولايات المتحدة.

    هذا على الصعيد الفردي أما على صعيد المجتمع فان انعكاسات هذا العصاب تتجلى بعدم نضج الوظائف النفسية الذي ينعكس بعجز الجمهور الأميركي عن تعقيل أي موقف يتجاوز المنفعة الفردية ويضحي بها لأجل الصالح العام. وتتبدى آثار هذا العجز ببحث المواطن الأميركي عن الوفرة وهروبه من التضحيات مهما كان الثمن. ذلك أن فلسفة المنفعة امتدت إلى الانتماء. الذي اصبح مرتبطا" بالنفعية. فإذا اصبح هذا الانتماء مكلفا" ،ماديا" أو معنويا"، فان الجمهور مستعد للتخلي عنه دون تردد. من هنا يمكن اعتبار التظاهرات الأميركية ضد حرب فيتنام وكوسوفو كما ضد العولمة بمنزلة انعكاس لوهن الانتماء وليس للديموقراطية كما يحلو للإعلام الأميركي تسويق هذه الحوادث.

    لقد فشلت الشيوعية والقومية والنازية وغيرها من الأيديولوجيات وأوحي موتها ،أو سقوطها، عبر الإعلام. لكن السؤال يطرح عما إذا كان الجمهور الأميركي مستعدا" للبقاء ليوم واحد في الولايات المتحدة لو هو تعرض لما تعرضت له الشعوب التي طلب منها أن تضحي في سبيل هذه الأيديولوجيات؟. أن الانتماء للأمة الأميركية اضعف من ذلك بكثير لكونه مرتبطا" بالوفرة والرخاء بصورة صريحة وفجة. من هنا عجز الجمهور الأميركي عن فهم المظاهرات التايوانية التي قامت ضد حليفها الأميركي ودعما" لعدوها في البر الصيني. فقد أيقظ ضرب السفارة الصينية المشاعر القومية لدى جمهور الصين الوطنية (تايوان) فدفعها حسها القومي للتضحية بمصالحها مع الأميركي ولنصرة الأخ الصيني ! وهذا ما لم يفهمه الأميركيون حتى اليوم. أيضا" فأنهم عاجزون عن فهم تضحية العرب بالسلام وبالمفاوضات بسبب مساحة بسيطة من الأرض!. فما بالك بقدرتهم على استيعاب تفضيل الشعوب العربية للعيش في ظروف فقر و إفقار قاسية على الوفرة والرخاء إذا كانت على حساب كرامتهم القومية؟.

    بعد هذه المقارنات هل يمكن للجمهور الأميركي أن يتحمل مجرد التهديد بتراجع وفرته المالية؟. وفي حال اقتراب مثل هذا التهديد هل يوجد ما يمكنه أن يمنع الجماعات الأتنية الأميركية من التقاتل في ما بينها للحصول على حصة اكبر؟. ثم ألا يفسر كل هذا انفجار أوكلاهوما الذي قام به نازيون أميركيون معادون للحكومة الفيدرالية لتبعيتها لليهود وفق رأيهم الذي تخالفهم فيه قلة ضئيلة من الأميركيين غالبيتها من اليهود.

    ونختم حديثنا عن نمط الحياة الأميركي بالحديث عن المجتمع المدني الذي يعتبر نواة هذا النمط. فالبراغماتية الأميركية تربط المعرفة بمنفعتها وليس بقيمتها. وعليه فان المستفيدين من نمط الحياة الأميركي (المقبولين في دوائر السلطة) هم العارفون ( علماء ومثقفين وباحثين وغيرهم) القادرون على تثمير معارفهم وتحويلها إلى قابلة للاستثمار. لكن هذه المعادلة تبقي غالبية العارفين خارج دائرة الاستفادة. وعلى المجتمع إيجاد الحلول لهذه الأكثرية من العارفين. بانتظار أن يتوصلوا إلى معادلات أو أساليب تحول قيمة معارفهم إلى منافع. والحل الذي يقدمه النمط الأميركي لهؤلاء هو دفعهم للتعاطي مع الجمهور. فإذا نجحوا في إقناع الجمهور بفائدة معارفهم فأنهم ينتقلون إلى مستفيدين من قبولهم في السلطة. وبانتظار هذا القبول يتوزع هؤلاء على مؤسسات المجتمع المدني الأميركي. من جمعيات حماية المستهلك إلى البيئة والرفق بالحيوان ولغاية حقوق الشواذ. بل إن بعض هذه المؤسسات يبدي ردود فعل سياسية مناوئة للحكومة الفيدرالية. وأحيانا" في مواضيع حساسة تتعلق بالسياسة الخارجية والحروب والحضارات الأميركية. فتتبدى الديمقراطية الأميركية بأبهى صورها. بحيث يكون المجتمع المدني هو المدخل السحري للنمط الديمقراطي الأميركي.

    عند هذا الحد من حقنا التساؤل الساذج عن إمكانية استيرادنا لهذه النواة السحرية المسماة بالمجتمع المدني؟. ونتبع هذا التساؤل بأخر اكثر سذاجة عن معرفة دعاة المجتمع المدني في بلادنا بخلفيات هذه النواة ومدى تبعيتها للسلطة؟. وأمام هذه السذاجة نود طرح بعض المسلمات التي نأمل أن يتحمل دعاة الحقوق العرب سذاجتها. ونبدأ بعرض واقع المجتمع المدني الأميركي عبر تسجيل الوقائع التالية:

1-   إن الجمهور الأميركي يقع تحت تأثير وسيطرة الإعلام. وتنبع ثقته المطلقة بهذا الإعلام من واقعة شعور المواطن الأميركي بالضآلة والبعد عن السلطة. فيكون الإعلام نافذته ودليله إلى المعلومات التي تؤمن له مصالحه. من أسعار الأسهم وتوظيف الرساميل الصغيرةالخ من المعلومات المفيدة للجمهور. وبما أن الإعلام تحت سيطرة السلطة ومخابراتها فان للمجتمع المدني أن يمارس حريته كما يريد. لأنه عاجز عن تشكيل تهديد حقيقي للسلطة وهو تحت السيطرة التامة.

2-   انطلاقا" من النقطة السابقة فان الإعلام الأميركي هو الذي يعطي الشرعية والمصداقية لمؤسسات المجتمع المدني. وهو الذي يقنن أدوارها ويتحكم بهذه الأدوار. بحيث يحول أية حركة إلى مجرد عصابة إن هي تعارضت والمصلحة الأميركية. وأمام كثرة العصابات الأميركية هل يقبل دعاة المجتمع المدني العرب بمعاملتهم كعصابة أن هم أساءوا إلى مصلحة مجتمعهم؟.

3-       إن مسألة الحقوق المدنية هي حاجة أميركية بسبب غياب جهاز القيم القابل للتعميم على جماعات متناثرة وشديدة الاختلاف.

4-   إن تدخلات المكتب الفيدرالي (المخابرات الأميركية الداخلية) على ندرتها هي تدخلات شديدة القسوة. والغريب أن هذه القسوة المخابراتية لا تظهر إلا ضد دعاة الحقوق والمجتمع المدني عندما يتجاوزون تعليمات المخابرات. وللمثال نذكر بالحوادث التالية: ليتل روك وحوادث لوس أنجلوس وسينسياتي وسلسلة الاغتيالات والعمليات السوداء التي يقوم بها المكتب الفيدرالي.

5-   تدافع الديمقراطية الأميركية عن حقوق الأقليات وتحدد السؤال عن السنة في إيران والأقباط في مصر والشيعة في العراق والبحرينالخ. ونريد أن نسألها في المقابل عن عدد الرؤساء الأميركيين من غير الطائفة البروتستانتية؟. فقد كان كينيدي الكاثوليكي الوحيد بينهم وقضى اغتيالا"!؟.

    بعد هذه الوقائع نود التأكيد على أن المجتمع المدني الأميركي إن هو إلا غرفة انتظار للمتعثرين الذين لم يجدوا بعد معادلة لتعاملهم مع السلطة. وهؤلاء إنما ينتظرون قبول السلطة لهم ويتقيدون بأوامرها ونواهيها خلال فترة الانتظار هذه. وعليه فان اختراع المجتمع المدني هو اختراع خاص بنمط الحياة الأميركية. وهو غير صالح للاستعمال خارج نطاق هذا النمط.

 

Document Code PB.0139

Nab.B32

ترميز المستند   PB.0139

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)