Arabpsynet

أبحاث أصيلة / Original Articles

شبكة العلوم النفسية العربية

 

نحـو رؤيـة تكامليـة لموضـوع المخـدرات فـي الوطـن العربـي

أ.د. محمد احمد النابلسي

أستإذ الطب النفسي لبنان

ورقة مقدمة إلى مؤتمر اتحاد العربي للجمعيات غير الحكومية لمكافحة الإدمان/القاهرة 2001

 

 

q       الملخص/  Summary / Résumé

 

    لسنا بحاجة للعودة إلى حرب الأفيون بين بريطانيا والصين كي نبرهن الأبعاد السياسية والاقتصادية لموضوع المخدرات. هذه الأبعاد التي تجعل من الخطأ معاملة موضوع الإدمان على انه ظاهرة مرتبطة بعوامل اجتماعية بحتة. وتجربتنا في المجتمع اللبناني تدعم ضرورة مقاربة الموضوع عبر رؤية تكاملية تجمع أبعاد الظاهرة وتربطها بالعوامل الاجتماعية والنفسية المصاحبة. ففي رأينا الشخصي أن إهمال هذه الأبعاد هو المسؤول عن فشل المحاولات العلاجية للإدمان. وسنقدم في هذه الورقة ما يدعم هذا الرأي مستعرضين الحالات العيادية التي عاينها لمدمنين لبنانيين وغير لبنانين. وكذلك نعرض لإسهامات مركز الدراسات النفسية ومجلته الثقافة النفسية المتخصصة في هذا المجال. لنخلص إلى نتيجة مؤداها أن علاج الإدمان لا يقتصر على الوجه الطبنفسي بل يتخطاه إلى استيعاب الوجوه الأخرى للظاهرة الإدمانية.

المقدمة

          يدخل الطب النفسي في ميدان علاج الإدمان من منطلق مسؤوليته في دعم مستوى اللياقة النفسية في المجتمع. عبر العمل على إعادة المدمن للمجتمع كعضو فاعل متكامل ونافع للمجتمع مع ملكية القدرة على تحقيق السعادة الذاتية دون الأضرار بالآخرين. إلا أن هذا الدور العلاجي يصطدم بجملة معوقات غير مألوفة في الاختصاصات الطبية الأخرى. فالمرض الجسدي هو انعكاس لاعطال عضوية منفصلة عن الأبعاد السياسية والاقتصادية على عكس الإدمان الملتصق بهذه الأبعاد. فلدى تحرينا لدوافع الإدمان و أسبابه وظروف التعاطي للمرة الأولى وجدنا ،في لبنان، انه من الممكن توزيع المدمنين على فئات عديدة منها ما هو غير مألوف في التصنيفات المعروفة. لذلك نبدأ ورقتنا باستعراض تصنيف المدمنين اللبنانيين.

تصنيف المدمنين في لبنان

          جرت العادة على تصنيف المدمنين وفق مواد إدمانهم والكميات التي يستهلكونها من هذه المواد. لكن عودة إلى أصول الظاهرة تمكننا من طرح تصنيف يستند إلى ظروف التعاطي للمرة الأولى. حيث نلاحظ أول ما نلاحظ أن الإدمان يستقر تدريجيا" بدءا" بمواد اقل خطورة (مهدئات،كحول،حشيش...الخ) وصولا" إلى المواد الأخطر وإلى المزج بينها في بعض الأحيان. لكن هذا التدرج في التعاطي كاد ينعدم خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. حيث يمكن تصنيف بدايات التعاطي على النحو التالي:

1-     الانسياق وراء الشباب المحارب في التعاطي: حيث كانت بعض الميليشيات تعتبر أن تحويل أعضائها إلى مدمنين من شأنه أن يرسخ ولاءهم. ويجعلهم اكثر استعدادا" لتقبل الأوامر وأقل قدرة على نقد الزعامات. لذلك كان سوق الوافدين إلى هذه الميليشيات نحو التعاطي خطوة من خطوات أعدادهم.

2-     التعاطي القسري: مارست بعض الميليشيات أسلوب الإجبار على تعاطي الهيرويين على معتقليها ومعارضيها. وذلك قبيل إطلاق سراحهم.

3-     التعاطي الجاهل: بينت التحقيقات أن غالبية منفذي العمليات السوداء (مجازر،سيارات مفخخة،) كانوا ينفذونها وهم تحت تأثير المخدر. كما بينت التحقيقات انهم يجهلون نوع المخدر المعطى لهم لاكتساب القدرة على تنفيذ هذه العمليات.

4-     التعذيب بالتعاطي: كان بعض المعتقلين يتعرضون لتجربة الإجبار على الإدمان ليتحول تعذيبهم من الأشكال التقليدية إلى تعذيب بالحرمان من مواد الإدمان.

5-     الإغواء عن طريق التعاطي: حيث تستدرج الفتيات إلى تجربة التعاطي لتحويلهن لاحقا" إلى مواضيع جنسية تابعة.

6-     الأشكال التقليدية لبدايات التعاطي.

    وهذا التصنيف ليس حكرا" على مجتمع الحرب اللبنانية إذ تمكن مصادفته في أجواء المجتمعات المختلفة. وهو يشير إلى عبثية محاولات تحديد الشخصية السابقة للتعاطي. خصوصا" في الأجواء الاجتماعية المضطربة. فإذا ما تخطينا المجتمع اللبناني إلى المجتمعات العربية لوجدنا أن التعاطي يأخذ شكل الفولكلور أو التقليعة بغض النظر عن مدى انتشاره. مثال ذلك تعاطي القـات في اليمن وتعاطي الحشيش في بعض الدول العربية ومثلها الكحول. من هنا تنبع في رأينا بعض أسباب فوارق نسب الإدمان بين دولة عربية وأخرى. أما الأسباب الأخرى فإنها على علاقة بمستوى الدخل وبالوضع السياسي العام.

 

الإدمان والسياسة في لبنان

          يصرح مسؤول المخدرات في الأمم المتحدة برنار فاهي في العام 1989 أن لبنان هو بلد مصدر للمخدرات وليس مستهلكا" لها. وهذا التصريح جاء متعارضا" مع حملة محلية جارفة تحذر من انتشار الإدمان الوبائي بين اللبنانيين. وترافقت تلك الحملة مع نشر إحصائيات لا تستند إلى أية وقائع أو مراجع علمية. ليتبين لاحقا" أن موضوع المخدرات في لبنان يكاد يكون موضوعا" سياسيا" خالصا". إذ أن غياب سلطة الدولة أثناء الحرب جعل لبنان يأخذ لنفسه حصة متضخمة في سوق المخدرات الدولي والسوق الأميركي بصورة خاصة. مما احدث هزات عميقة في بورصة المخدرات العالمية. التي تحتاج إلى بعض التفسير قبل التطرق لبحث انعكاسات هذه البورصة على الوضع السياسي اللبناني.

    تشير إحصائيات مكتب المخدرات في الأمم المتحدة إلى أن حجم تجارة المخدرات يبلغ حاليا" حدود ال 350 مليار دولار سنويا" وانه مرشح للزيادة إلى 450 مليار دولار سنويا" العام 2006 فلو نحن قارنا هذا الحجم مع المبلغ الذي خصص للعام 2000 (بوصفه عام مكافحة المخدرات) والذي حدد ب 6مليارات دولار فقط لوجدنا أن مكافحة المخدرات تتحول إلى فولكلورية!. خصوصا" بعد ما تسرب من وثائق تفيد اعتماد السياسة على التواطؤ مع أباطرة المخدرات لتأمين موارد إضافية غير ملحوظة. الأمر الذي يحول موضوع المخدرات إلى سياسي صرف. وتزداد حدة هذا الطابع مع قدوم العولمة الاقتصادية وشركاتها الضخمة التي لا يمكنها أن تتجاهل تجارة بمثل هذا الحجم. ولتوضيح دور المخدرات في السياسة نذكر بحرب المخدرات في كولومبيا حيث فشلت الولايات المتحدة في القضاء على زراعة المخدرات فيها. وبينت الإحصاءات زيادة حجم تجارة المخدرات الكولومبية بعد هذه الحرب. وتجدر هنا الإشارة إلى أن المزارع لا يحصل سوى على نسبة 5% من الثمن الذي يدفعه المدمن لتتوزع ال95% الباقية على تجار المخدرات بدرجاتهم المختلفة. وهكذا يتضح أن هذه التجارة كانت أولى الشركات العملاقة العابرة للقارات. وهي تمارس أثرا" اقتصاديا" بالغا" عبر عمليات غسيل الأموال أو تبييضها كي تتحول إلى أرصدة بيضاء يتم تحريكها بالتواطؤ بين جهات عديدة. مما يعطي لتجار المخدرات سلطة اقتصادية تضاف إلى سلطة الجريمة المنظمة بحيث يمكنهم التدخل في أسعار العملات وفي البورصات. بما يحولهم إلى التأثير الاقتصادي والسياسي. فهل يمكن نكران هذه الأدوار أو تجاهلها؟.

    من خلال هذا العرض المقتضب للتداخل بين عالم المخدرات والسياسة والاقتصاد يصبح من السهل تفسير ما حدث من تداخل المخدرات بالسياسة اللبنانية. إذ اعتمدت بعض الفصائل اللبنانية على تامين استمراريتها في الحرب الأهلية على هذه التجارة. التي أشارت الإحصاءات لبلوغها حدود ال8 مليارات دولار سنويا". ثم توقف هذا العائد بصورة فجائية وغير مدروسة مع تطبيق اتفاق السلم الأهلي (اتفاق الطائف). وهذا ما يفسر واقعة أن الاقتصاد اللبناني كان أقوى أثناء الحرب منه بعدها!.

    و إيرادنا لهذه المعلومات إنما يهدف إلى رفع المسؤولية عن عاتق الاختصاص فالعلاج لا يمكنه أن ينجح ما لم تكسر الحلقة الجهنمية المؤلفة من مدمن يتعاطى لأنه يجد من يبيع له المخدر ومن تاجر يهرب المخدرات لأنه يجد من يشتريها منه. بل اكثر من ذلك فان الاختصاص يتنحى جانبا" عندما يحصل التواطؤ بين هذه العوالم ورموزها. لدرجة يمكن معها اعتبار علاج المدفوعين قسرا" للتعاطي بمنزلة التحدي للسلطة الدافعة بهم لذلك. بما يمكنه أن يهدد حياة الطبيب المعالج في بعض الأحيان.

 

انتشار الإدمان في الوطن العربي

          من الطبيعي إلا تتوافر الإحصائيات الدقيقة حول هذا الانتشار. لذلك يتم اللجوء إلى تقدير حجم المخدرات المستهلكة بالمقارنة مع كمية المخدرات التي تكتشف السلطات تهريبها. مما يجعل من محاولة تقدير نسب انتشار الإدمان عملية تقريبية.

     ويمكننا الحديث عن انتشار انتقائي لبعض مواد الإدمان في دول عربية دون غيرها. مع الإشارة إلى الانتشار الوبائي لعادة التدخين في معظم الدول العربية. لكن الخطورة تكمن في ازدياد ملفت لنسب الإدمان في بعض المجتمعات العربية في مقابل استقرار هذه النسب في بقية الدول العربية. بل أن بعضها منخفض بشكل يفضل معه عدم التطرق للموضوع. وهذه الاختلافات تجعل من العبث مجرد الحديث عن استراتيجية عربية لمكافحة المخدرات. إذ أن لكل بلد منها خصائصه الإدمانية. سواء لجهة نسبة الانتشار أو لجهة نوعية المواد أو لجهة التوزيع الاجتماعي للمتعاطين على طبقات المجتمع وفئاته. لذلك فإننا نعتمد الإحصاءات المعلنة من قبل الدول احتراما" لواقعة تداخل هذه الإحصاءات المعلنة مع عوامل داخلية خاصة ومعقدة كما أشرنا أعلاه. وعلى أساس هذه الإحصاءات يمكننا تقسيم هذه الدول إلى:

1-     دول لديها نسبة إدمان في الحدود المقبولة أو دونها.

2-     دول لديها نسبة إدمان عالية.

3-     دول لديها ميل لزيادة نسبة انتشار الإدمان.

4-     دول متكيفة مع نسبة إدمان عالية لمادة محلية.

    وهذا التقسيم في رأينا هو الأفضل كونه يضع خطوطا" تمنع تورط الاختصاص في متاهات خارجة عن حدود الاختصاص. بحيث يستجيب الاختصاص للحاجات التي تحددها السياسة الصحية للدولة. إضافة إلى دوره التقليدي في تقديم المساعدة العلاجية لطالبيها.

          على هذا الأساس تعاطت مجلة الثقافة النفسية المتخصصة والمركز مع موضوع الإدمان. فقاما بنشر البحوث والدراسات وبعض خطوات التوعية والتثقيف الأساسية. لكن دون التطرق إلى الجوانب الإحصائية والخطوات المتعلقة بالسياسة الصحية.

 

إسهامات المركز في مجال علاج الإدمان

    بالإضافة إلى البحوث المنشورة في الثقافة النفسية المتخصصة والتي سنوردها أدناه قام مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية بطباعة بعض المطويات الهادفة لتثقيف الجمهور وأهالي المدمنين ووزعها في المناسبات المختلفة. أما البحوث المنشورة فهي التالية:

o        محمد احمد النابلسي (1991): الإدمان وحش يهدد المجتمع- العدد الخامس.

o        غسان يعقوب (1991): الماريجوانا والحشيش- العدد السادس.

o        جوزيف مزهر (1991): مطالعة في قانون المخدرات اللبناني- العدد الثامن.

o        غسان يعقوب (1991): الأعلام وأخطار المخدرات- العدد الثامن.

o        محمد احمد النابلسي (1991): علاج الإدمان ومعوقاته- العدد الثامن.

o        انطوان البستاني (1991): الإدمان مشكلة فردية واجتماعية- العدد الثامن.

o        فايز الحاج (1993): الإدمان على التدخين وعلاجه_ العدد السادس عشر.

o        بيترمان.هـ(1995): استهلاك المدمنات لدى الأطفال والمراهقين في لايبزغ-العدد الثاني والعشرون.

o        فايز الحاج (1995): تعاطي المخدرات وأثره على الصحة النفسية-العدد الرابع والعشرون.

o        محمد حمدي الحجار/عرض كتابه (1995): العلاج النفسي للإدمان- العدد الرابع والعشرون.

o        بيترمان هـ(1996): تعديل استهلاك السجائر لدى التلاميذ- العدد السابع والعشرون.

o        تقرير(1996): تشخيص الاعتماد على النيكوتين- العدد السابع والعشرون.

o        مصطفى سويف/عرض كتابه (1996): المخدرات والمجتمع- العدد الثامن والعشرون.

o        سليم عمار (1997): إدمان الخمر- العدد الحادي والثلاثون.

o        وليد المصري (1999): الطفل في ظل الأسرة الكحولية- العدد السابع والثلاثون.

o        محمد حمدي الحجار (1999): علاج الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية العدد السابع والثلاثون.

o        فطيم والجارجي ورشاد (1999): قائمة تشخيص سوء الاعتماد على العقاقير والكحول- العدد المزدوج 39-40.

o        فيصل الزراد (1999): دراسة لبعض حالات الإدمان على العقاقير والكحول- العدد المزدوج 39-40.

o        محمد احمد النابلسي (2001): الإدمان مشكلة غير قابلة للتجاهل- ملف العدد الخامس والأربعون.

o        محمد احمد النابلسي/تقرير (2001): اقتراحات جديدة لعلاج الإدمان- ملف العدد الخامس والأربعون.

o        مصطفى زيور/ معادة النشر (2001): التحليل النفسي لشخصية متعاطي الحشيش ملف العدد الخامس والأربعون.

o        وليد المصري (2001): دور العوامل النفسية في إدمان المراهقين- ملف العدد الخامس والأربعون.

o        محمد رشاد (2001): خطر الإصابة بالإيدز لدى مدمني الهيرويين- ملف العدد الخامس والأربعون.

o        لطفي فطيم ومشاركوه (2001): قائمة سوء استخدام المواد- ملف العدد الخامس والأربعون.

 

الإدمان وجهة نظر اختصاصية

    إن الطب النفسي، والعلاجات المرتبطة به، لا يمكنه أن يقر المبدأ الروماني القائل بضرورة الجنون في المجتمع المجنون. وهذا ما يضع الاختصاص ،ولو نادرا"، في مواجهة السائد والشائع من القناعات الخاطئة.

   لكن المواقف من هذه القناعات تختلف باختلاف المدارس الطبنفسية ففي حين تعتمد المدرسة الأميركية منطلقات براغماتية تحصر هدفها في الوصول إلى التكيف (مع محاولة  تجاهل إشكالية التكيف مع القناعات الخاطئة) نجد المدرسة الدينامية مصرة على مناقشة المواضيع عبر الصندوق الأسود (العقل). ولكل من هذه المدارس اقتراحاتها الوجيهة للحلول. إذ تدعو السلوكية إلى كسر حلقة مهرب-مدمن-منتفع خفي عبر السماح تدريجيا" ببيع المخدرات. وهي تجربة طبقت في هولندا مثلا" فأزالت الدافعية التي يختلقها المهربون لترويج مخدراتهم. أما المدرسة التحليلية فتتوزع عموما" على تيارين. الأول يربط متعة المخدر بالمتعة الجنسية وبالتالي بمجموعة العقد الجنسية. والثاني يربط بين الإدمان وبين غريزة الموت.

    ومع قناعتنا التامة بحيوية وضرورة التكامل بين مختلف هذه الاقتراحات فإننا نعتمد مبدأ الربط بين الإدمان وبين غريزة الموت. حيث يدرك المدمن ،خارج فترات احتياجه للمادة، الآثار التدميرية لإدمانه. ويترافق هذا الإدراك مع مشاعر الذنب والندم والرغبة بالإقلاع عن الإدمان. فإذا ما جاءت فترة الاحتياج يعود الشخص للتعاطي في نزعة تدمير ذاتي تتطور مع تكرار حلقة الإدراك- الندم- التعاطي. وذلك وصولا" إلى سيطرة نزعة التدمير على الاقتصاد النفسي-الجسدي للمدمن. وهنا تتدخل ثنائية العواطف لتفجر الرغبة في تجميد الزمن ،عند لحظة النشوة بالمخدر، في مقابل نزعة التدمير. وهي حالة شبيهة بما يسميه التحليل النفسي بالعودة إلى الصفر (أي إلى الفردوس الفقود في بطن الأم). حيث تتم مواجهة الخوف من الموت عبر فكرة "ليتني أموت" (غريزة موت) بفكرة "ليتني لم أولد" (العودة إلى الصفر). ورغبة تجميد الزمن عند لحظات السعادة هي رغبة نرجسية عامة لدى الجميع. حيث يمارسها الرسام عبر لوحته والشاعر عبر قصيدته. وبمعنى آخر فان كلا" يمارسها على طريقته الخاصة. فإذا ما تدخل الاعتياد على المواد فانه يصبح البديل السهل لتنفيذ هذه الرغبة. وبهذا نصل إلى كتاب فرويد "قلق في الحضارة" وفيه يشير إلى ان الحضارة تحمل معها زيادة مستوى القلق الفردي. وهذا ما يعبر عنه اليوم بتعابير شتى منها الإرهاق بأنواعه المولد لما اصبح يعرف ب"أمراض العصر". وبمعنى آخر فان علينا ألا نهمل ضغوطات الحياة اليومية في تصدينا للحديث عن الإدمان.

 

ملاحظات ختامية

    نحن لا نوافق على الميل السائد لتحميل الاختصاص أوزار علاج الظواهر الإدمانية ومسؤوليات هذا العلاج. وذلك لقناعتنا الراسخة بان موضوع المخدرات متداخل مع نظم القيم الاجتماعية والسياسية. التي غالبا" ما تشكل دوافع إدمانية اكثر وجاهة من الدوافع النفسية المفترضة. مثال ذلك أن التهميش الاجتماعي لشخص ما يجعل من الإدمان حلا" ملائما" لتخطي الفراغ الوجودي المصاحب لهذا التهميش.  ومثله فقدان الاعتراف (بالمعنى الهيغيلي). ولعل هذا الرأي يجد دعمه عبر مراجعة بسيطة لخارطة تجارة المخدرات العالمية. حيث تنتج الدول الفقيرة المخدر لتصدره إلى الدول الأغنى عبر الدول المتوسطة الدخل. وهو واقع تؤكده سياحة المخدرات (سفر المدمنين إلى البلدان المنتجة للمخدر بهدف استهلاكه بأسعار أدنى). وهذا ما يفسر زيادة عدد المدمنين في العالم بمقدار 12 مليونا" كل سنة. وهي زيادة لا يتحمل وزرها الاختصاص بل تتحمله الأبعاد الأخرى للمخدرات. وعليه فإننا ندعو إلى حصر مسؤولية الاختصاص في نطاق علاجه للحالات الفردية وفي تقديمه الاستشارات المساعدة في السيطرة على الظواهر الإدمانية.

 

Document Code OP.0067

Nab.Add.View 

ترميز المستند  OP.0067

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)