Arabpsynet

أبحاث أصيلة / Original papers

شبكة العلوم النفسية العربية

 

افتتاحيــة مجلــة "الإنســــان و التطــور"

أ. د. يحيى الرخاوي

عدد 69- 74 / 2000 - 2001

 

q       النص الكامل /  Full text / Texte  entier 

 

نشاهد أحيانا على بعض حافلان الجيش الكبيرة، أو النقل العام، لافتة مكتوب عليها "وقوف متكرر"، تتقه السائق القادم من خلف أن هذه الحافلة سوف تتوقف في أي محطة قادمة، أو حتى في وسط الشارع، أو تنبهه، أن السائق تحت التمرين. هذه المجلة كذلك، أولى بنا بدلا من تكرار الاعتذار، بهذه الصورة المرفوضة من قبل القارئ، أن نكئب على الغلاف "توقف متكرر" نحن نلتمس هذه المرة عذرا من حق القارئ ألا يقبله.

حين تتكلم الحجارة، وتقتل الأبرياء، ويتحيز الرأي العام في معظم أنحاء العالم (وليس حكوماته فحسب) كل هذا التحيز، على الرغم من الشعارات المرفوعة، والضغط على إسرائيل الأكثر إهانة وهو أشبه بالدغدغة، حين يكون الأمر كذلك، يصبح الصمت أشرف من أي كلمات ترص بجوار بعضها، لعل الصمت يدفع لفعل آخر، له أثر آخر.

لكن إلى متى الصمت، وهو هرب مضاعف لمن لا يحمل السلاح الآن؟

لن نعتذر عن التوقف، ولن نعد بالانتظام.

الأمور العامة اصعب ثقلا، والكلمة أخطر عجزا، و المصيبة تبدو أكبر من قدراتنا، ومع ذلك، أو لذلك، نعاود الظهور. يا لسخف كل هذا، هكذا.

في هذه الفترة التي احتجبنا فيها مؤخرا، لن أحددها مدعيا الخجل، حدثت أمور كثيرة كثيرة، خطيرة خطيرة، بدت لخطورتها انه لا يصلح معها إلا أن نتوقف/ حتى لو كان ذلك من قبيل اليأس الذي رفضنا الاستسلام له في أي لحظة منذ قررنا أن نقولها والسلام، "الكلمة"، ربما تجد يوما من هو أهل أن يجعلها فعلا يمشي على الأرض. نحن نحاول والله العظيم!!

لا نعرف بأي وجه نلقى القارئ من جديد. لقد زودناها خلال عشرين عاما وواحد. ثم ها نحن نعود مرة أخرى، وهكذا. ننظر سويا في بعض أحداث ما كان، لعلنا نجد فيها ما يبرر الصمت، وأيضا ما يبرر العودة.

ا- استشرت العولمة وكشفت عن وجهها، تبين بما لا يدع مجالا للشك أنها أمركة رأسمالية، استعمارية، جديدة. رأسمالية متوحشة لم تعد تحتاج حتى أن تتخفى وراء تبرير أو تنظير. في نفس الوقت ظهرت حركات مقابلة، ليس لها أية قوة فاعلة إلا التذكرة بأن المسألة (مسألة الاستعمار المالي المعلوماتي العالمي) لمن تمر سهلة إلا على حساب كل البشر، المتعولم، والمتعولم، ولا عزاء للديناصور.

الإرهاصات الشعبية عبر العالم (من سياتل حتى إيطاليا؟؟)، رغم عدم جدواها، وخفوت صوتها، تصيح صيحة غريق معاند، يأبى أن يستسلم لموج المحيط رغم كل شيء. تصيح تنبهنا إلى أن أمور العالم تسير  في اتجاه خاطئ، كما تلوح- في نفس الوقت- بعناد المتشبث بالحياة، أن الناس لق تسع، طال الزمن أم قصر.

إذا نجح هذا الاتجاه الخاطئ المتغطرس المحتكر أن يتمادى في قيادة العالم بحسابات منفردة، فقد انتهى الجنس البشرى تماما. إن الجنس البشري كان قادرا طول تاريخه أن يتخطى مثل هذه الانحرافات، فلماذا نشك الآن أنه تراجع عن قبول التحديات.

3- وجدت العولمة أدواتها جاهزة فيما يعرف بثورة الاتصالات والمعلومات، إضافة إلى صك بعض المفاهيم المصاحبة، (مثل الشفافية)، ثم التمادي في تقديس مفاهيم قديمة كانت ومازالت ملتبسة (مثل الديمقراطية). أن سوء استعمال هذه المفاهيم البراقة لصالح الخطأ المتمادي الذي أشرنا إليه حالا، أدى، ويؤدى إلى عدد من المضاعفات التي تتزايد باستمرار، لهذا يجدر الانتباه إلى أن مضاعفات أي مرض (أو دواء) لا بد أن تؤخذ واحدة واحدة بنفس الاهتمام الذي نقاوم به المرض الأصلي.

قد يكون من الممكن أن نقلل من المضاعفات حتى لو لم نستطع أن نقضي على المرض، أو لو تأجل القضاء عليه. وقد يكون من الممكن أن نخفف من الآثار الجانبية لدواء معين لو لم يكن له بديل أسلم. لهذا وذاك، فإن التركيز على إظهار مضاعفات هذا الإنجاز البشرى الأحدث لا يعنى رفضه. إن ما يسقى عصر المعلومات يحمل في طياته- للأسف- احتمالات سلبية، بقدر ما يعد بقفزة رائعة.

لا أحد يريد، ولا أحد يستطيع أن يوقف هذا الطوفان الهائل مما يسمى المعلومات، ومع ذلك فإن الاستسلام له بلا شروط هو إعلان بانتهاء النوع البشرى.

أن المسألة أشبه بطوفان نوح عليه السلام، ولا أتصور أن الحل هو أن نفعل مثلما فعل، بمعنى أننا لا نتصور أن علينا، وقد فاض بنا الحال، أن ننتقى من الحياة ما يمثلها من كل زوجين اثنين (من إيجابيات الإنتاج البشري)، لنهرب به على سفين عزلتنا ونحن نتفرج وندعي الحكمة بالانتظار. نوهم أنفسنا أنه إذا غرق الجميع بغبائهم، في"مستنقع اللذة" (الاسم الحركي له هو، مجتمع الرفاهية والاستهلاك)، بدأنا نحن من جديد. هذا حل قديم يستحيل تكراره،. إن طوفان المعلومات والعولمة يبدو أسرع وأخطر من طوفان نوح عليه السلام.

لا مفر من ابتداع آلية جديدة للتعامل مع هذه المعلومات بما يجعلها إيجابية.

لا بد من بديل لهذه الأمركة المتخفية تحت اسم العولمة، نريد أنه نكون "أمة واحدة"، لكن بشروطنا نحن البشر، كل البشر، أغلب البشر، وليس بشروط النخاسة والفوقيين.

أخطر الخطر من هذه الهيجة المعلوماتية لا يكمن في سحق هوية الأضعف، وتكهين لغته، وتأكيد تبعيته، هذا كله كان واردا عبر التاريخ من خلال الإقطاع، فالاستعمار، فالقهر الشمولي لابسا قناع الاشتراكية، فحكم العسكر... إلخ، الخطر كل الخطر، هو في "اختزال الإنسان إلى معلوماته".

الإنسان كل تاريخي رائع، والمعلومات المعروفة والمتاحة لمخازنه الإلكترونية الحديثة هي مجرد جزء من وجوده، لأنها جزء من تاريخه.

الخطأ التطوري الذي يقع فيه الإنسان حاليا هو أن يعطي هذا الجزء الإلكتروني المتضخم أكثر من حقه، بل أكثر مما يستطيع أن يحيط يه. هذا العملاق الإلكتروني أعجز من أن يحيط بتاريخ الإنسان الحيوي، ناهيك عن تاريخ الحياة، علما بأن هذا وذاك (تاريخ الحياة، وتاريخ الإنسان هو ماثل حالا في خلايانا لا ننسى أن هذه المجلة اسمها "الإنسان، و التطور!!).

إن ثمة زعم يقول إن الديناصور قد انقرض لأن جسمه نمى أسرع من مخه. على نفس القياس، فإن الإنسان المعاصر مهدد بالانقراض إذا ترك قشرة دماغه، الإلكترونية الهوى، تنمو على حساب بقية وجوده الحيوي لتاريخه البيولوجي والكياني "هنا والآن".

الرفض المتشنج لهذه الإنجازات لن يترتب عليه إلا تأجيل خائب ثم تبعية متأخرة، أما الاستيعاب للتمكن فالتجاوز، فهو الأمل المنشود.

إن التأثير الذي أحدثه هذا الطوفان المعلوماتي هو أخطر من أن نعدده في هذه الافتتاحية، لكنه هو هو ما جعلنا نعاود الصدور.

إن الحل لن يأتي من صراع "بل جيتس" مع منافسيه، ولا من "تعلمة" العالم العربي ليلحق الركب لاهثا محفلا بأرقام لا يعرف مصدرها، ولا هو واثق من مصداقيتها.

إن الحل أيضا لن يأتي من سباق حرب الصواريخ والصواريخ المضادة بين روسيا أو الصين وأمريكا، ولا من إعادة قراءة كتب التراث دون النصوص الأصلية التي سجنوها في تفاسير وصية كادت تنفي نبضها، وتعكس وظيفتها، تفاسير لا تصلح- إن صلحت- إلا لزمان غير هذا الزمان.

إن إرهاصات الحل أو توجهاته، قد تأتينا من إنسان متواضع، لا يستحق إحدى الجوائز العالمية ولا المحلية، لا نعرف اسمه (في الأغلب) لكننا ننتظره طول الوقت، ننتظره انتظار الباحث العامل الجاد طول الوقت، لا المتفرج مدعي الحكمة. إنه لن يهبط علينا من السماء، وإنما هو سوف يقفز من بيننا حالة كوننا نحاول.

قد تأتينا إشارة الحل من لمحة من مجنون قالها وانتحر، يرحمه الله.

وقد تأتينا من إفاقة تجليات متصوف قالها مدوية، ثم انسحب أو لم ينسحب.

وقد تأتينا من مراجع ناقد من بين أهل التقدم والمعلومات أنفسهم. من يدرى، لعلهم يفيقون في وقت مناسب، وقد أدركوا أن الطوفان سيغمرهم أول من يغمر.

في انتظار بعض ذلك نعاود الصدور، آملين ألا يثبت بعض ما يخطر لنا أحيانا من أن هذه المجلة ليست إلا صوتا ذاتيا مسكنا أشبه بضلالات المهدي المنتظر.

3- حدث أيضا خلال هذه الفترة أن طالت ذراع أمريكا طولا قبيحا، فأصبحت وصايتها فاجرة مكشوفة، و أصبحت مصداقيتها مهلهلة بالية، وأصبح غباؤها تكلسا مفضوحا. امتدت الوصاية إلى الانفراد بتحديد من هم الأقليات، وما هي الديمقراطية، وما هي الحرية، وما هي الحقوق، وما هي الواجبات، بل ما هي الأخلاق. ومع انتشار الأصولية اليهومسيحية قد تتفضل أمريكا بإصدار فرمان قريب يحدد لنا من هو الله. (انظر فصل ندوات الجمعية، وخاصة فيما يتعلق بمناقشة كتاب رضا هلال عن المسيحي اليهودي، ونهاية العالم ص 241).

4- قامت انتفاضة الأقصى، وما كان لها إلا أن تقوم، تأخرت كثيرا. لكن هذا هو ما حدث. لكل أجل كتاب، ولكل وقت أذان. أذن مؤذن الجهاد، فتصورنا أن كل شيء ينبغي أن يتغير، ليس في فلسطين فحسب، ولكن في كل قلب عربي ومسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وأي إنسان على أي دين، وأي إنسان بلا أي دين. لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن.

هذا ليس حديثا في السياسة. تعريف السياسة عندنا أشمل من أن يحده تعريف. السياسة هي حمل الهم العام هما شخصيا، فالمشاركة من موقعك بما يمكنك، السياسة هي الوعي الفردي المسئول الذي يجعل الفرد يقوم بممارسة الفعل اليومي مرتبطا طول الوقت بعموم الناس. الإنسان حيوان سياسي. نقترح هذا التعريف ليواكب العصر.

من فضائل الانتفاضة أن كشفت لنا- للأسف- ما آلت إليه "حالة" جمهرة العالم الغربي. هي قد عزت أيضا أغلب دعاة السلام (لا كلهم) في إسرائيل، و غير إسرائيل. هذا الأمر قد أوصلني إلى منطقة تغرى بالاقتصار على الرفض، فالكراهية وقد حلا محل النقد واللوم والأمل في الحوار. أنا أتجنب ذلك طول عمري، وما زلت قادرا على التوقي من هذا الانسحاب الحقير. أنا، أنت، نحن، مسئولون عن أخطائهم.

إن ما آلمني ويؤلمني هو موقف الناس هناك، ناس الغرب لا حكوماته ولا بورصاته. أخذت أرفض تصور اختفاء العدل والمنطق السليم من وعى عامة ناسهم، لكنني أرفض أكثر هذا الخداع اللغوي وهم يتحدثون عن مفاهيم مغلوطة يضلّوننا بها، وربما يضلّون أنفسهم أيضا، قبلا، بها. هاأنذا التمس لهم العذر بالعافية. عذر لا يبرر غفلتنا حتى لو كانوا هم الأسبق بالغفلة. مجرد قراءة تعبيرات تتحدث عن "وقف العنف" أو "وقف إطلاق النار" أو التوصية بعدم "الإفراط في العنف" أو الحديث عن "المعتدين الفلسطينيين"، أو الموافقة الضمنية على سياسة الاغتيالات دون محاكمة. هو أمر جدير بأن ينبهنا كيف وصلت الإهانة والتفريغ إلى كل المفاهيم والألفاظ والتاريخ والمعنى.

في هذه الفترة التي توقفت فيها المجلة أتيحت لي الفرصة أن أكتب في عدد من الدوريات والصحف بشكل أكثر رحابة وبفرص أكثر سماحا (كانت أهم هذه الفرص، الصفحة الأخيرة من الوفد، ثم الوطن السعودي، و مجلة "الكتب وجهات نظر")، كما اشتركت في عدد من البرامج* الديمقراطية" (!!!) الجديدة "على الهواء" ، فتيقنت من كل ذلك، وبعد اعتراف حقيقي لأصحاب الفضل بالفضل، إن مساحة السماح أوسع فعلا. لكنني توقفت، أو تصادف أنني وقفت فرحت أنظر في كل ما كتبت في هذه الفترة (ما يربو على ثلاثين مقالا، كلها- كما أتصور- فيها آراء كنت أحسب أنها مفيدة). رحت أحاسب نفسي، من الذي استفاد من أي كلمة من كل هذا، أين هو؟ ثم ماذا؟ أنا شخصيا استفدت، إنني أكتشف ما أريد أن أقوله أو كونه أثناء كتابته لا قبلها، و أحيانا أكتشف هذا وذاك وأنا أقرأ ما كتبت. لكن السؤال يظل كما هو : إلى من؟ ثم ماذا؟

حين صدرت هذه المجلة من أكثر من عشرين عاما كنا نتصور أننا يمكن أن نضيف قطرة في بحر، والآن تبينا أننا قد لا نكون أكثر من دمعة في محيط، دمعة تنساب على صفحة وجه أصحابها وبضع مئات ممن ما زالوا يحتملونه تذبذبها، لكنني تبينت أنه حتى هذه الدمعة قد تتطاير قبل أن تصل أصلا إلى لمس وجه المحيط، ثم عدت أقول : لكنها قد تتجمع مع مثيلاتها لتصبح سحابا فمطرا.. إلى آخر هذا الشعر الذي لا ينفع، ولكن، من يدرى؟ لعله ينفع !

   يفنى كل شيء، ويبقى السؤال يتردد ونحن وقوف بين يدي العدل الرحيم، سؤال يوجهه كل واحد لنفسه : لماذا لم تقلها؟ أنت لست صاحبها، لست ولي أمرها، لست مسئولا عن مسارها أو مصيرها، فلماذا لم تقلها؟ ربما لهذا عدنا.

  المصيبة أن المؤشرات السلبية لا تظهر في مجال السياسة بشكل مباشر. لغة السياسة أصبحت خطابا محفوظا عن ظهر قلب، تصريحات، وأرقام، ووعود، ومباهاة، ومديح، وديمقراطية تدور في دائرة مغلقة، آخرها يلتقي بأولها كل صباح، وكل وزارة، وكل تصريح، وكل وعد.

   المصيبة الأكبر والأكثر دلالة أن منظومة القيم اهتزت بحيث أصبحت، لمن يحسن

الإنصات، من أخطر نذر الإفلاس الذي لا يقتصر على الإفلاس القيمى. دخلنا إلى الدائرة الجهنمية، أو وجدنا أنفسنا بداخلها حيث يصب التدهور القيمي في الخراب الاقتصادي، ومن ثم اللغو السياسي، فمزيد من التدهور القيمى، وهكذا. ثم تتفتح حلقات جهنمية جانبية في كل مجال لتصب في الحلقة الجهنمية الأساسية.

   في حديث مع مفيد فوزي في برنامج "حديث المدينة" سألني عن تفسير لثقافة العنف (بعد الحوادث الأخيرة إياها) التي سادت مجتمعنا، فأنكرت أننا وصلنا إلى مرحلة تسمح أن نطلق على هذه الحوادث التي أعتقد أنها ما زالت فردية اسم "ثقافة العنف" أو حتى "ظاهرة العنف". ومع ذلك فإنها جزء لا يتجزأ من ثقافة سلبية أخطر وأكثر دلالة على التراجع والتدهور ألا وهي ثقافة الزيف، وثقافة الكذب، وثقافة الغش. الأصل في أحاديثنا وصحفنا وأرقامنا الآن هو الكذب، والأصل في أبحاثنا وترقياتنا وتقييمنا لجهود المجتهدين هو المجاملات والشلل وتزييف الحقائق بوعي أو بغير وعى. والأصل في امتحاناتنا، وتوظيفنا، وتصنيعنا، هو الغش بكل أنواعه على كل المستويات.

  ثقافة الغش والكذب أخطر من ثقافة العنف. هي أخفي وأسرع سريانا، ثم إنها أخفي وأخبث، وبالتالي فهي أبعد عن التعرية فالمواجهة أولا بأول.

   التعميم ظلم بين تحت كل الظروف، لهذا لا نملك إلا التحفظ بالإشارة إلى استثناءات مشرقة هنا وهناك، لكتها تطل استثناءات.

هل هذا الانهيار الأخلاقي هو نتيجة أم سبب ما نحن فيه؟ هذا أمر يكاد يصبح ثانويا حين تصبح النتيجة سببا والسبب نتيجة (انظر افتتاحية فريد زهران في هذا العدد، ثم "ملف" هذا العدد عن أزمة القيم وإشكالة الأخلاق).

إن ما وصلنا إليه هكذا هو أمر لا يصلحه مقال في صحيفة، ولا حوار في برنامج تلفزيوني، ولا نشاط حزبي، ولا نقاش نيابي، ولا تعليمات وزير التربية والتعليم، ولا قرارات النائب العام، هذا أمر له دلالة تدهورية لا مفر من مواجهتها سياسيا، وتربويا ودينيا، من كل واحد دون استثناء، فرض عين، الآن وليس بعد.

الأخلاق لا تتكون وترسخ وجودها بمقالات أو استجوابات أو خطب الوعظ والإرشاد. الأخلاق يبدأ زرعها منذ الولادة من خلال ممارسات منتظمة، ليس أقلها العبادات الراتبة، مع أقل قدر من التعليمات المباشرة، والأصوات العالية.

سألني مفيد فوزي- في برنامج حديث المدينة السابق الإشارة إليه- عن الحل : قلت له إن الحل يكمن في الداخل في الإحسان ("أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا")، وفي الخارج في جندي (مرور أو مرافق أو أي جندي متواجد في الشارع بين الناس ليمثل السلطة) محترم وقادر على أن يصبح رمز الدولة في وعي الناس، و "مدرس قدوة رسول".

حين يصبح "العسكري" محترما من رئيسه ومن الناس ويقبض عشرة أضعاف ما يقبض، ويمثل رئيس الجمهورية شخصيا، وحين يصبح المدرس والدا وراعيا ذا ضمير ويقبض عشرة أضعاف ما يقبض، وحين يصبح الحق تبارك وتعالى مختلطا بالوعي الذاتي معظم الوقت، سوف تظهر بارقة أمل أننا يمكن أن نعدل قليلا أو كثيرا في منظومة القيم  ومسار الأخلاق إلى أحسن. هذا وارد مهـما تدهور الحال. التاريخ يعدنا بمثل هذه الإفاقات.

عدنا للظهور، وأطفال الفلسطينيين لا يجدون غازا، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا طعاما، حتى أصبح الاستشهاد أرحم حتى من الناحية العملية البحتة. عدنا وحكومة إسرائيل تمثل أسفل إرهاب عرفه التاريخ، الحكومة هي المافيا، والعالم يتفرج، ويشير من تحت المائدة بإبهامه بعلامات النصر على البربرية المتخلفة.

عادت المجلة للظهور وعمداء ووكلاء الكليات يقدمون للمحاكمة بتهمة التزوير.

عادت المجلة والكساد على أشده، في نفس الوقت الذي تفرض فيه الحكومة ضريبة المبيعات، وتقول إنها لن تضر لا التاجر ولا المستهلك !! (ملحوظة: هذا ليس كلاما في السياسة ولكنه في التربية والتعليم، و... ربما علم النفس، أو حتى الطب النفسي!!.

حين تقول لطفل في الثامنة من عمره إنني سآخذ من مصروفك ربع جنيه من كل جنيه، لكن مصروفك لن ينقص، ولن تشترى أقل مما كنت تشتري، لأنني سآخذ أيضا من البائع الذي يبيع لك المصاصة جنيها كاملا. ماذا تظن يكون موقف هذأ الطفل؟

هل يمكن أن تتجاهل ابتسامته الساخرة وهو يضحك عليك شفقة أو استهانة؟ هل هذا كلام في السياسة أم هي مسألة حساب في كراسة الواجب المنزلي. أليس هذا بعض ما صرح به السيد وزير ضريبة المبيعات أو أي وزير من وزراء التصريحات، ولو أثناء المراحل الأولى لتمريرها : يقول صاحب التصريح الرفيع "إنه سيحصل الشيء الفلاني من خلال هذه الضريبة، لكن المستهلك لن يضار، ولا التاجر ولا أحد". [لعل إسرائيل هي الخاسر في النهاية لأن حصيلة ضريبة المبيعات سوف تزيد في قدراتنا الدفاعية جدا، شكرا).

هذا لغز لا يحله إلا تحضير الجان أو عكس المنطق، وكلاهما أصبح واردا في مرحلتنا الراهنة. أعرف أنه لا وقت للسخرية. هذه ليست سخرية.

في هذه الفترة أيضا تحول موقف وزارة الثقافة، وكثير من المثقفين الذين ينتمون إلى فصيلة عباد الشمس، من أقصى الحرية إلى أقصى الأخلاق، وكأن الأخلاق ضد الحرية !!! (انظر مرة أخرى ملف الأخلاق في هذا العدد).

كذلك ظهر مؤخرا نجم جديد اسمه الدكتور "زغلول النجار" ويبدو أنه رجل فاضل، يريد أن يفيض علينا من إيمانه العلمي الكوني الجيولوجي، ما يطمئننا إلى ديننا ومتانته، وهو بذلك يكرر فضل (وخطأ) الصديق الجليل د. مصطفي محمود. يا سادتي حسنى النية، أن المدخل إلى الإيمان وإلى الله له باب آخر غير هذه الدعاية الطيبة المتحمسة لمعلومات تبدو براقة، وكأنها قادرة أن تعيد جذب من تحول من عبادة الله إلى عبادة الأصنام المعاصرة. (العلم المتغطرس، والأرقام الصماء، والمعلومات الكمية الخانقة.. إلخ). صحيح أن الناس، والشباب خاصة، في أشد الحاجة إلى من يطمئنهم أن تدينهم ليس كفرا بالعلم، ولا استهانة بالعقل، لكن الصحيح أيضا أن هذا الاهتزاز جاء نتيجة خلط المناهج، وضيق الأفق. إن هذه المحاولات التي لا نشك في حسن نية من يحاولونها، قد تفيد بعض الذين يعبدون الله على حرف. لكن مخاطرها على المدى الطويل أكبر من أي تصور، ليس فقط على الدين الحقيقي، ولكن على المنهج، وعلى المنطق السليم، وعلى العلم. إن الطريق إلى الله تعالى لا يمر بتليسكوب فلكي، ولا بمعمل كيميائي، هو طريق يعرفه من سار فيه، لا أكثر ولا أقل، فإن كان لا بد له من عون جنبا إلى جنب مع ما أنزله الله- حقيقة وفعلا- على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فلا يوجد عون غير مباشر إليه ما يتجلى في الإبداع الحقيقي الذي هو في عمق أعماقه قبس من فيض البديع السميع العليم.

لا يهدى إلى الكشف "الداخليالخارجي"، الهارموني الأعظم، بعد كلام الله سبحانه، وعباداته، مثل زعبلاوى، أو عاشور الناجي في حرافيش محفوظ، أو حتى قنديل محمد العنابي الشهير بابن فطومة (محفوظ)، أو عطر زوسكند، أو سيميائى (ساحر الصحراء) كويلهو، أو السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، أو لوحة عباد الشمس لفان جوخ. هذه كلها طرق جانبية توصل من أراد شحذ وعيه، إلى الله سبحانه وتعالى. أما تفاصيل العلوم البراقة فهي مهما حشرت في النص المقدس حشرا، لا تثبت النص ولا تضيف إليه. الله سبحانه ليس خاضعا لهذا الاختزال الخائب "إثبت لي واثبت لك". هذه مضيعة للوقت، وابتعاد عن الحق سبحانه وتعالى، مع كل احترامي لحسن النية وسلامة القصد وفرط الجهد. إن الله سبحانه وتعالى يطلب منا أن "ننظر في الكون وفي أنفسنا، لا أن "نبحث" فيهما بأدوات أدنى من "النظر" البشري النقي، مهما قيل ويقال.

ظهرت أيضا موجة من الانجذاب نحو واعظ شاب اسمه عمرو خالد يروج لإسلام "دمث"، فيحيى فينا أمل أن يرتبط الدين بالأخلاق على أرض الفعل اليومي، لكننا نخشى عليه، وعلى من ينجذبون إليه من استغلال حسن نيتهم لغير ما أرادوا، نخشى أن ينتهي بهم الأمر ليصبحوا مجرد مرددين، تابعين، هادئين، ذاهلين عن الكدح إلى وجه الله، الجهاد في مواجهة الظلم، وأن يكتفوا بما يسمعون دون الاجتهاد في إعادة تفسير النص.

* هذا العدد :

قد يكون هذا العدد علامة فارقة في تاريخ هذه المجلة، ذلك أنه يشمل اختراقات متعددة، في المادة والمنهج على حد سواء.

الاختراق الأول هو تخصيص ملف بأكمله عن موضع واحد، صحيح أننا لم نعد لذلك العدة من قبل فنستكتب من يهمه الأمر حتى نثرى الاختلاف، لكن الافتتاحية رقم (2) بقلم فريد زهران هي التي أوحت لنا بهذه الفرصة، حتى لو بدا الكلام معادا.

  عاد فريد زهران بحذقه وأمانته وانتمائه وتفاؤله إلى تناول الموضوع الذي لا يكف عن الإسهام في تحديد مفاهيمه بشكل نأمل معه أن ينتبه أي منسحب فردى، أو مغرور مثالي، أو متبلد منسحب، إلى استحالة تجنبه. تواكبت افتتاحية زهران مع الانتباه المتزايد إلى الانهيار الأخلاقي الذي أشرنا إليه في بداية هذه الفقرة. إن تدهور الأخلاق يتمادى بشكل أسى (وليس باضطراد عددي] يكاد ينذر بعجزنا عن إيقافه. هذا الهم المسئول بدأنا التعرض له- في أعداد سابقة- بما يشبه الحوار الضمني بين رئيس التحرير وسكرتير التحرير، وخاصة في موقع علاقة التدين والإيمان بالأخلاق، وبالذات عما إذا كان الإيمان قيمة موضوعية في ذاته، أم هو تجل أخلاقي مفيد، ثم ساهم سامح سعيد عبود بإضافة منهجية محددة في مناله الوافي "الأساس الأخلاقي للاشتراكية العلمية" (العدد 67. 68 سنة 2000 ص 82- 96)، ثم هذه الظاهرة الجديدة التي نسميها "الدين الدمث" والذي يمثله ذلك الشاب "عمرو خالد" تضيف بعدا أخلاقيا طيبا يحتاج لمناقشة دون رفض. فكان هذا الملف (الذي شمل أيضا تجميع بعض ما كتبه المشاركون في الملف هنا وهناك).

الاختراق الثاني في هذا العدد هو عرض جانب من "حالة" مرضية من خلال تفاعلها في بعض جلسات العلاج النفسي، نعود من خلال ذلك إلى فتح منهج آخر يضيف إلى باب "حالات وأحوال"، الذي ظهرت منه فصول كثيرة في الأعداد الأولى لهذه المجلة. في ذلك عودة للتأكيد على أهمية منهج "الحكى"، والتناول النوعي لماهية الإنسان في الصحة والمرض. الجديد في هذا الأمر- مما اعتبرناه اختراقا- هو أننا حاولنا هذه المرة أن نستفيد مما أصبح في حوزتنا من عطاء التكنولوجيا الأحدث لنسخرها في مجال نشر الخبرة النوعية لتكون في متناول القارئ العادي. ذلك أنه قد أتيحت للجمعية التي تصدر هذه المجلة وسائل لتسجيل خبرات المرضى بالصوت والصورة، كما أتيح لها أيضا تدبير موقع على الإنترنت سوف نعلن عن بدء تشغيله قريبا. أن هذا وذاك قد يكون سبيلنا للتوسع في عرض المادة النفسية كما هي، وخاصة فيما يتعلق بخبرات المرضى، وبنص كلامهم. نحن نكتشف، دون جديد، أن أحدث إنجازات التكنولوجيا يمكن أن تسهم فيما نريده، إذا أحسنا استعمالها، فتصبح أداة لنا تمنع التمادي في استقبالها باعتبارها أداة كمية صرفة تخدم أغراضا مجهولة بشكل دائم. إن هذه التكنولوجيا هي التي تفتح آفاقا جديدة لمناهج التسجيل "الحكى/ الحضور المصور المسموع"، ومن ثم إعادة قيمة منهج الحكى، ثم القراءة النقدية من واقع عرض المادة المتاحة مرة ومرات، أمام أكثر من وعى، سعيا لأكثر من قراءة.

إن ما دأبت هذه المجلة على توضيحه هو أنها مجلة للنقد على كل المستويات (الأدبي، والعلمي، والحياتي)، وباعتبار كل إنسان فرد، وخاصة المريض النفسي "نصا" يحتاج إلى قراءة أكثر من حاجته إلى تفسير، فإننا نعتبر هذا الباب بهذه الصورة "قراءة نقدية نفسية في نص إنساني مريض". صعب أن ندعو لتعميم هذا المنهج دون إعداد كاف، وشروط ضرورية، لكننا نبدأ هذا السبيل بحذر ونحن نرى المجلة وهي تتحول أخيرا إلى غايتها التخصصية، حتى لو ظلت لفترة أخرى "مجلة الصوت الواحد". إن الإشارات تلوح بأنها سوف تكون أكثر فأكثر مجلة لنقد أحوال المرضى باعتبارهم نصوصا حية، دون التخلي عن نقد أحوال المعالجين والأطباء، وأيضا دون التراجع عن موقفها النقدي العام.

باب حالات وأحوال يقدم في هذا العدد حالة من واقع مقاطع في العلاج الجمعي، مع تعليق مفصل على عرض الحالة كما تم تقديمه بالصوت والصورة في الندوة العلمية الشهرية لشهر يونيو 2001.

نحن نشعر بخطورة إغارة شركات الدواء ليس فقط على جيوب المرضى (إن تبقى فيها شيء) وإنما على أدمغة الأطباء. نحن- كما ألمحنا- ننتظر حلا منهجيا إبداعيا من شخص مجهول (حتى لو كانت شطحة مجنون). إن من أهم واجباتنا، وهمومنا، وآمالنا في هذه المجلة هو أن نتمكن من تقديم بعض ما لا يستطيع غيرنا أن يقدمه. وهذه الحالة، بهذه الصورة، في هذا الباب، في هذا العدد، هي بداية بعض ذلك.

الاختراق الثالث هو أننا أدمجنا باب مقتطفات علمية الذي كان ينشر باللغتين الإنجليزية والعربية، مع باب إعادة قراءة في مصطلح قديم، لنقدم فصول عمل نأمل أن يتم، وهو مراجعة منهجية من منطلق ثقافتنا المحلية، لأساسيات الطب النفسي، كعلم وفن في آن. وقد أقدمنا على هذه المخاطرة متعللين بالأسباب التالية :

1- إنه بعد إغارة شركات الدواء على أدمغة أغلب الأطباء في العالم أجمع، أصبح من الواجب أن يكون الخطاب موجها مباشرة و في المقام الأول، لأصحاب المصلحة، المرضى و أسرهم أساسا، ثم عامة الناس، ولا يكون الأمر كذلك إلا بلغة أغلبية أصحاب المصلحة هؤلاء.

2- إن النشر باللغتين الإنجليزية والعربية معا، يؤدى خدمة نحو تسهيل مهمة الانتقال الواجب من رطان اللغة الأجنبية إلى أصالة لغتنا القادرة. هي مرحلة انتقالية بالضرورة، لكننا رأينا أنها أصلح- بالنسبة للأطباء خاصة- من القفز إلى اللغة العربية مباشرة.

3- أن هذا النشر على حلقات سوف تلزم كاتب العمل أن يتمه، الأمر الذي أصبح يشك فيه لأسباب لا تخفى.

4- إن في ضخامة المسودات الجاهزة و المتاحة من هذا العمل ما يضمن انتظام صدور المجلة، حتى لو لم تقم إلا بنشره بانتظام رتيب.

أما العيب الأساسي لهذه المغامرة، والذي لم يعد تعتبر عيبا لكثرة ما غلب وتمادى، هو أن المجلة بدلا من سعيها إلى تعدد الأصوات زادت تركيزا على الصوت الواحد، وهو صوت رئيس التحرير ولا مؤاخذة. هذا قدر استثنائي على أي حال حتى يحثها القراء والزملاء وكل من يهمه الأمر، بالإسهام بحوار مناسب ولو حول هذا النص الاجتهادي الثنائي اللغة.

الاختراق الرابع هو إعادة إحياء باب قديم جديد على الرغم من أنه لم ينتظم أبدا، كما أنه لم يكن ثابتا كباب مستقل، وهو باب عرض "ندوات الجمعية"، وسوف نلتزم بدءا من هذا العدد بأن نقدم موجزا للندوات التي تعرضها الجمعية شهريا، منذ ما يناهز ثلث قرن، و بالتالي فسوف نقدم ثلاثة موضوعات كل عدد، وهو ما عرض في الثلاثة أشهر بين صدور عددين]. نأمل بذلك أن نعرّف الناس نشاط الجمعية من جهة، وأيضا أن يشاركنا عدد كبر في مناقشة هذه الموضوعات التي نتصور أنها من صميم ما يصب في هدف هذه المجلة "الإنسان والتطور" كما أننا نأمل أن يكون في طريقة عرض الندوة المتعددة الأصوات ما يخفف ولو قليلا من حكاية الصوت الواحد، ولو أنه، حتى في الندوات، يظل هذا الصوت أيضا عاليا على مساحة ممتدة. وسوف نكتفي بالندوات الثلاث الأخيرة وهي على الوجه التالي، فيلم "مدينة الملائكة" (إبريل 2001)، ثم كتاب "المسيح الهيودى، ونهاية العالم" تأليف رضا هلال (مايو 2001)، ثم قراءة في بعض قصائد من ديواني شجن شجر الشوارع، والبراكين الطيبة شعر د. أحمد تيمور (يونيو 2001)، يعقبه نقد نفسي تركيبي لقصيد درامي، هو ما تصدر ديوان البراكين الطيبة باسم "مونودراما الممثل"، فيكون هذا بمثابة الإسهام النقدي في هذا العدد، جنبا إلى جنب مع قراءة الصديق يوسف في رواية "حديث الصباح والمساء" (وقد كانت موضوع ندوة شهر 9/1999) لعل هذا النقد، في رحاب محفوظ، ومن أحد مريديه، قد يصبّر القارئ على توقف القراءة النقدية في أصداء السيرة الذاتية، التي لا مفر من إكمالها إن كان في العمر بقية.

أما العينات التاريخية التي تمثل أبوابا أخرى كانت ثابتة، فهي تشمل أبوابا متعددة تداخل أغلبها فيما تجدد من تقسيم، فمثلا نجد أن باب "مثل وموال" وباب متقطف وموقف قد تضمنهما ملف الأخلاق، كما أن باب الموسوعة النفسية الذي أصبح اسمه "إعادة قراءة في مصطلح (قديم/ حديث) " قد تداخل مع باب "مقتطفات علمية" ليقدم لنا هذا الكتاب الثنائي اللغة في حلقات، (كما أشرنا).

و أخيرا، فنحن نشعر بخجل حقيقي ونحن نعاود الطلب من أصحاب هذه المجلة القدامى أن يستعيدوا ثقتهم فينا بعد كل ما اقترفناه في حقهم، فيعاودون الكتابة إذا بلغهم أننا عدنا.

كما نرحب بخبرات ضيوف جدد، بالإضافة إلى خبرات الذين مروا بأزمات يحسبونها مرضية، لعلنا نستطيع أن نحاورهم احتراما، إن لم نستطع أن نمد لهم يد العون عجزا.

كذلك نحن نرحب كل الترحيب بتعقيبات، واعتراضات، وإضافات نقدية، على كل مواد هذا العدد بوجه خاص، باعتباره نقلة نوعية، اضطر رئيس التحرير أن يقوم بمسئولية تقديم أغلب مادتها، وهو أمر نرجو أن يكون مرحلة (وقد طالت أكثر من عشرين سنة) يتجاوزها إلى حوار مشارك بشكل أو بآخر.

ولا يحرمنا د. أحمد صبحي منصور من اختراقاته الرائعة (التجاوزية) التي تفتح الآفاق دائما إلى الاطمئنان إلى أن ديننا ليس حكرا لأحد، وأن المناهج المتجددة، هي الجهاد الأكبر، أخطأت أم أصابت. فيكتب ليؤكد أن "الإسلام يناقض الاحتراف الديني"

وتعود د. يسرية أمين- وهي من أولى من أسهمن في الكتابة في هذه المجلة منذ أنشئت- تعود لتكئب لنا من غربتها في المملكة المتحدة (بريطانيا) ما يجعلنا نشعر أنها أقرب كثيرا من كثير من القريبين منا جسديا. القرب والبعد لهما مقاييس أخرى غير الأحضان والقبلات الجديدة الغريبة على مجتمعنا، خاصة بين الرجال، تعود د. يسرية لتوجز لنا كتابا يتناول موضوعا نحن ننتمي إليه طول الوقت، وإن كنا أعجز من أن نوفيه حقه. الكتاب هو، « The consolation of philosophy » "مواساة بالفلسفة" و المؤلف قديم (جديد) هو "بثيوس " Boethius إن عودة الفلسفة ترياقا للحياة الطازجة المتفرجة هو من بين أحلام هذه المجلة منذ صدورها.

 

Document Code OP.0076

RakkaouiPrefaceme69-74

ترميز المستند  OP.0076

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)