|
|||
أم أن
" العنــف جـزء من حضـارتنا ؟ " أولا غوسـمــــان : Ula Gusmann ترجمـة : د. سامـر جميـل رضـوان |
|||
|
|||
q النص الكامل Full text /
Texte entier / |
|||
" لقد كنت
معهم عندما جروا ضعيفاً إلى الفرن وأجبروه على تقبيل الحديد الحامي و كنت معهم عندما
رموا أسيراً على لوح خشبي عائم على أرض مغمورة بالمياه ودهكوه بالطين، ولبرهة تملكتني سعادة أني انتمي للأقوياء مع أني عرفت بأني للضعفاء أنتمي." هكذا يصف الروائي "بيتير فايس" Peter Weiss في قصته الذاتية autobiography "
وداع
الوالدين" خبرات في الجوالة
و يلقي بهذا نظرة في استعداده الذاتي للعنف، الذي لم يحجبه تأنيب الضمير.
والعنف لا يؤذي فقط، بل أننا مفتونون به. فالمحلل النفسي الأثنولوجي ماريو
أيردهايم "Mario
Erdheim يرى أن سحر العنف يعد
شرطاً للتماهي مع الأقوى ( المعتدي ) . وهذا التماهي يمكِّن من التغلب على
الخوف منه . ولهذا السحر أيضاً مصدر آخر : احتمالية العدوانPotential of Aggression التي
تحرك فينا جميعاً الغضب
من الإساءات المُلحقة و الحياء من الحلول الوسط الضرورية. و يطرح أيردهايم
التماهي مع الضعفاء مقابل مثل هذا النوع من " اتجاهات
الطبع الطبيعية "، أي " الارتياع من العنف " باعتباره " الإنجاز الحضاري الحقيقي " الذي يمكن
تعلمه.ولكن ما هو " الحقيقي " ؟ فباطراد يزداد اكتشاف ظواهر عنف ، ويكثر الحديث عن
" توحش المجتمع. والصدمة كبيرة، ويوجد الكثير من الحجج. وتعني أنماط
التفسير ،التي تكون أقرب لليسار
مرة و أقرب لليمين مرة أخرى ، ضمور القيم والفردنة Individualization و أزمة مراهقة و فقدان المنظور المستقبلي. كما
ويُشتكى من إخفاق " مؤسسة التنشئة الاجتماعية " التقليدية بمقدار ما يُشتكى من وحشة الضواحي
أو أفلام الرعب أو النقص في
الطقوس الموجهة للعنف أو الانفصال غير المُذلل عن ثنائية الطفل والأم .ويرى
التربوي الاجتماعي البرليني
يورغن كورنر أن " عنصرية هذه الأيام " تهدف - بصورة خالية
الإيديولوجية إلى حد ما - إلى " إبادة المُختَلِف " ، لأنه يوقظ من خلال مجرد
اختلافه عدم الأمن والعدوان. ولكن ليس كل ما يتم تشخيصه على أنه ازدياد للعنف
وما يتم التذمر منه يمكن إثباته من الناحية الإحصائية الجنائية. ويكمن كوننا
أصبحنا نرى عنفاً بشكل أكثر في أننا قد أصبحنا أكثر حساسية تجاهه .
فنحن نطلق اليوم في الأسرة مثلاً
تسمية العنف على ما كان
يعتبر في السابق من صلاحيات رب الأسرة. ويبدو أن الإحساس
بالعنف في الأوقات السلمية نسبياً
التي لا يتعلق فيها الأمر بالخطر على الجسد والحياة ولا تكون فيها يد
القانون قصيرة ،ليس ترفاً: إذ يتحدث عالم الحضارة
الزيوريخي أولي غاير Uli Gyr في سياق العنف " الساكن
" على سبيل المثال حول
" فقاعة مجالنا " الفردي المكونة من الثياب و الحلي و "
سحب الروائح " و منطقة
تماهينا وحمايتنا الفردية. فإذا
ما لم يتم احترامها فسوف نشعر بالاستفزاز والتهديد. §
العنف لا يؤذي فقط، بل أننا
مفتونون به تظهر قابلية توسيع مفهوم العنف اليوم " غوغائية " النقاش
على نحو مفهوم " الجدع أو القبضاي
أو البلطجي"
Bullying-Concept لوصف العنف والعدوانية في المدرسة مثلاً: واشتقاقاً من
" الجدع أو القبضاي أو البلطجي " Bully
يعالج
هذا التصور ظاهرة يصفها الباحثون
الألمان بالاضطهاد
Tyrannization أو بالأذى
أو التذمر . فنحن ميالون بالنظر لأعمال العنف ، من أي نوع كانت ، لتشغيل أحد
برامج الاستنكار الخاصة بنا ، المدمجة فينا ثقافياً. وغالباً ما تكون النغمة هنا أخلاقية ، أما بالنسبة لمناقشة وظائف السلوك العدواني
و المتعة التي يمكن أن يقدمها
للفاعلين و المشاهدين فلا يظل لها
مجال هنا. و متعة العنف تقدمها لنا وسائل الإعلام بصورة
خاصة - الأمر الذي لا يمنعنا من أن نرعد ونزبد حول " العنف في وسائل
الإعلام ". وترى عالمة الاجتماع
بريغيتا نيديلمان أن
هذه العلاقة المتناقضة بالعنف
تجعلنا، نحِّرم العنف أو نعتبره ضروري (حسب الوضع)، تتجلى أيضاً في
"الاتجاه الثقافي نحو العنف وملاحظة مشاهد العنف ". ففي حين يتم
التنديد بأعمال العنف في نشرات الأخبار فأنها تحتل في الوقت نفسه مكاناً ثابتاً في عادات الترفيه. يقوم المعالج الاجتماعي في داخلنا جميعاً العاطل عن العمل بشكل دائم بإنشاء بمعنى ما-
وانطلاقاً من كنبة التلفزيون حاجز الصدمة-، محثوثاً من لا عنف Pacifism لم يكلفنا حتى الآن
الكثير جداً. أم أن للحضارة
زواياها الخالية من الأخلاق المزيفة؟ " لو كان هناك
مكان ما ينتمي إليه الاغتيال و القتل ، فسيكون هذا المكان هو الأدب" .
هذا ما يقوله عالم الآداب البرليني غيرت ماتينكلوت Gert Mattenklott . وهو يدافع بهذا عن
فن هذا القرن ضد البراءة الجمالية ، ضد " إنتاج الفن على شكل مؤسسة صحية
أخلاقية". فالعنف والجريمة يشكلان
في الأدب " حكّام " التدمير،
الذي يتم إنكاره في وعي الحياة اليومية والذي ينتمي دائماً إلى الثقافة
أيضاً. وهذا " الوجه الآخر من الحياة " لا يهتم به " فن في خدمة
العدالة والسلام والوفاق والجمال " . وحتى هذه النظرية الجمالية للعنف قلما ستتمكن من
منع أنه عند مطالعة النصوص التي يظهر فيها العنف كشيء مرتبط مع المتعة،
ستتولى " ثقافة الناس
الخيرين" ( ماتينكلوت )، قيادة الإدراك. " فعندما يتعلق
الأمر بتحليل ظواهر العنف، كما يصفها
إيرنست يونغر على سبيل المثال توجد موانع نفسية حقيقة "،
وهذا ما يذكره عالم الأدب من أيرفورت
فريد لونكر Fred Loenker في سيميناره حول موضوع " الأدب والعنف
" . فهنا يتم بسرعة من منظور أخلاقي برهان وانتقاد أن مؤلف " في صليل
السيوف " قد وصف العنف كشكل
مكثف لخبراته الذاتية بدلاً من تشنيع لا معنى وهول الحرب. وحتى أعمال العنف
الذاتية الكامنة مازالت - وبشكل خاص بالنسبة للرجال - تشكل "موضوعاً محرماً
" ، والاهتمام بظواهر العنف بشكل منتظم إنما هو اهتمام بعنف الآخرين، كما
يقول لونكر حول خبراته مع المناقشات حول العنف. غير أنه هناك استثناءات جديرة بالملاحظة. فقد
غامر بيل بوفورد Bill Buford مثلاً من
أجل تقريره " شهوة العنف : بين السفاحين " بدخول محيط عنف بحيث
أنه استطاع أن يكتب عن خبرة " الامتلاء المطلق " من خلال أعمال العنف.
وحتى عندما قد لا يوافق المرء تصور سيجموند
فرويد حول دافع التهديم ( دافع الموت ) - فإنه قلما يمكن
الاختلاف حول أن العدوان والعنف ينطويان على شيء ما يجعل من
مرغوبيتهما "غير
منسجمة ولا بأي شكل من الأشكال مع
مغزاهما"، كما يقول فرويد. ويعتبر فرويد أن مسألة فيما إذا كان " تطور
الحضارة " يتمكن ، والكيفية التي يتمكن فيها من السيطرة على " تدمير الحياة المشتركة من خلال دافع العدوان ودافع التدمير الذاتي "
هي عبارة عن " قضية قدر
النوع الإنساني" .غير أنه يعثر لدى فرويد أيضاً على
مفهوم للحضارة يستند إلى
الوظيفة : إنها تحمي من الطبيعة وتنظم العلاقات الإنسانية. وبهذا المعنى يمكن جعلها مسؤولة عن
الحجج " الصحيحة " من
كل الأنواع ، بدءاً من دفاع -
التنوع الحضاري الرخيصMultikulti- Pleading حتى " صراع الحضارات " لصامويل
هونتينغتون
Samuel Hungtingtun . وتُظهر " عدوانية الحضارة
" التي فهمها فرويد على أنها
عدوانية تسببها الحضارة
أساساً بإجبارها الناس على العمل
والتخلي عن الدافع، في السيناريو
السياسي لهونتينغتون وجهاً آخر: إذ
تشكل الصراعات بين
الحضارات - والمقصود بذلك حضارات العالم الكبرى - في " الدول الصاعدة " " الخطر الأكبر على السلم العالمي ". وتتيح التوجهات السياسية بعد نهاية
الحرب الباردة ، ´والمحددة بالحضارة والمدنية " مثل هذا المكان.وتمثل
تسعينيات هذا القرن سنوات " انفجار أزمة هوية عالمية" . ويرى
هونتينغتون أن التغلب عليها يتجلى على الشكل التالي: " ينضم الناس للآخرين
الذين يمتلكون الأصل والدين واللغة نفسها والقيم والمؤسسات ذاتها، ويبتعدون عن
أولئك الذين لا يمتلكون هذه الأشياء المشتركة معهم". ويبدو هذا أخطر بكثير
من " نرجسية الفروق الصغيرة "
غير المؤذية التي وصفها فرويد . غير أنه هناك أيضاً- بين البحث عن الهوية و التحديد - بالنسبة لعالم
السياسة هونتينغتون نوع من شماعة
نهاية الأسبوع السياسية المتعددة الثقافات : إذ يتعلق " مستقبل السلام
والمدنية " في النهاية بالتعاون الجيد بين " القادة السياسيين ومثقفي
ثقافات العالم الكبرى". و تستطيع " حضارات العالم الكبرى " كسب
" الصراع العالمي ،الحقيقي بين المدنية والبربرية " " من خلال إنجازاتها في مجالات الدين والفن والأدب والفلسفة
والعلم والتقنية والأخلاق والتعاطف"،
إذا ما " سارت متحدة ". ولكن هل يتم بهذا تعليل " الحضاري "
أم ادعاءه ؟ أليس الأمر أقرب لاعتراض باحث السلام والصراع البريمي ديتير
زينغهاس Dieter
Senghass على
حضارية Culturalism هونتينغتون بأن المادة الحقيقة للصراع تكمن
في المشكلات الاقتصادية الاجتماعية والتمييز ؟ " فديناميكية الكره
" و الصراعات السياسية العرقية ethnopolitical ناتجة
كما يرى زينغهاس عن التمييز المتزايد
من خلال سياسة، تشتمل على " البعد الثقافي " بشكل واضح"،
من أجل مقاومة مطالب سياسية واجتماعية . وأخيراً يطرح النقاش حول كتاب دانييل جوناه
غولدهاغن Daniel Jonah Goldhagen الذي
يحمل عنوان " المُنَفِّذون
المطيعون لهتلر: ألمان عاديون جداً و إبادة الجماهير" التشابك بين
العنف والسياسة. ولم يرد عالم السياسة من جامعة هافارد من خلال تصوره حول " اللاسامية المهملة" elimentarical Antisemitism الرجوع
إلى النمط الثابت من التفسير المتمثل في " ضغط الامتثالConformuity " و "الكمالية التكنوقراطية - البيروقراطية
". فمن خلال تركيزه على " التأصل الثقافي العميق " للاّسامية الألمانية خرق غولدهاغن
محرماً، لا يمس بالذات التقاليد
الرسمية للإقرار بالذنب - بغض النظر عن كل ما قدمه نقاده. فقد قال يان فيليب Jahn Philipp، وهو عالم في
الآداب و مدير المعهد الهامبورغي
للبحث الاجتماعي ، بمناسبة منح
غولدهاغن جائزة الديمقراطية
1997 من مجلة السياسة الألمانية
والعالمية ، أن التثبيت على معسكرات الإبادة ، على القتل الجماعي، قاد إلى تفهم
غير كاف لديناميكية العنف
ذاته". وتحدث ريمتسما Remtsma عن " التخفيف من خلال المغالاة " ،
والذي يشكل " نتيجة
لديناميكية الإنكار الألمانية الخاصة ". إن التعامل مع العنف الحاصل لا يكون دائماً مشفَّراً بحيث تبقى الرغبة بإنقاذ جلد ( الثقافة ) غير ملحوظة. ولكن كيف يتم التصرف
تجاه العنف- هذا الجانب وذاك من تقاليد التذكر الرسمية بتماثيلها ونصبها التذكارية ونقاشاتها
التذكارية؟في بحثه تحت عنوان " نبذة حول العنف " كتب عالم الاجتماع فولفغانغ سوفسكي Wolfgang Sofsky ، أن الثقافة تدعم
" التصور المسلي المتمثل في أنه حتى بالنسبة للأسوأ لابد من وجود معنى
وسبب". إلاّ أنه على الجانب الآخر
لكل " فرط القولبة الحضارية
يتجلى "عوز
العنف" كألم لا يوصل رسالة ، وليس أكثر من مجرد " أكبر المساوئ "
( أنظر المقابلة ). §
تشاؤم في كل مكان، وبربرية حيثما
اتفق ومع ذلك فإن آلام الضحايا لا تتطابق مع أي من
تأنيب للضمير لدى المجرمين. ويقول
هاينرش بوبيتس Heinrech Popitz
في
كتابه " ظواهر القوة
" بأن عدم ارتباطية غرائزنا مع تحريرها لضرورات الفعل و كفه تشكل مع "
لا محدودية قدرتنا على التصور "
الأساس الأنثروبولوجي للاحدودية حالات العنف البشرية ". و بغض النظر عن الرؤيا السياسية فقد ظهر أن
الفرضية المتفائلة والقائلة بأن التحديث يقود إلى التحضر وإلى تراجع مستمر للعنف
، كانت خاطئة . ولكن هل علينا بسبب ذلك الانطلاق من جديد من الثبات
الأنثروبولوجي ، من السمات غير القابلة للتعديل للنوع الإنساني؟ هل علينا البحث
مع الفيلسوف المحافظ أرنولد
غيلين Arnold Gehlen عن موقف خارجي ثابت
من أجل أنفسنا وواجباتنا وحتى
آرائنا "؟ هل علينا تمجيد المؤسسات و أعضاء اصطناعية أخرى من الغرائز؟ وفي
كل الأحوال فإن روح العصر تتحرك بين صحوة الفردانية والتشوق للطاعة والنظام.
ومن الدارج اليوم الاهتمام " بالأشرار" في العالم و في المجتمع وفي كل فرد. ويقول الخبر
بأن عصور "حضارة
الحماية" و "مجتمع الإجماع" و "عقلية الضمان" قد ولت ،
وقد اختفى لا عنف
Pacifism حركات الأطفال المدللين الطلابية - السلمية. التشاؤم في كل مكان. وتظهر النظرة تحت فرو شاة
الثقافة سلوك الوحشية وتتبين
البربرية في كل مكان. وهنا غالباً
ما تزعج حجج متشائمي - الطيبات
المتفرقة أقل من النبرة
المهرجانية التي يعبر من خلالها. إذ أن ما يتبدى في بعض الأحيان كرأس حربة متعة
الخوف المثقفة مازال الآن لا يكلف أكثر من المتغيرة الساذجة للاعنف الرخيص . بالإضافة إلى ذلك يوجد من
الأسباب ما يكفي للتفكير بإخفاق المدنية . فإذا ما كانت المدنية تعني الاعتراف
بالآخر ، فإن معنى هذا النوع من السلوك " اللبق " يبدو اليوم بالنسبة
للكثيرين أقل إقناعاً. أيتسرب " الشر " إذاً من خلال الثقوب في نسيج ما أسماه نوربرت إيلياز Norbert Elias " قسر الذات " ؟
لقد انتقد الفيلسوف روديغر سافرانسكي Ruediger Safranski قبل سنوات " الخليط المكون من سلامة
النية وضيق الأفق الصبياني " ، الذي حجبنا عن إدراك الشر في أنفسنا. ويرى
أنه علينا أن نتعلم ثانية ما كان أمراً طبيعياً في القرون السابقة: الحضارات
ليست شيئاً آخر غير " تحضر الاستعداد الكامن للعنف". و الأديب هانس
ماغنوس إينتسينسبيرغر Hans Magnus Enzensberger سكب برميلاً من السخرية على " الفكرة العجيبة
" القائلة بأن الإنسان طيب بطبعه وأن " خاصيته النهائية " كامنة
في العمل الاجتماعي. باندفاع
ظريف. ولكن عندما يتراخى مثل هذا الاندفاع ريما لا يبقى أكثر من نقد ثقافة النوعية الفظة. ولحل المشكلات السياسية ، أكانت اقتصادية أم
اجتماعية أم أخرى، فلن يكفي
بالتأكيد سطوع سلاسل الزوارق، ولا كذلك أيضاً ثرثرة معتمي الأمل المنصبين
لأنفسهم. |
|||
Document Code OP.0078 |
ترميز المستند OP.0078 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com (All Rights Reserved)