Arabpsynet | |||
|
|||
التحليــل النفســي للذات العربيــة أنماطها السلوكية و الأسطورية
د. علي زيعور دار الطليعة - بيروت |
|
||
|
|||
q
فهــرس
الموضوعــات /
CONTENTS / SOMMAIRE |
|||
§
تقديم
الطبعة الثالثة §
تقديم
الطبعة الثانية §
تقديم الطبعة
الأولى
§
الجلسة
التعريفية الأولى
: من
التماس العام إلى إعادة تنظيم المجال و العلائق §
الجلسة
الثانية
: تقصي عائلة الزبون أو العلائق
العائلية الأولى §
الجلسة
الثالثة :
التوجهات السلوكية
الأساسية داخل العائلة المهجنة §
الجلسة
الرابعة
: الاتجاهات النفسية المتغلبة عند
الزوجين و أولياتهما في الصحة العقلية §
الجلسة
الخامسة: الأنماط النفسية الاجتماعية و طرائق
تأمين الصحة النفسية §
الجلسة
السادسة :
عوامل المهاد
الثقافي للذات §
الجلسة
السابعة
: البنى و السلوكات الأسطورية في الوعي
العربي §
الجلسة
الثامنة
: الأنماط السلوكية الدينية و
المذاهبية، تجاربها الينبوعية §
الجلسة
التاسعة
: رسيمة العلاج النفسي الاجتماعي للذات
العربية §
عند
العتبة |
|||
q
تقديــم
الكتــاب / PREFACE |
|||
§
مقدمة
الطبعة الرابعة 1- ماذا نقول، بعد مرور
سنوات عدة على ظهور الطبعة الأولى، عن أفهوم أساسي في شتى أجزاء موسعتنا هذه في
" التحليل النفسي الاناسي للذات العربية "؟ ذلك الأفهوم، الذات
العربية، شاع وترسخ. و توضحت في أجزاء تلك الموسعة مقاصد الفكر العربي في
التحقيق والاستقلال الإسهامي، أي التكيف الخلاق داخل "ذمة
الإنسان". وبدا أيضا نفع ذلك الأفهوم أو وظائفه في الرد على انجراحات
الأمة والثقافة، وفي الدراسة التحليلية النقدية لمشاعر الانتفاخ اللاسوي
أو النفاج الجماعي، وفي التثميرية للحقل العربي المطل على المحتمل
والمرغوب، والمتصارع مع القواهر والعواهر سعيا عن تجاوز للذات الواقعية. وأبرزت موسعتنا، في هذا
الجزء وفي الأجزاء التسعة الأخرى التي ظهرت، أن الذات العربية ليست ثابتة، فليس
هنا كينونة ما ورائية، ولا مفهوم غامض، ولا قضية ماهوية. وكل ما قيل عن تلك
الذات في ض!، وأخضعناه، للتغير وللتفسير بالسببية وللنسبية. وكان قصدنا في إظهار
بعض الانجراحات والتخلخل في السلوك والتفكير قصدا إشفائيا أو وضع الغامض
(والكامن واللاواعي واللاواضح أو الهاجع) أمام نور الوعي. لقد ركزنا على عينات
قلنا إنها تمثل المضطرب واللاعقلاني والعاحز عن التكييف مع التجديد والآلة
تكييفا متزنا حراكيا نشيطا. ولعلنا لم نخطئ عندما قلنا إن القصد تشخيصي، ونقذ
استيعابي وإن الخوف من الاستعمال الخبيث لبعض التقلقلات والسلوكات الجارحة
المنجرحة، ليس في محله ولا هو ذو قدرة على حجب الوقائع. فالمعاينة الصحية للواقع
في الفكر والسلوك تؤدي إلى كشف الحقائق ومن ثم إلى الإغناء والاستيعاب أي إلى
بناء سليم لما قلنا إنه " استراتيجية" أو طريقة إزائية أعمية في النظر
والمعالجة والتقييم، في الوجود والفعل والعلائق، في العالم وأمام العالم وفوق
العالم... كان المقصد الأساسي، الواعي والمفكرن، الانتهاض من الإنسان المدروس في مواقف عينية، وفي واقع تاريخي مجتمعي حي منفتح على المستقبل والمحتملآت... وهكذا كانت نظرتنا للإنسان تراه مستندا إلى الملايين من المتدينين، والى فرائض دينية يومية، وإلى...، وإلى...، مما دفع بنا إلى أن نجعل أسمن ذلك الإنسان محورا أول، ومنتهضا لكل احتمال، وضرورة لرسم أي نظرية عربية في الفعل والنظر والمعيار... ذاك بعض مما يفسر اهتمامنا بنقد حر، غير مقيد بأسبقيات أي بنقد هو فلسفي ومستقل عن التدين، لطرق التدين ولأنماط السلوك والتفكير المنمطة المحكومة بتجارب لاواعية ينبوعية أطلقنا على أجموعتها اسم اللاوعي الثقافي. بكلمة أوفى، كان عملنا في هذه السلسلة الانتهاض من الإنسان الدهمائي، ومن مجتمعنا المنغلب والمنحرج، ومن الوعي بالقواهر والأزمات التي تدفع إلى البحث عن الحلول المؤدية إلى ما قلنا إنه التوازن الخلاق، التكيف الإسهامي، الصحة الانفعالية التي ليست فقط الشعور بالرضى عن الذات بل وبالإيجابية عموما أو بالقدرات على العطاء والمشاركة الفعالة التي يعترف لنا بها الآخرون وتتحقق في الواقع والعيان.
2- بعض ما ورد هنا لوحق بتعقب في هذا الجزء أو ذاك من السلسلة التي كادت
تقترب من الجزء الأخير، الثالث عشر. وبعض المطاعن أو السهام، مع كثرة من النقد
النافع والكاشف عن صحة نفسية سليمة للناقد، تلقى صدى في الأقسام الأخرى للسلسلة
هذه. انتقدت، على سبيل المثال، مريم سليم في ندوات كثيرة لحركة
"تنظيم الأسرة" ما قلناه هنا عن المرأة العاملة. فكتبنا ردا لم ترد
الناقدة بسطه أو التطرق إليه في حركتها تلك، وتأكد لي أكثر فأكثر ما قلته في هذا
الجزء عن إنجراحات في الصحة النفسية للمرأة العاملة... ومن الذين أشكرهم، ولا
أغفل معاتبتهم لأنهم لم يهتموا إلا بهذا الجزء أو المدخل، أذكر هشام شرابي.
قد وضع ذلك المفكر النشيط هذا الكتاب بين كتب قال إنها نقدية... ، ثم قال إن تلك
الحركة لا تملك تصورات بناءة شمالة بمقدار ما تنجح فقط في عمليات الهدم. ولعل
حركة النقد في سلسلتنا كلها، النقدانية الاستيعابية هذه، أرهصتها (كما
نرى في الجزء المخصص لمحمد عبده، تلك العينة من الفكر العربي المعاصر) مدرسة الاجتهاد
الحضاري المتمثلة بالعطار والطهطاوي والافغاني والكواكبي... وتلك النزعة
النقدية (النقدانية) تقوم على التحرش والتحرض والتحري حيال المألوفيات من
المشاعر والتفكيرات والسلوكات، وترنو إلى التغيير أي إلى تخطي الموانع والسواتر،
إلى كشف الحجب بين الحقيقة والواقع، والى الإبانة عن العقلانية والفعل
المعافى والنظر السليم... وفي كل ذلك، أو أننا بذلك، نزعم أن المنتهض والنور هما
ضرورات (ومفروضات) علم الحال، ذلك العلم المعروف في التراث ولا سيما في
التربويات والآدابية والتعاملية (را: الحكمة العملية في الذات العربية). أما
الذات المرغوبة فتصورات عن الما يجب، ومساع تنفيذية، وعمليات حرث مخططة، ترتد
كلها إلى ما يطلق عليه اسم: علم التغيير، ذلك العلم الذي يحرث فيه كثيرون دون
معرفة اسمه، أو تحديد معالمه، ورسم طرائقه، والبحث عن قوانينه ذات الصفة الأعمية
والأشملية في جمال المجتمع والفرد والتاريخ. وتنتهض تلك النقدانية من تعميمات نافعة، وتجارب أو مناهج معروفة نالت حق المواطنية داخل ذمة المناهج المنتجة. وليس مقصدها الأسنى خطابا في قوانين ثابتة تحكم الإنسان العربي، والمنطق عند العربي (دحضنا الزعم بأن المنطق العربي، ومن ثم الذهنية والأحكام، ممثل بالمنطق عند ابن تيمية، ورددنا القول أيضا إنه منطق الجزئي، ومنطق اللفظة أو المفردة أي هو عاجز عن الارتفاع إلى منطق أرسطو حيث المقدمة الكبرى، فالصغرى فـ... والحد الأوسط، يزعمون انه عندنا مفقود، أو نحن لم نستطع الإقرار به أو استيعابه أو السير بموجبه)... وكذلك لا تقول النقدانية الاستيعابية بوجود أحكام مسبقة أو مؤبدة تسجن الشخصية العربية، وتفرض علينا عدم الإقرار بالسببية (بحثنا في أمكنة متعددة قضية السببية في الثقافة الفكرية السلوكية. فتلك قضية غير مسطحة، ولم تؤخذ من منظور وحيد واحد قيد الجميع أو ألغى ما عداه). كل ما نراه في الشخصية العربية، وفي مجتمعها أو مجتمعاتها، ليس مقفصنا في تصلدات، ولا في صياغات خارجة عن سلطة العوامل الاقتصادية الاجتماعية التاريخية.
3- من الطريف أن نلاحظ أن مدرسة الاجتهاد الحضاري سبقت، مرغمة أو
بحكم منطق الأشياء والتاريخ، إلى تحليل أجموعة من السلوكات اللامتزنة
(واللاعقلانية) في دنيا المجتمع والوعي الفردي والعلائق، بل وحتى في عالم اللغة
وبنى التعبير. يعني ذلك أن النقد دليل على وجود أزمة، وعلى الوعي بالتوتر
وبالتخلخل، وعلى البحث عن استعادة التوازن والاعتبار الذاتي للذات والحقل
والنحن. ذاك هو إذن مسار النقدانية الاستيعابية عينه. إلا أن هذه النقدانية ليست
كالحركات النقدية التي تغزر في هذه الأيام، وتتصف بنزعة سادية في التعامل مع
الثقافة أو برضى مازوخي عن المعذبين لها. فالفعل المعافى للنقدانية الاستيعابية
لم يغرق في جزئيات وتفاصيل يستعملها البعض منطلقا للإلقاء التعميمات
الناقصة الكلية. وهو أيضا فعل متحرك داخل صورة مرغوبة مثالية، ومؤسس على
ثوابت أو منطلقات هدفها التوكيد الذاتي وقوامها الثقة الواعية النشيطة بالنحن
وبالشخصية السوية الابتكارية للذات العربية. أخيرا، إن فلسفة إزائية،
ونظرة أجمعية، تتحكمان في ذلك الفعل وتبعدانه عن أن يكون هداما، جزئيا، تجريحيا، سيئ التوافق والاواليات. يستدعى هنا، للتبصر والاعتبار، الحال المرضي للتحليلات التي لم تكن مخلصة والتي زعمت أنها كانت
تقصد إلى الكشف المبين، أو إلى الإبانة المخلصة. لقد وقعت تلك "
التحليلات والنقدات " في معاطب، وانكشف سقامها وسمومها: البعض منها
تماهى (تذاوت) في القوى القاهرة، فأسقط التجريم وعدوانيته الهاجعة على الذات
العربي، ثم أسقط صورة القوي اللازمكانية (اللاحدوثية) على الآخر. هنا وجدنا عند
ذلك القطاع رغبة في إقامة صلة حميمة مع ذلك الآخر (أو القواهر) كي يؤكد ذلك
القطاع مشاعره بالتوافق الذاتي بل لعله وقع في تلك الاوالية الناقصة كي يشعر
بالكرامة الذاتية وبالقدرة على الدفاع عن نفسه. مثالنا هنا هو من رأى في المحتل
قدرة فوق القدرات، ورأى شعبنا عاجزا عن حكم نفسه أو مصابا بالخصاء الذهني والصد
(الكف) الفهمي، ورأى السلامة في قبول الاحتلال (وفكر المحتل) ريثما نتهيأ (؟)
للاستقلال، أو لأنه لا حل لنا غير ذلك القبول. وفي ذلك القطاع، الذي لم يبق بلون
واحد ولا بنفس الحدة والدرجة منذ الطهطاوي حتى اليوم، كانت الردود دفاعية. أما
النقدانية الاستيعابية فترى اليوم انه لا وجود، ولا إمكان، لا واليه دفاعية حقيقية
وفعالة في ذلك الوضع أو الحقل. فلا حل إلا بتدمير البنية عينها. وذاك ما رآه
المتبصر المتدبر جمال الدين الأفغاني؟ وأمثاله كثيرون أيضا رأوا أن الدفاعات في
ذلك الوضع من العلائق الرضوخية لا تكون إلا دفاعات جماعية (من حيث المنهج)،
وتدميرية للقواهر والعواهر (من حيث المقصد أو الهدف). وتنبهت النقدانية الاستيعابية إلى معاطب أخرى، وشائنات كثيرة، في حركات نقد المجتمع العربي والوعي العربي ثم ي تصور الحلول ووضع الاستراتيجيات أو الرؤية الأجمعية للحال والمآل. نذكر هنا، على سبيل الشاهد، الرفض بوعي وتقكرن للنظرة الحاقدة أي للتعامل بأواليات ناقصة سيئة مع الغرب ذلك المصطلح الذي يعني أكثر من لون وطعم وفكر. فقد تطور المصطلح وهو لا يعني الظاهرة الواحدة في كل حال أو موقف أو مقصد. نحن في موقف صراعي معه، في موقف الخصم ولكن نحن لسنا أعداءه أو على الأقل لسنا حاقدين. إننا نفتش عن الموقف المتزن الذي لا يتحقق إلا بارتفاعنا إلى الأندادية، أي إلى ذلك الوضع المساواتي الديموقراطي دخل حظيرة حضارات الأمم النشيطة.
4- تطرقت، عرضا وأحيانا جمة، بعض أجزاء هذه السلسلة إلى قضية الذهابيابية (ذهاب وإياب غير متوقفين) بين الذات العربية وعالم قوي اصطلح على إعطائه اسم الغرب. نحن هنا لا نكرر، ولا نود تأكيد التأكيد. إلا أن بعض القضايا تأخذ الفكر إليها، أي تجذب الانتباه وتشد الاهتمام مع أنها قد تكون من قبيل الواضحات: نود القول إن الغرب ليس كتلة محجرة ولا هو قاهر أو عدو مستمر وأبدي. علاقتنا معه تنوعت وتتطور. ومن التافه أن يكون هذا القول مقنعا أي يخفي تعلقا هاجعا وولهأ كامنا بالغرب. فمقصودنا كله كان الانتهاض من متطلبات الصحة النفسية للذات العربية: إننا نرفض التماهي بذلك الخضم الباحث باستمرار (وبطرق من كل نوع) عن أسواق لثقافته وبضاعته. كان ساحقا، لئيما، سارق الثروات والأراضي للأمم المستضعفة. ونرفض أيضا الأنامركزية والأناوحدية في الذات العربية أي حيث الفصام الحضاري ومن ثم مشاعر الحس بالاضطهاد، وهوس النفاج... بل ربما نكون قد وقعنا في مبالغة، في جزء خاص، حينما وضعنا معيارا قاسيا لمحاكمة عطاء مفكري مدرسة الاجتهاد الحضاري وانتقاداتهم لمجتمعهم: كان ذلك المعيار الخطير هو نظرة المفكر إلى الفرنسيزي (الفرنسي والإنكليزي). فتدله طه حين أو لطفي السيد بالمتغلب (أو بالقاهر) هو مقياس، ومحك. قد يصعب التعميم ؟ لا بأس! لكن ذلك المحك هو وحده أداة التحري عن حب المفكر و إخلاصه لبلده وبتلك الأداة وحدها نستطيع الكشف عن كذب ذلك المفكر. فلنتخيل لائحة مصطلحات (نحو: دين، غرب، أوروبا، فكر، فلاح، عربي، فرنسي، مصري، مسيحي، كنيسة، باريس، نهر السين، نهر التيمس، أوكسفورد، الأزهر) ثم فلنتخيل عميلنا (الزبون، ذلك الكاتب) يعطي علامة بأقصى سرعة ممكنة لكل من تلك المصطلحات. ألا نتوقع أنه سيعطي الغرب، وما حوله وما إليه، العلامة الأرفع والتقييم الأسنى ؟
5- وأظهرت أجزاؤنا الأخرى بعض ما لم يرد هنا مفصلا، ولا "مدعما داخل بنية عامة وصورة أجمعية. فمثلا: درس دور العوامل الداخلية في تغذية (وتعزيز) العجز، ومشاعر الخزي الذاتي، والأحاسيس بالذنب الجماعي... وذلك كله مع الوعي، ومن ثم المسعى للتغلب والتجاوز، بمزالق الهجاء الذاتي الجماعي، والمازوخية الجماعية. فقد أخذت تلك العوامل في ذاتها، وبخاصة في ذهابيابية مع العوامل الخارجية الممثلة بالذمة الغربية. أخذنا الضرتين من تلك العوامل في نسق واحد، في بنية أو في وحدة حية مترابطة فهما يتبادلان التعزيز والتعريف. ثم هما يتبعان مبدأ الأوعية المتصلة، أو قانون الإفعام (ملء الفراغ). بل إن هذا المبدأ أو ذاك القانون يصحان بشكل واضح على علاقتنا بالغرب : يدفع القوي إلى الحقل الضعيف بفعل ميل داخلي، وببواعث ناجمة من ذلك الحقل أو الفريسة. فالتفاحة تستدعي إليها وتجذب، والإنسان الذي يراها يشعر بميل إليها!. والموضوعة الثالثة هنا هو أننا (هنا وفي الغرب) ما يزال يحكمنا الاتجاه الفكري السلوكي الذي يحمل الضحية قسطا من المسؤولية: فالضحية تحرض بها، وتحرضين. تستدعي إليها، وتشد الانتباه إليها أو صوبها، وتتملق الجلاد أي تثير فيه الرغبة بها والخروج من ذاته لامتلاكها. بناء على ذلك تكلمنا عن الاتجاه الإنصافي في علاقتنا بالغرب: يبرر القاهر لنفسه عمله، ويبرر المعتدى عليه سلوكه وعجزه أو مشاعره.. ويؤثم القاهر المقهور: يسقط الغرب على الذات العربية مختلف التهم والشائنات، ويسقط على ذاته الخصائص التمدينية والرسالية والقدرات والعقلانية الحضارية و.، و... ونحن، من جهتنا أيضا، نسقط على أنفسنا الزائنات، ونرمي الغرب بالملعنة واللاأخلاقية والنوايا الشريرة والطمع بالتسيطر والنهب والاغتناء و...، و... ورأينا أن تلك الذهابيابية بين قطبي النسق لا تتوقف حتى بعد انتهاء الفعل. فوقوع الظلم لا يوقف الظالم، ولا المظلوم، عن ذلك الموقف الذي يأخذ اسم الاتجاه الإنصافي والذي يسهل على كل منهما أن يحافظ على اعتباره الذاتي أو على صورة أخلاقية مقبولة عن نفسه وحضارته وفعله.
6- الغرب، إذن، لم ننظر إليه على أنه مقولة واحدة جامدة وكذلك كانت موافقتنا تجاه الذات في ترابها أو جسدها وفي محتملاتها المستقبلية. ومن السوي أن ننتقد الغرب ومصطلحاته ورموزه وأغراسه في حقلنا، ومن السوي أيضا أن ننتقد ترابنا أو تراثنا، وحقلنا، ووعينا. لكن من الجدير بالقراءة التحليلنفسية هنا كثرة المصطلحات، أو غزارة المقولات والمفردات، المتعلقة بذينك القطبين: الذات العربية والغرب. فكأن ثقافتنا الإصلاحية، والقريبة منا، والراهنة أيضا، مهووسة بتلك المصطلحات. ومن غير الصعب الكلام هنا عن عصاب ثقافي، نظن أن بعض الزملاء قسا حين رفض التسمية. ولماذا أليس من الملحوظ أن عصابا قهريا يجذبنا باستمرار وبلا وعي، بل بقوة وبدوافع شبه مرضية إلى تلك المصطلحات وذلك الموضوع الذي صار كالأفكار السوداء أو كالهاجس يستحوذ علينا بلا فكاك ويجعلنا محاصرين؟ أليس ذلك أيضا هو حال من انتقل منا إلى غرب يحمل اسما آخر، وجعل لنا أنبياء جددا وتصورات عن طرائق " فالحة " لبلوغ المجتمع الأصلح والفرد الأرفع؟ إن النقدانية الاستيعابية ضرورة ومنهج حكيم يفرض نفسه وينفرض علينا ويقودنا إلى ذلك الحقل، إلى ذلك القطاع من الفكر والثقافة الذي نقول إنه مرضي، وإنه يستلزم المعالجة من أفكاره الثابتة المستحوذة، القسرية والهجاسية: لقد دقت منذ زمن بعيد ساعة، الفطام، تجاوز عقدة الفطام التي علينا وضعها أمام الوعي المقكرن ومن ثم البحث في تصفيتها.
7- ونبهت هذه السلسلة، وهذا الجزء منها، إلى وحل تكون من تخمج مصطلحات
قيمية أو تبخس الذات وغير أخلاقية. فقد حارب فكرنا طيلة طويلة، وكثرة وكثيرة،
داخل غبار معارك قليلة الجدوى: التراث والحداثة، الأصالة والهوية، ماذا نأخذ
وماذا نعطي، العلمانية أم اللاعلمانية، الشتراكية أم التخطيط، الخ... إن العلمانية،
على سبيل الشاهد، مطروحة بشكل مزيف وضبابي أو غائم. ومثل تلك الازدواجيات
(الإسلام أم العلمانية، الاشتراكية أم تدخل الدولة/ أو الاقتصاد الحر) عقيمة.
فتلك مشكلات نظرية، ترفية، غير عينية. ثم هنا كلمات وآراءات تكشف نوايا ولا تنتهض من الدراسة الواقعية التراثية
الحية للإنسان والمجتمع، للوعي واللاوعي، لما في الأعيان وما في الأذهان. 1- يكتفي بعض
النقاد بقراءة المقدمة، وقد يتنازل بعض من ذلك البعض فيقرأ الفهرس أو حتى
الهوامش. والوعي بذلك النوع من القراءة، بل ومن النقد فيما بعد، يدفع إلى توضيح
الواضح حينا، والي تكرار المبذولات والنوافل أحايين غفيرة. يعني هذا أن وضع
موسعة التحليل النفي الإناسي للذات العربية، ولهذا الجزء منها الآن، في صورة
عامة أجمعية يقضي تقديم شميلة الأفكار والمواقف التي تنادي بها تلك الموسعة وهذا
الجزء. أين صرنا؟ وماذا نود أن نقول؟ فلنلخص: 2- عرف الوعي الثقافي العربي المعاصر كثرة من التعميمات والاسقاطات تزيف
الشخصية والسلوك، وتشوه الخصائص في النظر عندنا إلى الوجود والفعل والعقل، إلى
الحال والتقييم والمآل. فقد قيل في الإنسان العربي، على سبيل الشاهد، إنه لا يثق
بأحد، يكذب بلا أدنى شعور بالإثم (وهذا ما يجعله غير متقيد بموعد، ولا بأمانة أو
انضباط، لأنه لا انضباط أيضا في أزمنة الفعل وتصريفه وصرفنحوه (قواعده ني الصرف
والنحو)، وإنه...، وإنه...،. ورأت موسعتنا بعض المبعدات عن العقلانية، وعن
التكيف الصحي مع إنسانية الإنسان. لكن النقدانية الاستيعابية- ذات منهج تاريخي،
والأهم من كل ذلك إن مقاصدها ومنتهضاتها ذات صفية مختلفة تماما عن تلك الكلامات
التجريبية التي أينعت على يد بعض المعروفين مرمى ومقصدا أو انتماءات وارتباطات.
ونحن، حينما أشرنا إلى النقص في نقد محمد عبده لبعض السلوكات الطفيلية (والمواقف
النابعة من الذهنية الانفعالية أو من العلائق الاجتماعية اللامتزنة والجارحة)،
قلنا إن ذلك النقص سببه أن الإمام كان يكتفي بالوصف ومن ثم بالتقريع. كأنه وقع
في الطنطنة والوعظ، بل وخاصة في التأثيم أو الهجاء الجماعي واجتياف لا واع
للنظرة الإنكليزية إلى المصري. لم يفسر الإمام الظواهر بالسببية الاجتماعية
الاقتصادية... واتضح أن بعض ما قاله يصح على أي إنسان يكون في ذلك النمط
الاجتماعي التاريخي الذي كان سائدا أيام الاحتلال. ثم إن بعضا آخر من عناصر ذلك
الخطاب (المقال) في الإنسان هو عرضة للنقاش، وهو منتوج ظروفي ووقائع متغيرة... ونحن
نعي اليوم أن بعض ما قاله عبده، ومن طنطن في نقد الشخصية اللامرضية والوطن
اللامعقلن، لم يثبت لنا أن الإنسان عندنا مهزوم سلفا وأبديا، أو أنه دوني
القدرات، صحراوي الفكر والسلوك، بدوي الحضارة والتعاملية والرؤية للوجود. 3- لقد غيرت فينا الديموقراطيات، والاشتراكيات، والتصنيع. وبدل يا بنيتنا
الغنى، والاتصالات مع بقاع المعمورة وخاصة عالم القوة التكنولوجية ومواكباتها
الفكرية السلوكية... فها نحن نتكلم عن الآلوية، وأنماط الإنتاج، والشرائح
المتصارعة، و...، و.... 4- وفي حين كانت تربوياتنا الغرارية (المنوالية)، هي والآدابية
والتعاملية، تتغذى وتغذي بنية فكرية اجتماعية تاريخية صارت تربوياتنا الراهنة تحدث تغيرات في الوعي والسلوك،
وتتفاعل مع الحقل الاجتماعي الراهن تأثرا وتأثيرا في ذهابياب مستمر ونافع... إن
تغيرات تجري في البنى الفكرية، و
في البنى الإجتماعية، و في الرؤية للفعل والعقل والمعيار. وكان دليلنا، أو المرشد
إلى ذلك، بعض الحالات العينية: لقد أظهرنا أن لعبة كرة القدم في قرية صغيرة
(كالمصنع الصغير، والنقابة، وطريقة بناء البيوت، وأيديولوجية عبد الناصر، وغيره،
وغيره...) أحدثت في السلوك والرؤية ما لا يقل عن بضعة عشرات من التغييرات. 5- بعض أحكامنا في هذا الجزء ينطبق علي في اجتماعي معين، وعلى منتوج
تاريخي. وبعضها الآخر صار من الماضي، أو صار علامة من علامات التطور، وبعضها
الآخر تحول إلى إيجابيات ارتفع عليها إنساننا ورفعته باتجاه إغناء الوعي الفردي
أو توسيع هذا الوعي بحيث يعي مسؤوليته حيال الجماعة، ويتقبل التجريب والتجديد
بقصد زيادة السيطرة على الواقع والذات. فمثلا، ظهر في بعض الحالات أن الإنسان
عندنا فرداني النزعة، أو أنه غير سعيد بالعمل الفريقي، أو...، أو... إلا أننا،
بدون قصد التسويغ أو المحو، نقول إنه لن يبقى كذلك إن أنشأناه داخل ظروف
اجتماعية محددة، أو إن علمناه تجاوز تلك النزعة باللجوء إلى حقل يتعاون فيها
الأفراد: المدرسة، الجيش، الألعاب الجماعية، المصنع، النقابة، الحزب، المسجد،
الخ. ثم هل العمل التعاوني غير موجود فعلا في أعمال كثيرة لأسلافنا؟ وفي جميع
الأحوال، هل بقيت نفسية اليهودي، بحسب ما نراها في العهد القديم، هي هي بعد أن
احتل هذا بلدنا أو نال مركزا مرموقا في بلد أوروميركي؟ وهل بقيت نفسية أو سلوكات
السلافي اليوم، بعد انتصاراته الروسية، كما كانت حالا ووضعا أيام ابن فضلان أو كما هي في هوامات بعض المتيمين
راهنا بتلك الانتصارات وأصحابها؟ 6- وموسعتنا هذه فسرت، ولم تصف فقط، كثرة من التخلخلات السلوكية ومن
المعالجات الناقصة للواقع مشيرة
إلى أن تلك التخلخلات ليست قدرا، والى أن المنهج الصحي، أو عمليات تكوين الصحة
النفسية، يقضي بتمثل الرضات قصدا إلى استيعابها، أو بشرحها ومن ثم ليكون ممكنا
شرحها. وإذ نحن نقول بأن فلسفاتنا وأفكارنا غيرت في إنساننا (في نظره وفعله وقيمه)، فان تفسيراتنا
لم تأت تهجما يقترب من التشفي، والإسقاط لعدائية مكظومة أو مكبوتة، والتلذذ
السادي بالتأثيم أو التبخيس والتطفيف. 7- ألعلنا أكثرنا؟ ربما!!! لماذا هذا الإلحاح هنا على نوعين من
الانحرافات أو الظواهر الثقافية المرضية؟ إنه إلحاح تشخيصي قصداني هادف: فالهدف
هو الصحة الثقافية المتزنة أي التي تخلو من اواليات هي: أ/ اجتياف البعض ممن
يتصدى لنقد العقل العربي (والفعل العربي) لبعض الأحكام التي يلقيها عليهما
المغرض والقاهر. ب/ اجتياف البعض للقيم والرؤية التي يلقيها على نفسه المهزوم أو
المحبط أو المريض بالانقهار والانرضاخ. في الحالتين اجتياح يبرر الانهزام، ويعيد
للذات التوقير والتقدير، ويهدئ التوترات، ويوفر الشعور بالكرامة. 8- إن موقف الصحة النفسية، في المجال الثقافي، لا ينتمي إلى أي من ذينك
النوعين المذكورين أعلاه أي حيث. يتعزز الاكتئاب الثقافي الجماعي، وتتوفر هوامات
الانتحار، أو عصاب الاضطهاد وما إلى ذلك من عوارض مرضية، وتكفيرات عن الإحباط
الحضاري، وتغطيات لليأس من بلوغ المستوى المرغوب والسلامة المبهجة الحبورية. 9- من المفروضات الواضحات التنبيه إلى ضرورات الوعي المفكرن بأخطار النقد
الشائع. وبشائنات النقاد الشائعة، للفعل والشخصية والعقل. فكأن أولئك الأشخاص
يقومون بوظيفة تطهيرية، أو بدور الواعظ، و بدور اللاعن للشيطان طلبا لتخفيف توتر
أو للتسويغ والتغطية وما إلى
ذلك. والأهم من تلك الوظائف للنقاد والمجرحين (والعابسين العابثين) هو أن كثرة
التقريع أو التخويف والإرشاد أو الإلحاح على السلبيات والفاترات عامل هادم في
الصحة والتكيف الإسهامي. ثم إن ذلك عاملا يوقع ليس فقط في التردد والتشكك، بل
وأيضا في الانقفال والرضات. إنه عامل يخلخل مشاعر الأمن والثقة بالنحن والجذور
والمحتمل، ويعرض للوقوع فريسة عامل تلك الظنون والمزاعم ولاجتياف تلك الأحكام
الناقصة ويعزز الشخصية الاعتمادية، القلقة واللاسوية. لذلك فان الجلسات
التشخيصية، في هذا الكتاب، تعي أنها تتعقب المضطرب (اللاسوي، اللاعقلاني، الهاجع
أو المكبوت " اللامكيف مع الصحة والطلب الواعي الصادق للشفاء) سعيا منها
إلى فهم الإنسان في مواقفه، في بنيته الواعية واللاواعية، ومن ثم سعيا إلى تقديم
الصورة السليمة أي إلى ربط المرضي واللاسوي بما هو إشفائي وابتكاري وسوي ومتزن.
ذلك المنهج، وذلك المسعى أو القصد، هو الذي جعل في مقالنا هنا نزعة وصفها بعض
الأصدقاء بالخطابية (والوعظية والتقريرية...). لقد كنا نخشى مزالق النقد الذي لا
يغفل تقديم الصورة المثلى الواجبة، أو الذي ينهش في الجسد وينسى تقديم العلاج. 1- في دراستنا للانجراحات في الصحة الثقافية للذات العربية، في مكان آخر،
زعمنا أننا التقطنا مشاعر تلذذ عند قراءة تجريحية لتلك الذات. لقد نالت
مكتوبات الخطيبي، وما ماثل و شاكل، رضى. وأحدثت حبورا وابتسامات ارتياح
واسترخاء. لماذا تلقى تلك الكلامات والآراءات مثل تلك المشاعر واللذات
والاستزادات؟ في ذلك، عند القاع، تتحرك وتحرك إوالية معروفة: فهنا تعذيب ذاتي، وضعف
في تماسك الشخصية والانتماء، ورغبة لاواعية في الألم، ومازوخية، واستدعاء
للشتيمة والأحزان. هنا هدم ذاتي، وتوجه قسري للمحو. وهنا رد معاكس، أو إوالية
مناقضة، للقراءة النفاجية العظامية للتراب والجسد والنحن. إن الحال هنا
مرضية: هلى العارض النفساني عند الهارب من الإلحاد العميق إلى الموقف المناقض
تماما. 2- ثم لماذا ذلك التمتع المرضي بالاستماع، عند قطاع آخر مناقض، إلى
القراءة النفاجية النفاخية أو إلى الكلام التخريفي اللازمكاني عن
عبقريتنا الماضية، وأسلافنا الصناديد، و...، و...؟ تقول مبادئ تقويم الصحة
وإحياء النسغ (أو مقومات التغذية للثقافة والعقلنة) إن في تلك المشاعر التلذذية
استمناء ثقافيا. فنحن هنا كحالة من يلتذ بالاستماع إلى قصص الحب، أو بقراءة
البطولات الشعبية وأساطير الجن والعفاريت. ولن نطيل، فقد تخصص جزء من موسعتنا
هذه بتحليل ذلك الهرب اللذيذ إلى استعادة وهمية مؤقتة ناقصة للمشاعر بالكرامة
الذاتية والارتياح والابتهاج. 3- إن في تلك القراءتين للذات العربية تكفيرا عن ذنب، وتغطية عن سيئات
الواقع ومخاوف المستقبل، وتعبيرا عن انجراحات ورضات في الفرد والجماعة والوطن.
فخفض قيمة الأسلاف، أو الإطناب في كملنتهم ومثلنتهم، لا يكشف عن حال سوي، ولا هو
قائم على إوالية إيجابية. هنا قد يقال: لعل كثرة ممن يرسم الفلسفة الرافعة،
والعقلانية المنقذة، هم من الهاربين إلى أحلام اليقظة والهوامات والإشاعات
البهيجة المبهجة. 1- ماذا بعد؟ ماذا يبقى بعد ذلك كله؟ يبقى أن أعبر عن أمنية "مشحرة،
معثرة "!!! هل انزلقنا إلى استجلاب الرثاء، أو إلى استدرار شفقة؟ نعم! وبعد
الوعي بذلك أفصح عن تلك الأمنية التي هي اثنتان: كنت أتمنى أن أرى الموسعة وقد
بلغت جزأها الأخير منذ أعوام عديدة مضت، لم يحصل ذلك. وكنت أتمنى أن يتخصص جزء
منها للكشافات ولا سيما للأعلام، والمفردات التقنية أو المصطلحات الكبرى،
وللرموز (برغم أننا نشرنا في العام الماضي بحثين أخذناهما من معجم الرموز في
الذات العربية)، ولمعجم المصطلحات. وهكذا هكذا... إنه من الصعب على من كان في
وضعي أن يعد بشيء، تلك جملة يقولها أهلنا في الريف، ورأيتها عند آرون في مقدمة
لكتاب من كتبه. 2- أما الأمنية الثانية فهي أن أقرأ المزيد من النقد الإيجابي لهذه
الموسعة، وذلك كي تبقى حية، وكي يستمر تطويرها. وهنا أفصح عن شيء من العنديات
(الذاتيات) هو أني أتابع ما يكتب عن هذه الموسعة بتأثر أو وفق " التغذية
المرتدة". فما يقال من سيئ يؤثر سلبا، وما هو إشادة أو موافقة يحدث في
الرضى. |
|||
Document Code PB.0133 |
ترميز المستند PB.0133 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany,
www.arabpsynet.com (All Rights
Reserved) |