Arabpsynet

  وجهـات نظـــر /  Points of View

شبكة العلوم النفسية العربية

 

قـــراءة لكتـــاب

"نحـو سيكولوجيـة عربيـة"  للأستاذ محمد أحمد النابلسي

د. محمــد قاســم

ICP Volume 8 N° 31 July 97

 

 

q      النص الكامل   Full text / Texte  entier /  

 

بكرت جامعة القاهرة في دراسة الأدب دراسة نفسية فأنشأت في أواخر الثلاثينيات قسما لدراسة العلاقة القائمة لين علم النفس والأدب. ولم تقتصر الدراسات على النواحي النظرية العامة بل تعدتها إلى دراسة شخصيات أدبية قديمة دراسة نفسية، فكتب العقاد كتابه عن أبي نواس، منتهيا فيه إلى أن الشاعر ذو نرجسية شاذة. كما كتب محمد النويهي كتابا بعنوان نفسية أبي نواس انتهى فيه إلى أن شذوذ أبي نواس عائد إلى عقيدته النفسانية المقموعة في لا وعيه.

هذه الدراسات التي أخضعت الأدب للدراسة النفسية تمثل جانبا من جوانب دراسة الذات العربية دراسة علمية تستبطن مقوماتها وعقدها. وخاض في تحليل الشخصية العربية اختصاصيون في غير علم النفس فانبرى مجموعة من الفلاسفة لهذه الدراسات التحليلية، من أمثال زكي نجيب محمود ومحمد عابد الجابري، ولمع في اختصاص علم النفس كل من فرج عبد القادر طه وقدري حفني. وشارك علماء الاجتماع في هذه الدراسات، وظهرت أبحاث كل من خلدون النقيب وعبد الباسط عبد المعطي وغيرهما.

والمؤسف أن تكون هذه الدراسات قد اتهمت العقل

العربي بالتقصير والعجز، وبعضها تجاوز حدود الاتهام هذا إلى إنكار وجود عقل عربي. واتجه بعض المحللين في دراساتهم إلى أن هذا الحقل العربي، إن وجد، فهو مصاب بشيزوفرانيا القطرية.

في غمرة هذا الإحباط الذي اعترى الدراسات النفسية للشخصية العربية ظهر كتاب "نحو سيكولوجيا عربية" لمؤلفه الدكتور محمد احمد النابلسي. هذا الكتاب الصادر حديث عن دار الطيعة ببيروت يذهب عكس التيار السابق ذكره، ويخالف النمط التقليدي في دراسة الذات العربية. فالدكتور النابلسي يعمق الدراسة فيه، ويرد إلى الإنسان العربي ليتفحص ظروفه الحضارية والثقافية، لان هذه الظروف تكون في النهاية جزئيات العقل العربي. وإذا كانت الدراسات السابقة قد انطلقت من العقل الجمعي لتبين آثاره على الأفراد، فان الدكتور النابلسي يخالف هذه الرؤية ولا يلغيها.

والذي أهله لتكوين دراسة علمية وموضوعية متميزة

اختصاصه العلمي. فالطب النفسي وضع بين يديه معطيات لم تتيسر لكثير ممن بحثوا وتعمقوا في دراسة الشخصية. لهذا رأيناه يطبق تفرعات هذا الاختصاص على الإنسان والمجتمع العربيين فتتبدى واضحة التطبيقات الاجتماعية والوقائية والتصنيفية والفلسفية وغيرها من إلى تطبيقات الطب النفسي.

وعلى الرغم من هاجس المؤلف في تجنب المواقف غير الاختصاصية فانه كاد يقع في فخ الطب النفسي السياسي. لقد رأيناه يدعو في المؤتمر العالمي لحل الصراعات (الفصل الأول) إلى عدم توريط الاختصاص في السياسة على غرار ما حدث في ألمانيا النازية وفي الاتحاد السوفييتي السابق. ولم يكتف المؤلف بالملاحظة العابرة بل ذهب إلى وضع الشروط التي تكفل مساهمة الاختصاص في حل الصراعات. ويمكن تلخيص موقفه هنا برواية الاسكندر والقرصان حيث قال القرصان للإسكندر: "أنا اسرق سفينة فادعى لصا، وأنت تسرق العالم فتدعى إمبراطورا". لهذا السبب رأينا المؤلف يشدد على ضرورة اعتماد تعريفات علمية دقيقة لمفاهيم الإرهاب وحقوق الإنسان وغيرهما من المفاهيم الليبرالية قبل إعطاء رأي فيها. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى طروحات كتاب "نحو سيكولوجيا عربية" التي كانت عمليا إجابة عملية على تصنيف زكي نجيب محمود للمعوقات. فهر يرى:

1- أن حياتنا الثقافية تفتقر إلى الرؤية السلمية في المنتجة، وإلا لما كنا في دنيا الثقافة مجرد مستهلكين لما يأتينا من الخارج. فنتاجنا الثقافي إفراز لرؤية إيمانية في قلوبنا وعقولنا لأننا نفصل بين النظرية والتطبيق.

    في المقابل نجد أن الكتاب يقوم على محور أساسي قوامه الأخطاء الناجمة عن فصل النظرية عن التطبيق. والمؤلف يذهب إلى ابعد من ذلك فيدعو إلى مراعاة ظروف التطبيق، الأمر الذي يمكنه من إعطاء تصور موضوعي لعناصر تعديل المنهج ليتوافق مع حيثيات التطبيق.

2- التسلط والنفوذ واحتلالهما مركز القيمة العليا في حياتنا، فمركز الصدارة للقيم يحتله من في يدهم السلطة، ثم تأتي بقية القيم بما فيها القيم الدينية نفسها.

3- قصور النظام التعليمي، لقد لاحظ زكي نجيب محمود بحق أن مناهجنا التعليمية تركز على جانب التلقين والطاعة العمياء ولا تعمل على تكوين عقل منفتح ، يجيد التحليل والتعليل والنقاش وربط الأسباب بالمسببات. فمدارسنا وجامعاتنا تخرج متعلما يحفظ، مادة علمية عن ظهر قلب، ولا يجيد ربطها الموضوعي، لأنه لا يمتلك المنهج العلمي الذي يمكن توظيفه توظيفا جيدا في أي مجال من مجالات الحياة كالسياسة أو الحرب... فنحن نفتقر إلى روح الابتكار، والمطلوب أن يستقل كل شخص بفرديته، ومن مجموع هذه الشخصيات المستقلة نكون جميعا مجتمعا من المستقلين.

    إن الدعوة إلى الابتكار هي عماد دعوة المؤلف في كتابه "نحو سيكولوجيا عربية". وتد رسم الدكتور النابلسي الطريق الموصل إلى تحقيق دعوته فرأى أن الوصول إلى سيكولوجيا عربية يمر بالمشاركة بين السيكولوجيين المتخصصين وبين المتخصصين في سائر فروع العلوم الإنسانية. على أن تكون هذه العلاقة ثنائية الاتجاه. فالكتاب يتضمن فصولا تنتمي إلى الطب النفسي الاجتماعي والسياسي واللغوي والوقائي. كما يتضمن الاستنارة بتجارب علماء الاجتماع والسياسة واللغة والفكر. كل ذلك ضمن علاقة علمية جدلية تنحو منحى التكاملية والابتكار.

4- عدم القدرة على خلق الروح العلمية كجزء عضو في رؤيتنا للأشياء، بحيث يتعود الناس جميعا من طريق التدريب على رد النتائج إلى أسبابها الحقيقية. في هذا الموضوع يرى النابلسي تقسيم وظيفة السيكولوجيا إلى مستويين: أولهما الاعتماد عليها في تكوين رؤية علمية- موضوعية لواقع الإنسان، وثانيهما مساعدة هذا الإنسان للتوصل إلى وعي أفضل لذاته ولظروفه الموضوعية للاستفادة من هذا الوعي في التموقع بالنسبة إلى الآخر، وتأكيد ذاته وخصوصياتها من خلال هذا التموقع.

تلخص هذه النقاط الأربع منطلقات كتاب "نحو سيكولوجيا عربية، النظرية التي توزعت تفاصيلها على عشرة فصول هي الآتية:

1- قضايا أولية ومداخل أساسية: وهذا الفصل هو الأطول، تناول فيه المؤلف مبررات وضرورات إرساء سيكولوجيا عربية مبينا بشكل أو بآخر إحساس الباحثين الحرب بهذه الضرورات وتلك المبررات. لكنه انتقل إلى عرض الأمثلة التطبيقية على ضرورة تعديل المنهج وتصنيف أولويات المواضيع من أجل الوصول إلى ضرورة طرح العديد من التعريفات الاختصاصية للنقاش عبر الحضاري. وقد تبدت هذه الضرورة عند مناقشته الهادئة لعبثية الراهن العلمي.

2- الشخصية العربية وتجلياتها الأدبية: يعالج النابلسي في هذا الفصل العلاقة الجدلية القائمة بين الأدب والإبداع وعلاقة كل منهما بعناصر اللاوعي الجماعي وفي مقدمتها عنصر اللغة. لقد أولى اللغة عناد فائقة مظهرا دورها في إبراز الشخصية العربية وأهميتها في مواكبة الفكر الحضاري لذلك عاد إليها في اكثر من موضع من الكتاب متوقفا عند المصطلح وقواعد وضعه وشروط واضعه.

3- الاختبارات النفسية وتطبيقاتها في العالم العربي: يطرح الدكتور النابلسي في هذا الفصل الوجوه عبر الحضارية للعلوم النفسية. فهو يرى أن الباحثين في جميع أنحاء العالم مجمعون على ضرورة تعديل أي اختبار نفسي وتقنينه بحيث يصبح ملائما لظروف البيئة التي تستخدمه. وينهي هذا الفصل بعرض مقتضب لاختبار من نوع تفهم الموضوع. وهذا الاختبار من إعداد المؤلف نفسه.

  هذا الفصل على أهميته مكثف لا بل هو غاية في التكثيف حتى جنحنا إلى وصفه بالإيجاز المخل الباعث على اللبس أحيانا. فلقد غابت عن هذا الفصل أسماء بعض كبار العاملين في مجال تعريب الاختبارات النفسية  كما افتقر إلى لائحة المراجع التي توفر للقارئ فرصة الاطلاع على جوانب الموضوع بتفصيلاته الجزئية.

4- أزمات المصطلح النفسي وإشكالياته: لم يكتف الكاتب في هذا الفصل بوصف الواقع المتردي، بل تخطاه إلى إطلاق دعوة نابعة من الأعماق للعمل على تجاوز هذه الأزمات. لقد رأى النابلسي أن أكثر هذه الأزمات ناجم عن تصدي غير المتخصصين لترجمة ذ العلوم النفسية، الأمر الذي جمل الترجمة استنسابية غير اختصاصية. هذا الأمر دعا النابلسي إلى وضع الشروط والمواصفات الواجب توافرها في واضع المصطلح ومناقشيه. في طليعة هذه المواصفات أن يكون واضعو المصطلح من أهل الاختصاص بحيث تترك مناقشة مصطلحات الطب النفسي والسيكوسوماتيك والتحليل النفسي وفروع علم النفس لأصحاب الاختصاص الدقيق في كل فرع من هذه الفروع.

5- معاداة العلاج النفسي على الطريقة العربية: يقارن المؤلف في هذا الفصل بين تصرف أهل المريض جسديا والمصاب بمرض نفسي. والواقع أن العامة والخاصة يترددون كثيرا في عرض المصاب باضطراب نفسي على عيادة الطب النفسي ويسارعون إلى معالجة المصاب بمرض عضوي مهما كان تافها. ولا يوفر الدكتور النابلسي الصحافة الشعبية وغير المتخصصة عندما تتصدى من دون معرفة لعلاج الاضطرابات النفسية.

6- واقع الطب النفسي في العالم العربي: يتصدى الدكتور النابلسي لوصف هذا الواقع مسلحا بمعرفة عميقة له بحكم حضوره العربي القوي في هذا الميدان. ولهذا نراه يرصد النواقص والعثرات، وينبه إلى الهنات، ويتجنب تفجير المشاكل عن طريق تجسيدها بمواقف محددة وبأمثلة صارخة.

7- نحو تصنيف عربي للاضطرابات النفسية: يشكل هذا التصنيف عماد ما يمكن تسميته بالسيكولوجية العربية. لقد شعرت الجمعية المصرية للطب النفسي بضرورة إيجاد هذا التصنيف فأصدرت دليلا خاصا بها. لكن هذا الدليل لم يتسع بعد للتعديلات الأساسية التي لا بد أن تصيب بعض بنوده على الأقل. ورصد هذا التصنيف قائمة طويلة من الباحثين العرب نذكر منهم: يحيى الرخاوي ومحمد فخر الإسلام ومحمد فاروق السنديوني وأسامة الراضي وأحمد عكاشة وعبد الرزاق الحمد إضافة إلى المؤلف نفسه. وجديد هذا الفصل يكمن في هذا التصور العلمي الواضح للتصنيف العربي، ونقد المؤلف لمبدأ تطبيق التصنيفات الأجنبية، وبخاصة التصنيف الأميركي على الإنسان العربي، بدون إجراء تعديل يتناسب مع الظروف الحضارية العربية.

8- أزمات تدريس العلوم النفسية في العالم العربي: يعرض الدكتور النابلسي لهذه الأزمات بخطوطها العريضة العامة والمشتركة بين الدول العربية. ولهذا رأيناه يعرض لبعض جوانب الجدل القائم في هذه الدول كافة بين المدرسين والممارسين.

9- عصاب الكارفة في العيادة العربية: يرتكز هذا الفصل إلى ملاحظات ميدانية استقاها من كوارث الحرب اللبنانية. وينطلق من هذه الملاحظات لرسم الجداول والعلائم العيادية لعصاب الكارثة في العيادة العربية. ولعله أعطى الأولوية لهذا الموضوع بسبب تعددية الكوارث الاصطناعية والمعنوية التي أصابت الأمة العربية في الربع الأخير من هذا القرن، وهددت مستقبل الإنسان العربي وما زالت تهدده.

10- مقابلة مقترحة لفحص المصدومين العرب:

يشكل هذا الفصل جزءا لا يتجزأ من الفصل السابق لأنه في الواقع خطوة تطبيقية عيادية  للفصل التاسع.

إن كتاب الدكتور النابلسي "نحو سيكولوجيا عربية" قد صحح مسيرة الدراسات النفسية، ورفع بعض الظلم عن الشخصية العربية التي رميت بكل نقيصة من غير تفهم الظروف المحيطة بهذه الشخصية. ولعل الدكتور النابلسي يشق في كتابه هذا طريق الدراسات المتخصصة التي لا تصاب بعقد النرجسية أو التبخيس، فتضع الحق في نصابه، وتبعد عن هذه الدراسات طابع المزاجية والانطباعية، وتأخذ بيد الدراسات المستقبلية في هذا الباب على طريق العلم الرصين والموضوعية المتجردة من الهوس والتعصب بكامل صورهما.

 

سعيا وراء ترجمة جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية نأمل من الزملاء الناطقين بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى أحد إصدارات الموقــع : الإصــدار الإنجليــزيالإصــدار الفرنســي

 

Document Code VP.0012

Lec.Kacem.PsyArSchool 

ترميز المستند VP.0012

 

Copyright ©2003  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)

 

تـقـيـيــمــك لهــذا البحــث

****

  ***

**

*