Arabpsynet

Points de Vue  /  Points of View

شبكة العلوم النفسية العربية

 

الإنســان العربـي المعاصــر‏..‏ ولغتنـا العربيـة

أ. د. يحيى الرخاوي

الأهرام - قضايا و آراء  العدد 42980 - الاثنين 9 أغسطس  2004

أستاذ الطب النفسي - كلية الطب- جامعة القاهرة

Email : yehia_rakhawy@hotmail.com

 

    أتألم مكررا حين يعاودني الشك في أن الإنسان العربي المعاصر هو صاحب هذه اللغة الجميلة المسماة "اللغة العربية"‏.‏ إن ما وصل إليه الإنسان العربي حاليا يفرض علينا أن نعيد النظر في مدي انتمائه إلى هذه اللغة‏،‏ ناهيك عن مدى جدارته بحمل مسئولياتها‏،‏ ومن ثم التصدي لتطويرها دون أو بدل نفسه‏!! اللغة كيان وجودي بيولوجي غائر‏،‏ وهي غير الكلام وإن ظهر بعضها من خلاله‏،‏ نسيج الثقافة الحالية بقدر ما أنها تعلن جذور الثقافة الممتدة في التاريخ‏. ‏في فترات التحول الحرجة ـ تطورا أو انحلالا ـ تتعرض أي لغة إلي خلل مؤقت قد يدوم إذا لم يحتمل أصحابها مسئوليته‏،‏ إذ يستوعبون دلالته.

 

    ‏الإنسان العربي المعاصر‏،‏ وصورته‏،‏ يعلنان حالا خطيرة من السلبية والخمول و الجمود والتبعية في حين تعلن لغته الأصيلة أنه مشروع قادر واعد‏. ‏من نصدق‏،‏ ومن نكذب؟ من نحن؟ هل نحن كما صرنا إليه حقيقة وتشويها؟ أم نحن ما تقوله لغتنا عنا إذ تشير إلي أصل شامخ ذي إبداع متجدد‏،‏ ومرونة رحبة‏،‏ وطبيعية‏ سخية،‏ وحوار خلاق؟

 

    هذا التباعد بين الإنسان العربي الحالي ولغته الأصيلة جعلها عبئا عليه‏،‏ فراح يتعامل معها كجسم غريب ناشز‏،‏ أو في أحسن الأحوال‏.‏ كأثر تاريخي يوهم بفخر زائف‏.‏ ترتب على كل هذا أن تصدي للمسألة فريقان على طرفي نقيض‏:‏

-        أحدهما راح يندب حظها‏،‏ ويرثي مالها‏،‏ ثم يتمادى في تثبيت مواقعها في سجون معاجمها، وكهوف نحوها‏

-    أما الآخر فقد انصرف هربا منها وهو يتخلى عنها سرا أو علانية ‏إهمالا أو تشويها‏،‏ حتى ظهرت تلك البثور المتقيحة على وجهها‏:‏ إما من لغات أخرى أو من لا لغة أصلا‏.

    ‏لعل ما آلت إليه حال لغتنا هكذا ليس إلا إعلانا عما آل إليه حالنا كله في أكثر من مجال‏،‏ هذا الرطان المتقيح يعلن فيما يعلن عن احتمال رطان اقتصادي ورطان اجتماعي ورطان سياسي بشكل أو بآخر‏.‏

 

    ثم يخرج علينا مجتهد متألم ليشارك في مواجهة الموقف بما لا يمكن إنكار حسن نيته فيه‏،‏ فيزعم أن الحل هو في أن نخفف من قيودها‏،‏ وأن نحرر نحوها‏،‏ وأن قديمها‏..‏ الخ‏،‏ الفكرة واردة و جيدة‏،‏ فاللغة كائن حي طول الوقت‏ و أي وصاية عمياء عليها لا تؤدي إلا إلي تصنيمها حتى التشويه والجمود فالتحلل‏.‏ لكن التطور المبدع لا يأتي فقط من الخارج إلى الداخل‏.‏ فخشيت أن تكون المسألة استسهالا‏.‏ لا مسئولية مبدعة متحدية .

    ‏لن تنصلح لغتنا بتحسين شكلها أو بتخفيف قواعدها‏.‏ إن ما آل إليه حال لغتنا إنما يعلن ما نحن فيه بشكل أو بآخر حين يكون لحياتنا معنى‏،‏ ولوجودنا هدف‏،‏ ولجماعتنا شمل‏،‏ سوف نكتشف كيف أن لغتنا أصبحت سهلة هادفة متطورة متجاوزة حتى ما وصلت به إلينا من قدرات وجمال‏.‏ يسري هذا على الفصحى مثلما يسري على العامية التي هي لغة شفاهية فائقة الجمال كاملة المواصفات أيضا‏.

    ‏إن الله لا يغير ما بقوم - بما في ذلك لغتهم- حتى يغيروا ما بأنفسهم‏.‏ إن استعادة حيوية وإبداع وفاعلية ومرونة لغة ما هي نتاج استعادة أهل هذه اللغة لكل ذلك ممارسة موضوعية ناقدة هادفة مبدعة‏،‏ أما تلك الإسعافات المتعجلة الضجرة فهي تأجيل للمواجهة‏،‏ ناهيك عن احتمال التشويه‏،‏ والرقص على السلم‏،‏ والتخلي عن الهوية‏.‏

 

سعيا وراء ترجمة جميع صفحات الشبكة إلى الإنجليزية و الفرنسية

نأمل من الزملاء الناطقين بالإنجليزية و الفرنسية المساهمة في ترجمة هذا البحث و إرساله إلى بريـــــد الشبكــــــة

webmaster@arabpsynet.com

 

Document Code VP.0059

Rakhawy.ArabLangage2 

ترميز المستند  VP.0059

 

Copyright ©2004  WebPsySoft ArabCompany, www.arabpsynet.com  (All Rights Reserved)