|
|||
" الحريـة لا تضمـن الخيـر الأخلاقـي " مقابلة مع عالم الاجتماع فولفغـانـغ
سوفسكـي حول : " العنــف فــي الحضــارة " حاوره عن مجلة علم النفس اليوم أولا
غوسـمــــان : Ula Gusmann ترجمـة : د. سامـر جميـل رضـوان |
|||
|
|||
q النص الكامل Full text /
Texte entier / |
|||
فولفغانغ سوفسكي : Wolfgang
Sofsky من
مواليد 1952، أستاذ علم الاجتماع في جامعة غوتنغن. درس علم الاجتماع والفلسفة والعلوم
السياسية. نال الدكتوراه في عام
1982، بعد ذلك عدة مشاريع بحث. منشوراته: تنظيم المواقف الاجتماعية 1932 ، السلطة والعمل والإنسانية 1986 ، تشكيل السلطة الاجتماعية 1991( بالمشاركة
مع راينر باريس). حضر درجة
الهابيل ( أعلى درجة أكاديمية في ألمانيا \ المترجم) في موضوع " تنظيم
الإرهاب : معسكر الاعتقال "، وفي 1993 صدر في كتاب . 1996 صدر في دار نشر فيشر كتاب " نبذة حول العنف". §
علم النفس اليوم :
يا سيد سوفسكي إن ما نسميه عموماً الحضارة يبدو فاسداً
من وجهة نظرك . ففي كتابك " نبذة حول العنف " تتحدث عن أننا نعيش " في حضارة الجانين ". -
سوفسكي: نعم، فوعينا التاريخي هو وعي الأفعال
والفاعلين. إننا نفكر في فئات أفعال أكثر من فئات معاناة، وأحاديثنا تدور حول
المنتصرين، وليس حول الخاسرين والضحايا. وأرى بأن العلوم الاجتماعية
والحضارية تضيق بشدة من منظورها
عندما تعمل مع مفهوم أساسي للفعل، قلما يقع على السلبية والمعاناة و الألم . ومن وجهة نظري فإنه
من المهم إدخال مفهوم
" الحدوث " happen
to الذي صاغه فيلهيلم كاملاه Wilhelm Kamlah إلى النظرية بمقدار
أهمية مفهوم الفعل والسلوك. §
علم النفس اليوم: هل
التوجه نحو الفعل جديد تاريخيا ً؟ -
سوفسكي: بالتأكيد. فقبل
بدء العصر الحديث تم التفكير بالسلبي بالشدة نفسها التي تم فيها التفكير بالحيوية الناشطة Vita
activa . أما
التفكير في فئات فاعلة - فهو شيء حديث نوعياً. §
علم النفس اليوم: يتمثل
تحديدك المركزي للحضارة في
ارتباطها الداخلي بالعنف . فأنت تكتب أن الحضارة " تتسم أولاً وآخراً بالعنف والموت" . والسؤال غير الخالي
من العنف كلية هو: ما الذي تهدف إليه الطلقات اللفظية الشديدة؟ -
سوفسكي: حقيقة أني لا أصف
كل ما يقع ضمن المفهوم المبسط للحضارة، أي لا أصف تمثيلة مسرحية أو قطعة أدبية .
لقد حاولت فهم المجالات الجوهرية للحضارة في معنى عرقي ( اثنولوجي ) كلي. ويقوم
مفهومي للحضارة على المجالات
الأربعة التقليدية: بنية
الشخصية ،و المنظمة الاجتماعية
و العتاد المادي ،والقيم والرموز . وهذا ليس أصيلاً بصفة خاصة، ولكن كان همي إدراك بأن كل ما يحققه الناس - من العتاد المادي حتى توليد المعنى - ،
ينتج تنظيمات حضارية ، تقيد الحياة وهذه هي البرهة القاسية والقمعية في
التنظيمات الحضارية بحد ذاتها. §
علم النفس اليوم: تجد في
كتابك مقولات مثل : الحضارة تقود
نفسها للدمار، تتزايد الرغبة في
النكوص بمقدار ما يستعبد النظام الحضاري
الحياة. ألا تصف الاستبدادي بهذا المانع كمظهر واحد من الحضارة فقط؟ ألا يمكننا أيضاً القول بأن
الحضارة لا تقدم الإكراه فقط وإنما كذلك اختيارات ، وليس آخراً الحماية أيضاً؟ -
سوفسكي: طبعاً، التنظيمات
الحضارية هي دائماً حماية وبشكل خاص حماية الناس من بعضها. ومن يمتلكها يعرف
تقريباً كيف سيتصرف الآخرين . إنها تمنح نوع من توجهات المعنى .. الخ. وكل ذلك
عبارة عن إنجازات طبعاً. فبدون
تنظيمات لن يكون ممكناً. ولكنها تقيد. §
علم النفس اليوم: غير أنك لا تتحدث إلا عن هذه
التقييدات…. -
سوفسكي: أجل إنها الأهم في
سياق العنف. طبعاً إن تقييد الاستعداد للعنف من خلال الضغط الحضاري يعتبر مكسباً. ولكن - كلما اشتد
الضغط كان الضغط المعاكس
أشد. وأنا أحاول في " النبذة
" استخدام تعريف ضيق جداً للعنف. إن العنف ليس الإكراه وإنما الانتهاك
. وعندما يبطل مفهوم العنف، وعندما يضاف إلى ذلك كل ( الحواجز الثابتة) على
الطرقات فلن يعود للمصطلح أي معنى تحليلي. وطبعاً لابد من دراسة علاقات القوة
وتنظيماتها أيضاً، بلا جدل. ولكنها ليست موضوع الكتاب. §
علم النفس اليوم: ألا
تتعلق نوعية ما تسمية بالضغط المعاكس
أيضاً بالمشكلة التي عبر عنها فرويد ، فيما إذا كانت الحضارة تستطيع تقديم تعويضات للضحايا التي
تقتضيها و الكيفية التي تفعل بها ذلك ؟ وهي موجودة إلا أنه ليس بالضرورة أن
تتوزع بالعدل. -
سوفسكي: الزوايا أو
الصمامات التي تتيحها الحضارة - سواء كان كرة القدم لتنفيس العدوان أو
رفع مستوى المعيشة الذي يعيق التمرد -، كنت سأكون حذراً جداً من مثل هذه
النماذج. على المرء أن يقول
بالضبط أي مجتمع يقصده. إن
السنوات الأربعين السلمية إلى حد ما لجمهورية ألمانيا الاتحادية حتى عام 1989 أو 1990 تمثل من الناحية التاريخية طرفة عين. فعندما
يتأمل المرء فترة أطول من التاريخ من مسافة معينة فسوف يظهر أنه سلسلة من
المذابح والحروب. والمراحل الفاصلة من التعب ، والتي توجد فيها حياة حضارية- هذه
العصور الذهبية - تستمر في أفضل الأحوال عدة عقود . وبعد ذلك يبدأ كل شيء من جديد. §
علم النفس اليوم: ألا
تؤمن أن تنظيمات حضارية جديدة تتيح تعاملاً آخر مع العدوان؟ -
سوفسكي: هناك برنامجان
كبيران للاستقرار. ففي البرنامج
السياسي لحكومة العالم تمتلك الأمم المتحدة احتكار العنف. فهي تستطيع إرسال وحداتها من الشرطة
عندما يتعرض السلام للخطر في مكان ما.
غير أنها بهذا لا تفلت من تناقض النظام ، الذي يولد نفسه الضغط المضاد. والبرنامج الثاني هو التربية: والفكرة هي أنه يمكن تشكيل الناس بحيث أنهم يقيّمون
ويتصرفون أخلاقياً _ الأمر
الذي ليس هو نفسه - وفق أعلى مستوى . وينبغي على الناس بناء تماهيات ثابتة
نسبياً - وإن كان في هذه الأيام مسموح القيام بين الحين والآخر بحفلة
تنكرية. إلا أن الهوية المثبتة
عبارة عن شكل، عن قسر . إن ما يسمى بسيرورة التنشئة الاجتماعية الموفقة هي دائما
سيرورة ضبط ( أو تدريب ). §
علم النفس اليوم: ولكن
ألن يأتي يوم يفرغ فيه مثل هذا النوع من تشاؤم الحضارة ، الذي يريد عملياً إدراك
كل شق من الحضارة؟ -
سوفسكي: من المؤكد أن رؤيا
" النبذة " متشائمة .
ولكن فيما يتعلق بمسائل الساعة فإني أستطيع التصرف بشكل ذرائعي إلى حد ما. ففي حالة الصراع الملموسة فإن المبدأ
الأهم : يتمثل في تجنب الأسوأ. وهذا عبارة عن استراتيجية دفاعية. إلا أنكِ لا
تتجنبين بذلك المآزق. فالصراع بين حزبين متعاديين يمكن أن يهدأ، من خلال تدخل
حزب ثالث بشكل شديد، وربما من خلال العنف . §
علم النفس اليوم: كما هو الحال في يوغوسلافيا
السابقة؟ -
سوفسكي: نعم. فالمتفائلون قد
أغلقوا أفواههم وعانوا من لاعنفهم المريح Pacifism. ولكن من أجل تجنب الأسوأ وتليين الأحزاب المتناحرة فلعله لابد من تصعيد طاقة التهديد من
الخارج بشدة. وهذه عبارة عن استراتيجيات السلطة ، وبهذا فإنكِ تقعين في المأزق
ثانية. §
علم النفس اليوم: كتبت:
" العنف هو قدر النوع " أو " حتى اليوم تخدم العصابة عنف السلطة التنفيذية ". ويمكن للمرء أن يسأل هنا بخبث،
بأنه ربما يبتكر هنا مصطلح جديد من الواقع التشاؤمي. ألا يلوح هنا
أرنولد-غيلين-ساوند؟ -
سوفسكي: لا أرضى بأن أوضع
في هذه الزاوية . فغيلين يدافع عن المؤسسات ، إنه يدافع عن الدولة القوية. غير أن التاريخ قد أظهر في هذا القرن بأن الدولة
القوية انتحارية. وفيما يتعلق
بالعصابة - فلذلك خلفية تاريخية
محددة. العصابة مجموعة من
الناس التي يسلطها الإنسان على
الآخرين . وهذا النوع بالتحديد
كان عندنا في العهد النازي . وقوات الدفاع الألمانية في الشرق تصرفت
كالعصابة في أشياء كثيرة، في خدمة
الدولة. تلك هي خلفية هذه الملاحظة. §
علم النفس اليوم: في
ردود الفعل على كتابك يتم الحديث
عن نبراته الرؤيوية apocalyptic وعن اتجاهه الذي يميل نحو الأنثروبولوجيا anthropologize
فهل يمسَّك ذلك؟ -
سوفسكي: لقد فوجئت إلى حد
ما، لقراءة النص على هذا النحو . فالأبوكالبسية Apocalypse ( أو الرؤيا النبوئية ) ليس
شيئاً آخر غير غائية التاريخ السلبية.
أما قصدي المتواضع فقد كان،
في البدء ملاحظة ما الذي
يجري في أعمال العنف، وأيتها هي
التنظيمات الاجتماعية التي يظهر فيها العنف. وقد تركز اهتمامي على أعمال العنف
بمعنى ( القسوة
violentia ) وليس على potestas بمعنى
السلطة، ولا كذلك على المؤسسات . إن الكتاب محاولة للقول بدون توهم كيف يتصرف
الناس. وفيما يتعلق
بالأنثروبولوجيا فإني أرى بأنه في النقاشات المتعلقة بعلم الحضارة فإن الجانب الأنثروبولوجي غالباً ما يكون
معتماً . وأنا لا أشارك في التصور القائل بأن كل شيء تاريخي و يتغير باستمرار ،
وربما نحو الأفضل . حتى أنه قد تم
التحدث سابقاً عن العمومية الأنثروبولوجية. §
علم النفس اليوم: وما
هو العمومي لديك؟ -
سوفسكي: برهاني
الأنثروبولوجي ليس البرهان الفرويدي
لدافع العدوان ، الذي يريد الخروج دائماً بشكل من الأشكال. وقد يمكن توقع مثل هذا الدافع. ولكن في الحقيقة فإن ذلك أسوأ بكثير.
العمومية الأنثروبولوجية هي
الحرية النوعية، التي يملكها الناس.
وهي لايمكن توقعها. الحرية ، باعتبارها قيمة عالية ، إذا لم تكن الأعلى
بين القيم، لا تضمن الخير
الأخلاقي، وإنما يمكن أن تقود للعكس تماماً. وهنا المشكلة. فقد حدثت في قرننا
الحالي أحداث، غيرت تصوراتنا عن العنف بشكل جذري. ولهذا لابد من تحديد مفهوم العنف ومفهوم
الحضارة أيضاً بشكل آخر. فبعد الحروب العالمية و وفق خبرات المعسكرات
ربما بدا العنف غير ما كان عليه في عام 1910 . §
علم النفس اليوم: كما
وأن قوة هذا الموضوع قد تجلت في نقاش غولدهاغن في السنة الأخيرة. ويمكن مقارنة كتابك " تنظيم الإرهاب : معسكر الاعتقال " مع كتاب
دانييل
غولدهاغن " المنفِّذون
المطيعون لهتلر " من ناحيتين: فمن الناحية الأولى في القياس ( أو المقدمة premise ) بأن
الحدث الرهيب يمكن فهمه من حيث
المبدأ أيضاً، ومن جهة أخرى فأنتما كلاكما تصفان العالم الداخلي لمعسكر
الاعتقال. غير أن دوافع المجرمين
تحتل لديك وزناً آخر. إنك تتحدث عن
" الهوة " بين بنية المجرمين ونوعية الأفعال . أتعتقد بأن تصور غولدهاغن حول اللاسامية المتجاهلة
قد ردم هذه الهوة؟ -
سوفسكي: لا أعتقد ذلك. لقد
كان التشكيل العالي للتنظيم ؛ والتنظيم يعني أن المستخدَمين أو الموظفين قابلون
للتبديل نسبياً وليس
بالضرورة أن يمتلكوا جميعهم الدوافع نفسها، يشكل سمة فاصلة
لمعسكر الاعتقال. وهذا لم يدركه غولدهاغن على الإطلاق. إنه لمن الصحيح
كلية أن غولدهاغن ينزل إلى مستوى الفاعلين ولكن العلاقة بين المستخدمين والمنظمة غير واضحة لديه على الإطلاق. وبهذا
يفقد رؤية البعد التاريخي أيضاً، البعد النوعي الحديث لهذا الإجرام الحكومي
الجماعي. §
علم النفس اليوم: قمت
في " تنظيم الإرهاب " بتطوير تصور " السلطة المطلقة " ، تصف فيه تعطيل كل حس اجتماعي . إنه
التدمير المحض ذلك الذي ساد ، إن جاز القول. إن إيجازية
Laconism لغتك توحي باحترام للضحايا
أكثر مما استطاعه أي مصطلح من مصطلحات الصدمةshock . ولكن بالنظر " للنبذة
" يبدو أن هذه الصَّفائية Purism بالذات هي التي أثارت الانتقاد. -
سوفسكي: أجد أن وصف مواقف
عنف متفرقة كالتعذيب والإعدام أو المذابح دقيق جداً. ومن وجهة نظري فإن المجريات قد وصفت بشكل أكثر دقة
مما هو الأمر عليه في كتاب معسكرات الاعتقال وبشكل خاص المظهر الانفعالي. ولكن
إذا كانت الصَّفائية تعني تحليل المشكلة
حتى النهاية ، حتى النقطة الأخيرة
بدون لف أو دوران فإني أتقبل هذه التهمة بسرور. |
|||
Document Code OP.0079 |
ترميز المستند OP.0079 |
||
Copyright ©2003 WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com (All Rights Reserved)